[المجادلة : 17] لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
17 - (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله) من عذابه (شيئا) من الاغناء (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
يقول تعالى ذكره : لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم ، فيفتدوا بها من عذاب الله المهين لهم ولا أولادهم ، فينصرونهم ، ويستنقذونهم من الله إذا عاقبهم " أولئك أصحاب النار " يقول : هؤلاء الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ، وهم المنافقون ، أصحاب النار ، يعني أهلها الذين هم فيها خالدون ، يقول : هم في النار ماكثون إلى غير نهاية .
قوله تعالى : " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا " أي من عذابه شيئا . وقال مقاتل : قال المنافقون إن محمدا يزعم أنه ينصر يوم القيامة ،لقد شقينا إذا ! فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأولادنا وأموالنا إن كانت قيامة . فنزلت : " يوم يبعثهم الله جميعا " أي لهم عذاب مهين يوم يبعثهم " فيحلفون له كما يحلفون لكم " اليوم . وهذا أمر عجيب وهو مغالطتهم بالنيمن غدا ، وقد صارت المعارف ضرورية . وقال ابن عباس : هو قولهم " والله ربنا ما كنا مشركين " [الأنعام : 23 ] . " ويحسبون أنهم على شيء " بإنكارهم وحلفهم . قال أبن زيد : ظنوا أنهم ينفعهم في الآخرة . وقيل : " ويحسبون " في الدنيا "أنهم على شيء " لأنهم في الآخرة يعلمون الق باضطرار .والاول أظهر . و"عن ابن عباس قال النبي صلى عليه وسلم :
ينادي مناد يوم القيامة أين خصماء الله فتقوم القدرية مسودة وجوههم مزرقة أعينهم مائلة شدقهم يسيل لعابهم فيقولون والله ماعبدنا من دونك شمسا ولا قمرا لاصنما ولاوثنا ،ولا اتخذنا من دونك إلها " .قال ابن عباس : صدقوا والله ! أتاهم الشرك من حيث لايعلمون ، ثم تلا " ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون " هم والله القدرية . ثلاثا
يقول الله تعالى منكراً على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن. وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين كما قال تعالى: "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً" وقال ههنا: "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم" يعني اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن ثم قال تعالى: "ما هم منكم ولا منهم" أي هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون, ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود, ثم قال تعالى: "ويحلفون على الكذب وهم يعلمون" يعني المنافقين يحلفون على الكذب, وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس, ولا سيما في مثل حالهم اللعين عياذاً بالله منه, فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا, وإذا جاؤوا الرسول حلفوا له بالله إنهم مؤمنون, وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به, لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه وإن كان في نفس الأمر مطابقاً, ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك .
ثم قال تعالى: "أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون" أي أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة وهي موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين, وغشهم, ولهذا قال تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة, فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم, فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس "فلهم عذاب مهين" أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الخانثة, ثم قال تعالى: "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً" أي لن يدفع ذلك عنهم بأساً إذا جاءهم "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ثم قال تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعاً" أي يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحداً "فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء" أي يحلفون باالله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه, ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ولهذا قال: "ويحسبون أنهم على شيء" أي حلفهم بذلك لربهم عز وجل.
ثم قال تعالى: منكراً عليهم حسبانهم "ألا إنهم هم الكاذبون" فأكد الخبر عنهم بالكذب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن نفيل, حدثنا زهير عن سماك بن حرب, حدثني سعيد بن جبير, أن ابن عباس حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كاد يقلص عنهم الظل قال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه" فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله فكلمه فقال: "علام تشتمني أنت وفلان وفلان" نفر دعاهم بأسمائهم, قال فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه, قال فأنزل الله عز وجل "فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".
وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين عن سماك به, ورواه ابن جرير عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن سماك به نحوه, وأخرجه أيضاً من حديث سفيان الثوري عن سماك بنحوه إسناد جيد ولم يخرجوه, وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول: " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " ثم قال تعالى: "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله" أي استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله عز وجل, وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه, ولهذا قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا زائدة, حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري, عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية" قال زائدة: قال السائب: يعني الصلاة في الجماعة. ثم قال تعالى: "أولئك حزب الشيطان" يعني الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ثم قال تعالى: "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".
17- "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً" أي لن تغني عنهم من عذابه شيئاً من الإغناء قال مقاتل. قال المنافقون: إن محمداً يزعم أنه ينصر يوم القيامة لقد شقينا إذن، فوالله لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا إن كانت قيامة فنزلت الآية "أولئك" الموصوفون بما ذكر "أصحاب النار" لا يفارقونها "هم فيها خالدون" لا يخرجون منها.
17- "لن تغني عنهم"، يوم القيامة، "أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
17-" لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " قد سبق مثله .
17. Their wealth and their children will avail them naught against Allah. Such are rightful owners of the Fire; they will abide therein.
17 - Of no profit whatever to them, against God, will be their riches nor their sons: they will be Companions of the Fire, to dwell therein (for aye).