[الأنعام : 145] قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
145 - (قل لا أجد فيما أوحي إلي) شيئاً (محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون) بالياء والتاء (ميتة) بالنصب وفي قراءة بالرفع مع التحتانية (أو دما مسفوحا) سائلا بخلاف غيره كالكبد والطحال (أو لحم خنزير فإنه رجس) حرام (أو) إلا أن يكون (فسقا أهل لغير الله به) أي ذبح على اسم غيره (فمن اضطر) إلى شيء مما ذكر فأكله (غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور) له ما أكل (رحيم) به ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد، لهؤلاء الذين جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا، ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله ، والقائلين : هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم ، والمحرمين من أنعام أخر ظهورها، والتاركين ذكر اسم الله على أخر منها، والمحرمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ، ومحليه لذكورهم ، المحرمين ما رزقهم الله افتراء على الله ، وإضافة منهم ما يحرمون من ذلك إلى أن الله هو الذي حرمه عليهم : أجاءكم من الله رسول بتحريمه ذلك عليكم ، فانبئونا به ، أم وصاكم الله بتحريمه مشاهدة منكم له ، فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه ؟ فإنكم كذبة إن ادعيتم ذلك ، ولا يمكنكم دعواه ، لأنكم إذا ادعيتموه علم الناس كذبكم ، فإني لا أجد فيما أوحي إلي من كتابه وآي تنزيله ، شيئا محرما على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريم ما حرم عليكم منها بزعمكم ، " إلا أن يكون ميتة" ، قد ماتت بغير تذكية، " أو دما مسفوحا" ، وهو المنصب ، أو إلا أن يكون لحم خنزير، " فإنه رجس أو فسقًا " ، يقول : أو إلا أن يكون فسقاً يعني ، بذلك : أو إلا أن يكون مذبوحا ذبحه ذابح من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه والهته ، فذكر عليه اسم وثنه ، فإن ذلك الذبح فسق نهى الله عنه وحرمه ، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك ، لأنه ميتة.
وهذا إعلام من الله جل ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبي الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به ، أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرمه الله ، وأن الذي زعموا أن الله حرمه حلال قد أحله الله ، وأنهم كذبه في إضافتهم تحريمه إلى الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما" ، قال : كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء ويحلون أشياء، فقال : قل لا أجد مما كنتم تحرمون وتستحلون إلا هذا: " إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به " .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه في قوله : " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما" الآية، قال : كان أهل الجاهلية يستحلون أشياء ويحرمون أشياء، فقال الله لنبيه : قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما مما كنتم تستحلون إلا هذا، وكانت أشياء يحرمونها، فهي حرام الان .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " ، قال : ما يؤكل . قلت : في الجاهلية؟ قال : نعم وكذلك كان يقول :،" إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا" . قال ابن جريج : وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد : " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا" ، قال : مما كان في الجاهلية ياكلون ، لا أجد محرمًا من ذلك على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا.
وأما قوله : " أو دما مسفوحا" ، فإن معناه : أو دما مسالا مهراقاً اقا. يقال منه : سفحت دمه ، إذا أرقته ، أسفحه سفحا، فهو دم مسفوح ، كما قال طرفة بن العبد :
إني وجدك ما هجوتك وال أنصاب يسفح فوقهن دم
وكما قال عبيد بن الأبرص :
إذا ما عاده منها نساء سفحن الدمع من بعد الرنين
يعني : صببن وأسلن الدمع .
وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عباده تحريمه إياه ، المسفوح منه دون غيره ، الدليل الي الواضح أن ما لم يكن منه مسفوحا، فحلال غير نجس . وذلك كالذي :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عكرمة : " أو دما مسفوحا" ، قال : لولا هذه الاية لتتبع المسلمون من العروق ما تتبعت اليهود.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عمروبن دينار ، عن عكرمة ، بنحوه ، إلا أنه قال : لاتبع المسلمون .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، بنحوه .
حدثنا أبو كريب قال ، أخبرنا وكيع ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، في القدر يعلوها الحمرة من الدم . قال : إنما حرم الله الدم المسفوح .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال : سألته عن الدم وما يتلطخ بالمذبح من الرأس ، وعن القدر يرى فيها الحمرة؟ قال : إنما نهى الله عن الدم المسفوح .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ،. حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : " أو دما مسفوحا" ، قال : حرم الدم ماكان مسفوحا. وأما لحم خالطه دم ،فلابأس به .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا" ، يعني : مهراقا.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، أخبرني ابن دينار ، عن عكرمة : " أو دما مسفوحا" ، قال : لولا هذه الأية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها اليهود.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة : أنها كانت لا ترى بلحوم السباع باسًا، والحمرة والدم يكونان على القدر باساً، وقرأت هذه الاية : " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه "
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن يحيى بن سعيد قال ، حدثني القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت ، وذكرت هذه الأية : " أو دما مسفوحا" ، قلت : وإن البرمة ليرى ما في مائها من الصفرة.
وقد بينا معنى الرجس ، فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه النجس والنتن ، وما يعصى الله به ، بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وكذلك القول في معنى الفسق ، وفي قوله : " أهل لغير الله به " ، قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفق لفهمه ، عن تكراره وإعادته .
قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله " إلا أن يكون ميتة" .
فقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة :" إلا أن يكون " ، بالياء " ميتة" مخففة الياء منصوبة، على أن في " يكون" مجهولا، و الميتة فعل له ، فنصبت على أنها فعل " يكون " ، وذكروا يكون ، لتذكير المضمر في يكون .
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل مكة والكوفة: إلا أن تكون ، بالتاء ميتة، بتخفيف الياء من الميتة ونصبها، وكان معنى نصبهم الميتة معنى الأولين ، وأنثوا تكون لتانيث الميتة، كما يقال : إنها قائمة جاريتك ، و إنه قائم جاريتك ، فيذكر المجهول مرة ويؤنث أخرى، لتانيث الاسم الذي بعده . وقرأ ذلك بعض المدنيين : إلا أن تكون ميتة، بالتاء في تكون وتشديد الياء من ميتة، ورفعها، فجعل الميتة اسم تكون ، وأنث تكون لتانيث الميتة ، وجعل تكون مكتفية بالاسم دون الفعل ، لأن قوله : إلا أن تكون ميتة، استثناء، والعرب تكتفي في الاسثسناء بالأسماء عن الأفعال ، فيقولون : قام الناس إلا أن يكون أخاك ، و إلا أن يكون أخوك ، فلا تاتي د يكون ، بفعل ، وتجعلها مستغنية بالاسم ، كما يقال : قام القوم إلا أخاك و إلا أخوك ، فلا يفتقد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء فعلا.
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي : " إلا أن يكون " ، ب الياء " ميتة" ، بتخفيف الياء ونصب الميتة، لأن الذي في " يكون " من المكني من ذكر المذكر، وإنما هو: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ذلك ميتة أو دما مسفوحا.
فأما قراءة ميتة بالرفع ، فإنه ، لان كان في العربية غير خطا، فإنه في القراءة في هذا الموضع غير صواب . لأن الله يقول : " أو دما مسفوحا" ، فلا خلاف بين الجميع في قراءة : الدم بالنصب ، وكذلك هو في مصاحف المسلمين ، وهو عطف على الميتة . فإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الميتة لو كانت مرفوعة، لكان الدم ، وقوله : " أو فسقا" ، مرفوعين ، ولكنها منصوبة، فيعطف بهما عليها بالنصب . قال أبو جعفر : وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تاويل قوله : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد" ، والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا، في سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، وأن معناه : فمن اضطر لأكل ما حرم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير أو ما أهل لغير الله به ، غير باغ في أكله إياه تلذذا، لا لضرورة حالة من الجوع ، ولا عاد في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله ، وذلك ان ياكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك ، لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه ، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك ، فإن الله " غفور" ، فيما فعل من ذلك ، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه ، ولو شاء عاقبه عليه ، " رحيم " ، بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه ، ولو شاءحرمه عليه ومنعه منه .
قوله تعالى: "قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما" أعلم الله عز وجل في هذه الآية بما حرم. والمعنى: قل يا محمد لا أجد فيما أوحي إلي محرماً إلا هذه الأشياء، لا ما تحرمونه بشهوتكم. والآية مكية. ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة. وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والخمر وغير ذلك.
وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل مخلب من الطير.
وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال: الأول: ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية، وكل محرم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جاء في الكتاب مضموم إليها، فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر، والفقه والأثر. ونظيره نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله: "وأحل لكم ما وراء ذلكم" [النساء: 24] وكحكمه باليمين مع الشاهد مع قوله: "فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان" [البقرة: 282] وقد تقدم. وقد قيل: إنها منسوخة بقوله عليه السلام:
"أكل كل ذي ناب من السباع حرام" أخرجه مالك، وهو حديث صحيح. وقيل: الآية محكمة ولا يحرم إلا ما فيها. وهو قول يروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة، وروي عنهم خلافه. قال مالك: لا حرام بين إلا ما ذكر في هذه الآية. وقال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره إلا ما استثنى في الآية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير. ولهذا قلنا: إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح. وقال الكيا الطبري: وعليها بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه، أخذاً من هذه الآية، إلا ما دل عليه الدليل. وقيل: إن الآية جواب لمن سأل عن شيء بعينه فوقع الجواب مخصوصاً. وهذا مذهب الشافعي. وقد روى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه قال: في هذه الآية أشياء سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء. وقيل: أي لا أجد فيما أوحي إلي أي في هذه الحال حال الوحي ووقت نزوله، ثم لا يمتنع حدوث وحي بعد ذلك بتحريم أشياء أخر. وزعم ابن العربي أن هذه الآية مدنية وهي مكية في قول الأكثرين، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم نزل عليه "اليوم أكملت لكم دينكم" [المائدة: 3] ولم ينزل بعدها ناسخ فهي محكمة، فلا محرم إلا ما فيها، وإليه أميل.
قلت: وهذا ما رأيته قاله غيره. وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر الإجماع في أن سورة الأ،عام مكية إلا قوله تعالى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم" الثلاث الآيات، وقد نزل بعدها قرآن كثير وسنن جمة. فنزل تحريم الخمر بالمدينة في المائدة. وأجمعوا على أن نهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان منه بالمدينة. قال إسماعيل بن إسحاق: وهذا كله يدل على أنه أمر كان بالمدينة بعد نزول قوله: "قل لا أجد في ما أوحي إلي" لأن ذلك مكي.
قلت: وهذا هو مثار الخلاف بين العلماء. فعدل جماعة عن ظاهر الأحاديث الواردة بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، لأنها متأخرة عنها والحصر فيها ظاهر فالأخذ بها أولى، لأنها إما ناسخة لما تقدمها أو راجحة على تلك الأحاديث. وأما القائلون بالتحريم فظهر لهم وثبت عندهم أن سورة الأنعام مكية، نزلت قبل الهجرة، وأن هذه الآية قصد بها الرد على الجاهلية في تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، ثم بعد ذلك حرم أموراً كثيرة كالحمر الإنسية ولحوم البغال وغيرها، وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. قال أبو عمر: ويلزم على قول من قال: لا محرم إلا ما فيها ألا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمداً، وتستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين. وفي إجماع المسلمين على تحريم خمر العنب دليل واضح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد فيما أوحي إليه محرماً غير ما في سورة الأنعام مما قد نزل بعدها من القرآن. وقد اختلفت الرواية عن مالك في لحوم السباع والحمير والبغال فقال مرة: هي محرمة، لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك، وهو الصحيح من قوله على ما في الموطأ. وقال مرة: هي مكروهة، وهو ظاهر المدونة، لظاهر الآية، ولما روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها، وهو قول الأوزاعي. روى البخاري من رواية عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد:
إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية؟ فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وقرأ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً. وروي عن ابن عمر أنه سئل عن لحوم السباع فقال: لا بأس بها. فقيل له: حديث أبي ثعلبة الخشني فقال:
لا ندع كتاب الله ربنا لحديث أعرابي يبول على ساقيه. وسئل الشعبي عن لحم الفيل والأسد فتلا هذه الآية. وقال القاسم: كانت عائشة تقول لما سمعت الناس يقولون حرم كل ذي ناب من السباع: ذلك حلال، وتتلوا هذه الآية "قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما" ثم قالت: أن كانت البرمة ليكون ماؤها أصفر من الدم ثم يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحرمها. والصحيح في هذا الباب ما بدأنا بذكره، وأن ما ورد من المحرمات بعد الآية مضموم إليها معطوف عليها. وقد أشار القاضي أبو بكر بن العربي إلى هذا في قبسه خلاف ما ذكر في أحكامه قال: روي عن ابن عباس أن هذه الآية من آخر ما نزل، فقال البغداديون من أصحابنا: إن كل ما عداها حلال، لكنه يكره أكل السباع. وعند فقهاء الأمصار منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة و عبد الملك أن أكل كل ذي ناب من السباع حرام، وليس يمتنع أن تقع الزيادة بعد قوله: "قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما" بما يرد من الدليل فيها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث فذكر الكفر والزنى والقتل". ثم قال علماؤنا: إن أسباب القتل عشرة بما ورد من الأدلة، إذ النبي صلى الله عليه وسلم إنما يخبر بما وصل إليه من العلم عن الباري تعالى، وهو يمحو ما يشاء ويثبت وينسخ ويقدر. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أكل كل ذي ناب من السباع حرام" وقد روي أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير. وروى مسلم عن معن عن مالك: "نهي عن أكل كل ذي مخلب من الطير" والأول أصح وتحريم كل ذي ناب من السباع هو صريح المذهب وبه ترجم مالك في الموطأ حين قال: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع. ثم ذكر الحديث وعقبه بعد ذلك بأن قال: وهو الأمر عندنا. فأخبر أن العمل اطرد مع الأثر. قال القشيري: فقول مالك هذه الآية من أواخر ما نزل لا يمنعنا من أن نقول: ثبت تحريم بعض هذه الأشياء بعد هذه الآية، وقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن أكل كل ذي مخلب من الطير، ونهى عن لحوم الحمر الأهلية عام خيبر. والذي يدل على صحة هذا التأويل الإجماع على تحريم العذرة والبول والحشرات المستقذرة والحمر مما ليس مذكوراً في هذه الآية.
الثانية: قوله تعالى: "محرما" قال ابن عطية: لفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور غاية الحظر والمنع، وصالحة أيضاً بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهة ونحوها، فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع الكل منهم ولم تضطرب فيه ألفاظ الأحاديث وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع، ولحق بالخنزير والميتة والدم، وهذه صفة تحريم الخمر. وما اقترنت به قرينة اضطراب ألفاظ الأحاديث واختلفت الأئمة فيه مع علمهم بالأحاديث كقوله عليه السلام:
"أكل كل ذي ناب من السباع حرام". وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك، فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهة ونحوها. وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الإنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنه نجس، وتأول بعضهم ذلك لئلا تفنى حمولة الناس، وتأول بعضهم التحريم المحض. وثبت في الأمة الاختلاف في تحريم لحمها، فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهة ونحوها بحسب اجتهاده وقياسه.
قلت: وهذا عقد حسن في هذا الباب وفي سبب الخلاف على ما تقدم. وقد قيل: إن الحمار لا يؤكل، لأنه أبدى جوهره الخبيث حيث نزا على ذكر وتلوط، فسمي رجساً. قال محمد بن سيرين: ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار، ذكره الترمذي في نوادر الأصول.
الثالثة: روى عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء، فبعث الله نبيه عليه السلام وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه الآية "قل لا أجد" الآية. يعني ما لم يبين تحريمه فهو مباح بظاهر هذه الآية. وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس أنه قرأ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما قال: غنما حرم من الميتة أكلها، ما يؤكل منها وهو اللحم، فأما الجلد والعظم والصوف والشعر فحلال وروى أبو داود "عن ملقام بن تلب عن أبيه قال:
صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً" الحشرة: صغار دواب الأرض كاليرابيع والضباب والقنافذ. ونحوها، قال الشاعر:
أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن غريباً لديكم يأكل الحشرات
أي ما دب ودرج. والربى جمع ربية وهي الفأرة. قال الخطابي: وليس في قوله لم أسمع لها تحريماً دليل على أنها مباحة، لجواز أن يكون غيره قد سمعه. وقد اختلف الناس في اليربوع والوبر والجمع وبار ونحوهما من الحشرات، فرخص في اليربوع عروة وعطاء و الشافعي وأبو ثور. قال الشافعي: لا بأس بالوبر وكرهه ابن سيرين والحكم وحماد وأصحاب الرأي. وكره أصحاب الرأي القنفد. وسئل عن مالك بن أنس فقال: لا أدري. وحكى أبو عمرو: وقال مالك لا بأس بأكل القنفذ. وكان أبو ثور لا يرى به بأساً، وحكاه عن الشافعي. و"سئل عنه ابن عمر فتلا "قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما" الآية، فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول:
ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر: إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال". ذكره أبو داود. وقال مالك: لا بأس بأكل الضب واليربوع الورل وجائز عنده أكل الحيات إذا ذكيت، وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي وكذلك الأفاعي والعقارب والفأر والعظاية والقنفذ والضفدع. وقال ابن القاسم: ولا بأس بأكل خشاش الأرض وعقاربها ودودها في قول مالك، لأنه قال موته في المال لا يفسده. وقال مالك: لا بأس بأكل فراخ النحل ودود الجبن والتمر ونحوه والحجة له حديث ملقام بن تلب، قول ابن عباس وأبي الدرداء: ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو. وقالت عائشة في الفأرة: ما هي بحرام، وقرأت قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما. ومن العلماء أهل المدين جماعة لا يجيزون أكل كل شيء من خشاش الأرض وهوامها، مثل الحيات والأوزاغ والفأر وما أشبهه. وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هؤلاء أكله، ولا تعمل الذكاة عندهم فيه. وهو قول ابن شهاب وعروة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم. ولا يؤكل عند مالك وأصحابه شيء من سباع الوحش كلها، ولا الهر الأهلي ولا الوحشي لأن سبع. وقال: ولا يؤكل الضبع ولا الثعلب، ولا بأس بأكل سباع الطير كلها، الرخم والنسور والعقبان وغيرها، ما أكل الجيف منها وما لم يأكل. وقال الأوزاعي كله حلال، إلا أنهم يكرهون الرخم وحجة مالك أنه لم يجد أحداً من أهل العلم يكره أكل سباع الطير، وأنكر الحديث "عن النبي صلى الله عليه وسلم:
أنه نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير". وروي عن أشهب أنه قال: لا بأس بأكل الفيل إذا ذكي، وهو قول الشعبي، ومنع منه الشافعي. وكره النعمان وأصحابه أكل الضبع والثعلب. ورخص في ذلك الشافعي، وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضباع. وحجة مالك عموم النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، ولم يخص سبعاً من سبع.
وليس حديث الضبع الذي خرجه النسائي في إباحة أكلها مما يعارض به حديث النهي، لأنه حديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار، وليس مشهوراً بنقل العلم، ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه. قال أبو عمر: وقد روي النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من طرق متواترة. وروى ذلك جماعة من الأئمة الثقات الأثبات، ومحال أن يعارضوا بمثل حديث ابن أبي عمار. قال أبو عمر: أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله، ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه. قال: وما علمت أحداً رخص في أكله، إلا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب: سئل مجاهد عن أكل القرد فقال: ليس من بهيمة الأنعام.
قلت: ذكر ابن المنذر أنه قال: روينا عن عطاء أنه سئل عن القرد يقتل في الحرم فقال: يحكم به ذوا عدل. قال: فعلى مذهب عطاء يجوز أكل لحمه، لأن الجزاء لا يجب على من قتل غير الصيد. وفي بحر المذهب للروياني على مذهب الإمام الشافعي: وقال الشافعي يجوز بيع القرد لأنه يعلم وينتفع به لحفظ المتاع. وحكى الكشفلي عن ابن شريح يجوز بيعه لأنه ينتفع به. فقيل له: وما وجه الانتفاع به؟ قال تفرح به الصبيان. قال أبو عمر: والكلب والفيل وذو الناب كله عندي مثل القرد. والحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في قول غيره. وقد زعم ناس أنه لم يكن في العرب من يأكل لحم الكلب إلا قوم من فقعس. وروى أبو داود عن ابن عمر قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها". في رواية: عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها. قال الحليمي أبو عبد الله: فأما الجلالة فهي التي تأكل العذرة من الدواب والدجاج والمخلاة. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحومها. وقال العلماء: كل ما ظهر منها ريح العذرة في لحمه أو طعمه فهو حرام، وما لم يظهر فهو حلال. وقال الخطابي: هذا نهي تنزه وتنظف، وذلك أنها إذا اغتذت الجلة وهي العذرة وجد نتن رائحتها في لحومها، وهذا إذا كان غاب علفها منها، فأما إذا رعت الكلأ واعتلفت الحب وكانت تنال مع ذلك شيئاً من الجلة فليس بجلالة، وإنما هي كالدجاج المخلاة، ونحوها من الحيوان الذي ربما نال الشيء منها وغالب غذائه وعلفه من غيره فلا يكره أكلها. وقال أصحاب الرأي و الشافعي وأحمد: لا تؤكل حتى تحبس أياماً وتعلف علفاً غيرها، فإذا طاب لحمها أكلت. وقد روي في حديث:
"أن البقر تعلف أربعين يوماً ثم يؤكل لحمها". وكان ابن عمر يحبس الدجاج ثلاثاً ثم يذبح. وقال إسحاق: لا بأس بأكلها بعد أن يغسل لحمها غسلاً جيداً. وكان الحسن لا يرى بأساً بأكل لحم الجلالة، وكذلك مالك بن أنس. ومن هذا الباب نهي أن تلقى في الأرض العذرة. روى عن بعضهم قال: "كنا نكري أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط على من يكريها ألا يلقى فيها العذرة". وعن ابن عمر أنه كان يكري أرضه ويشترط ألا تدمن بالعذرة. وروي أن رجلاً كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر: أنت الذي تطعم الناس ما يخرج منهم. واختلفوا في أكل الخيل، فأباحها الشافعي، وهو الصحيح، وكرهها مالك. وأما البغل فهو متولد من بين الحمار والفرس، وأحدهما مأكول أو مكروه وهو الفرس، والآخر محرم وهو الحمار، فغلب حكم التحريم، لأن التحليل والتحريم إذا اجتمعا في عين واحدة غلب حكم التحريم. وسيأتي بيان هذه المسألة في النحل إن شاء الله بأوعب من هذا. وسيأتي حكم الجراد في الأعراف. والجمهور من الخلف والسلف على جواز أكل الأرنب. وقد حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص تحريمه. وعن ابن أبي ليلى كراهته. "قال عبد الله بن عمرو:
جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها. وزعم أنها تحيض". ذكره أبو داود. وروى النسائي مرسلاً عن موسى بن طلحة قال:
"أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها رجل وقال: يا رسول الله، إني رأيت بها دماً، فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها، وقال لمن عنده: كلوا فإني لو اشتهيتها أكلتها".
قلت: وليس في هذا ما يدل على تحريمه، وإنما هو نحو من قوله عليه السلام:
"إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه". وقد روى مسلم في صحيحه "عن أنس بن مالك قال:
مررنا بمر الظهران فاستنفجنا أرنبا فسعوا عليه فلغبوا. قال: فسعيت حتى أدركتها، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، فبعث بوركها وفخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله".
الرابعة: قوله تعالى: "على طاعم يطعمه" أي آكل يأكله. وروي عن ابن عامر أنه قرأ أوحى بفتح الهمزة. وقرأ علي بن أبي طالب يطعمه مثقل الطاء، أراد يتطعمه فأدغم. وقرأت عائشة ومحمد بن الحنفية على طاعم طعمه بفعل ماض "إلا أن يكون ميتة" قرئ بالياء والتاء، أي إلا أن تكون العين أو الجثة أو النفس ميتةً. وقرئ يكون بالياء ميتة بالرفع بمعنى تقع وتحدث ميتة. والمسفوح: الجاري الذي يسيل وهو المحرم. وغيره معفو عنه. وحكى الماوردي أن الدم غير المسفوح أنه إن كان ذا عروق يجمد عليها كالكبد والطحال فهو حلال، لقوله عليه السلام:
"أحلت لنا ميتتان ودمان" الحديث. وإن كان غير ذي عروق يجمد عليها، وإنما هو مع اللحم ففي تحريمه قولان: أحدهما أنه حرام، لأنه من جملة المسفوح أو بعضه. وإنما ذكر المسفوح لاستثناء الكبد والطحال منه. والثاني أنه لا يحرم، لتخصيص التحريم بالمسفوح.
قلت: وهو الصحيح. قال عمران بن جدير: سألت أبا مجلز عما يتلطخ من اللحم بالدم، وعن القدر تعلوها الحمرة من الدم فقال: لا بأس به، إنما حرم الله المسفوح. وقالت نحوه عائشة وغيرها، وعليه إجماع العلماء. وقال عكرمة: لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع اليهود. وقال إبراهيم النخعي: لا بأس بالدم في عرق أو مخ. وقد تقدم هذا وحكم المضطر في البقرة والله أعلم.
يقول تعالى آمراً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله, " لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " أي آكل يأكله قيل معناه لا أجد شيئاً مما حرمتم حراماً سوى هذه, وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئاً حراماً سوى هذه, فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في سورة المائدة وفي الأحاديث الواردة رافعاً لمفهوم هذه الاية, ومن الناس من يسمي هذا نسخاً والأكثرون من المتأخرين لا يسمونه نسخاً لأنه من باب رفع مباح الأصل والله أعلم, وقال العوفي عن ابن عباس "أو دماً مسفوحاً" يعني المهراق. وقال عكرمة في قوله "أو دماً مسفوحاً" لولا هذه الاية لتتبع الناس ما في العروق كما تتبعه اليهود, وقال حماد عن عمران بن حدير قال: سألت أبا مجلز عن الدم, وما يتلطخ من الذبيح من الرأس وعن القدر يرى فيها الحمرة ؟ فقال: إنما نهى الله عن الدم المسفوح, وقال قتادة: حرم من الدماء ما كان مسفوحاً, فأما اللحم خالطه الدم فلا بأس به, وقال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد, عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها, أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأساً, والحمرة والدم يكونان على القدر بأساً , وقرأت هذه الاية, صحيح غريب.
وقال الحميدي: حدثنا سفيان, حدثنا عمرو بن دينار, قال: قلت لجابر بن عبد الله: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر, فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن أبى ذلك الحبر, يعني ابن عباس وقرأ " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " الاية, وكذا رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان به, وأخرجه أبو داود من حديث ابن جريج عن عمرو بن دينار, ورواه الحاكم في مستدركه مع أنه في صحيح البخاري كما رأيت.
وقال أبو بكر بن مردويه والحاكم في مستدركه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين, حدثنا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس, قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً, فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه, فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو, وقرأ هذه الاية " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " الاية, وهذا لفظ ابن مردويه, ورواه أبو داود منفرداً به, عن محمد بن داود بن صبيح عن أبي نعيم به, وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس, قال: ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة, قال "فلم لا أخذتم مسكها ؟" قالت نأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما قال الله " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير " وإنكم لا تطعمونه أن تدبغوه فتنتفعوا به" فأرسلت فسلخت مسكها فدبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها, رواه أحمد ورواه البخاري والنسائي, من حديث الشعبي عن عكرمة عن ابن عباس عن سودة بنت زمعة بذلك أو نحوه.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن نميلة الفزاري عن أبيه, قال: كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن أكل القنفذ فقرأ عليه " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه " الاية, فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال "خبيثة من الخبائث" فقال ابن عمر: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال, ورواه أبو داود عن أبي ثور عن سعيد بن منصور به.
وقوله تعالى: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد" أي فمن اضطر إلى أكل شيء مما حرم الله في هذه الاية الكريمة, وهو غير متلبس ببغي ولا عدوان "فإن ربك غفور رحيم" أي غفور له رحيم به, وقد تقدم تفسير هذه الاية في سورة البقرة بما فيه كفاية, والغرض من سياق هذه الاية الكريمة الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم, بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك, فأمر رسوله أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم, وإنما حرم ما ذكر في هذه الاية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به, وما عدا ذلك فلم يحرم وإنما هو عفو مسكوت عنه, فكيف تزعمون أنتم أنه حرام ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله ؟ وعلى هذا فلا يبقى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا, كما جاء النهي عن لحوم الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير على المشهور من مذاهب العلماء.
أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحي إليه محرماً غير هذه المذكورات، فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية، وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك. وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات كما يدل عليه السياق ويفيد الاستثناء، فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب أو السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات، وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه الله من حيوان وغيره فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء. وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره الله في هذه الآية، وروي ذلك عن مالك وهو قول ساقط، ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرهما مما نزل بعدها من القرآن، وإهمال ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضي ذلك ولا موجب يوجبه. قوله: "محرماً" صفة لموصوف محذوف: أي طعاماً محرماً "على" أي "طاعم يطعمه" من المطاعم، وفي "يطعمه" زيادة تأكيد وتقرير لما قبله "إلا أن يكون ميتة" أي ذلك الشيء أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو النفس. وقرئ يكون بالتحتية والفوقية، وقرئ ميتة بالرفع على أن يكون تامة. والدم المسفوح: الجاري، وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح، ومنه الكبد والطحال، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم. وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا. قوله: "أو لحم خنزير" ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم، والضمير في "فإنه" راجع إلى اللحم أو إلى الخنزير. والرجس: النجس، وقد تقدم تحقيقه. قوله: "أو فسقاً" عطف على لحم خنزير، و "أهل به لغير الله" صفة فسق: أي ذبح على الأصنام، وسمي فسقاً لتوغله في باب الفسق، قيل: ويجوز أن يكون "فسقاً" مفعولاً له لأهل: أي أهل به لغير الله فسقاً على عطف أهل على يكون، وهو تكلف لا حاجة إليه "فمن اضطر غير باغ ولا عاد" قد تقدم تفسيره في سورة البقرة فلا نعيده "فإن ربك غفور رحيم" أي كثير المغفرة والرحمة فلا يؤاخذ المضطر بما دعت إليه ضرورته.
وقد أخرج عبد بن حميد عن طاوس قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويحلون أشياء، فنزلت: "قل لا أجد" الآية. وأخرج عبد بن حميد أبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تعذراً، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه، ما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، ثم تلا هذه الآية: "قل لا أجد" إلى آخرها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه أنه تلا هذه الآية فقال: ما خلا هذا فهو حلال. وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس، وقرأ: "قل لا أجد" الآية. وأقول: وإن أبى ذلك البحر فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتمسك بقول صحابي في مقابلة قول النبي صلى الله عليه وسلم من سوء الاختيار وعدم الإنصاف. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ليس شيء من الدواب حرام إلا ما حرم الله في كتابه: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما " الآية. وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر: أنه سئل عن أكل القنفذ، فقرأ: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما " الآية، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول:" ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:خبيثة من الخبائث، فقال ابن عمر: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة: أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما " الآية. وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس: أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة: تعني الشاة، قال: فلولا أخذتم مسكها؟ قالت: يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة " وأنتم لا تطعمونه، وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به، فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته، فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها. ومثل هذا حديث شاة ميمونة، وهو في الصحيح. ومثله حديث: "إنما حرم من الميتة أكلها" وهو أيضاً في الصحيح. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "أو دماً مسفوحاً" قال: مهراقاً. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أودجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه، قال: هو دم مسفوح. وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي: أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا " قل لا أجد في ما أوحي إلي " الآية. والأحاديث الواردة بتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الأهلية ونحوها مستوفاة في كتب الحديث.
145- ثم بين أن التحريم والتحليل يكون بالوحي والتنزيل، فقال: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ". وروي أنهم قالوا: فما المحرم إذاً فنزل: " قل " يا محمد " لا أجد في ما أوحي إلي محرما "، أي: شيئاً محرماً، " على طاعم يطعمه "، آكل يأكله، " إلا أن يكون ميتةً "، قرأ ابن عامر وأبو جعفر (تكون بالتاء )، " ميتة " رفع أي: إلا أن تقع ميتة، وقرأ ابن كثير و حمزة " تكون " بالتاء، " ميتة " نصب على تقدير اسم مؤنث، أي: إلا أن تكون النفس، أو: الجثة ميتة، وقرأ الباقون (يكون) بالياء (ميتة) نصب، يعني إلا أن يكون[المطعوم] ميتة، " أو دماً مسفوحاً "، أي: مهراقاً سائلاً، قال ابن عباس: يريد ما خرج من الحيوان، وهن أحياء وما خرج من الأرواح وما يخرج من الأوداج عند الذبح، ولا يدخل فيه الكبد والطحال، لأنهما جامدان، وقد جاء الشرع بإباحتهما، ولا ما اختلط باللحم من الدم، لأنه غير سائل.
قال عمران بن حدير : سألت أبا مجلز عما يختلط باللحم من الدم، وعن القدر يرى فيهما حمرة الدم ؟ فقال: لا بأس به، إنما نهى عن الدم المسفوح.
وقال إبراهيم : لا بأس بالدم في عرق أو مخ، إلا المسفوح الذي تعمد ذلك . وقال عكرمة : لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما يتبع اليهود.
" أو لحم خنزير فإنه رجس " حرام، " أو فسقاً أهل لغير الله به "، وهو ما ذبح على غير اسم الله تعالى. فذهب بعض أهل العلم إلى أن التحريم مقصور على هذه الأشياء. يروى ذلك عن عائشة وابن عباس قالوا: ويدخل في الميتة: المنخنقة والموقوذة، وما ذكر في أول سورة المائدة .
وأكثر العلماء على أن التحريم لا يختص بهذه الأشياء، والمحرم بنص الكتاب ما ذكر هنا، ذلك معنى قوله تعالى: " قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما "، وقد حرمت السنة أشياء يجب القول بها.
منها: ما أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ثنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ، قال ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري أخبرنا أبي أنا شعبة عن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ثنا زاهر بن أحمد ثنا أبو إسحاق الهاشمي ثنا أبو مصعب عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن أبي سفيان الحضرمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أكل كل ذي ناب من السباع حرام " .
والأصل عند الشافعي : أن ما لم يرد فيه نص تحريم أو تحليل، فإن كان مما أمر الشرع بقتله-كما قال: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم )، أو نهى عن قتله، كما روي أنه نهى عن قتل النحلة والنملة - فهو حرام، وما سوى ذلك فالمرجع فيه إلى الأغلب منهم فهو حرام، لأن الله تعالى خاطبهم بقوله: " قل أحل لكم الطيبات "، فثبت أن ما استطابوه فهو حلال.
" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم "، أباح أكل هذه المحرمات عند الاضطرار في غير العدوان .

145" قل لا أجد في ما أوحي إلي " أي في القرآن ، أو فيما أوحي إلي مطلقا ، وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يعلم بالوحي لا بالهوى " محرما " طعاما محرما " على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة " أن يكون الطعام ميتة ، وقرأ ابن كثير وحمزةتكون بالتاء لتأنيث الخبر ، وقرأ ابن عامر بالياء ، ورفع ال"ميتة"على أن كان هي التامة وقوله : " أو دماً مسفوحاً " عطف على أن مع ما في حيزة أي : إلا وجود ميتة أو دما مسفوحا ، أي مصبوبا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال " أو لحم خنزير فإنه رجس " فإن الخنزير أو لحمه قذر لتعوده أكل النجاسة أو خبيث محنث " أو فسقاً" عطف على لحم خنزير . وما بينهما اعتراض للتعليل " أهل لغير الله به " صفة له موضحة وإنما سمي ما ذبح على يكون والمستكين فيه راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون . " فمن اضطر " فمن دعته الضرورة إلى تناول شيء من ذلك " غير باغ " على مضطر مثله " ولا عاد " قدر الضرورة " فإن ربك غفور رحيم " لا يؤاخذه ، والآية محكمة لأنها تدل على أنه لم يجد فيما أوحي إلى تلك الغاية محرما غير هذه ، وذلك لا ينافي ورود التحريم في شيء آخر فلا يصح الاستدلال بها على نسخ الكتاب بخبر الواحد ولا على حل الأشياء غيرها إلا مع الاستصحاب .
145. Say: I find not in that which is revealed unto me aught prohibited to an eater that he eat thereof, except it be carrion, or blood poured forth, or swineflesh for that verily is foul or the abomination which was immolated to the name of other than Allah. But whoso is compelled (thereto), neither craving nor transgressing, (for him) lo ! your Lord is Forgiving, Merciful.
145 - Say: I find not in the message received by me by inspiration any (meat) forbidden to be eaten by one who wishes to eat it, unless it be dead meat, or blood poured forth, or the flesh of swine, for it is an abomination or, what is impious, (meat) on which a name has been invoked, other than God's. but (even so), if a person is forced by necessity, without wilful disobedience, nor transgressing due limits, thy lord is oft forgiving, most merciful.