[المجادلة : 8] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ
8 - (ألم تر) تنظر (إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) هم اليهود نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلون من تناجيهم أي تحدثهم سرا ناظرين إلى المؤمنين ليوقعوا في قلوبهم الريبة (وإذا جاؤوك حيوك) أيها النبي (بما لم يحيك به الله) وهو قولهم السام عليك أي الموت (ويقولون في أنفسهم لولا) هلا (يعذبنا الله بما نقول) من التحية وأنه ليس بنبي إن كان نبيا (حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير) هي
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان قال كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة فكانوا إذا مر بهم رجل من أصحابه جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكرهه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا فأنزل الله ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى الآية
وأخرج احمد والبزار والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمرو أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله وفي الباب عن أنس وعائشة
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى " من اليهود " ثم يعودون " فقد نهى الله عز وجل إياهم عنها ، ويتناجون بينهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكره من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى " قال اليهود .
وقوله : " ثم يعودون لما نهوا عنه " يقول جل ثناؤه : ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى " ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول " يقول جل ثناؤه : ويتناجون بما حرم الله عليهم من الفواحش والعدوان ، وذلك خلاف أمر الله ومعصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
واختلفت القراء في قراءة قوله " ويتناجون " فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين والبصريين ، " ويتناجون " على مثال يتفاعلون ، وكان يحيى و حمزة و الأعمش يقرءون ( وينتجون ) على مثال يفعلون ، واعتل الذين قرءوه " يتناجون " بقوله : " إذا تناجيتم " ولم يقل : إذا انتجيتم .
وقوله : " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى ، الذين وصف الله جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيوك بغير التحية التي جعلها الله لك تحية ، وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها التي أخبر الله أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الأخبار ، أنهم كانوا يقولون : السام عليك .
ذكر الرواية الواردة بذلك :
حدثنا ابن حميد و ابن وكيع قالا : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، " عن عائشة قالت : جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم ، فقلت : السام عليكم ، وفعل الله بكم وفعل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ، فقلت : يا رسول الله ، ألست ترى ما يقولون ؟ فقال : ألست ترينني أرد عليهم ما يقولون ؟ أقول : عليكم " ، وهذه الآية في ذلك نزلت " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، " عن عائشة قالت : كان اليهود يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون : السام عليكم ، فيقول : عليكم ، قالت عائشة : السام عليكم وغضب الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يحب الفاحش المتفحش ، قالت : إنهم يقولون : السام عليكم ، قال : إني أقول : عليكم ، فنزلت : " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال : فإن اليهود يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون : السام عليكم " .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال : كانت اليهود يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : السام عليكم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " إلى " فبئس المصير " قال : كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه : سام عليكم ، قال الله : " حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال : يقولون : سام عليكم ، قال : هم أيضاً يهود .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " حيوك بما لم يحيك به الله " قال : اليهود كانت تقول : سام عليكم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري " أن عائشة فطنت إلى قولهم ، فقالت : وعليكم السام واللعنة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، فقالت : يا نبي الله ألم تسمع ما يقولون ؟ قال : أفلم تسمعي ما أرد عليهم ؟ أقول عليكم " .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " عن أنس بن مالك : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه ، إذ أتى عليهم يهودي ، فسلم عليهم ، فردوا عليه ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم ، هل تدرون ما قال ؟ قالوا سلم يا رسول الله ، قال : بل قال : بل قال : سام عليكم ، أي تسأمون دينكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أقلت سأم عليكم ؟ قال : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا وعليك : أي عليك ما قلت " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال : هؤلاء يهود ، جاء ثلاثة نفر منهم إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم ، فتناجوا ساعة ، ثم استأذن أحدهم ، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : السام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليك ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، قال ابن زيد : السام : الموت .
وقوله جل ثناؤه : " ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول " يقول جل ثناؤه : ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود : هلا يعاقبنا الله بما نقول لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيعجل عقوبته لنا على ذلك ! يقول الله : حسب قائلي ذلك يا محمد جهنم ، وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة ، فبئس المصير جهنم .
فيه ثالث مسائل :
قاله تعالى : " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى " قيل : إن هذا في اليهود والمنافقين حسب ما قدمناه . وقيل : في المسلمين .قال ابن عباس : يزلت في اليهود والمنافيقين كانوا يتناجون فيما بينهم ، ونظرون للمؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فيقول المؤمنون : لعلهم بلغهم عن إخواننا وقرابتنا من المهاجرين والأنصار قتل أو مصيبة أوهزيمة ، ويسوئهم ذلك فكثر شكواهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فنزلت . و"قال مقاتل : كان بين النبي صلى الله عليه وسلم واليهود موادعة ، فإذا مر بهم رجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمنين شرا ، فيعرج عن طريقه ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينتهوا فنزلت " .و"قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم :كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسأله الحاجة وناجيه والأرض يومئذ حرب ، فيتوهون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهم فيفزعون لذلك فنزلت ".
الثانية " روى أبو سعيد الخدري قال :
كنا ذات ليلة نتحدث إذا خرج علينا رسول الله صلى الله علية وسلم فقال : ماهذه النجوى ألم تنهوا عن النجوى فقلنا: تبنا إلى الله يارسول الله ، إنا كنافي ذكر المسيخ _ يعني الدجال - فرقا منه . فقال : ألا أخبركم بما هو أخوف عندي منه قلنا :بلى يارسول الله ، قال الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل "ذكره الماوردي .وقرأ حمزة و خلف و رويس عن يعقوب وينتجون في وزن يفتعلون وهي قراءة أبو عبد الله و أبو حاتم ، لقوله تعالى : " إذا تناجيتم " و "تناجوا " .النحاس : ويحكى سيبويه أن يفاعلوا وافتعلوا وافتعلوا يأت يان بمعنى واحد ، نحو تخاصموا واختصموا ، وتقاتلوا واتتلوا فعلى هذا يتناجون وينتجون واحد . ومعنى " بالإثم والعدوان " أي الكذب والظلم ." ومعصية الرسول " أي مخالفته .وقرأ الضحاك و مجاهد و حميد ومعصيات الرسول بالجمع .
الثالثة قوله تعالى : " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " لاخلاف بين النقلة أن المراد بها اليهود ، كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون السام عليك . يريدون بذلك السلام ظاهرا وهم يعنون الموت باطنا ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عليكم في رواية ، وفي رواية أخرى وعليكم .قال ابن العربي : وهي مشكلة .وكانوا يقولون : لو كان محمد نبيا لما أمهلنا الله بسبه والاستخفاف به ، وجهلوا أن الباري تعالى حليم ال يعاجل من سيه ، فكيف من سب نبيه .وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال : لا أحد أصبر على الأذى من الله يدعون له الصاحبة والولد وهو يعافيهم ويرزقهم " فأنزل الله تعالى هذا كشفا لسرائرهم ،وفضحا لباطنهم ،معجزة لرسول الله صلى الله علية وسلم .
وقد ثبت عن قتادة "عن أنس :
أن يهوديا أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىأصحابه فقال :السام عليكم . فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أتدرون ماقال هذا
قالوا : الله ورسوله أعلم .قال : قال كذا ردوه علي فردوه ، قال : قلت السام عليكم قال : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليك ما قلت " فأنزل الله تعالى : " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " .
قلت : خرجه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح .وثبت "عن عائشة أنها قالت :
جاء أناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك يا أبا القاسم . فقلت : السام عليكم وفعل الله بكم وفعل .فقال عليه السلام : مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش فقلت :يارسول الله الست ترى مايقولون ؟! فقال : ألست ترين أرد عليهم ما يقولون أقول وعليكم " فنزلت هذه الآية " بما لم يحيك به الله " أي إن الله سلم عليك وهم يقولون السام عليك ، والسام الموت . خرجه البخاري و مسلم بمعناه .
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
" قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " كذا الرواية وعليكم بالواو وتكلم عليها العلماء ، لأن الواو العاطفة يقتضي الشريك فيلزم منه أن يدخل معهم فيما دعوا به لنا من الموت ، أو من سآمة ديننا وهو الملال . يقال : سئم يسأم سآمة وسآما . فقال بعضهم : الواو زائدة كما زيدت في قول الشاعر :
فلما أجزمنا ساحة الحي وانتحى
أي لما أجزنا انتحى فزال الواو :وقال بعضهم :هي للاستئناف ، كأنه قال : والسام عليكم وقال بعضهم: هي على بابها من العطف ولا يضرنا ذلك ، لأنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا ، كما قال النبي صلى الله علية وسلم. روى [أبو] الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول :
" سلم ناس من يهود علىرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا :السام عليك يا أبا القاسم ، فقال : وعليكم فقالت عائشة وغضبت : ألم تسمع ما قالوا ؟ قال : بلى قد سمعت فرددت عليهم وإنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا " خرجه مسلم .وراية الواو أحسن معنى ، وإثباتها أصح رواية وأشهر .
وقد اختلف في رد السلام على أهل الذمة هل هو واجب كالرد على المسلمين ، وإليه ذهب ابن عباس والشعبي وقتادة ، لأمر بذلك .وذهب مالك فيما روى عنه أشهب وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب فإن رددت فقل عليك . وقد اختار ابن طاوس أن يقول في الرد عليهم : علاك السلام أي ارتفع عنك . واختار بعض أصحابنا : السلام بكسر السين يعني الحجارة .وما قاله مالك أولى اتباعا للسنة ، والله وروى مسروق "عن عائشة قالت : أتى النبي صلى الله عليه وسلم ناس من اليهود ، فقالوا :السام عليك يا أبا القاسم ، قال : وعليكم قالت عائشة قلت عليك السام والذام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا عائشة لا تكوني فاحشة فقالت : ما سمعت ما قالوا ! فقال : أو ليس قد رددت عليهم الذي قالوا قلت وعليكم . وفي رواية قال : ففطنت بهم عائشة فسبتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه يا عائشة فإن الله لا يحبت الفحش والتفحش " وزاد فأنزل الله تبارك وتعالى : " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " إلى آخر الآية . الذام بتخفيف الميم هو العيب ، وفي المثل ( لا تعدم الحسنا ء ذاما ) أي عيبا ، ويهمز ولا يهمز ، يقال :ذأمه يذأمه ، مثل ذأب يذأب ، والمفعول مذؤوم مهموزا ، ومنه " مذؤوما مدحورا " [الاعراف : 18 ] ويقال :ذامه يذومه مخففا كرامه يرومه .
قوله تعالى : " ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول " قالوا : لوكان محمد نبيا لعذبنا الله بما نقول فهلا يعذبنا الله . وقيل : قالوا إن يرد علينا ويقول وعليكم السام والسام الموت ،فلو كان نبيا لاستجيب له فينا ومتنا . وهذا موضع تعجب منهم ، فإنهم كانوا أهل كتاب ، وكانوا يعلمون أن الأنبياء قد يغضبون فلا يعاجل من يغضبهم العذاب . " حسبهم جهنم " أي كافيهم جهنم عقابا غدا " فبئس المصير " أين المرجع .
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه" قال اليهود, وكذا قال مقاتل بن حيان وزاد: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة, وكانوا إذا مر بهم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره المؤمن, فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم, فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى, فأنزل الله تعالى: "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري, عن أبيه عن جده قال: كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت عنده يطرقه من الليل أمر وتبدو له حاجة فلما كانت ذات ليلة كثر أهل النوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث, فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذه النجوى ؟ ألم تنهوا عن النجوى ؟" قلنا: تبنا إلى الله يا رسول الله, إنا كنا في ذكر المسيح فرقاً منه. فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه ؟" قلنا: بلى يا رسول الله! قال: "الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل" هذا إسناد غريب وفيه بعض الضعفاء .
وقوله تعالى: "ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" أي يتحدثون فيما بينهم "بالإثم" وهو ما يختص بهم "والعدوان" وهو ما يتعلق بغيرهم, ومنه معصية الرسول ومخالفته يصرون عليها ويتواصون بها وقوله تعالى: " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن مسروق عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة: وعليكم السام قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش" قلت: ألا تسمعهم يقولون السام عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أو ما سمعت أقول وعليكم" فأنزل الله تعالى: " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم: عليكم السام والذام واللعنة, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا".
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي, فسلم عليهم فردوا عليه فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم "هل تدرون ما قال ؟" قالوا سلم يا رسول الله قال "بل قال سام عليكم" أي تسامون دينكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ردوه" فردوه عليه فقال نبي الله "أقلت سام عليكم ؟" قال: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليك" أي عليك ما قلت, وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة بنحوه .
وقوله تعالى: "ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول" أي يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام وإنما هو شتم في الباطن, ومع هذا يقولون في أنفسهم لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول له في الباطن لأن الله يعلم ما نسره, فلو كان هذا نبياً حقاً لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا فقال الله تعالى: "حسبهم جهنم" أي جهنم كفايتهم في الدار الاخرة "يصلونها فبئس المصير", وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمر, أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سام عليكم, ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ؟ فنزلت هذه الاية " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " إسناد حسن ولم يخرجوه .
وقال العوفي عن ابن عباس " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه سام عليك, قال الله تعالى: "حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير" ثم قال الله تعالى مؤدباً عباده المؤمنين أن لا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين "يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" أي كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مالأهم على ضلالهم من المنافقين "وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون" أي فيخبركم بجميع أعمالكم وأقوالكم التي قد أحصاها عليكم وسيجزيكم بها, قال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: أخبرنا همام عن قتادة عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا, وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته, وأما الكفار والمنافقون فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين" أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة .
ثم قال تعالى: "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون" أي إنما النجوى وهي المسارة حيث يتوهم مؤمن بها سوءاً "من الشيطان ليحزن الذين آمنوا" يعني إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه "ليحزن الذين آمنوا" أي ليسوءهم وليس ذلك بضارهم شيئاً إلا بإذن الله ومن أحس من ذلك شيئاً فليستعذ بالله وليتوكل على الله فإنه لا يضره شيء بإذن الله .
وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن, كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه" انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي كامل, كلاهما عن حماد بن زيد عن أيوب به .
8- " ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " هؤلاء الذين نهوا، ثم عادوا لما نهوا عنه هم من تقدم ذكره من المنافقين واليهود. قال مقاتل: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود مواعدة، فإذا مر بهم الرجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمن شراً، فنهاهم الله فلم ينتهوا، فنزلت. وقال ابن زيد: كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسأله الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهم فيفزعون لذلك "ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول" قرأ الجمهور "يتناجون" بوزن يتفاعلون.
8- "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى"، نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم، يوهمون المؤمنين أنهم يتناجون فيما يسوؤهم، فيحزنون لذلك ويقولون ما نراهم إلا وقد بلغهم عن إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو هزيمة، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلما طال ذلك عليهم وكثر شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم فأنزل الله: "ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى" أي المناجاة "ثم يعودون لما نهوا عنه"، أي يرجعون إلى المناجاة التي نهوا عنها "ويتناجون"، قرأ الأعمش وحمزة: و ينتجون، على وزن يفتعلون، وقرأ الآخرون يتناجون، لقولهن: "إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول"، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهاهم عن النجوى فعصوه، "وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله"، وذلك أن اليهود كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم "ويقولون": السام عليك. والسام: الموت، وهم يوهمونه أنهم يقولون: السلام عليك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم فيقول: عليكم، فإذا خرجوا قالوا: "في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول"، يريدون: لو كان نبياً حقاً لعذبنا الله بما نقول، قال الله عز وجل: "حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا أبو أيوب عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: "أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: السام عليك، قال: وعليكم، فقالت عائشة: السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في".
8-" ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه " ، نزلت في اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون باعينهم إذا رأوا المؤمنين فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عادوا لمثل فعلهم . " ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول " أي بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ، وقرأ حمزة وينتجون وهو يفتعلون من النجوى وروي عن يعقوب مثله . " وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله " فيقولون السام عليك ، أو أنعم صباحاً والله تعالى يقول : " وسلام على عباده الذين اصطفى " . " ويقولون في أنفسهم " فيما بينهم ." لولا يعذبنا الله بما نقول " هلا يعذبنا الله بذلك لو كان محمد نبياً . " حسبهم جهنم " عذاباً . " يصلونها . " يدخلونها . " فبئس المصير " جهنم .
8. Hast thou not observed those who were forbidden conspiracy and afterward returned to that which they had been forbidden, and (now) conspire together for crime and wrongdoing and disobedience toward the messenger? And when they come unto thee they greet thee with a greeting wherewith Allah greeteth thee not, and say within themselves: Why should Allah punish us for what we say? Hell will suffice them; they will feel the heat thereof. A hapless journey's end!
8 - Turnest thou not thy sight towards those who were forbidden secret counsels yet revert to that which they were forbidden (to do)? And they hold secret counsels among themselves for iniquity and hostility, and disobedience to the Apostle. And when they come to thee, they salute thee, not as God salutes thee, (but in crooked ways): and they say to themselves, Why does not God punish us for our words? Enough for them is Hell: in it will they burn, and evil is that destination!