[الرحمن : 27] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
27 - (ويبقى وجه ربك) ذاته (ذو الجلال) العظمة (والإكرام) للمؤمنين بأنعمه عليهم
" ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " .

"ويبقى وجه ربك " أي ويبقى الله ، فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه قال الشاعر :
قضى على خلقه المنايا فكل شيء سواه فاني
وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم . وقال ابن عباس : الوجه عبارة عنه كما قال " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وقال أبو المعالي وأما الوجه فالمراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى وهو الذي ارتضاه شيخنا . ومن الدليل على ذلك قوله تعالى " ويبقى وجه ربك " والموصف بالبقاء عند تعرض الخلق للفناء وجود الباري تعالى . وقد مضى في البقرة القول في هذا عند قوله تعالى " فأينما تولوا فثم وجه الله " وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى مستوفى . قال القشيري قال قوم هو صفة زائدة على الذات لا تكيف يحصل بها الإقبال على من أراد الرب تخصيصه بالإكرام . والصحيح أن يقال : وجهه وجوده وذاته يقال : هذا وجه الأمر ووجه الصواب وعين الصواب وقيل : أي يبقى الظاهر بأدلته كظهور الإنسان بوجهه وقيل تبقى الجهة التي يتقرب بها إلى الله . " ذو الجلال" الجلال عظمة الله وكبرياؤه واستحقاقه صفات المدح يقال : جل الشيء عظم وأجللته أي عظمته والجلال اسم من جل " والإكرام " أي هو أهل لأن يكرم عما لا يليق به من الشرك كما تقول : أنا أكرمك عن هذا ، ومنه إكرام الأنبياء والأولياء وقد أتينا على هذين الاسمين لغة ومعنى في الكتاب الأسنى مستوفى و"روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" وروي أنه من قول ابن مسعود ومعناه الزموا ذلك في الدعاء قال أبو عبيد : الإلظاظ لزوم الشيء والمثابرة عليه . ويقال : الإلظاظ الإلحاح . وعن سعيد المقبري أن رجلا ألح فجعل يقول : اللهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم يا ذا الجلال والإكرام ؟ فنودي إني قد سمعت فما حاجتك ؟
يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون, وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم, فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبداً, قال قتادة: أنبأ بما خلق ثم أنبأ أن ذلك كله فان. وفي الدعاء المأثور: يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام, لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين, ولا إلى أحد من خلقك. وقال الشعبي: إذا قرأت "كل من عليها فان" فلا تسكت حتى تقرأ "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" وهذه الاية كقوله تعالى: "كل شيء هالك إلا وجهه" وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الاية بأنه ذو الجلال والإكرام أي هو أهل أن يجل فلا يعصى, وأن يطاع فلا يخالف كقوله تعالى:"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" وكقوله إخباراً عن المتصدقين: "إنما نطعمكم لوجه الله" قال ابن عباس: ذو الجلال والإكرام ذو العظمة والكبرياء, ولما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة, وأنهم سيصيرون إلى الدار الاخرة فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان", وقوله تعالى: "يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن" وهذا إخبار عن غناه عما سواه وافتقار الخلائق إليه في جميع الانات وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم وأنه كل يوم هو في شأن, قال الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير "كل يوم هو في شأن" قال من شأنه أن يجيب داعياً أو يعطي سائلاً, أو يفك عانياً أو يشفي سقيماً.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: كل يوم هو يجيب داعياً ويكشف كرباً ويجيب مضطراً ويغفر ذنباً, وقال قتادة: لا يستغني عنه أهل السموات والأرض يحيي حياً ويميت ميتاً, ويربي صغيراً ويفك أسيراً وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ومنتهى شكواهم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو اليمان الحمصي, حدثنا جرير بن عثمان عن سويد بن جبلة هو الفزاري قال: إن ربكم كل يوم هو في شأن فيعتق رقاباً, ويعطي رغاباً, ويقحم عقاباً.
وقال ابن جرير: حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي, حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي, حدثني عمرو بن بكر السكسكي, حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني عن أبيه, عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي عن أبيه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية "كل يوم هو في شأن" فقلنا: يا رسول الله وما ذاك الشأن ؟ قال: "أن يغفر ذنباً, ويفرج كرباً, ويرفع قوماً ويضع آخرين".. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن عمار وسليمان بن أحمد الواسطي قالا: حدثنا الوزير بن صبيح الثقفي أبو روح الدمشقي والسياق لهشام قال: سمعت يونس بن ميسرة بن حليس, يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: "كل يوم هو في شأن" ـ قال ـ من شأنه أن يغفر ذنباً, ويفرج كرباً, ويرفع قوماً ويضع آخرين". وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة عن هشام بن عمار به, ثم ساقه من حديث أبي همام الوليد بن شجاع عن الوزير بن صبيح قال: ودلنا عليه الوليد بن مسلم عن مطرف عن الشعبي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال: والصحيح الأول, يعني إسناده الأول.
قلت: وقد روي موقوفاً كما علقه البخاري بصيغة الجزم فجعله من كلام أبي الدرداء فالله أعلم. وقال البزار: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا محمد بن الحارث, حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: كل يوم هو في شأن قال "يغفر ذنباً, ويكشف كرباً" ثم قال ابن جرير: وحدثنا أبو كريب, حدثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس إن الله خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه ياقوتة حمراء قلمه نور, وكتابه نور, وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين نظرة, يخلق في كل نظرة ويحيي ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء.
27- "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" الوجه عبارة عن ذاته سبحانه ووجوده، وقد تقدم في سورة البقرة بيان معنى هذا، وقيل: معنى "يبقى وجه ربك" تبقى حجته التي يتقرب بها إليه، والجلال: العظمة والكبرياء واستحقاق صفات المدح، يقال جل الشيء: أي عظم، وأجللته: أي أعظمته، وهو اسم من جل. ومعنى ذو الإكرام: أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به، وقيل إنه ذو الإكرام لأوليائه، والخطاب في قوله ربك للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له. قرأ الجمهور "ذو الجلال" على أنه صفة لوجه، وقرأ أبي وابن مسعود: ذي الجلال على أنه صفة لرب.
27. " ويبقى وجه ربك ذو الجلال "، ذو العظمة والكبرياء، " والإكرام "، مكرم أنبيائه وأوليائه بلطفه مع جلاله وعظمته.
27-" ويبقى وجه ربك " ذاته ولو استقريت جهات الوجودات وتفحصت وجوهها وجدتها بأسرها فانية في حد ذاتها إلا وجه الله أي الوجه الذي يلى جهته . " ذو الجلال والإكرام " ذو الاستغناء المطلق والفضل العام .
27. There remaineth but the countenance of thy Lord of Might and Glory.
27 - But will abide (for ever) the Face of thy Lord, Full of Majesty, Bounty and Honour.