[الأنعام : 56] قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
56 - (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون) تعبدون (من دون الله قل لا أتبع أهواءكم) في عبادتها (قد ضللت إذا) إن اتبعتها (وما أنا من المهتدين)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد، لهؤلاء المشركين بربهم من قومك ، العادلين به الأوثان والأنداد، الذين يدعونك إلى موافقتهم على دينهم وعبادة الأوثان : إن الله نهاني أن أعبد الذين تدعون من دونه ، فلن أتبعكم على ما تدعونني إليه من ذلك ، ولا أوافقكم عليه ، ولا أعطيكم محبتكم وهواكم فيه . وإن فعلت ذلك فقد تركت محجة الحق ، وسلكت على غير الهدى، فصرت ضالاً مثلكم على غير استقامة .
وللعرب في "ضللت" لغتان فتح اللام وكسرها. واللغة الفصيحة المشهورة هي فتحها، وبها قرأ عامة الأمصار، وبها نقرأ لشهرتها في العرب. وأما الكسر فليس بالغالب في كلامها، والقرأة بها قليلون . فمن قال : ضللت قال : أضل ، ومن قال : ضللت قال في المستقبل : أضل. وكذلك القراءة عندنا في سائر القرآن : " وقالوا أإذا ضللنا " [السجدة : 10]، بفتح اللام.
قوله تعالى : "قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله " قيل: تدعون بمعمى تعبدون وقيل: تدعونهم في مهمات أموركم على جهة العبادة أراد بذلك الأصنام " قل لا أتبع أهواءكم " فيما طلبتموه من عبادة هذه الأشياء ون طرد من أردتم طرده " قد ضللت إذا " أي قد ضللت إن اتبعت أهواءكم " وما أنا من المهتدين " أي على طريق رشد وهدى .
وقرئ " ضللت " بفتح اللام وكسرها وهما لغتان قال أبو عمرو بن العلاء: ظللت بكسر اللام لغة تميم وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف، والأولى هي الأصح والأفصح، لأنها لغة أهل الحجاز وهي قراءة الجمهور وقال الجوهري: والضلال والضلالة ضد الرشاد وقد ضللت أضل وقال الله تعالى :" قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي " [سبأ: 50] فهذه لغة نجد، وهي الفصيحة، وأهل العالية يقولون: ضللت بالكسر أضل .
يقول تعالى: وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل, على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد, " كذلك نفصل الآيات " أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها, "ولتستبين سبيل المجرمين" أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل, وقرىء "ولتستبين سبيل المجرمين" أي ولتستبين يا محمد, أو يا مخاطب سبيل المجرمين, وقوله "قل إني على بينة من ربي" أي على بصيرة من شريعة الله التي أوحاها الله إلي "وكذبتم به" أي بالحق الذي جاءني من الله "ما عندي ما تستعجلون به" أي من العذاب "إن الحكم إلا لله" أي إنما يرجع أمر ذلك إلى الله, إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك, وإن شاء أنظركم وأجلكم, لما له في ذلك من الحكمة العظيمة, ولهذا قال "يقص الحق وهو خير الفاصلين" أي وهو خير من فصل القضايا, وخير الفاتحين في الحكم بين عباده, وقوله "قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم" أي لو كان مرجع ذلك إلي, لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك, والله أعلم بالظالمين, فإن قيل: فما الجمع بين هذه الاية وبين ما ثبت في الصحيحين, من طريق ابن وهب, عن يونس, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة, أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله, هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة, إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال, فلم يجبني إلى ما أردت, فانطلقت وأنا مهموم على وجهي, فلم أستفق إلا بقرن الثعالب, فرفعت رأسي, فإذا أنا بسحابة قد ظللتني, فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام, فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث إليك ملك الجبال, لتأمره بما شئت فيهم, قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي, ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك, وقد بعثني ربك إليك, لتأمرني بأمرك فيما شئت, إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم, من يعبد الله لا يشرك به شيئاً" وهذا لفظ مسلم, فقد عرض عليهم عذابهم واستئصالهم, فاستأنى بهم, وسأل لهم التأخير, لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً, فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الاية الكريمة, "قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين" فالجواب والله أعلم, أن هذه الاية دلت, على أنه لو كان إليه وقوع العذاب, الذي يطلبونه حال طلبهم له, لأوقعه بهم, وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم, بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين, وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً, فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم. وقوله تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله, حدثنا إبراهيم بن سعد, عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله, عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله" " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير " وفي حديث عمر: أن جبريل حين تبدى له في صورة أعرابي, فسأل عن الإيمان والإسلام والإحسان, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فيما قاله له: "خمس لا يعلمهن إلا الله" ثم قرأ "إن الله عنده علم الساعة" الاية. وقوله "ويعلم ما في البر والبحر" أي محيط علمه الكريم بجميع الموجودات, بريها وبحريها, لا يخفى عليه من ذلك شيء, ولا مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء, وما أحسن ما قال الصرصري:
فلا يفخى عليه الذر إما تراءى للنواظر أو توارى
وقوله "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها" أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات, فما ظنك بالحيوانات, ولا سيما المكلفون منهم من جنهم وإنسهم, كما قال تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور". وقال ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن الربيع, حدثنا أبو الأحوص, عن سعيد بن مسروق, حدثنا حسان النمري, عن ابن عباس, في قوله "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها" قال: ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وملك موكل بها, يكتب ما يسقط منها, رواه ابن أبي حاتم, وقوله "ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور الزهري, حدثنا مالك بن سعير, حدثنا الأعمش, عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث, قال: ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبرة, إلا وعليها ملك موكل, يأتي الله بعلمها, رطوبتها إذا رطبت, ويبوستها إذا يبست, وكذا رواه ابن جرير عن أبي الخطاب زياد بن عبد الله الحساني, عن مالك بن سعير به. ثم قال ابن أبي حاتم: ذكر عن أبي حذيفة, حدثنا سفيان عن عمرو بن قيس, عن رجل, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: خلق الله النون وهي الدواة, وخلق الألواح, فكتب فيها أمر الدنيا, حتى ينقضي ما كان من خلق مخلوق, أو رزق حلال أو حرام, أو عمل بر أو فجور, وقرأ هذه الاية "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها" إلى آخر الاية, قال محمد بن إسحاق: عن يحيى بن النضر, عن أبيه, سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص, يقول: إن تحت الأرض الثالثة وفوق الرابعة من الجن, مالو أنهم ظهروا, يعني لكم, لم تروا معهم نوراً على كل زاوية من زوايا الأرض خاتم من خواتيم الله عز وجل, على كل خاتم ملك من الملائكة, يبعث الله عز وجل إليه في كل يوم ملكاً من عنده أن احتفظ بما عندك .
قوله: 56- "قل إني نهيت" أمره الله سبحانه أن يعود إلى مخاطبة الكفار ويخبرهم بأنه نهى عن عبادة ما يدعونه ويعبدونه من دون الله: أي نهاه اله عن ذلك وصرفه وزجره، ثم أمره سبحانه بأن يقول لهم: "لا أتبع أهواءكم" أي لا أسلك المسلك الذي سلكتموه في دينكم من اتباع الأهواء والمشي على ما توجيه المقاصد الفاسدة التي يتسبب عنها الوقوع في الضلال. قوله: "قد ضللت إذاً" أي اتبعت أهواءكم فيما طلبتموه من عبادة معبوداتكم وطرد من أردتم طرده "وما أنا من المهتدين" إن فعلت ذلك، وهذه الجملة الإسمية معطوفة على الجملة التي قبلها، والمجيء بها إسمية عقب تلك الفعلية للدلالة على الدوام والثبات، وقرئ "ضللت" بفتح اللام وكسرها وهما لغتان. قال أبو عمرو: ضللت بكسر اللام لغة تميم، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف، والأولى هي الأصح والأفصح، لأنها لغة أهل الحجاز، وهي قراءة الجمهور. قال الجوهري: والضلال والضلالة ضد الرشاد، وقد ضللت أضل. قال الله تعالى: "قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي" قال فهذه: يعني المفتوحة لغة نجد وهي الفصيحة، وأهل العالية يقول: ضللت بالكسر أضل انتهى.
56- قوله عز وجل: " قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم "، في عبادة الأوثان وطرد الفقراء،" قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين "، يعني: إن فعلت ذلك فقد تركت سبيل الحق وسلكت غير طريق الهدى.
56 " قل إني نهيت " صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد . " فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله " عن عبادة ما تعبدون من دون الله ، أو ما تدعونها آلهة أي تسمونها . " قل لا أتبع أهواءكم " تأكيد لقطع أطماعهم وإشارة إلى الموجب للنهي وعلة الامتناع عن متابعتهم واستجهال لهم ، وبيان لمبدأ ضلالهم وأن ما هم عليه هوى وليس يهدي ، وتنبيه لمن تحرى الحق على أن يتبع الحجة ولا يقلد . " قد ضللت إذاً " أي اتبعت أهواءكم فقد ضللت " وما أنا من المهتدين " أي في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم ، وفيه تعريض بأنهم كذلك .
56. Say: I am forbidden to worship those on whom ye call instead of Allah. Say: I will not follow your desires, for then should I go astray and I should not be of the rightly guided.
56 - Say: I am forbidden to worship those others than God whom ye call upon. say: I will not follow your vain desires: if I did, I would stray from the path, and be not of the company of those who receive guidance.