[الأنعام : 43] فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
43 - (فلولا) فهلا (إذ جاءهم بأسنا) عذابنا (تضرعوا) أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له (ولكن قست قلوبهم) فلم تلن للإيمان (وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) من المعاصي فأصروا عليها
قال أبو جعفر: وهذا أيضا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما ترك . وذلك أنه تعالى ذكره أخبر عن الأمم التي كذبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا له ، ثم قال : "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا"، ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء . ومعنى الكلام : "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون"، فلم يتضرعوا، "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" .
ومعنى : "فلولا"، في هذا الموضع ، فهلا. والعرب إذا أولت (لولا) اسماً مرفوعاً، جعلت ما بعدها خبراً ، وتلقتها بالأمر، فقالت : (لولا أخوك لزرتك ) و (لولا أبوك لضربتك)، وإذا أولتها فعلاً، أو لم تولها اسماً، جعلوها استفهاماً فقالوا : (لولا جئتنا فنكرمك) و (لولا زرت أخاك فنزورك )، بمعنى : (هلا)، كما قال تعالى ذكره : "لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق" [المنافقون : 10]. وكذلك تفعل ب (لوما) مثل فعلها ب (لولا).
فتأويل الكلام إذا : فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلها، الذين لم يتضرعوا عند أخذناهم بالبأساء والضراء، "تضرعوا"، فاستكانوا لربهم ، وخضعوا لطاعته ، فيصرف ربهم عنهم بأسه ، وهو عذابه .
وقد بينا معنى (البأس) في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
"ولكن قست قلوبهم"، يقول: ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم ، وأصروا على ذلك ، واستكبروا عن أمر ربهم ، استهانةً بعقاب الله ، واستخفافاً بعذابه ، وقساوة قلب منهم ، "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون"، يمول : وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملان من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم.
قوله تعالى : " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا"لولا تحضيض، وهي التي تلي الفعل بمعنى هلا وهذا عتاب على ترك الدعاء، وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب. يجوز أن يكونوا تضرعوا تضرع من لم يخلص، أو تضرعوا حين لابسهم العذاب، والتضرع على هذه الوجوه غير نافع، والدعاء مأمور به حال الرخاء والشدة، قال الله تعالى :" ادعوني أستجب لكم " [غافر: 60] وقال : " إن الذين يستكبرون عن عبادتي " أي دعائي " سيدخلون جهنم داخرين " [غافر: 60] هذا وعيد شديد " ولكن قست قلوبهم " أي صلبت وغلظت وهي عبادة عن الكبر والإصرار على المعصية نسأل الله العافية . " وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها.
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد, المتصرف في خلقه بما يشاء, وأنه لا معقب لحكمه, ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه, بل هو وحده لا شريك له, الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء, ولهذا قال "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة" أي أتاكم هذا أو هذا "أغير الله تدعون إن كنتم صادقين" أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه, ولهذا قال "إن كنتم صادقين" أي في اتخاذكم آلهة معه "بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون" أي في وقت الضرورة, لا تدعون أحداً سواه, وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم, كقوله "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه" الاية, وقوله "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء" يعني الفقر والضيق في العيش, "والضراء" وهي الأمراض والأسقام والالام, "لعلهم يتضرعون" أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون, قال الله تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك, تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا, ولكن "قست قلوبهم" أي ما رقت ولا خشعت "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي من الشرك والمعاندة والمعاصي, "فلما نسوا ما ذكروا به" أي أعرضوا عنه وتناسوه, وجعلوه وراء ظهورهم, "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون, وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم, عياذاً بالله من مكره, ولهذا قال "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" أي من الأموال والأولاد والأرزاق, "أخذناهم بغتة" أي على غفلة, "فإذا هم مبلسون" أي آيسون من كل خير, قال الوالبي عن ابن عباس: المبلس الايس, وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به, فلا رأي له, ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له, فلا رأي له, ثم قرأ "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" قال: مكر بالقوم ورب الكعبة, أعطوا حاجتهم ثم أخذوا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط, إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون, رواه ابن أبي حاتم أيضاً .
وقال مالك عن الزهري "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" قال: رخاء الدنيا ويسرها, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين ـ يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري ـ عن حرملة بن عمران, التجيبي! عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا عراك بن خالد بن يزيد, حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن عبادة بن الصامت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف, وإذا أراد الله بقوم اقتطاعاً, فتح لهم ـ أو فتح عليهم ـ باب خيانة, "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" كما قال "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" ورواه أحمد وغيره .
قوله: 43- "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا، وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمردهم وغلوهم في الكفر، ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرعوا عند أن نزل بهم العذاب، وذلك تضرع ضروري لم يصدر عن إخلاص فهو غير نافع لصاحبه، والأول أولى كما يدل عليه "ولكن قست قلوبهم" أي صلبت وغلظت "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي.
43- " فلولا "، فهلا، " إذ جاءهم بأسنا "، عذابنا، " تضرعوا "، فآمنوا فكشف عنهم،/أخبر الله عز وجل إنه قد أرسل إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أنهم أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، فذلك قوله: " ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون "، من الكفر والمعاصي .
43 " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " معناه نفي تضرعهم في ذلك الوقت مع قيام ما يدعوهم أي لم يتضرعوا . " ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " استدراك على المعنى وبيان للصارف لهم عن التضرع وأنه : لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم .
43. If only, when our disaster came on them, they had been humble! But their hearts were hardened and the devil made all that they used to do seem fair unto them!
43 - When the suffering reached them from us, why then did they not learn humility? on the contrary their hearts become hardened, and Satan made their (sinful) acts seem alluring to them.