[الواقعة : 79] تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
79 - (لا يمسه) خبر بمعنى النهي (إلا المطهرون) الذين طهروا أنفسهم من الأحداث
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " لا يمسه إلا المطهرون " زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك ولا تستطيعه وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا وهو محجوب عنهم وقرأ قول الله " وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون " ( الشعراء 212 (
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا عبيد الله يعني العتكي عن جابر بن زيد و أبي نهيك في قوله " في كتاب مكنون " قال : هو كتاب في السماء .
قوله " لا يمسه إلا المطهرون " يقول تعالى ذكره : لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهرهم الله من الذنوب .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله " إلا المطهرون " فقال بعضهم : هم الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال : إذا أراد الله أن ينزل كتاباً نسخته السفرة فلا يمسه إلا المطهرون قال : يعني الملائكة .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن الربيع بن أبي راشد عن سعيد بن جبير " لا يمسه إلا المطهرون " قال: الملائكة الذين في السماء .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن الربيع بن أبي راشد عن سعيد ابن جبير " لا يمسه إلا المطهرون " قال : الملائكة .
حدثنا أبو كريب قال : ابن يمان عن سفيان عن الربيع بن أبي راشد عن سعيد ابن جبير " لا يمسه إلا المطهرون " قال : الملائكة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا عبيد الله يعني العتكي عن جابر بن زيد و أبي نهيك في قوله " لا يمسه إلا المطهرون " يقول : الملائكة .
قال : ثنا مهران عن سفيان عن أبيه عن عكرمة " لا يمسه إلا المطهرون " قال : الملائكة .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " لا يمسه إلا المطهرون " قال : الملائكة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن عاصم عن أبي العالية " لا يمسه إلا المطهرون " قال : الملائكة .
وقال آخرون هم حملة التوراة والإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان عن سفيان عن أبيه عن عكرمة " لا يمسه إلا المطهرون " قال : حملة التوراة والإنجيل .
وقال آخرون في ذلك : هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا مروان قال : أخبرنا عاصم الأحول عن أبي العالية الرياحي في قوله " لا يمسه إلا المطهرون " قال : ليس أنتم أصحاب الذنوب .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " لا يمسه إلا المطهرون " قال : الملائكة والأنبياء والرسل التي تنزل من عند الله مطهرة والأنبياء مطهرة فجبريل ينزل به مطهر والرسل الذين تجيئهم به مطهرون فذلك قوله " لا يمسه إلا المطهرون " والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة والرسل من بني آدم فهؤلاء ينزلون به مطهرون وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون وقرأ الله " بأيدي سفرة * كرام بررة " ( عبس : 15 ، 16 ) قال : بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم .
وقال آخرون عني بذلك أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " لا يمسه إلا المطهرون " ذاكم عند رب العالمين فأما عندكم فيمسه المشرك النجس والمنافق الرجس .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قوله " لا يمسه إلا المطهرون " قال : لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس وقال في حرف ابن مسعود ( ما يمسه إلا المطهرون ) .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن الله جل ثناؤه أخبر أنه لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون فعم بخبره المطهرين ولم يخصص بعضا دون بعضة فالملائكة من المطهرين والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب فهو ممن استثني وعني بقوله إلا المطهرون .
الخامسة : قوله تعالى : " لا يمسه إلا المطهرون " اختلف في معنى " لا يمسه " هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى ؟ وكذلك اختلف في (( المطهرون )) من هم ؟ فقال أنس و سعيد بن جبير : لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة . وكذا قال أبو العالية و ابن زيد : إنهم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم ، فجبريل النازل به مطهر ، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون . الكلبي : هم السفرة الكرام البررة . وهذا كله قول واحد ، وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال : أحسن ما سمعت في قوله " لا يمسه إلا المطهرون " أنها بمنزلة الآية التي في (( عبس وتولى )) : " فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة " يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وصفوا بالطهارة في سورة (( عبس )) . وقيل : معنى " لا يمسه " لا ينزل به " إلا المطهرون " أي الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء . وقيل : لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون . وقيل : إن إسرافيل هو الموكل بذلك ، حكاه القشيري . ابن العربي : وهذا باطل لأن الملائكة لا تناله في وقت ولا تصل إليه بحال ، ولو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه مجال . وأما من قال : إنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل ، وهو اختيار مالك . وقيل : المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر . وقد " روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته ( من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحرث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد ) وكان في كتابه : ألا يمس القرآن إلا طاهر ". و"قال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " . وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخهل عليها ودعا بالصحيفة : " لا يمسه إلا المطهرون " فقام واغتسل وأسلم . وقد مضى في أول سورة (( طه )) . وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره : " لا يمسه إلا المطهرون " من الأحداث والأنجاس . الكلبي : من الشرك . الربيع بن أنس : من الذنوب والخطايا . وقيل : معنى " لا يمسه " لا يقرؤه " إلا المطهرون " إلا الموحدون ، قاله محمد بن فضيل وعبدة . قال عكرمة : كان ابن عباس ينهى أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن . وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه وبركته إلا المطهرون ، أي المؤمنون بالقرآن . ابن العربي : وهو اختيار البخاري ، " قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا )) " وقال الحسين بن فضل : لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق . وقال أبو بكر الوراق : لا يوفق للعمل به إلا السعداء . وقيل : المعنى لا يمس ثوابه إلا المؤمنون . ورواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قيل : ظاهر الآية خبر عن الشرع ، أي لا يمسه إلا المطهرون شرعا ، فإن وجد خلاف ذلكك فهو غير الشرع ، وهذا اختيار القاضي أبي بكر بن العربي . وأبطل أن يكون لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر . وقد مضى هذا المعنى في سورة (( البقرة )) . المهدوي : يجوز أن يكون أمرا وتكون ضمة السين ضمة إعراب .
ويجوز أن يكون نهيا وتكون ضمة السين ضمة بناء والفعل مجزوم .
السادسة : واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء ، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم . وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد و عطاء و الزهري و النخعي و الحكم و حماد ، وجماعة من الفقهاء منهم مالك و الشافعي . واختلفت الرواية عن أبي حنيفة ، فروي عنه أنه يمسه المحدث ، وقد روي هذا عن جماعة من السلف منهم ابن عباس و الشعبي وغيرهما . وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه ، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر . ابن العربي : وهذا إن سلمه مما يقوي الحجة عليه ، لأن حريم الممنوع ممنوع . وفيما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أقوى دليل عليه . وقال مالك : لا يحمله غير طاهر بعلاقة ولا على وسادة . وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك . ولم يمنع من حمله بعلاقة أو مسه بحائل . وقد روي عن الحكم و حماد و داود بن علي أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا ، إلا أن داود قال : لا يجوز للمشرك حمله . واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ، وهو موضع ضرورة فلا حجة فيه . وفي مس الصبيان إياه على وجهين : أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ . والثاني الجواز ، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن ، لأن تعلمه حال اصغر ، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة ، لأن النية لا تصح منه ، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا .
قال جويبر عن الضحاك: إن الله تعالى لا يقسم بشيء من خلقه ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه, وهذا القول ضعيف, والذي عليه الجمهور أنه قسم من الله يقسم بما شاء من خلقه, وهو دليل على عظمته, ثم قال بعض المفسرين: لا ههنا زائدة وتقديره أقسم بمواقع النجوم, ورواه ابن جرير عن سعيد بن جبير ويكون جوابه "إنه لقرآن كريم" وقال آخرون: ليست لا زائدة لا معنى لها بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسماً به على منفي كقول عائشة رضي الله عنها. لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط, وهكذا ههنا تقدير الكلام: لا أقسم بمواقع النجوم, ليس الأمر كما زعمتم في القرآن أنه سحر أو كهانة بل هو قرآن كريم. وقال ابن جرير وقال بعض أهل العربية: معنى قوله: "فلا أقسم" فليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد ذلك فقيل أقسم واختلفوا في معنى قوله: "بمواقع النجوم" فقال حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني نجوم القرآن فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا, ثم نزل مفرقاً في السنين بعد. ثم قرأ ابن عباس هذه الاية, وقال الضحاك عن ابن عباس: نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا, فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة, ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فهو قوله: "فلا أقسم بمواقع النجوم" نجوم القرآن, وكذا قال عكرمة ومجاهد والسدي وأبو حزرة, وقال مجاهد أيضاً: مواقع النجوم في السماء ويقال مطالعها ومشارقها.
وكذا قال الحسن وقتادة وهو اختيار ابن جرير, وعن قتادة: مواقعها منازلها, وعن الحسن أيضاً: أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة. وقال الضحاك "فلا أقسم بمواقع النجوم" يعني بذلك الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا أمطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا وكذا. وقوله: "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم" أي وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم, لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه "إنه لقرآن كريم" أي إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم "في كتاب مكنون" أي معظم, في كتاب معظم محفوظ موقر. وقال ابن جرير حدثني إسماعيل بن موسى: أخبرنا شريك عن حكيم هو ابن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "لا يمسه إلا المطهرون" قال: الكتاب الذي في السماء. وقال العوفي عن ابن عباس "لا يمسه إلا المطهرون" يعني الملائكة, وكذا قال أنس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو الشعثاء جابر بن زيد, وأبو نهيك والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور, حدثنا معمر عن قتادة "لا يمسه إلا المطهرون" قال: لا يمسه عند الله إلا المطهرون, فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوس النجس, والمنافق الرجس, وقال: وهي في قراءة ابن مسعود: ما يمسه إلا المطهرون, وقال أبو العالية "لا يمسه إلا المطهرون" ليس أنتم, أنتم أصحاب الذنوب, وقال ابن زيد: زعمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين, فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال تعالى: " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون " وهذا القول قول جيد, وهو لا يخرج عن الأقوال التي قبله, وقال الفراء: لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به. وقال آخرون "لا يمسه إلا المطهرون" أي من الجنابة والحدث قالوا: ولفظ الاية خبر ومعناها الطلب, قالوا: والمراد بالقرآن ههنا المصحف, كما روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو واحتجوا في ذلك بما رواه الإمام مالك في موطئه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر.
وروى أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر" وهذه وجادة جيدة قد قرأها الزهري وغيره, ومثل هذا ينبغي الأخذ به, وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم وعبد الله بن عمر وعثمان بن أبي العاص وفي إسناد كل منهما نظر, والله أعلم. وقوله تعالى: "تنزيل من رب العالمين" أي هذا القرآن منزل من الله رب العالمين وليس هو كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر, بل هو الحق الذي لا مرية فيه وليس وراءه حق نافع. وقوله تعالى: "أفبهذا الحديث أنتم مدهنون" قال العوفي عن ابن عباس: أي مكذبون غير مصدقين, وكذا قال الضحاك وأبو حزرة والسدي, وقال مجاهد "مدهنون" أي تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" قال بعضهم: معنى وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم تكذبون أي تكذبون بدل الشكر, وقد روي عن علي وابن عباس أنهما قرآها " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " كما سيأتي وقال ابن جرير: وقد ذكر عن الهيثم بن عدي أن من لغة أزدشنوءة ما رزق فلان بمعنى ما شكر فلان.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وتجعلون رزقكم يقول: شكركم أنكم تكذبون, وتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا بنجم كذا وكذا" وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مخول بن إبراهيم النهدي, وابن جرير عن محمد بن المثنى عن عبيد الله بن موسى, وعن يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن أبي بكير, ثلاثتهم عن إسرائيل به مرفوعاً, وكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن حسين بن محمد وهو المروزي به, وقال: حسن غريب, وقد رواه سفيان الثوري عن عبد الأعلى ولم يرفعه. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس, قال: ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافراً يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا. وقرأ ابن عباس " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس. وقال مالك في الموطأ عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت في الليل, فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم" قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: "قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر, فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب, وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب" أخرجاه في الصحيحين وأبو داود والنسائي, كلهم من حديث مالك به.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن سلمة المرادي وعمرو بن سواد, حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين, ينزل الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا" انفرد به مسلم من هذا الوجه. وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين, يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا", قال محمد: هو ابن إبراهيم, فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة, وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي, فلما استسقى التفت إلى العباس فقال: يا عباس يا عم رسول الله كم أبقى من نوء الثريا ؟ فقال: العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعاً, قال: فما مضت سابعة حتى مطروا, وهذا محمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى الله فيه العادة بإنزال المطر, لا أن ذلك النوء مؤثر بنفسه في نزول المطر, فإن هذا هو المنهي عن اعتقاده, وقد تقدم شيء من هذه الأحاديث عند قوله تعالى: "ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها".
وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا سفيان عن إسماعيل بن أمية فيما أحسبه أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا يقول: مطرنا ببعض عثانين الأسد, فقال: "كذبت بل هو رزق الله" ثم قال ابن جرير: حدثني أبو صالح الصراري, حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي, حدثنا جعفر بن الزبير عن القاسم, عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين ـ ثم قال ـ "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" يقول قائل مطرنا بنجم كذا وكذا". وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعاً: "لو قحط الناس سبع سنين ثم أمطروا لقالوا مطرنا بنوء المجدع". وقال مجاهد "وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون" قال: قولهم في الأنواء مطرنا بنوء كذا, وبنوء كذا, يقول: قولوا هو من عند الله وهو رزقه, وهكذا قال الضحاك وغير واحد, وقال قتادة: أما الحسن فكان يقول بئس ما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب, فمعنى قول الحسن هذا وتجعلون حظكم من كتاب الله أنكم تكذبون به ولهذا قال قبله: "أفبهذا الحديث أنتم مدهنون * وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون".
79- "لا يمسه إلا المطهرون" قال الواحدي: أكثر المفسرين على أن الضمير عائد إلى الكتاب المكنون: أي لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون، وهم الملائكة، وقيل هم الملائكة والرسل من بني آدم، ومعنى لا يمسه المس الحقيقي، وقيل معناه: لا ينزل به إلا المطهرون، وقيل معناه: لا يقرأه، وعلى كون المراد بالكتاب المكنون هو القرآن، فقيل "لا يمسه إلا المطهرون" من الأحداث والأنجاس. كذا قال قتادة وغيره: وقال الكلبي المطهرون من الشرك. وقال الربيع بن أنس: المطهرون من الذنوب والخطايا. وقال محمد بن الفضل وغيره: معنى لا يمسه: أي المؤمنون. وقال الحسين بن الفضل: لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق. وقد ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف، وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي. وروي عن ابن عباس والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة، أنه يجوز للمحدث مسه، وقد أوضحنا ما هو الحق في هذا في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. قرأ الجمهور "المطهرون" بتخفيف الطاء وتشديد الهاء مفتوحة اسم مفعول. وقرأ سلمان الفارسي بكسر الهاء على أنه اسم فاعل: أي المطهرون أنفسهم. وقرأ نافع بن عمرو في رواية عنهما، عيسى بن عمر بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة، اسم مفعول من أطهر، وقرأ الحسن وزيد بن علي وعبد الله بن عوف بتشديد الطاء وكسر الهاء وأصله المتطهرون.
79- "لا يمسه"، أي ذلك الكتاب المكنون، "إلا المطهرون"، وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة، يروى هذا عن أنس، وهو قول سعيد بن جبير، وأبى عالية، وقتادة وابن زيد: أنهم الملائكة، وروى محمد بن الفضيل عنه لا يقرؤه إلا الموحدون. قال عكرمة: وكان ابن عباس ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن.
قال الفراء: لايجد طعمه ونفعه إلا من آمن به.
وقال قوم: معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات، وظاهر الآية نفي ومعناها نهي، قالوا: لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا المحدث حمل المصحف ولا مسه، وهو قول عطاء، وطاووس، وسالم، والقاسم، وأكثر أهل العلم، وبه قال مالك والشافعي.
وقال الحكم، وحماد، وأبو حنيفة: يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه.
والأول قول أكثر الفقهاء.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن ما لك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر.
والمراد بالقرآن: المصحف، سماه قرآناً على قرب الجوار والاتساع. كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو". وأراد به المصحف.
79 " لا يمسه إلا المطهرون " لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية وهم الملائكة ، أو لا يمس القرآن " إلا المطهرون " من الأحداث فيكون نفياً بمعنى النهي ، أو لا يطلبه " إلا المطهرون " من الكفر ، وقرئ المتطهرون و المطهرون من أطهره بمعنى طهره و المطهرون أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم والإلهام .
79. Which none toucheth save the purified,
79 - Which none shall touch but those who are clean: