[المجادلة : 14] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
14 - (ألم تر) تنظر (إلى الذين تولوا) هم المنافقون (قوما) هم اليهود (غضب الله عليهم ما هم) أي المنافقون (منكم) من المؤمنين (ولا منهم) من اليهود بل هم مذبذبون (ويحلفون على الكذب) أي قولهم إنهم مؤمنون (وهم يعلمون) أنهم كاذبون فيه
واخرج ابن ابي حاتم عن السدي في قوله ألم تر إلى الذين تولوا قوما الآية قال بلغنا نزلت أنها في عبد الله بن نبتل
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تنظر بعين قلبك يا محمد ، فترى إلى القوم الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ، وهو المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم " إلى آخر الآية ، قال : هم المنافقون تولوا اليهود وناصحوهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " تولوا قوما غضب الله عليهم " قال : هم اليهود تولاهم المنافقون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عز وجل " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم " قال : هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود ، وقرأ قول الله " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب " [ الحشر : 11 ] ، حتى بلغ " والله يشهد إنهم لكاذبون " [ الحشر : 11 ] ، لئن كان ذلك لا يفعلون وقال : هؤلاء المنافقون قالوا : لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونون معاً لنصرتنا وعزنا ، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة ، فقال الله عز وجل " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " [ المائدة : 52 ] ، حتى بلغ " في صدورهم من الله " [ الحشر : 13 ] ، وقرأ حتى بلغ " أو من وراء جدر " [ الحشر : 14 ] ، قال : لا يبرزون .
وقوله " ما هم منكم " يقول تعالى ذكره : ما هؤلاء الذين تولوا هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم منكم يعني : من أهل دينكم وملتكم ، ولا منهم ، ولا هم من اليهود الذين غضب الله عليهم ، وإنما وصفهم بذلك منكم جل ثناؤه لأنهم منافقون ، إذا لقوا اليهود قالوا : " إنا معكم إنما نحن مستهزئون " " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا " [ البقر : 14 ] .
وقوله " ويحلفون على الكذب وهم يعلمون " يقول تعالى ذكر : ويحلفون على الكذب ، وذلك قولهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نشهد إنك لرسول الله وهم كاذبون غير مصدقين به ، ولا مؤمنين به ، كما قال جل ثناؤه " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " [ المنافقون : 1 ] ، وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل منهم عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر بلغه عنه ، فحلف كذباً .
ذكر الخبر الذي روي بذلك :
حدثنا ابن المثنى : قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدخل عليكم رجل ينظر بعين شيطان ، أو بعيني شيطان ، قال : فدخل رجل أزرق ، فقال له ، علام تسبني أو تشتمني ؟ قال : فجعل يحلف ، قال : فنزلت هذه الآية التي في المجادلة " ويحلفون على الكذب وهم يعلمون " " ، والآية الأخرى .
قوله تعالى : " ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم " قال قتادة: هم المنافقون تولوا اليهود " ما هم منكم ولا منهم " يقول : ليس المنافقون من اليهود ولامن المسلمين إليهم ." قال السدري ومقاتل : نزل في عبد الله بن أبي وعبد الله بن نبتل المنافقين ، كان أحدهما يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ،فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجراته إذا قال : يدخل عليكم الأن رجل قلته قلب جبار وينظر بعيني شيطان فدخل عبد الله بن نبتل - وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية - فقال عليه الصلاة والسلام :علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : فعلت فانطلق قجاء بأصحابه فحلفوا بالله ماسبوه، فنزلت هذه الآية " . وقال معناه ابن عباس . "روى عكرمة عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة قد كاد الظل يتقلص عنه إذا قال : يجيئكم الساعة رجل أزرق نيظر إليكم نظر الشيطان فنحن علىذلك إذا أقبل رجل أزرق ، فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : علام تشتمني أنت واصحابك قال : دعني أجيئك بهم . فمر فجاء بهم فحلفوا جميعا أنه ماكان من ذلك شيء ، فأنزل الله عز وجل : " يوم يبعثهم الله جميعا " إل قوله : " هم الخاسرون " "واليهود مذكرون في القرآن بـ" غضب الله عليهم " .
يقول الله تعالى منكراً على المنافقين في موالاتهم الكفار في الباطن. وهم في نفس الأمر لا معهم ولا مع المؤمنين كما قال تعالى: "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً" وقال ههنا: "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم" يعني اليهود الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن ثم قال تعالى: "ما هم منكم ولا منهم" أي هؤلاء المنافقون ليسوا في الحقيقة منكم أيها المؤمنون, ولا من الذين يوالونهم وهم اليهود, ثم قال تعالى: "ويحلفون على الكذب وهم يعلمون" يعني المنافقين يحلفون على الكذب, وهم عالمون بأنهم كاذبون فيما حلفوا وهي اليمين الغموس, ولا سيما في مثل حالهم اللعين عياذاً بالله منه, فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا, وإذا جاؤوا الرسول حلفوا له بالله إنهم مؤمنون, وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به, لأنهم لا يعتقدون صدق ما قالوه وإن كان في نفس الأمر مطابقاً, ولهذا شهد الله بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك .
ثم قال تعالى: "أعد الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون" أي أرصد الله لهم على هذا الصنيع العذاب الأليم على أعمالهم السيئة وهي موالاة الكافرين ونصحهم ومعاداة المؤمنين, وغشهم, ولهذا قال تعالى: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله" أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوا بالأيمان الكاذبة, فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم, فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس "فلهم عذاب مهين" أي في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الخانثة, ثم قال تعالى: "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً" أي لن يدفع ذلك عنهم بأساً إذا جاءهم "أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" ثم قال تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعاً" أي يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحداً "فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء" أي يحلفون باالله عز وجل أنهم كانوا على الهدى والاستقامة كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا لأن من عاش على شيء مات عليه وبعث عليه, ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند الله كما كان ينفعهم عند الناس فيجرون عليهم الأحكام الظاهرة ولهذا قال: "ويحسبون أنهم على شيء" أي حلفهم بذلك لربهم عز وجل.
ثم قال تعالى: منكراً عليهم حسبانهم "ألا إنهم هم الكاذبون" فأكد الخبر عنهم بالكذب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن نفيل, حدثنا زهير عن سماك بن حرب, حدثني سعيد بن جبير, أن ابن عباس حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين قد كاد يقلص عنهم الظل قال: "إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه" فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله فكلمه فقال: "علام تشتمني أنت وفلان وفلان" نفر دعاهم بأسمائهم, قال فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا له واعتذروا إليه, قال فأنزل الله عز وجل "فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون".
وهكذا رواه الإمام أحمد من طريقين عن سماك به, ورواه ابن جرير عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن سماك به نحوه, وأخرجه أيضاً من حديث سفيان الثوري عن سماك بنحوه إسناد جيد ولم يخرجوه, وحال هؤلاء كما أخبر الله تعالى عن المشركين حيث يقول: " ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين * انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " ثم قال تعالى: "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله" أي استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى أنساهم أن يذكروا الله عز وجل, وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه, ولهذا قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا زائدة, حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري, عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية" قال زائدة: قال السائب: يعني الصلاة في الجماعة. ثم قال تعالى: "أولئك حزب الشيطان" يعني الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ثم قال تعالى: "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون".
قوله: 14- "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً" أي والوهم. قال قتادة: هم المنافقون تولوا اليهود. وقال السدي ومقاتل: هم اليهود تولوا المنافقين، ويدل على الأول قوله: "غضب الله عليهم" فإن المغضوب عليهم اليهود، ويدل على الثاني قوله: "ما هم منكم ولا منهم" فإن هذه صفة المنافقين، كما قال الله فيهم "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء" وجملة "ما هم منكم ولا منهم" في محل نصب على الحال أو هي مستأنفة "ويحلفون على الكذب" أي يحلفون أنهم مسلمون، أو يحلفون أنهم ما نقلوا الأخبار إلى اليهود، والجملة عطف على تولوا داخلة في حكم التعجيب من فعلهم، وجملة "وهم يعلمون" في محل نصب على الحال: أي والحال أنهم يعلمون بطلان ما حلفوا عليه، وأنه كذب لا حقيقة له.
14- "ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم"، نزلت في المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم وثقلوا أسرار المؤمنين إليهم. وأراد بقوله: "غضب الله عليهم" اليهود، "ما هم منكم ولا منهم"، يعني المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاء، ولا من اليهود والكافرين، كما قال: "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء" (النساء- 143).
"ويحلفون على الكذب وهم يعلمون"، قال السدي ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات، فقال: "ويحلفون على الكذب وهم يعلمون" / أنهم كذبة".
14-" ألم تر إلى الذين تولوا " والوا ." قوماً غضب الله عليهم " يعني اليهود . " ما هم منكم ولا منهم " لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك . " ويحلفون على الكذب " وهو ادعاء الإسلام . " وهم يعلمون " أن المحلوف عليه كذب كمن يحلف بالغموس ، وفي هذا التقييد دليل على أن الكذب يعم ما يعلم المخبر عدم مطابقته وما لا يعلم . وروي "أنه عليه الصلاة والسلام كان في حجرة من حجراته فقال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان ، فدخل عبد الله بن نبتل المنافق وكان أزرق فقال عليه الصلاة والسلام له : علام تشمتني أنت وأصحابك ،فحلف بالله ما فعل ثم جاء بأصحابه فحلفوا فنزلت " .
14. Hast thou not seen those who take for friends a folk with whom Allah is wroth? They are neither of you nor of them, and they swear a false oath knowingly.
14 - Turnest thou not thy attention to those who turn (in friendship) to such as have the Wrath of God upon them? They are neither of you nor of them, and they swear to falsehood knowingly.