[الرحمن : 5] الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ
5 - (الشمس والقمر بحسبان) يجريان
وقوله " الشمس والقمر بحسبان " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معناه الشمس والقمر بحسبان ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : ثنا الفريابي قال : ثنا إسرائيل قال : ثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله " الشمس والقمر بحسبان " قال : بحساب ومنازل يرسلان .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله "الشمس والقمر بحسبان " قال : يجريان بعدد وحساب .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك " الشمس والقمر بحسبان " قال : بحساب ومنازل .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " الشمس والقمر بحسبان " :أي بحساب وأجل .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " الشمس والقمر بحسبان " قال : يجريان في حساب .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله " الشمس والقمر بحسبان " قال : يحسب بهما الدهر والزمان لولا النهار والليل والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئاً لو كان ليلاً كله كيف يحسب أو نهاراً كله كيف يحسب .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا محمد بن مروان قال : ثنا أبو العوام عن قتادة " الشمس والقمر بحسبان " قال : بحساب وأجل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهما يجريان بقدر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : ثنا عبد الله بن داود عن أبي الصهباء عن الضحاك في قوله " الشمس والقمر بحسبان " قال : بقدر يجريان .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : ثنا محمد بن يوسف قال : ثنا إسرائيل قال : ثنا ابو يحيى عن مجاهد وقال : ثنا محمد بن يوسف قال : ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " بحسبان " قال : كحسبان الرحا .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن نجيح عن مجاهد في قول الله " بحسبان" قال : كحسبان الرحا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل لأن الحسبان مصدر من قول القائل : حسبته حساباً وحسباناً مثل قولهم : كفرته كفراناً وغفرته غفراناً وقد قيل : إنه جمع حساب كما الشبهان : وجمع شهاب .
واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر فقال بعضهم : رفعا بحسبان : أي بحساب وأضمر الخبر وقال : وأظن والله أعلم انه قال : يجريان بحساب وقال بعض من أنكر هذا القول منهم : هذا غلط بحسبان يرافع الشمس والقمر : أي هما بحساب قال : والبيان يأتي على هذا : علمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان قال : فلا يحذف ويضمر إلا شاذاً في الكلام .
" الشمس والقمر بحسبان " أي يجريان بحساب معلوم فأضمر الخبر . قال ابن عباس وقتادةوأبو مالك أي يجريان بحساب في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها وقال ابن زيد وابن كيسان يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر كله ليلا أو نهارا . وقال السدي بحسبان تقدير آجالهما أي تجري بآجال كآجال الناس فإذا جاء أجلهما هلكا . نظيره " كل يجري لأجل مسمى " وقال الضحاك بقدر . مجاهد : بحسبان كحسبان الرحى يعني قطبها يدوران في مثل القطب . والحسبان قد يكون مصدر حسبته أحسبه بالضم حسبا وحسبانا مثل الغفران والكفران والرجحان وحسابة أيضا أي عددته وقال الأخفش ويكون جماعة الحساب مثل شهاب وشهبان . والحسبان أيضا بالضم العذاب والسهام القاصر وقد مضى في الكهف الواحدة حسبانة والحسبانة أيضا الوسادة الصغيرة تقول منه حسبته إذا وسدته قال :
لثويت غير محسب
أي غير موسد يعني غير مكرم ولا مكفن .
يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن, ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى: " الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان " قال الحسن: يعني النطق, وقال الضحاك وقتادة وغيرهما: يعني الخير والشر, وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن, وهو أداء تلاوته, وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها. وقوله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان" أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" وقال تعالى: "فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم".
وعن عكرمة أنه قال: لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد, ثم كشف حجاباً واحداً من سبعين حجاباً دون الشمس, لما استطاع أن ينظر إليها. ونور الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي, ونور الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش, ونور العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عياناً, رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: "والنجم والشجر يسجدان" قال ابن جرير: اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق, فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: النجم ما انبسط على وجه الأرض يعني من النبات, وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري, وقد اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقال مجاهد: النجم الذي في السماء. وكذا قال الحسن وقتادة, وهذا القول هو الأظهر والله أعلم لقوله تعالى: "ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس" الاية.
وقوله تعالى: "والسماء رفعها ووضع الميزان" يعني العدل كما قال تعالى: "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" وهكذا قال ههنا: " أن لا تطغوا في الميزان " أي خلق السموات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل. ولهذا قال تعالى: "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى: "وزنوا بالقسطاس المستقيم" وقوله تعالى: "والأرض وضعها للأنام" أي كما رفع السماء وضع الأرض ومهدها وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات, لتستقر لما على وجهها من الأنام وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: الأنام الخلق "فيها فاكهة" أي مختلفة الألوان والطعوم والروائح "والنخل ذات الأكمام" أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطباً ويابساً, والأكمام قال ابن جريج عن ابن عباس: هي أوعية الطلع وهكذا قال غير واحد من المفسرين, وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود, فيكون بسراً ثم رطباً ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه. وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن عمرو بن علي الصيرفي, حدثنا أبو قتيبة, حدثنا يونس بن الحارث عن الشعبي قال: كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب: أخبرك أن رسلي أتتني من قبلك فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير, تخرج مثل آذان الحمير ثم تشقق مثل اللؤلؤ, ثم تخضر فتكون مثل الزمرد الأخضر, ثم تحمر فتكون كالياقوت الأحمر, ثم تينع فتنضج فتكون كأطيب فالوذج أكل, ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزاداً للمسافر, فإن تكن رسلي صدقتني فلا أرى هذه الشجرة إلا من شجر الجنة, فكتب إليه عمر بن الخطاب: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم, إن رسلك قد صدقوك هذه الشجرة عندنا, وهي الشجرة التي أنبتها الله على مريم حين نفست بعيسى ابنها, فاتق الله ولا تتخذ عيسى إلهاً من دون الله "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين" وقيل: الأكمام رفاتها وهو الليف الذي على عنق النخلة, وهو قول الحسن وقتادة.
"والحب ذو العصف والريحان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "والحب ذو العصف" يعني التبن. وقال العوفي عن ابن عباس: العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه, فهو يسمى العصف إذا يبس, وكذا قال قتادة والضحاك وأبو مالك عصفه تبنه. وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: والريحان يعني الورق. وقال الحسن: هو ريحانكم هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: والريحان خضر الزرع, ومعنى هذا ـ والله أعلم ـ أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف, وهو ما على السنبلة, وريحان وهو الورق الملتف على ساقها. وقيل: العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلاً والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب, كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة:
وقولا له من ينبت الحب في الثرى فيصبح منه البقل يهتز رابيا
ويخرج منـــه حبـــه في رؤوســــه ففي ذاك آيات لمن كان واعيا
وقوله تعالى: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" أي فبأي الالاء يا معشر الثقلين من الإنس والجن تكذبان ؟ قاله مجاهد وغير واحد, ويدل عليه السياق بعده, أي النعم ظاهرة عليكم وأنتم مغمورون بها لا تستطيعون إنكارها ولا جحودها, فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون به: اللهم ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب, فلك الحمد. وكان ابن عباس يقول لا بأيها يا رب أي لا نكذب بشيء منها, قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يستمعون "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
5- "الشمس والقمر بحسبان" أي يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها، ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين. قال قتادة وأبو مالك: يجريان بحسبان في منازلهم لا يعدوانهم ولا يحيدان عنها. وقال ابن زيد وابن كيسان: يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمال. ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب، لأن الدهر يكون كله ليلاً أو نهاراً. وقال الضحاك: معنى بحسبان: بقدر. وقال مجاهد: بحسبان كحسبان الرحى: يعني قطبهما الذي يدوران عليه. قال الأخفش: الحسبان جماعة الحساب. مثل شهب وشهبان. وأما الحسبان بالضم فهو العذاب كما مضى في سورة الكهف.
5. " الشمس والقمر بحسبان "، قال مجاهد : كحسبان الرحى. وقال غيره: أي يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها، قاله ابن عباس و قتادة . وقال ابن زيد و ابن كيسان : يعني بهما تحسب الأوقات والآجال لولا الليل والنهار ةالشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئاً. وقال الضحاك : يجريان بقدر، والحسبان يكون مصدر حسبت حساباً وحسباناً، مثل الغفران والكفران، والرجحان والنقصان، وقد يكون جمع الحساب كالشهبان والركبان.
5-" الشمس والقمر بحسبان " يجريان بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما ، وتتسق بذلك أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات ، ويعلم السنون والحساب .
5. The sun and the moon are made punctual.
5 - The sun and the moon follow courses (exactly) computed;