[الأنعام : 134] إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ
134 - (إن ما توعدون) من الساعة والعذاب (لآت) لا محالة (وما أنتم بمعجزين) فائتين عذابنا
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمشركين به : أيها العادلون بالله الأوثان والأصنام ، إن الذي يوعدكم به ربكم من عقابه على إصراركم على كفركم ، واقع بكم ، " وما أنتم بمعجزين " ، يقول : لن تعجزوا ربكم هربا منه في الأرض فتفوتوه ، لأنكم حيث كنتم في قبضته ، وهو عليكم وعلى عقوبتكم بمعصيتكم إياه قادر . يقول : فاحذروه وأنيبوا إلى طاعته ، قبل نزول البلاءبكم .
قوله تعالى: " إنما توعدون لآت " يحتمل أن يكون من أوعدت في الشر، والمصدر الإيعاد. والمراد عذاب الآخرة. ويحتمل أن يكون من وعدت على أن يكون المراد الساعة التي في مجيئها الخير والشر فغلب الخير. وروي معناه عن الحسن. "وما أنتم بمعجزين" أي فائتين، يقال: أعجزني فلان، أي فاتني وغلبني.
يقول تعالى: "وربك" يا محمد "الغني" أي عن جميع خلقه من جميع الوجوه, وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم, "ذو الرحمة" أي وهو مع ذلك رحيم بهم, كما قال تعالى: "إن الله بالناس لرؤوف رحيم" "إن يشأ يذهبكم" أي إذا خالفتم أمره "ويستخلف من بعدكم ما يشاء" أي قوماً آخرين, أي يعملون بطاعته "كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين" أي هو قادر على ذلك سهل عليه يسير لديه, كما أذهب القرون الأولى وأتى بالذي بعدها كذلك هو قادر على إذهاب هؤلاء والإتيان بآخرين, كما قال تعالى: "إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديراً" وقال تعالى: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد * إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد * وما ذلك على الله بعزيز ".
قال تعالى: "والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" وقال محمد بن إسحاق, عن يعقوب بن عتبه قال: سمعت أبان بن عثمان يقول في هذه الاية "كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين" الذرية الأصل والذرية النسل, وقوله تعالى: " إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين " أي أخبرهم يا محمد, أن الذي يوعدون به من أمر المعاد كائن لا محالة, "وما أنتم بمعجزين" أي ولا تعجزون الله, بل هو قادر على إعادتكم وإن صرتم تراباً رفاتاً وعظاماً, هو قادر لا يعجزه شيء, وقال ابن أبي حاتم في تفسيرها: حدثني أبي, حدثنا محمد بن المصفى, حدثنا محمد بن حمير عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى والذي نفسي بيده إنما توعدون لات وما أنتم بمعجزين" .
وقوله تعالى: "قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون" هذا تهديد شديد ووعيد أكيد أي استمروا على طريقتكم وناحيتكم إن كنتم تظنون أنكم على هدى فأنا مستمر على طريقتي ومنهجي كقوله " وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "على مكانتكم" ناحيتكم "فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون" أي أتكون لي أو لكم وقد أنجز الله موعده لرسوله صلوات الله عليه أي فإنه تعالى مكنه في البلاد وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد وفتح له مكة وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه واستقر أمره على سائر جزيرة العرب وكذلك اليمن والبحرين وكل ذلك في حياته ثم فتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه رضي الله عنهم أجمعين, كما قال الله تعالى: "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" وقال " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".
وقال تعالى إخباراً عن رسله " فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين * ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد " وقال تعالى: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً", الاية وقد فعل الله ذلك بهذه الأمة المحمدية وله الحمد والمنة أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً .
134- " إنما توعدون " من البعث والمجازاة "لآت" لا محالة فإن الله لا يخلف الميعاد "وما أنتم بمعجزين" أي بفائتين عن ما هو نازل بكم، وواقع عليكم: يقال أعجزني فلان: أي فاتني وغلبني.
134- " إنما توعدون "، أي: ما توعدون من مجيء الساعة والحشر، " لآت "، كائن " وما أنتم بمعجزين "، أي: بفائتين، يعني: يدرككم حيث ما كنتم .
134" إنما توعدون " من البعث وأحواله " لآت" لكائن لا محالة " وما أنتم بمعجزين " طالبكم به.
134. Lo! that which ye are promised will surely come to pass, and ye cannot escape.
134 - All that hath been promised unto you will come to pass: nor can ye frustrate it (in the least bit).