[الرحمن : 59] فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
59 - (فبأي آلاء ربكما تكذبان)
وقوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " يقول تعالى ذكره : فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم معشر الثقلين من إثابته أهل طاعته منكم بما وصف في هذه الآيات تكذبان .
قوله تعالى " فبأي آلاء ربكما تكذبان "
يقول تعالى: "متكئين" يعني أهل الجنة, والمراد بالاتكاء ههنا الاضطجاع ويقال: الجلوس على صفة التربيع "على فرش بطائنها من إستبرق" وهو ما غلظ من الديباج, قاله عكرمة والضحاك وقتادة وقال أبو عمران الجوني, هو الديباج المزين بالذهب, فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة, فهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى. قال أبو إسحاق عن هبيرة بن مريم عن عبد الله بن مسعود قال: هذه البطائن, فكيف لو رأيتم الظواهر. وقال مالك بن دينار: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور, وقال سفيان الثوري أو شريك: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد, وقال القاسم بن محمد: بطائنها من إستبرق وظواهرها من الرحمة, وقال ابن شوذب عن أبي عبد الله الشامي: ذكر الله البطائن ولم يذكر الظواهر, وعلى الظواهر المحابس ولا يعلم ما تحت المحابس إلا الله تعالى, ذكر ذلك كله الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله, "وجنى الجنتين دان" أي ثمرهما قريب إليهم متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا, كما قال تعالى: "قطوفها دانية" وقال "ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا" أي لا تمتنع ممن تناولها بل تنحط إليه من أغصانها " فبأي آلاء ربكما تكذبان " ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك "فيهن" أي في الفرش "قاصرات الطرف" أي غضيضات عن غير أزواجهن فلا يرين شيئاً في الجنة أحسن من أزواجهن, قاله ابن عباس وقتادة وعطاء الخراساني وابن زيد, وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: والله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك. ولا في الجنة شيئاً أحب إلي منك فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك.
"لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان" أي بل هن أبكار عرب أتراب لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن, وهذه أيضاً من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة, وقال أرطاة بن المنذر: سئل ضمرة بن حبيب هل يدخل الجن الجنة ؟ قال: نعم وينكحون, للجن جنيات وللإنس إنسيات, وذلك قوله: "لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان * فبأي آلاء ربكما تكذبان". ثم قال ينعتهن للخطاب "كأنهن الياقوت والمرجان" قال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم: في صفاء الياقوت وبياض المرجان, فجعلوا المرجان ههنا اللؤلؤ. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم, حدثنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون الأودي, عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها من وراء سبعين حلة من حرير حتى يرى مخها" وذلك قول الله تعالى: "كأنهن الياقوت والمرجان" فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه, وهكذا رواه الترمذي من حديث عبيدة بن حميد وأبي الأحوص عن عطاء بن السائب به, ورواه موقوفاً ثم قال: وهو أصح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة, يرى مخ ساقها من وراء الثياب" تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه. وقد روى مسلم حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا, الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على ضوء كوكب دري في السماء, لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب" وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث همام بن منبه وأبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر, حدثنا محمد بن طلحة عن حميد عن أنس, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها, ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده ـ يعني سوطه ـ من الجنة خير من الدنيا وما فيها, ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ولطاب ما بينهما, ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق عن حميد عن أنس بنحوه.
وقوله تعالى: "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" أي لا لمن أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الاخرة, كما قال تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" وقال البغوي, حدثنا أبو سعيد الشريحي, حدثنا أبو إسحاق الثعلبي, أخبرني ابن فنجويه, حدثنا ابن شيبة, حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام, حدثنا الحجاج بن يوسف المكتب, حدثنا بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" وقال "هل تدرون ما قال ربكم ؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال "يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة" ولما كان في الذي ذكر نعم عظيمة لا يقاومها عمل بل مجرد تفضل وامتنان قال بعد ذلك كله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " ومما يتعلق بقوله تعالى: "ولمن خاف مقام ربه جنتان" ما رواه الترمذي والبغوي من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم عن أبي عقيل الثقفي, عن أبي فروة يزيد بن سنان الرهاوي عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أدلج, ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية, ألا إن سلعة الله الجنة" ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر وروى البغوي من حديث علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزى, عن عطاء بن يسار, عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول: "ولمن خاف مقام ربه جنتان" فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولمن خاف مقام ربه جنتان" فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال "ولمن خاف مقام ربه جنتان" فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يارسول الله ؟ فقال "وإن رغم أنف أبي الدرداء".
59- "فبأي آلاء ربكما تكذبان" فإن نعمه كلها لا يتيسر تكذيب شيء منها كائنة ما كانت، فكيف بهذه النعم الجليلة والمنن الجزيلة.
59. " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
59-" فبأي آلاء ربكما تكذبان " .
59. Which is it, of the favors of your Lord, that ye deny?
59 - Then which of the favours of your Lord will ye deny?