[الأنعام : 28] بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
28 - قال تعالى (بل) للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني (بدا) ظهر (لهم ما كانوا يخفون من قبل) يكتمون بقولهم {والله ربنا ما كنا مشركين بشهادة} جوارحهم فتمنوا ذلك (ولو ردوا) إلى الدنيا فرضا (لعادوا لما نهوا عنه) من الشرك (وإنهم لكاذبون) في وعدهم بالإيمان
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء العادلين بربهم ، الجاحدين نبوتك ، يا محمد، في تميلهم إذا وقفوا على النار: "يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين"، الأسى والندم على ترك الإيمان بالله والتصديق بك ، لكن بهم الإشفاق مما هو نازل بهم من عقاب الله وأليم عذابه ، على معاصيهم التي كانوا يخفونها عن أعين الناس ويسترونها منهم ، فأبداها الله منهم يوم القيامة وأظهرها على رؤوس الأشهاد ، ففضحهم بها، ثم جازاهم بها جزاءهم .
يقول : بل بدا لهم ما كانوا يخفون من أعمالهم السيئة التي كانوا يخفونها من قبل ذلك في الدنيا فظهرت ، "ولو ردوا" ، يقول : ولو ردوا إلى الدنيا فأمهلوا ، "لعادوا لما نهوا عنه"، يقول : لرجعوا إلى مثل العمل الذي كانوا يعملونه في الدنيا قبل ذلك ، من جحود آيات الله ، والكفر به ، والعمل بما يسخط عليهم ربهم ، "وإنهم لكاذبون"، في قيلهم : لو رددنا لم نكذب بآيات ربنا وكنا من المؤمنين ، لأنهم قالوه حين قالوه خشية العذاب ، لا إيماناً بالله.
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل"، يقول بدت لهم أعمالهم في الآخرة، التي أخفوها في الدنيا .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله : "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل"، قال : من أعمالهم .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد عن قتادة قوله : "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه"، يقول : ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم ، لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء.
قوله تعالى :" بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل " بل إضراب عن تمنيهم وادعائهم الإيمان لو ردوا واختلفوا في معنى " بدا لهم " على أقوال بعد تعيين من المراد فقيل: المراد المنافقون لأن اسم الكفر مشتمل عليهم، فعاد الضمير على بعض المذكورين قال النحاس: وهذا من الكلام العذب الفصيح وقيل: المراد الكفار وكانوا إذا وعظهم النبي صلى الله عليه وسلم خافوا وأخفوا ذلك الخوف لئلا يفطن بهم ضعفاؤهم فيظهر يوم القيامة ولهذا قال الحسن: بدا لهم أي بدا لبعضهم ما كان يخفيه عن بعض وقيل: بل ظهر لهم ما كانوا يجحدونه من الشرك فيقولون الله ربنا ما كنا مشركين فينطق الله جوراحهم فتشهد عليهم بالكفر فذلك حين بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل قاله أبو روق وقيل: بدا لهم ما كانوا يكتمونه من الكفر، أي بدت أعمالهم السيئة كما قال : "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " [الزمر: 47] قال المبرد : بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه وقيل : المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لأن بعده " وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " .
قوله تعالى : " ولو ردوا " قيل: بعد معاينة العذاب وقيل: قبل معاينته " لعادوا لما نهوا عنه " أي لصاروا ورجعوا إلى ما نهوا عنه من الشرك لعلم الله تعالى فيهم أنهم لا يؤمنون وقد عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند قوله تعالى :" وإنهم لكاذبون " إخبار عنهم وحكاه عن الحال التي كانوا عليها في الدنيا من تكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث كما قال : " وإن ربك ليحكم "[ النحل: 124] فجعله حكاية عن الحال الآتية. وقيل: المعنى وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من أنفسهم من أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين وقرأ يحيى بن وثاب "ولو ردوا " بكسر الراء لأن الأصل رددا فنقلت كسرة الدال على الراء ..
يذكر تعالى حال الكفار, إذا وقفوا يوم القيامة على النار, وشاهدوا ما فيها من السلاسل والأغلال, ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال, فعند ذلك, قالوا "يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا, ليعملوا عملاً صالحاً, ولا يكذبوا بآيات ربهم, ويكونوا من المؤمنين, قال الله تعالى: "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل" أي بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة, وإن أنكروها في الدنيا أو في الاخرة, كما قال قبله بيسير " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم " ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم, من صدق ما جاءتهم به الرسل في الدنيا, وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه, كقوله مخبراً عن موسى, أنه قال لفرعون "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر" الاية, وقوله تعالى مخبراً عن فرعون وقومه "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافقين, الذين كانوا يظهرون الإيمان للناس ويبطنون الكفر, ويكون هذا إخباراً عما يكون يوم القيامة, من كلام طائفة من الكفار, ولا ينافي هذا كون هذه السورة مكية, والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب, فقد ذكر الله وقوع النفاق في سورة مكية, وهي العنكبوت, فقال "وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين" وعلى هذا فيكون إخباراً عن قول المنافقين في الدار الاخرة, حين يعاينون العذاب, فظهر لهم حينئذ غب ما كانوا يبطنون من الكفر والنفاق والشقاق, والله أعلم, وأما معنى الإضراب, في قوله "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل" فإنهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان, بل خوفاً من العذاب الذي عاينوه, جزاء على ما كانوا عليه من الكفر, فسألوا الرجعة إلى الدنيا, ليتخلصوا مما شاهدوا من النار, ولهذا قال "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" أي في طلبهم الرجعة, رغبة ومحبة في الإيمان, ثم قال مخبراً عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه, من الكفر والمخالفة "وإنهم لكاذبون" أي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا, ونكون من المؤمنين, وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا, وما نحن بمبعوثين, أي لعادوا لما نهوا عنه, ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا أي ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ثم لا معاد بعدها, ولهذا قال وما نحن بمبعوثين ثم قال "ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" أي أوقفوا بين يديه قال "أليس هذا بالحق ؟" أي أليس هذا المعاد بحق, وليس بباطل كما كنتم تظنون, "قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" أي بما كنتم تكذبون به, فذوقوا اليوم مسه "أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون".
قوله: 28- "بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل" هذا إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق: أي لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد بل هو لسبب آخر، وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون: أي يجحدون من الشرك وعرفوا أنهم هالكون بشركهم فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة، وقيل: بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم، وقيل: بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة كما قال تعالى: "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون". وقال المبرد: بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه وهو مثل القول الأول، وقيل المعنى: أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة "ولو ردوا" إلى الدنيا حسبما تمنوا "لعادوا" لفعل ما نهوا عنه من القبائح التي رأسها الشرك كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند "وإنهم لكاذبون" أي متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ولو شاهدوا ما شاهدوا، وقيل المعنى: وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان. وقرأ يحيى بن وثاب "ولو ردوا" بكسر الراء لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء، وجملة "وإنهم لكاذبون" معترضة بين المعطوف وهو وقالوا، وبين المعطوف عليه وهو لعادوا: أي لعادوا إلى ما نهوا عنه.
28- " بل بدا لهم " قوله: " بل "تحته رد لقولهم، أي: ليس الأمر على ما قالوا إنهم لو ردوا لآمنوا، بل بدا لهم: ظهر لهم، " ما كانوا يخفون "، يسرون، " من قبل "، في الدنيا من كفرهم ومعاصيهم، وقيل: ما كانوا يخفون وهو قولهم " والله ربنا ما كنا مشركين "(الأنعام،23)، فأخفوا شركهم وكتموا حتى شهدت عليهم جوارحهم بما كتموا وستروا، لأنهم كانوا لا يخفون كفرهم في الدنيا، إلا أن تجعل الآية في المنافقين، وقال المبرد : بل بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون، وقال النضر بن شميل : بل بدا عنهم .
ثم قال " ولو ردوا " إلى الدنيا " لعادوا لما "، يعني إلى ما " نهوا عنه "، من الكفر،" وإنهم لكاذبون " ، في قولهم، لو رددنا إلى الدنيا لم نكذب بآيات ربنا وكنا من المؤمنين .
28- " بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل " الإضراب عن إرادة الإيمان المفهومة من التمني، والمعنى أنه ظهر لهم ما كانوا يخفون من نفاقهم ، أو قبائح أعمالهم فتمنوا ذلك ضجراً لا عزماً على أنهم لو ردوا لآمنوا . " ولو ردوا " أي إلى الدنيا بعد الوقوف والظهور. " لعادوا لما نهوا عنه " من الكفر والمعاصي، " وإنهم لكاذبون " فيما وعدوا به من أنفسهم .
28. Nay, but that hath become clear unto them which before they used to hide. And if they were sent back they would return unto that which they are forbidden. Lo! they are liars.
28 - Yea, in their own (eyes) will become manifest what before they concealed. but if they were returned, they would certainly relapse to the things they were forbidden, for they are indeed liars.