[الأنعام : 58] قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ
58 - (قل) لهم (لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم) بأن أعجله لكم وأستريح ولكنه عند الله (والله أعلم بالظالمين) متى يعاقبهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الآلهة والأوثان ، المكذبيك فيما جئتهم به ، السائليك أن تأتيهم بآية استعجالا منهم بالعذاب : لو أن بيدي ما تستعجلون به من العذاب ، "لقضي الأمر بيني وبينكم"، ففصل ذلك أسرع الفصل بتعجيلي لكم ما تسألوني من ذلك وتستعجلونه ، ولكن ذلك بيد الله ، الذي هو أعلم بوقت إرساله على الظالمين ، الذين يضعون عبادتهم التي لا تنبغي أن تكون إلا لله في غير موضعهأ، فيعبدون من دونه الآلهة والأصنام ، وهو أعلم بوقت الانتقام منهم ، وحال القضاء بيني وبينهم .
وقد قيل : معنى قوله : "لقضي الأمر بيني وبينكم"، بذبح الموت .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن جريج قال : بلغني في قوله : "لقضي الأمر"، قال : ذبح الموت .
وأحسب أن القائل هذا القول ، نزع لقوله : "وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة" [مريم : 39]، فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قصة تدل على معنى ما قاله هذا القائل في قضاء الأمر، وليس قوله : "لقضي الأمر بيني وبينكم" من ذلك في شيء ، وإنما هذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن استعجله فصل القضاء بينه وبينهم من قوله بآية يأتيهم بها: لو أن العذاب والآيات بيدي وعندي ، لعاجلتكم بالذي تسألوني من ذلك ، ولكنه بيد من هو أعلم بما يصلح خلقه ، مني ومن جميع خلقه.
قوله تعالى :" قل لو أن عندي ما تستعجلون به " أي من العذاب لأنزلته بكم حتى ينقضي الأمر إلى آخره والاستعجال : تعجيل طلب الشيء قبل وقته " والله أعلم بالظالمين " أي المشركين وبوقت عقوبتهم .
يقول تعالى: وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل, على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد, " كذلك نفصل الآيات " أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها, "ولتستبين سبيل المجرمين" أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل, وقرىء "ولتستبين سبيل المجرمين" أي ولتستبين يا محمد, أو يا مخاطب سبيل المجرمين, وقوله "قل إني على بينة من ربي" أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي "وكذبتم به" أي بالحق الذي جاءني من الله "ما عندي ما تستعجلون به" أي من العذاب "إن الحكم إلا لله" أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله, إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك, وإن شاء أنظركم وأجلكم, لما له في ذلك من الحكمة العظيمة, ولهذا قال "يقص الحق وهو خير الفاصلين" أي وهو خير من فصل القضايا, وخير الفاتحين في الحكم بين عباده, وقوله "قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم" أي لو كان مرجع ذلك إلي, لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك, والله أعلم بالظالمين, فإن قيل: فما الجمع بين هذه الاية وبين ما ثبت في الصحيحين, من طريق ابن وهب, عن يونس, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله, هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة, إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال, فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي, فإذا أنا بسحابة قد ظللتني, فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام, فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال, لتأمره بما شئت فيهم, قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي, ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك, وقد بعثني ربك إليك, لتأمرني بأمرك فيما شئت, إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم, من يعبد الله لا يشرك به شيئاً" وهذا لفظ مسلم, فقد عرض عليهم عذابهم واستئصالهم, فاستأنى بهم, وسأل لهم التأخير, لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً, فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الاية الكريمة, "قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين" فالجواب والله أعلم, أن هذه الاية دلت, على أنه لو كان إليه وقوع العذاب, الذي يطلبونه حال طلبهم له, لأوقعه بهم, وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم, بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين, وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً, فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم. وقوله تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله, حدثنا إبراهيم بن سعد, عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله, عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله" " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " وفي حديث عمر: أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي, فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله له: "خمس لا يعلمهن إلا الله" ثم قرأ "إن الله عنده علم الساعة" الاية. وقوله "ويعلم ما في البر والبحر" أي محيط علمه الكريم بجميع الموجودات, بريها وبحريها, لا يخفى عليه من ذلك شيء, ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء, وما أحسن ما قال الصرصري:
فلا يفخى عليه الذر إما تراءى للنواظر أو توارى
وقوله "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها" أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات, فما ظنك بالحيوانات, ولا سيما المكلفون منهم من جنهم وإنسهم, كما قال تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور". وقال ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن الربيع, حدثنا أبو الأحوص, عن سعيد بن مسروق, حدثنا حسان النمري, عن ابن عباس, في قوله "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها" قال: ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وملك موكل بها, يكتب ما يسقط منها, رواه ابن أبي حاتم, وقوله "ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري, حدثنا مالك بن سعير, حدثنا الأعمش, عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث, قال: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة, إلا وعليها ملك موكل, يأتي الله بعلمها, رطوبتها إذا رطبت, ويبوستها إذا يبست, وكذا رواه ابن جرير عن أبي الخطاب زياد بن عبد الله الحساني, عن مالك بن سعير به. ثم قال ابن أبي حاتم: ذكر عن أبي حذيفة, حدثنا سفيان عن عمرو بن قيس, عن رجل, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: خلق الله النون وهي الدواة, وخلق الألواح, فكتب فيها أمر الدنيا, حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق, أو رزق حلال أو حرام, أو عمل بر أو فجور, وقرأ هذه الاية "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها" إلى آخر الاية, قال محمد بن إسحاق: عن يحيى بن النضر, عن أبيه, سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص, يقول: إن تحت الأرض الثالثة وفوق الرابعة من الجن, مالو أنهم ظهروا, يعني لكم, لم تروا معهم نوراً على كل زاوية من زوايا الأرض خاتم من خواتيم الله عز وجل, على كل خاتم ملك من الملائكة, يبعث الله عز وجل إليه في كل يوم ملكاً من عنده أن احتفظ بما عندك .
قوله: 58- "ما عندي ما تستعجلون به" أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب، فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم، يستعجلون نزوله استهزاء، نحوه قوله: "أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً"، وقولهم: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء"، وقولهم: "متى هذا الوعد إن كنتم صادقين"، وقيل: "ما عندي ما تستعجلون به" من الآيات التي تقترحونها علي. قوله: "إن الحكم إلا لله": أي ما الحكم في كل شيء إلا لله سبحانه، ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة. والمراد: الحكم الفاصل بين الحق والباطل. قوله: "يقص الحق" قرأ نافع وابن كثير وعاصم "يقص" بالقاف والصاد المهملة، وقرأ الباقون "يقض" بالضاد المعجمة والياء، وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء. فعلى القراءة الأولى هو من القصص: أي يقص القصص الحق، أو نم قص أثره: أي يتبع الحق فيما يحكم به. وعلى القراءة الثانية هو من القضاء: أي يقضي القضاء بين عباده، والحق منتصب على المفعولية، أو على أنه صفة لمصدر محذوف: أي يقضي القضاء الحق، أو يقص القصص الحق "وهو خير الفاصلين" أي بين الحق والباطل بما يقضي به بين عباده ويفصله لهم في كتابه، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم: "لو أن عندي ما تستعجلون به" أي ما تطلبون تعجيله بأن يكون إنزاله بكم مقدوراً لي وفي وسعي "لقضي الأمر بيني وبينكم" أي لقضى الله الأمر بيننا بأن ينزله الله سبحانه بكم بسؤالي له وطلبي ذلك، أو المعنى: لو كان العذاب الذي تطلبونه وتستعجلون به عندي وفي قبضتي لأنزلته بكم، وعند ذلك يقضي الأمر بيني وبينكم "والله أعلم بالظالمين" وبالوقت الذي ينزل فيه عذابهم وبما تقتضيه مشيئته من تأخيره استدراجاً لهم وإعذاراً إليهم.
58- " قل لو أن عندي "، وبيدي، " ما تستعجلون به "، من العذاب، " لقضي الأمر بيني وبينكم "،أي: فرغ من العذاب [وأهلكتم]، أي لعجلته حتى أتخلص منكم، " والله أعلم بالظالمين ".
58 " قل لو أن عندي " أي في قدرتي ومكنتي " ما تستعجلون به " من العذاب " لقضي الأمر بيني وبينكم " لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي ، وانقطع ما بيني وبينكم . " والله أعلم بالظالمين " في معنى الاستدراك كأنه قال : ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ وبمن ينبغي أن يمهل منهم .
58. Say: If I had that for which ye are impatient, then would the case (ere this) have been decided between me and you. Allah is best aware of the wrong doers.
58 - Say: if what ye would see hastened were in my power, the matter would be settled at once between you and me. but God knoweth best those who do wrong.