[الرحمن : 72] حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ
72 - (حور) شديدات سواد العيون وبياضها (مقصورات) مستورات (في الخيام) من در مجوف مضافة إلى القصور شبيهة بالخدور
يقول تعالى ذكره مخبراً عن هؤلاء الخيرات الحسان " حور " يعني بقوله حور : بيض وهي جمع حوراء والحوراء : البيضاء .
وقد بينا معنى الحور فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .
وبنحو الي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام قال: ثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد " حور " قال : بيض .
قال : ثنا أبو نعيم عن إسرائيل عن مسلم عن مجاهد " حور " قال : بيض .
قال: ثنا وكيع قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد " حور " قال: النساء .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " حور مقصورات " الحوراء : العيناء الحسناء .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان الحور : سواد في بياض .
قال: ثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال : الحور : البيض قلوبهم وأنفسهم وأبصارهم .
واما قوله " مقصورات " فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله فقال بعضهم : تأويله أنهن قصرن على أزواجهن فلا يبغين بهم لدلاً ولا يرفعن أطرافهن إلى غيرهم من الرجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله قال : أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد " مقصورات في الخيام " قال : قصر طرفهن وأنفسهن على أزواجهن .
حدثنا أبو هشام قال : ثنا وكيع قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد " مقصورات " قال : قصر طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد " مقصورات في الخيام " قال: قصرن أنفسهن وأبصارهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم .
حدثنا أبو هشام قال : ثنا عبيد الله بن اليمان عن أبي جعفر عن الربيع " مقصورات في الخيام " قال: قصرن طرفهن على ازواجهن .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام عن عمرو عن منصور عن مجاهد " مقصورات في الخيام " قال: قصرن أنفسهن وقلوبهن وأبصارهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن منصور عن مجاهد " مقصورات في الخيام " قال : قصر طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن منصور عن مجاهد قوله " مقصورات " قال : مقصورات على أزواجهن فلا يردن غيرهم .
وقال آخرون : عني بذلك أنهن محبوسات في الحجال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية " حور مقصورات في الخيام " قال: محبوسات في الخيام .
حدثنا جعفر بن محمد البزوري قال : ثنا عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع بمثله .
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : ثنا أبو نعيم عن إسرائيل عن مجاهد عن ابن عباس " مقصورات " قال : محبوسات .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان قال : أخبرنا أبو معشر السندي عن محمد بن كعب قال : محبوسات في الحجال .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهجد في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال : لا يبرحن الخيام .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري قال : ثنا عثام بن علي عن إسماعيل عن أبي صالح في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال: عذارى الجنة .
حدثنا أبو كريب و أبو هشام قالا : ثنا عثام بن علي عن إسماعيل عن أبي صالح مثله .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " مقصورات " قال : المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله " مقصورات في الخيام " قال : محبوسات ليس بطوافات في الطرق .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تبارك وتعالى وصفهن بأنهن مقصورات في الخيام والقصر هو الحبس ولم يخصص وصفهن بأنهن محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الآخر بل عم وصفهن بذلك والصواب أن يعم الخبر عنهن بأنهن مقصورات في الخيام على أزواجهن فلا يردن غيرهم كما عم ذلك .
وقوله " في الخيام " يعني : البيوت وقد تسمي العرب هوادج النساء خياماً ومنه قول لبيد
شاقتك ظعن الحي يم تحملوا فتكنسوا قطناً تصر خيامها
وأما في هذه الآية فإنه عني بها البيوت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا يحيى عن سعيد قال : ثنا شعبة قال : ثنا عبد الملك بن ميسرة عن أبي الأحوص عن عبد الله " حور مقصورات في الخيام " قال : الدر المجوف .
حدثنا الحسن بن عرفة قال : ثنا شبابة قال: ثنا شعبة عن عبد الملك عن أبي الأحوص عن عبد الله مثله .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : ثنا فضيل بن عياش عن هشام عن محمد عن ابن عباس في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال: الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب .
حدثنا أبو هشام قال : ثنا أبو نعيم عن إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس " في الخيام " قال: بيوت الؤلؤ .
حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي قال : ثنا محمد بن عبيد قال: ثنا إدريس الأودي عن شمر بن عطية عن أبي الأحوص قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : اتدرون ما حور مقصورات في الخيام : در مجوف .
قال : ثنا محمد بن عبيد قال : ثنا مسعر عن عبد الملك عن أبي الأحوص في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال : در مجوف .
وبه عن أبي الأحوص قال : الخيمة : درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب .
قال: ثنا أبو داود قال : ثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : الخيمة في الجنة من درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع .
حدثني أحمد بن المقدام قال : ثنا المعتمر قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن خليد العصيري قال : لقد ذكر لي أن الخيمة لؤلؤة مجوفة لها سبعون مصراعاً كل ذلك من در .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير أنه قال : الخيام : در مجوف .
قال: ثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال : الخيام : در مجوق .
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : ثنا وكيع ويعلي عن منصور عن مجاهد " في الخيام " قال : الدر المجوف .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد " في الخيام " قال: خيام در مجوف .
قال: ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن حرب بن بشير عن عمرو بن ميمون قال : " الخيام " الخيمة : درة مجوفة .
حدثنا أبو هشام قال : ثنا وكيع قال : عن سلمة بن نبيط عن الضحاك قال : الخيمة درة مجوفة .
حدثنا أبو هشام قال : ثنا ابن اليمان عن أبي جعفر عن الربيع " في الخيام " قال : في الحجال .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام عن عمرو بن أبي قيس عن منصور عن مجاهد " في الخيام " قال : خيام الؤلؤ .
حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " في الخيام " الخيام الؤلؤ والفضة كما يقال والله أعلم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " حور مقصورات في الخيام " ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف باب من ذهب .
وقال قتادة : كان يقال : مسكن المؤمن في الجنة يسير الراكب الجواد فيه ثلاث ليال وأنهاره وجنانه وما أعد الله له من الكرامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال: قال ابن عباس : الخيمة : درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف باب من ذهب .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال : يقال : خيامهم في الجنة من لؤلؤ .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال : الخيام : الدر المجوف .
حدثنا محمد بن المثنى قال : قال : ثني حرمي بن عمارة قال: ثنا شعبة قال : أخبرني عمارة عن أبي مجلز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله الله " حور مقصورات في الخيام " قال : در مجوف
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول : كان ابن مسعود يحدث "عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال هي الدر المجوف " يعني الخيام في قوله " حور مقصورات في الخيام ".
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قوله " حور مقصورات في الخيام " قال : خيام الؤلؤ .
قوله تعالى " حور مقصورات في الخيام " حور جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها وقد تقدم . " مقصورات " محبوسات مستورات " في الخيام" في الحجال لسن بالطوافات في الطرق قاله ابن عباس : وقال عمر رضي الله عنه الخيمة درة مجوفة وقاله ابن عباس وقال : فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب . وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في قوله تعالى " حور مقصورات في الخيام " بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرحمة ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلا وليس لها باب حتى إذا دخل ولي الله الجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين . والله أعلم . وقال في الأوليين " فيهن قاصرات الطرف " قصرن طرفهن على الأزواج ولم يذكر أنهن مقصورات فدل على أن أزواجهن فلا يردن بدلا منهم وفي الصحاح وقصرت الشيء أقصره قصرا حبسته ومنه مقصورة الجامع وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوز به إلى غيره وامرأة قصيرة وقصورة أي مقصورة في البيت لا تترك أن تخرج قال كثير :
وأنت التي حببت كل قصيرة إلي وما تدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر
وأنشده الفراء قصورة ذكره ابن السكيت وروى أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسري بي في الجنة بنهر حافتاه قباب المرجان فنوديت منه السلام عليك يا رسول الله فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء جوار من الحور العين استأذن ربهن في أن يسلمن عليك فأذن لهن فقلن نحن الخالدات فلا نموت أبدا ونحن الناعمات فلا نبؤس أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا أزواج رجال كرام ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم " حور مقصورات في الخيام " أي محبوسات حبس صيانة وتكرمة و"روي عن أسماء بنت يزيد الأشهلية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم وحوامل أولادكم فهل نشارككم في الأجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم إذا أحسنتن تبعل أزواجكن وطلبتن مرضاتهم "
هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن, قال الله تعالى: "ومن دونهما جنتان" وقد تقدم في الحديث: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما, فالأوليان للمقربين والأخريان لأصحاب اليمين وقال أبو موسى: جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من فضة لأصحاب اليمين وقال ابن عباس "ومن دونهما جنتان" من دونهما في الدرج, وقال ابن زيد: من دونهما في الفضل. والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه: (أحدها) أنه نعت الأوليين قبل هاتين والتقدم يدل على الاعتناء ثم قال: "ومن دونهما جنتان" وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني وقال هناك "ذواتا أفنان" وهي الأغصان أو الفنون في الملاذ, وقال ههنا "مدهامتان" أي سوداوان من شدة الري من الماء قال ابن عباس في قوله "مدهامتان" قد اسودتا من الخضرة من شدة الري من الماء, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن فضيل, حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "مدهامتان" قال: خضراوان. وروي عن أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن أبي أوفى وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في إحدى الروايات وعطاء وعطية العوفي والحسن البصري, ويحيى بن رافع وسفيان الثوري نحو ذلك, وقال محمد بن كعب "مدهامتان" ممتلئتان من الخضرة, وقال قتادة: خضراوان من الري ناعمتان ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشتبكة بعضها في بعض.
وقال هناك "فيهما عينان تجريان" وقال ههنا "نضاختان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, أي فياضتان والجري أقوى من النضخ, وقال الضحاك "نضاختان" أي ممتلئتان ولا تنقطعان وقال هناك "فيهما من كل فاكهة زوجان" وقال ههنا "فيهما فاكهة ونخل ورمان" ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة, وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم, ولهذا فسر قوله: "ونخل ورمان" من باب عطف الخاص على العام كما قرره البخاري وغيره, وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما, قال عبد بن حميد: حدثنا يحيى بن عبد الحميد, حدثنا حصين بن عمر, حدثنا مخارق عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب قال: جاء أناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أفي الجنة فاكهة ؟ قال: "نعم فيها فاكهة ونخل ورمان" قالوا: أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا ؟ قال "نعم وأضعاف" قالوا: فيقضون الحوائج ؟ قال "لا ولكنهم يعرقون ويرشحون فيذهب الله ما في بطونهم من أذى" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الفضل بن دكين, حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة سعفها كسوة لأهل الجنة, منها مقطعاتهم ومنها حللهم وكريها ذهب أحمر وجذوعها زمرد أخضر, وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم, وحدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد هو ابن سلمة عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كالبعير المقتب".
ثم قال: "فيهن خيرات حسان" قيل المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة قاله قتادة, وقيل: خيرات جمع خيرة وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه, قاله الجمهور, وروي مرفوعاً عن أم سلمة, وفي الحديث الاخر الذي سنورده في سورة الواقعة إن شاء الله تعالى أن الحور العين يغنين: نحن الخيرات الحسان خلقنا لأزواج كرام, ولهذا قرأ بعضهم "فيهن خيرات" بالتشديد "حسان * فبأي آلاء ربكما تكذبان" ثم قال: "حور مقصورات في الخيام" وهناك قال: "فيهن قاصرات الطرف" ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت وإن كان الجميع مخدرات, قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا وكيع بن سفيان عن جابر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: إن لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة, ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهدية, لم تكن قبل ذلك لا مرحات ولا طمحات ولا بخرات ولا ذفرات, حور عين كأنهن بيض مكنون, وقوله تعالى: "في الخيام" قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد, حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل ما يرون الاخرين يطوف عليهم المؤمنون" ورواه أيضاً من حديث أبي عمران به وقال ثلاثون ميلاً, وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران به ولفظه "إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة, طولها ستون ميلاً, للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أبي الربيع, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن قتادة, أخبرني خليد العصري عن أبي الدرداء قال: الخيمة لؤلؤة واحدة فيها سبعون باباً من در, وحدثنا أبي, حدثنا عيسى بن أبي فاطمة, حدثنا جرير عن هشام عن محمد بن المثنى عن ابن عباس في قوله تعالى, "حور مقصورات في الخيام" قال: خيام اللؤلؤ, وفي الجنة خيمة واحدة من لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب, وقال عبد الله بن وهب: أخبرنا عمرو أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم, واثنتان وسبعون زوجة, وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء" ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث به. وقوله تعالى: "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" قد تقدم مثله سواء إلا أنه زاد في وصف الأوائل بقوله: "كأنهن الياقوت والمرجان * فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وقوله تعالى: "متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفرف المحابس, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم: هي المحابس, وقال العلاء بن بدر: الرفوف على السرير كهيئة المحابس المتدلي. وقال عاصم الجحدري "متكئين على رفرف خضر" يعني الوسائد وهو قول الحسن البصري في رواية عنه, وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: "متكئين على رفرف خضر" قال: الرفرف رياض الجنة, وقوله تعالى: "وعبقري حسان" قال ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي: العبقري الزرابي, وقال سعيد بن جبير هي عتاق الزرابي يعني جيادها, وقال مجاهد: العبقري الديباج, وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى: "وعبقري حسان" فقال: هي بسط أهل الجنة لا أبا لكم فاطلبوها, وعن الحسن رواية أنها المرافق, وقال زيد بن أسلم: العبقري أحمر وأصفر وأخضر, وسئل العلاء بن زيد عن العبقري فقال: البسط أسفل من ذلك. وقال أبو حزرة يعقوب بن مجاهد: العبقري من ثياب أهل الجنة لا يعرفه أحد, وقال أبو العالية: العبقري الطنافس المخملة إلى الرقة ما هي, وقال القيسي: كل ثوب موشى عند العرب عبقري, وقال أبو عبيدة: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي, وقال الخليل بن أحمد: كل شيء نفيس من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقرياً, ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر "فلم أر عبقرياً يفري فريه" وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة فإنه قد قال هناك: "متكئين على فرش بطائنها من إستبرق" فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " فوصف أهلها بالإحسان, وهو أعلى المراتب والنهايات كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان, فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخريين, ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين.
ثم قال: "تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام" أي هو أهل أن يجل فلا يعصى, وأن يكرم فيعبد, ويشكر فلا يكفر, وأن يذكر فلا ينسى, وقال ابن عباس "ذي الجلال والإكرام" ذي العظمة والكبرياء. وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود, حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانىء عن أبي العذراء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجلوا الله يغفر لكم" وفي الحديث الاخر "إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم, وذي السلطان, وحامل القرآن غير المغالي فيه ولا الجافي عنه" وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو يوسف الحربي حدثنا مؤمل بن إسماعيل, حدثنا حماد, حدثنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" وكذا رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به, ثم قال غلط المؤمل فيه وهو غريب وليس بمحفوظ, وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق, حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان المقدسي عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألظوا بذي الجلال والإكرام" ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك به, وقال الجوهري ألظ فلان بفلان إذا لزمه, وقول ابن مسعود ألظو بياذا الجلال والإكرام أي الزموا, يقال: الإلظاظ هو الإلحاح. (قلت) وكلاهما قريب من الاخر, والله أعلم, وهو المداومة واللزوم والإلحاح. وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد يعني بعد الصلاة إلا بقدر ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".
آخر تفسير سورة الرحمن ولله الحمد والمنة.
72- "حور مقصورات في الخيام" أي محبوسات، ومنه القصر، لأنه يحبس من فيه، والحور جمع حوراء وهي شديدة بياض العين شديدة سوادها، وقد تقدم بيان معنى الحوراء والخلاف فيه. وقيل معنى مقصورات: أنهن قصرن على أزواجهن لا يردن غيرهم، وحكاه الواحدي عن المفسرين. والأول أولى، وبه قال أبو عبيدة ومقاتل وغيرهما. قال في الصحاح: قصرت الشيء أصره قصراً حبسته، والمعنى: أنهن خدرن في الخيام. والخيام جمع خيمة، وقيل جمع خيم، والخيم جمع خيمة، وهي أعواد تنصب وتظلل بالثياب، فتكون أبرد من الأخبية، قيل الخيمة من خيام الجنة درة مجوفة فرسخ في فرسخ، وارتفاع حو على البدلية من خيرات.
72. " حور مقصورات "، محبوسات مستورات في الحجال، يقال: امرأة مقصورة وقصيرة إذا كانت مخدرة مستورة لا تخرج. وقال مجاهد : يعني قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين لهم بدلاً.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى [أهل] الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ".
" في الخيام "، جمع خيمة، أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، أخبرنا عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن ".
72-" حور مقصورات في الخيام " قصرن في خدورهن ، يقال امرأة قصيرة وقصورة ومقصورة أي مخدرة ، أو مقصورات الطرف على أزواجهن .
72. Fair ones, close guarded in pavilions
72 - Companions restrained (as to their glances), in (goodly) pavilions;