[الحديد : 6] يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
6 - (يولج الليل) يدخله (في النهار) فيزيد وينقص الليل (ويولج النهار في الليل) فيزيد وينقص النهار (وهو عليم بذات الصدور) بما فيها من الأسرار والمعتقدات
وقوله " يولج الليل في النهار " يعني بقوله " يولج الليل في النهار " يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار فيجعله زيادة في ساعاته " ويولج النهار في الليل " يقول : ويدخل ما نقص من ساعات النهار في الليل فيجعله زيادة في ساعات الليل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
وقد ذكرنا الرواية بما قالوا فيما مضى من كتابنا هذا غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكر هنالك إن شاء الله تعالى .
حدثنا هناد بن السري قال : ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة في قوله " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " قال : قصر هذا في طول هذا وطول هذا في قصر هذا .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا مؤمل قال : ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم في قوله : " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " قال : دخول الليل في النهار ودخول النهار في الليل .
حدثني أبو السائب قال : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم في قوله " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " قال : قصر أيام الشتاء في طول ليله وقصر ليل الصيف في طول نهاره .
وقوله " وهو عليم بذات الصدور " يقول : وهو ذو علم بضمائر صدور عباده وما عزمت عليه نفوسهم من خير أو شر أو حدثت بهما أنفسهم لا يخفى عليه من ذلك خافية .
قوله تعالى " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " تقدم في آل عمران ." وهو عليم بذات الصدور " أي لا تخفى عله الضمار ، ومن كان بهذه الصفة فلا يجوز أن يعبد من سواه .
يخبر تعالى عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام, ثم أخبر تعالى باستوائه على العرش بعد خلقهن, وقد تقدم الكلام على هذه الاية وأشباهها في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته ههنا. وقوله تعالى: "يعلم ما يلج في الأرض" أي يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر "وما يخرج منها" من نبات وزرع وثمار كما قال تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" وقوله تعالى: "وما ينزل من السماء" أي من الأمطار. والثلوج والبرد والأقدار. والأحكام مع الملائكة الكرام. وقد تقدم في سورة البقرة أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر لله به حيث يشاء الله تعالى. وقوله تعالى, "وما يعرج فيها" أي من الملائكة والأعمال كما جاء في الصحيح "يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل". وقوله تعالى: " وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير " أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم براً أو بحراً, في ليل أو نهار في البيوت أو القفار, الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ويرى مكانكم, ويعلم سركم ونجواكم كما قال تعالى: "ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور".
وقال تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" فلا إله غيره ولا رب سواه, وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل لما سأله عن الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة: حدثني أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه عن عبد الرحمن بن عائذ قال: قال عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال زودني حكمة أعيش بها فقال: "استح الله كما تستحي رجلاً من صالحي عشيرتك لا يفارقك" هذا حديث غريب, وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن علوية العامري مرفوعاً "ثلاث من فعلهن فقد طعم الإيمان إن عبد الله وحده وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام, ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا الشرط اللئيمة ولا المريضة, ولكن من أوسط أموالكم وزكى نفسه" وقال رجل: يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه ؟ فقال: "يعلم أن الله معه حيث كان". وقال نعيم بن حماد رحمه الله: حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم, عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت" غريب, وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى ينشد هذين البيتين:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعـــــــة ولا أن ما تخفي عليه يغيب
وقوله تعالى: "له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور" أي هو المالك للدنيا والاخرة كما قال تعالى: " وإن لنا للآخرة والأولى " وهو المحمود على ذلك كما قال تعالى: " وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة " وقال تعالى: " الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير ", فجميع ما في السموات والأرض ملك له, وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه كما قال تعالى: " إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا " ولهذا قال: "وإلى الله ترجع الأمور" أي إليه المرجع يوم القيامة فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة بل إن يكن عمل أحدهم حسنة واحدة يضاعفها إلى عشرة أمثالها "ويؤت من لدنه أجراً عظيماً" وكما قال تعالى: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" وقوله تعالى: "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" أي هو المتصرف في الخلق يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء, فتارة يطول الليل ويقصر النهار وتارة بالعكس, وتارة يتركهما معتدلين, وتارة يكون الفصل شتاءً ثم ربيعاً ثم قيظاً ثم خريفاً, وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه "وهو عليم بذات الصدور" أي يعلم السرائر وإن دقت وإن خفيت.
6- "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل" قد تقدم تفسير هذا في سورة آل عمران، وفي مواضع "وهو عليم بذات الصدور" أي بضمائر الصدور ومكنوناتها، لا يخفى عليه من ذلك خافية.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والترمذي والبيهقي عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فقال: "قوله: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، وربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر". وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة من وجه آخر مرفوعاً مثل هذا في الأربعة الأسماء المذكورة وتفسيرها. وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس يسألون عن كل شيء حتى يقولوا: هذا الله كان قبل كل شيء، فماذا كان قبل الله؟ فإن قالوا لكم ذلك فقولوا: هو الأول قبل كل شيء، والآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فوق كل شيء، وهو الباطن دون كل شيء، وهو بكل شيء عليم". وأخرج أبو داود عن أبي زميل قال: سألت ابن عباس فقلت: ما شيء أجده في صدري، قال ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به، قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال حتى أنزل الله " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك " الآية قال: وقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابي عباس في قوله: " وهو معكم أين ما كنتم " قال: عالم بكم أينما كنتم.
6- "يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور".
6-" يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور " بمكنوناتها .
6. He causeth the night to pass into the day, and He causeth the day to pass into the night, and He is Knower of all that is in the breasts.
6 - He merges Night into Day, and He merges Day into Night; and He has full knowledge of the secrets of (all) hearts.