[الأنعام : 41] بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
41 - (بل إياه) لا غيره (تدعون) في الشدائد (فيكشف ما تدعون إليه) أن يكشفه عنكم من الضر ونحوه (إن شاء) كشفه (وتنسون) تتركون (ما تشركون) معه من الأصنام فلا تدعونه
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره ، مكذبا لهؤلاء العادلين به الأوثان : ما أنتم ، أيها المشوكون بالله الآلهة والأنداد، إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة، بمستجيرين بشيء غير الله في حال شدة الهول النازل بكم من آلهة ووثن وصنم ، بل تدعون هناك ربكم الذي خلقكم ، وبه تستغيثون ، وإليه تفزعون ، دون كل شيء غيره ، "فيكشف ما تدعون إليه"، يقول : فيفرج عنكم عند استغاثت كم به وتضرعكم إليه ، عظيم البلاء النازل بكم إن شاء أن يفرج ذلك عنكم ، لأنه القادر على كل شيء ، ومالك كل شيء ، دون ما تدعونه إلهاً من الأوثان والأصنام ، "وتنسون ما تشركون"، يقول : وتنسون حين يأتيكم عذاب الله أو تأتيكم الساعة بأهوالها، ما تشركونه مع الله في عبادتكم إياه ، فتجعلونه له نداً من وثن وصنم، غير ذلك مما تعبدونه من دونه وتدعونه إلهاً.
قوله تعالى :" بل إياه تدعون " بل إضراب عن الأول وإيجاب للثاني إياه نصب ب تدعون " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " أي يكشف الضر الذي تدعون إلى كشفه إن شاء كشفه " وتنسون ما تشركون " قيل: عند نزول العذاب وقال الحسن: أي تعرضون عنه إعراض الناسي، وذلك لليأس من النجاة من قبله إذ لا ضرر فيه ولا نفع وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى وتتركون قال النحاس: مثل قوله " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " [طه:115].
يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد, المتصرف في خلقه بما يشاء, وأنه لا معقب لحكمه, ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه, بل هو وحده لا شريك له, الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء, ولهذا قال "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة" أي أتاكم هذا أو هذا "أغير الله تدعون إن كنتم صادقين" أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه, ولهذا قال "إن كنتم صادقين" أي في اتخاذكم آلهة معه "بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون" أي في وقت الضرورة, لا تدعون أحداً سواه, وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم, كقوله "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه" الاية, وقوله "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء" يعني الفقر والضيق في العيش, "والضراء" وهي الأمراض والأسقام والالام, "لعلهم يتضرعون" أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون, قال الله تعالى: "فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا" أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك, تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا, ولكن "قست قلوبهم" أي ما رقت ولا خشعت "وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" أي من الشرك والمعاندة والمعاصي, "فلما نسوا ما ذكروا به" أي أعرضوا عنه وتناسوه, وجعلوه وراء ظهورهم, "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون, وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم, عياذاً بالله من مكره, ولهذا قال "حتى إذا فرحوا بما أوتوا" أي من الأموال والأولاد والأرزاق, "أخذناهم بغتة" أي على غفلة, "فإذا هم مبلسون" أي آيسون من كل خير, قال الوالبي عن ابن عباس: المبلس الايس, وقال الحسن البصري: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به, فلا رأي له, ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له, فلا رأي له, ثم قرأ "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" قال: مكر بالقوم ورب الكعبة, أعطوا حاجتهم ثم أخذوا, رواه ابن أبي حاتم, وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط, إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم, فلا تغتروا بالله, فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون, رواه ابن أبي حاتم أيضاً .
وقال مالك عن الزهري "فتحنا عليهم أبواب كل شيء" قال: رخاء الدنيا ويسرها, وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين ـ يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري ـ عن حرملة بن عمران, التجيبي! عن عقبة بن مسلم, عن عقبة بن عامر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة, عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا عراك بن خالد بن يزيد, حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن عبادة بن الصامت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف, وإذا أراد الله بقوم اقتطاعاً, فتح لهم ـ أو فتح عليهم ـ باب خيانة, "حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" كما قال "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" ورواه أحمد وغيره .
قوله: 41- "بل إياه تدعون" معطوف على منفي مقدر أي لا تدعون غيره بل إياه تخصون بالدعاء "فيكشف ما تدعون إليه" أي فيكشف عنكم ما تدعونه إلى كشفه إن شاء أن يكشفه عنكم لا إذا لم يشأ ذلك. قوله: "وتنسون ما تشركون" أي وتنسون عند أن يأتيكم العذاب ما تشركون به تعالى: أي ما تجعلونه شريكاً له من الأصنام ونحوها فلا تدعونها، ولا ترجون كشف ما بكم منها، بل تعرضون عنها إعراض الناس. وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى: وتتركون ما تشركون.
41- ثم قال " بل إياه تدعون "، أي: تدعون الله ولا تدعون غيرة، "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء "، قيد الإجابة بالمشيئة [والأمور كلها بمشيئته]، " وتنسون "، وتتركون، " ما تشركون " .
41 " بل إياه تدعون " بل تخصونه بالدعاء كما حكى عنهم في مواضع ، وتقديم المفعول لإفادة التخصيص . " فيكشف ما تدعون إليه " أي ما تدعونه إلى كشفه . " إن شاء " أي يتفضل عليكم ولا يشاء في الآخرة . " وتنسون ما تشركون " وتتركون آلهتكم في ذلك الوقت لما ركز في العقول على أنه القادر على كشف الضر دون غيره ، أو وتنسونه من شدة الأمر وهوله .
41. Nay, but unto Him ye call, and He removeth that because of which ye call unto Him, if He will, and ye forget whatever partners ye ascribed unto Him.
41 - Nay, on him would ye call, and if it be his will, he would remove (the distress) which occasioned your call upon him, and ye would forget (the false gods) which ye join with him