[الحديد : 15] فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
15 - (فاليوم لا يؤخذ) بالتاء والياء (منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم) أولى بكم (وبئس المصير) هي
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمنين لأهل النفاق بعد أن ميز بينهم في القيامة " فاليوم " أيها المنافقون " لا يؤخذ منكم فدية " يعني عوضا وبدلا يقول : لا يؤخذ ذلك منكم بدلا من عقابكم وعذابكم فيخلصكم من عذاب الله " ولا من الذين كفروا " يقول : ولا تؤخذ الفدية أيضاً من الذين كفروا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا " يعني المنافقين ولا من الذين كفروا .
حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " فاليوم لا يؤخذ منكم " من المنافقين " ولا من الذين كفروا " معكم " مأواكم النار " .
واختلفت القراء في قراءة قوله " فاليوم لا يؤخذ منكم فدية " فقرأت ذلك عامة القراء بالياء " يؤخذ " وقرأه أبو جعفر القارىء بالتاء .
وأولى القراءتين بالصواب الياء وإن كانت الأخرى جائزة .
وقوله : " مأواكم النار " يقول : مثواكم ومسكنكم الذي تسكنونه يوم القيامة النار .
وقوله : هي " مولاكم " يقول : النار أولى بكم .
وقوله : " وبئس المصير " يقول : وبئس مصير من صار إلى النار .
قوله تعالى : " فاليوم لا يؤخذ منكم فدية " أيها المنافقون " ولا من الذين كفروا " أيأسهم من النجاة . وقراءة العامة " يؤخذ " بالياء ، لأن التأنيث غير حقيقي ، ولأنه قد فصل بينهماوبين الفعل . وقرأ ابن عامر و يعقوب تؤخذ بالتاء واختاره أبو حاتم لتأنيث الفدية .والأول اختيار أبي عبيد، أي لايقبل منكم بدل ولاعوض ولانفس أخرى . " مأواكم النار " أي مقامكم ومنزلكم " هي مولاكم " أي أولي بكم ،والمولى من يتولى مصالح الإنسان ، ثم استعمل فيمن كان ملازما للشيء . وقيل : أي النار تملك أمرهم ، بمعنى أن الله تبارك وتعالى يركب فيها الحياة والعقل فهي تتميز غيظا على الكفار ، ولهذا خوكبت في قوله تعالى : " يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد "[ق: 30 ] ." وبئس المصير " . أي ساءت مرجعا ومصيرا .
يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة, بحسب أعمالهم كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: "يسعى نورهم بين أيديهم" قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط, منهم من نوره مثل الجبل, ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم, وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة, ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير, وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك حتى أن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه" وقال سفيان الثوري عن حصين, عن مجاهد, عن جنادة بن أبي أمية قال: إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم وحلالكم ونجواكم ومجالسكم, فإذا كان يوم القيامة, قيل: يافلان هذا نورك, يافلان لا نور لك, وقرأ "يسعى نورهم بين أيديهم".
وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطى نوراً يوم القيامة, فإذا انتهوا إلى الصراط طفىء نور المنافقين, فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفىء نور المنافقين فقالوا: ربنا أتمم لنا نورنا, وقال الحسن: "يسعى نورهم بين أيديهم" يعني على الصراط وقد قال ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب, أخبرنا عمي عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن مسعود أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث, أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود, وأول من يؤذن له برفع رأسه, فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم فقال له رجل: يانبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك ؟ فقال: أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم, وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم, وأعرفهم بسيماهم في وجوههم, وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم".
وقوله "وبأيمانهم" قال الضحاك أي وبأيمانهم كتبهم كما قال: "فمن أوتي كتابه بيمينه" وقوله: "بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار" أي قال لهم: بشراكم اليوم جنات أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار "خالدين فيها" أي ماكثين فيها أبداً "ذلك هو الفوز العظيم" وقوله: "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم" وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة والزلازل العظيمة, والأمور الفظيعة, وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبدة بن سليمان, حدثنا ابن المبارك, حدثنا صفوان بن عمرو, حدثني سليم بن عامر قال: خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي, فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات, وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا ـ يشير إلى القبر ـ بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله, ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة, فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من الله, فتبيض وجوه وتسود وجوه, ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة, ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نوراً, ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئاً, وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال: "أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور" فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير, ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا "انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً" وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين حيث قال: "يخادعون الله وهو خادعهم" فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً, فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم "بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب"
يقول سليم بن عامر: فما يزال المنافق مغتراً حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن, ثم قال: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عثمان, حدثنا ابن حيوة, حدثنا أرطاة بن المنذر, حدثنا يوسف بن الحجاج عن أبي أمامة قال: يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم فيتبعهم المنافقون فيقولون "انظرونا نقتبس من نوركم" وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً, فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه, وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة, فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ "انظرونا نقتبس من نوركم" فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون "ارجعوا وراءكم" من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا الحسن بن عرفة بن علوية القطان, حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار, حدثنا إسحاق بن بشر بن حذيفة, حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم ستراً منه على عباده, وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نوراً وكل منافق نوراً, فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات, فقال المنافقون انظرونا نقتبس من نوركم وقال المؤمنون ربنا أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً".
وقوله تعالى: "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" قال الحسن وقتادة: هو حائط بين الجنة والنار, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى: "وبينهما حجاب" وهكذا روي عن مجاهد رحمه الله وغير واحد وهو الصحيح " باطنه فيه الرحمة " أي الجنة وما فيها " وظاهره من قبله العذاب " أي النار قاله قتادة وابن زيد وغيرهما, قال ابن جرير وقد قيل إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال: حدثنا ابن البرقي, حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن السور الذي ذكره الله في القرآن "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب" وهو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم. ثم روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي بن الحسين زين العابدين نحو ذلك, وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالاً لذلك, لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين نفسه ونفس المسجد, وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم, فإن الجنة في السموات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين, وقول كعب الأحبار إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته, وإنما المراد بذلك السور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه, فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.
"ينادونهم ألم نكن معكم" أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات, ونقف معكم بعرفات, ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات ؟ "قالوا بلى" أي فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين: بلى قد كنتم معنا "ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني" قال بعض السلف: أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات وتربصتم أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت. وقال قتادة: "تربصتم" بالحق وأهله "وارتبتم" أي بالبعث بعد الموت "وغرتكم الأماني" أي قلتم سيغفر لنا وقيل غرتكم الدنيا "حتى جاء أمر الله" أي مازلتم في هذا حتى جاءكم الموت "وغركم بالله الغرور" أي الشيطان قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان والله مازالوا عليها حتى قذفهم الله في النار: ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين أنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها, وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلاً, قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم, وكانوا معهم أمواتاً ويعطون النور جميعاً يوم القيامة, ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ.
وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول, وهو أصدق القائلين " كل نفس بما كسبت رهينة *إلا أصحاب اليمين * في جنات يتساءلون * عن المجرمين * ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين " فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ. ثم قال تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" كما قال ههنا "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا" أي لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهباً ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه. وقوله تعالى: "مأواكم النار" أي هي مصيركم وإليها منقلبكم, وقوله تعالى: "هي مولاكم" أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير.
15- "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية" تفدون بها أنفسكم من النار أيها المنافقون "ولا من الذين كفروا" بالله ظاهراً وباطناً "مأواكم النار" أي منزلكم الذي تأوون إليه النار "هي مولاكم" أي هي أولى بكم، والمولى في الأصل من يتولى مصالح الإنسان ثم استعمل فيمن يلازمه، وقيل معنى مولاكم: مكانكم عن قرب، من الولي وهو القرب. وقيل إن الله [يركب] في النار الحياة والعقل، فهي تتميز غيظاً على الكفار، وقيل المعنى: هي ناصركم على طريقة قول الشاعر:
تحية بينهم ضرب وجيع
"وبئس المصير" الذي تصيرون إليه وهو النار.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود "يسعى نورهم بين أيديهم" قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة، وأدناهم نوراً من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويوقد أخرى. وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نوراً، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلهم من الله إلى الجنة، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا إلى النور تبعوهم، فأظلم الله على المنافقين، فقالوا حينئذ " انظرونا نقتبس من نوركم " فإنا كنا معكم في الدنيا، قال المؤمنون: "ارجعوا وراءكم" من حيث جئتم من الظلمة "فالتمسوا" هنالك النور. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه على عباده، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نوراً وكل منافق نوراً، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون "انظرونا نقتبس من نوركم" وقال المؤمنون "ربنا أتمم لنا نورنا"
فلا يذكر عند ذلك أحد أحداً" وفي الباب أحاديث وآثار. وأخرج عبد بن حميد عن عبادة بن الصامت: أنه كان على سور بيت المقدس فبكى، فقيل له ما يبكيك؟ فقال: هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله في القرآن "فضرب بينهم بسور" هو السور الذي ببيت المقدس الشرقي "باطنه فيه الرحمة" المسجد "وظاهره من قبله العذاب" يعني وادي جهنم وما يليه.
ولا يخفاك أن تفسير السور المذكور في القرآن في هذه الآية بهذا السور الكائن ببيت المقدس فيه من الإشكال ما لا يدفعه مقال، ولا سيما بعد زيادة قوله: باطنه في الرحمة المسجد، فإن هذا غير ما سيقت له الآية وغير ما دلت عليه، وأين يقع بيت المقدس أو سوره بالنسبة إلى السور الحاجز بين فريقي المؤمنين والمنافقين، وأي معنى لذكر مسجد بيت المقدس هاهنا، فإن كان المراد أن الله سبحانه ينزع سور بيت المقدس، ويجعله في الدار الآخرة سوراً مضروباً بين المؤمنين والمنافقين، فما معنى تفسير باطن السور وما فيه من الرحمة بالمسجد، وإن كان المراد أن الله يسوق فريقي المؤمنين والمنافقين إلى بيت المقدس فيجعل المؤمنين داخل السور في المسجد. ويجعل المنافقين خارجه، فهم إذ ذاك على الصراط وفي طريق الجنة وليسوا ببيت المقدس، فإن كان مثل هذا التفسير ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه وآمنا به، وإلا فلا كرامة ولا قبول. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "ولكنكم فتنتم أنفسكم" قال: بالشهوات واللذات "وتربصتم" قال: بالتوبة "وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله" قال: الموت "وغركم بالله الغرور" قال: الشيطان.
15- "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية"، قرأ أبو جعفر، وابن عامر، ويعقوب: تؤخذ بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء، "فدية"، بدل وعوض بأن تفدوا أنفسكم من العذاب، "ولا من الذين كفروا"، يعني المشركين، "مأواكم النار هي مولاكم"، صاحبكم وأولى بكم، لما أسلفتم من الذنوب، "وبئس المصير".
15-" فاليوم لا يؤخذ منكم فدية " فداء وقرأ ابن عامر و يعقوب بالتاء ." ولا من الذين كفروا" ظاهراً و باطناً ." مأواكم النار هي مولاكم " هي أولى بكم كقول لبيد :
‌ فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها ‌
وحقيقة مجراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك : هو مئنة الكرام أي مكان قول القائل إنه لكريم ، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب ، أو ناصركم على طريقة قوله :
‌ تحية بينهم ضرب وجبع ‌
أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا . "وبئس المصير " النار .
15. So this day no ransom can be taken from you nor from those who disbelieved. Your home is the Fire; that is your patron, and a hapless journey's end.
15 - This Day shall no ransom be accepted of you, nor of those who rejected God. Your abode is the Fire: that is the proper place to claim you: and an evil refuge it is!