[الرحمن : 20] بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ
20 - (بينهما برزخ) حاجز من قدرته تعالى (لا يبغيان) لا يبغي واحد منهما على الآخر فيختلط به
" بينهما برزخ لا يبغيان "
قوله تعالى " بينهما برزخ " أي حاجز فعل القول الأول ما بين السماء والأرض قاله الضحاك وعلى القول الثاني الأرض التي بينهما وهي الجاز قاله الحسن وقتادة وعلى غيرهما من الأقوال القدرة الإلهية على ما تقدم في الفرقان وفي الخبر "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى كلم الناحية الغربية فقال: إني جاعل فيك عبادا لي يسبحوني ويكبروني ويهللوني ويمجدوني فكيف أنت بهم ؟ فقالت : أغرقهم يا رب . قال : إني أحملهم على يدي وأجعل بأسك في نواحيك ثم كلم الناحية الشرقية فقال: إني جاعل فيك عبادا لي يسبحوني ويكبروني ويهللوني ويمجدوني فكيف أنت بهم ؟ قالت : أسبحك معهم إذا سبحوك وأكبرك معهم إذا كبروك وأهللك معهم إذا هللوك وأمجدك معهم إذا مجدوك ، فأثابها الله الحلية بينهما برزخا ، وتحول أحدهما ملحا أجاجا وبقي الآخر على حالته عذبا فراتا " ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم أبو عبد الله قال : حدثنا صالح بن محمد حدثنا القاسم العمري عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة " لا يبغيان " قال قتادة : لا يبغيان على الناس فيغرقانهم جعل بينهما وبين الناس يبسا وعنه أيضا ومجاهد لا يبغي أحدهما على صاحبه فيغلبه . ابن زيد المعنى " لا يبغيان " أن يلتقيا وتقدير الكلام مرج البحرين يلتقيان لولا البرزخ الذي بينهما لا يبغيان أن يلتقيا . وقيل : البرزخ ما بين الدنيا والآخرة أي بينهما مدة قدرها الله وهي مدة الدنيا فهما لا يبغيان فإذا أذن الله في انقضاء الدنيا صار البحران شيئا واحدا وهو كقوله تعالى " وإذا البحار فجرت " وقال سهل بن عبد الله : البحران طريق الخير والشر والبرزخ الذي بينهما التوفيق والعصمة .
يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار, وخلقه الجان من مارج من نار, وهو طرف لهبها, قاله الضحاك عن ابن عباس, وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد, وقال العوفي عن ابن عباس: من مارج من نار من لهب النار من أحسنها, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من مارج من نار من خالص النار, وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق به.
وقوله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " تقدم تفسيره "رب المشرقين ورب المغربين" يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء, وقال في الاية الأخرى: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب" وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الاية الأخرى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب, ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان" قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: "يلتقيان" قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما, والمراد بقوله البحرين: الملح والحلو, فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس, وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: " وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا " وقد اختار ابن جرير ههنا أن المراد بالبحرين: بحر السماء وبحر الأرض, وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى, قال ابن جرير: لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه, فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال: "بينهما برزخ لا يبغيان" أي وجعل بينهما برزخاً, وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا, وهذا على هذا, فيفسد كل واحد منهما الاخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه, وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخاً وحجراً محجوراً.
وقوله تعالى: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" أي من مجموعهما, فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى:"يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ؟" والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن وقد صح هذا الإطلاق. واللؤلؤ معروف, وأما المرجان فقيل هو صغار اللؤلؤ, قاله مجاهد وقتادة وأبو رزين والضحاك وروي عن علي, وقيل كباره وجيده, حكاه ابن جرير عن بعض السلف ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس, وحكاه السدي عمن حدثه عن ابن عباس, وروي مثله عن علي ومجاهد أيضاً ومرة الهمداني, وقيل: هو نوع من الجواهر أحمر اللون, قال السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله قال: المرجان الخرز الأحمر, قال السدي: وهو الكسد بالفارسية, وأما قوله: "ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها" فاللحم من كل من الأجاج والعذب والحلية إنما هي من المالح دون العذب. قال ابن عباس: ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلا صار منها اللؤلؤ, وكذا قال عكرمة, وزاد: فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة, وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها, يعني من قطر فهو اللؤلؤ. إسناده صحيح, ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض, امتن بها عليهم فقال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان".
وقوله تعالى: "وله الجوار المنشآت" يعني السفن التي تجري "في البحر" قال مجاهد: ما رفع قلعه من السفن فهي منشآت وما لم يرفع قلعه فليس بمنشآت, وقال قتادة: المنشآت يعني المخلوقات, وقال غيره, المنشآت بكسر الشين يعني البادئات "كالأعلام" أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم, مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع, ولهذا قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة, حدثنا العرار بن سويد عن عميرة بن سعد قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه على شاطىء الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط علي يديه ثم قال: يقول الله عز وجل: "وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام" والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله.
يلتقيان: أي يتجاوران لا فضل بينهما في مرأى العين. ومع ذلك فلم يختلطا، ولهذا قال: 20- "بينهما برزخ" أي حاجز يحجز بينهما "لا يبغيان" أي لا يبغي أحدهما على الآخر بأن يدخل فيه ويختلط به. قال الحسن وقتادة: هما بحر فارس والروم. وقال ابن جريح: هما البحر المالح والأنهار العذبة، وقيل بحر المشرق والمغرب، وقيل بحر اللؤلؤ والمرجان، وقيل بحر السماء وبحر الأرض. قال سعيد بن جبير: يلتقيان في كل عام، وقيل يلتقى طرفاهما. وقوله: "يلتقيان" في محل نصب على الحال من البحرين. وجملة "بينهما برزخ" يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً.
20. " بينهما برزخ "، حاجز من قدرة الله تعالى، " لا يبغيان "، لا يختلطان ولا يتغيران ولا يبغي أحدهما على صاحبه. وقال قتادة : لا يطغيان على الناس بالغرق. وقال الحسن ((مرج البحرين)) بحر الروم وبحر الهند، وأنتم الحاجز بينهما. وعن قتادة أيضاً: بحر فارس وبحر الروم بينهما برزخ يعني الجزائر. قال مجاهد و الضحاك : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام.
20-" بينهما برزخ " حاجز من قدرة الله تعالى أو من الأرض . " لا يبغيان " لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية ، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما .
20. There is a barrier between them. They encroach not (one upon the other).
20 - Between them is a Barrier which they do not transgress: