[الواقعة : 74] فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ
74 - (فسبح) نزه (باسم) زائد (ربك العظيم) الله
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم ، وتسميته .
وقوله " فلا أقسم بمواقع النجوم " اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " فلا أقسم بمواقع النجوم " فقال بعضهم : عني بقول " فلا أقسم " : أقسم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن ابن جريح عن الحسن بن مسلم عن سعيد بن جبير " فلا أقسم " قال : أقسم .
وقال بعض أهل العربية : معنى قوله " فلا " فليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد فقيل أقسم .
وقوله " بمواقع النجوم " اختلف أهل التأويل في معنى ذلك فقال بعضهم : معناه فلا أقسم بمنازل القرآن وقالوا : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً متفرقة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا حصين عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين بعد قال : وتلا ابن عباس هذه الآية " فلا أقسم بمواقع النجوم " قال: نزل متفرقاً .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا الحسين عن يزيد عن عكرمة في قوله " فلا أقسم بمواقع النجوم " قال : أنزل الله القرآن نجوماً ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر عن أبيه عن عكرمة : إن القرآن نزل جميعاً فوضع بمواقع النجوم فجعل جبريل يأتي بالسورة وإنما نزل جميعاً في ليلة القدر .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : ثنا أبي عن أبيه عن جده عن الأعمش عن مجاهد " فلا أقسم بمواقع النجوم " قال : هو محكم القرآن .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " قال : مستقر الكتاب أوله وآخره .
وقال آخرون : بل معنى ذلك فلا أقسم بمساقط النجوم .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " بمواقع النجوم " قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها .
حدثني بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " فلا أقسم بمواقع النجوم " : أي مساقطها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بمنازل النجوم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " فلا أقسم بمواقع النجوم " قال : بمنازل النجوم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : بانتثار النجوم عند قيام الساعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة في قوله " فلا أقسم بمواقع النجوم " قال: قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء وذلك أن المواقع جمع موقع والموقع المفعل من وقع يقع موقعاً فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك ولذلك قلنا : هو أولى معانيه به .
واختلف القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الكوفة ( بموقع ) على التوحيد وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع : على الجماع .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد فبأيهما قرأ القارئ فمصيب
قوله تعالى : " فسبح باسم ربك العظيم " أي فنزه الله عما أضافه إليه المشركون من الأنداد ، والعجز عن البعث .
يقول تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون " وهو شق الأرض وإثارتها والبذر فيها "أأنتم تزرعونه ؟" أي تنبتونه في الأرض "أم نحن الزارعون" أي بل نحن الذين نقره قراره وننبته في الأرض. قال ابن جرير: وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي, حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي, حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولن زرعت ولكن قل حرثت" قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قوله تعالى: " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون " ورواه البزار عن محمد بن عبد الرحيم عن مسلم الجرمي به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد عن عطاء عن أبي عبد الرحمن: لا تقولوا زرعنا ولكن قولوا حرثنا وروي عن حجر المدري أنه كان إذا قرأ "أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون" وأمثالها يقول: بل أنت يا رب.
وقوله تعالى: "لو نشاء لجعلناه حطاماً" أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم بل ولو نشاء لجعلناه حطاماً أي لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده "فظلتم تفكهون" ثم فسر ذلك بقوله: "إنا لمغرمون * بل نحن محرومون" أي لو جعلناه حطاماً لظللتم تفكهون في المقالة تنوعون كلامكم فتقولون تارة إنا لمغرمون أي لملقون, وقال مجاهد وعكرمة: إنا لموقع بنا. وقال قتادة: معذبون وتارة يقولون بل نحن محرومون. وقال مجاهد أيضاً: إنا لمغرمون ملقون للشر أي بل نحن محارفون, قاله قتادة, أي لا يثبت لنا مال ولا ينتج لنا ربح, وقال مجاهد: بل نحن محرومون أي محدودون يعني لا حظ لنا, وقال ابن عباس ومجاهد "فظلتم تفكهون" تعجبون. وقال مجاهد أيضاً: فظلتم تفكهون تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم, وهذا يرجع إلى الأول, وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم, وهذا اختيار ابن جرير. وقال عكرمة: فظلتم تفكهون تلاومون, وقال الحسن وقتادة والسدي: فظلتم تفكهون تندمون, ومعناه إما على ما أنفقتم أو على ما أسلفتم من الذنوب, قال الكسائي: تفكه من الأضداد, تقول العرب تفكهت بمعنى تنعمت, وتفكهت بمعنى حزنت.
ثم قال تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن" يعني السحاب, قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد "أم نحن المنزلون" يقول بل نحن المنزلون "لو نشاء جعلناه أجاجاً" أي زعافاً مراً لا يصلح لشرب ولا زرع "فلولا تشكرون" أي فهلا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عذباً زلالاً " لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون " . وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة, حدثنا فضيل بن مرزوق عن جابر عن أبي جعفر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب الماء قال: "الحمد لله الذي سقانا عذباً فراتاً برحمته, ولم يجعله ملحاً أجاجاً بذنوبنا" ثم قال: "أفرأيتم النار التي تورون" أي تقدحون من الزناد وتستخرجونها من أصلها "أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون" أي بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها. وللعرب شجرتان (إحداهما) المرخ, (والأخرى) العفار, إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالاخر تناثر من بينهما شرر النار.
وقوله تعالى: "نحن جعلناها تذكرة" قال مجاهد وقتادة: أي تذكر النار الكبرى, قال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا قوم ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية. قال: "إنها قد ضربت بالماء ضربتين ـ أو مرتين ـ حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" وهذا الذي أرسله قتادة قد رواه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين, ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد" وقال الإمام مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية, فقال: "إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً" رواه البخاري من حديث مالك ومسلم من حديث أبي الزناد ورواه مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة به وفي لفظ "والذي نفسي بيده لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها" وقد قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو الخلال, حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي, حدثنا معن بن عيسى الفزار عن مالك عن عمه أبي سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد سواداً من ناركم هذه بسبعين ضعفاً" قال الضياء المقدسي وقد رواه أبو مصعب عن مالك ولم يرفعه وهو عندي على شرط الصحيح.
وقوله تعالى: "ومتاعاً للمقوين" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والنضر بن عربي: يعني بالمقوين المسافرين, واختاره ابن جرير وقال: ومنه قولهم أقوت الدار إذا رحل أهلها, وقال غيره: القي والقواء القفر الخالي البعيد من العمران. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقوي ههنا الجائع, وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: ومتاعاً للمقوين, للحاضر والمسافر لكل طعام لا يصلحه إلا النار, وكذا روى سفيان عن جابر الجعفي عن مجاهد, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قوله: للمقوين يعني المستمتعين من الناس أجمعين, وكذا ذكر عن عكرمة, وهذا التفسير أعم من غيره, فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الجميع محتاجون إليها للطبخ والاصطلاء والإضاءة وغير ذلك من المنافع, ثم من لطف الله تعالى أن أودعها في الأحجار وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه, فإذا احتاج إلى ذلك في منزله أخرج زنده وأورى وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى بها واشتوى, واستأنس بها وانتفع بها سائر الانتفاعات, لهذا أفرد المسافرين وإن كان ذلك عاماً في حق الناس كلهم! وقد يستدل له بما رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعي الشامي عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون شركاء في ثلاثة: النار والكلأ والماء" وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار" وله من حديث ابن عباس مرفوعاً مثل هذا زيادة وثمنه حرام, ولكن في إسناده عبد الله بن خراش بن حوشب وهو ضعيف, والله أعلم.
وقوله تعالى: "فسبح باسم ربك العظيم" أي الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة: الماء الزلال العذب البارد ولو شاء لجعله ملحاً أجاجاً كالبحار المغرقة, وخلق النار المحرقة وجعل ذلك مصلحة للعباد, وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم وزجراً لهم في المعاد.
74- "فسبح باسم ربك العظيم" الفاء لترتيب ما بعدها من ذكر الله سبحانه، وتنزيهه على ما قبلها مما عدده من النعم التي أنعم بها على عباده وجحود المشركين لها وتكذيبهم بها.
وقد أخرج البزار وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وضعفه عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم زرعت، ولكن يقول حرثت". قال أبو هريرة: ألم تسمعوا الله يقول " أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس "تفكهون" قال: تعجبون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس. قال: "المزن" السحاب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس "نحن جعلناها تذكرة" قال: تذكرة للنار الكبرى "ومتاعاً للمقوين" قال: للمسافرين.
74- "فسبح باسم ربك العظيم".
74-" فسبح باسم ربك العظيم " فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره والعظيم صفة للاسم أو الرب ، وتعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه وإنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته ، أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه ، أو للشكر على ما عدها من النعم .
74. Therefor (O Muhammad), praise the name of thy Lord, the Tremendous.
74 - Then celebrate with praises the name of thy Lord, the Supreme!