[القمر : 1] اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ
1 - (اقتربت الساعة) قربت القيامة (وانشق القمر) انفلق فلقتين على أبي قبيس وقيقعان آية له صلى الله غليه وسلم وقد سئلها فقال اشهدوا رواه الشيخان
أخرج الشيخان والحاكم واللفظ له عن ابن مسعود قال رأيت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا سحر القمر فنزل واقتربت الساعة وانشق القمر
وأخرج الترمذي عن أنس قال سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت اقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله سحر مستمر
يعني تعالى ذكره بقوله " اقتربت الساعة " : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة وقوله " اقتربت " افتعلت من القرب وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنو القيامة وقرب فناء الدنيا وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم وهم عنها في غفلة ساهون .
وقوله " وانشق القمر " يقول جل ثناؤه : وانفلق القمر وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة إلى المدينة وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية فأراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر آية حجة على صدق قوله وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذبوا وقالوا : هذا سحر مستمر سحرنا محمد فقال الله جل ثناؤه "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار وقال به أهل التأويل .
ذكر الآثار المروية بذلك والأخبار عمن قاله من أهل التأويل :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث عن أنس قال : انشق القمر فرقتين .
حدثنا ابن المثنى و الحسن بن أبي يحيى المقدسي قالا : ثنا أبو داود قال : ثنا شعبة عن قتادة قال : سمعت أنساً يقول : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني يعقوب الدورقي قال : ثنا أبو داود قال : ثنا سعيد عن قتادة قال : سمعت أنساً يقول فذكر مثله .
حدثنا علي بن سهل قال : ثنا حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن أنس قال ( انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ).
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال : ثنا بشر بن المفضل قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ( أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما ) .
حدثني أبو السائب قال : ثنا معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله قال : ( انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشهدوا ) .
حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل قال : ثنا النضر بن شميل المازني قال : أخبرنا شعبة عن سليمان قال : سمعت إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله قال : تفلق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فكانت فرقة على الجبل وفرقة من ورائه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد .
حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال : ثنا النضر قال : أخبرنا شعبة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عمر مثل حديث إبراهيم في القمر .
حدثني عيسى بن عثمان الرملي قال : ثني عمي يحيى بن عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن رجل عن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فانشق القمر فأخذت فرقة خلف الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشهدوا .
حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا عمرو بن حماد قال : ثنا أسباط عن سماك عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال : رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق .
حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي قال : ثنا يحيى بن حماد قال : ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم فسلوا السفار فسألوهم فقالوا : نعم قد رأيناه فأنزل الله تبارك وتعالى : " اقتربت الساعة وانشق القمر " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال : قد مضى انشقاق القمر .
حدثني أبو السائب قال : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : عبد الله خمس قد مضين : الدخان واللزوم ، والبطشة ، والقمر ، والروم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب عن محمد قال : نبئت أن ابن مسعود كان يقول : قد انشق القمر .
قال : اخبرنا ابن علية قال : أخبرنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : نزلنا المدائن ، فكنا منها على فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبي معه فخطبنا حذيفة فقال : ألا إن الله يقول " اقتربت الساعة وانشق القمر " ألا وإن الساعة قد اقتربت ألا وإن القمر قد انشق ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ألا وإن اليوم المضمار وغداً السباق فقلت لأبي : أتستبق الناس غداً ؟ فقال : يا بني إنك لجاهل إنما هو السباق بالأعمال ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرنا فخطب حذيفة فقال : ألا إن الله تبارك وتعالى يقول : " اقتربت الساعة وانشق القمر " ألا وإن الساعة قد اقتربت ألا وإن القمر قد انشق ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ألا وإن اليوم المضمار وغداً السباق ألا وإن الغاية النار والسابق من سبق إلى الجنة .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال : كنت مع أبي بالمدائن قال : فخطب أميرهم وكان عطاء يروي أنه حذيفة فقال في هذه الآية " اقتربت الساعة وانشق القمر " قد اقتربت الساعة وانشق القمر قد اقتربت الساعة وانشق القمر اليوم المضمار وغداً السباق والسابق من سبق إلى الجنة والغاية النار قال فقلت لأبي : غداً السباق قال : فأخبره .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن فضيل عن حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : " وانشق القمر " ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن خارجة عن الحصين بن عبد الرحمن عن ابن جبير عن أبيه " وانشق القمر " قال : انشق ونحن بمكة .
حدثنا محمد بن عسكر قال : ثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم قالا : ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : انشق القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا نصر بن علي قال : ثنا عبد الأعلى قال : ثنا داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : انشق القمر قبل الهجرة أو قال قد مضى ذاك .
حدثنا إسحاق بن شاهين قال : ثنا خالد بن عبد الله عن داود عن علي عن ابن عباس بنحوه .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الأعلى قال : ثنا داود عن علي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية " اقتربت الساعة وانشق القمر " قال : ذاك قد مضى قبل المهجرة انشق حتى رأوا شقيه .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " اقتربت الساعة وانشق القمر " .. إلى قوله " سحر مستمر " قال : قد مضى كان قد انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأعرض المشركون وقالوا : سحر مستمر .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " اقتربت الساعة وانشق القمر " قال : رأوه منشقاً .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عنمنصور وليث عن مجاهد :" " اقتربت الساعة وانشق القمر " قال : انفلق القمر فلقتين فثبتت فلقة وذهبت فلقة من رواء الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشهدوا " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن أبي سنان عن ليث عن مجاهد " انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : اشهد يا أبا بكر " فقال المشركون : سحر القمر حتى انشق
حدثنا ابن حميد قال ثنا مهران عن أبي سنان قال : قدم رجل المدائن فقام فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول : " اقتربت الساعة وانشق القمر " وإن القمر قد انشق وقد آذنت الدنيا بفراق اليوم المضمار وغدا السباق والسابق من سبق إلى الجنة والغاية النار .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " اقتربت الساعة وانشق القمر " يحدث الله في خلقه ما يشاء .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة عن أنس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فقال " اقتربت الساعة وانشق القمر " .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وانشق القمر " قد مضى كان الشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأعرض عنه المشركون وقالوا : سحر مستمر .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن عمرو عن مغيرة عن إبراهيم قال : مضى انشقاق القمر بمكة .
مكية كلها في قول الجمهور . وقال مقاتل : إلا ثلاث آيات من قوله تعالى : " أم يقولون نحن جميع منتصر " إلى قوله : " والساعة أدهى وأمر " ولا يصح على ما يأتي . وهي خمس وخمسون آية .
قوله تعالى : " اقتربت الساعة وانشق القمر " (( اقتربت )) أي قربت مثل " أزفت الآزفة " على ما بيناه . فهي بالإضافة إلى ما مضى قريبة ، لأنه قد مضى أكثر الدنيا كما روى " قتادة عن أنس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال : (( ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثل ما بقي من هذا اليوم فيما مضى )) وما نرى من الشمس إلا يسيرا " . وقال كعب ووهب : الدنيا ستة آلاف سنة . قال وهب : قد مضى خمسة آلاف سنة وستمائة سنة . ذكره النحاس .
ثم قوله تعالى : " وانشق القمر " أي وقد انشق القمر . وكذا قرأ حذيفة (( اقتربت الساعة وقد انشق القمر )) بزيادة (( قد )) وعلى هذا الجمهور من العلماء ، ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن مسعود وابن عمر وأنس وجبير بن مطعم وابن عباس رضي الله عنهم .و" عن أنس قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية ، فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت : " اقتربت الساعة وانشق القمر " إلى قوله :" سحر مستمر " " يقول ذاهب قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . و" لفظ البخاري عن أنس قال : انشق القمر فرقتين " . وقال قوم : لم يقع انشقاق القمر بعد وهو منتظر ، أي اقتربت قيام الساعة وانشقاق القمر ، وأن الساعة إذا قامت انشقت السماء بما فيها من القمر وغيره . وكذا قال القشيري . وذكر المارودي : أن هذا قول الجمهور ، وقال : لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ، لأنه آية والناس في الآيات سواء . وقال الحسن : اقتربت الساعة فإذا جاءت انشق القمر بعد النفخة الثانية . وقيل : " وانشق القمر " أي وضح الأمر وظهر ، والعرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح ، قال :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى حي سواكم لأميل
فقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطيات مطايا وأرحل
وقيل : انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها ، كما يمسى الصبح فلقا ، لانفلاق الظلمة عنه . وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه كما قال النابغة :
فلما أدبروا ولهم دوي دعانا عند شق الصبح داع
قلت : وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة ، وهو ظاهر التنزيل ،ولا يلزم أن يستوي الناس فيها ، لأنها كانت آية ليلية ، وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى عند التحدي . قروي أن حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضبا من سب أبي جهل الرسول صلى الله عليه وسلم طلب أن يريه آية يزداد بها يقينا في إيمانه . وقد تقدم في الصحيح أن أهل مكة هم الذين سألوا وطلبوا أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فلقتين كما في حديث ابن مسعود وغيره . وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت ، وأن القمر قد انشق على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم . وقد قيل : هو على التقديم والتأخير ، وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة ، قاله ابن كيسان . وقد مر عن الفراء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدم وتؤخر عند قوله تعالى : " ثم دنا فتدلى " .
تفسير سورة القمر
بسم الله الرحمـن الرحيم
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها كما قال تعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" وقال: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" وقد وردت الأحاديث بذلك. قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا: حدثنا خلف بن موسى, حدثني أبي عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه ذات يوم, وقد كادت الشمس أن تغرب, فلم يبق منها إلا سف يسير فقال: "والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه وما نرى من الشمس إلا يسيراً" قلت: هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي عن أبيه, وقد ذكره ابن حبان في الثقات, وقال: ربما أخطأ.
(حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره) قال الإمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين, حدثنا شريك, حدثنا سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عمر قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى" وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين, حدثنا محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بعثت أنا والساعة هكذا" وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى وأخرجاه من حديث أبي حازم سلمة بن دينار.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد, أخبرنا الأعمش عن أبي خالد عن وهب السوائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها" وجمع الأعمش بين السبابة والوسطى. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة, حدثنا الأوزاعي, حدثني إسماعيل بن عبيد الله قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة ؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنتم والساعة كهاتين" تفرد به أحمد رحمه الله, وشاهد ذلك أيضاً في الصحيح في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه. وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز بن أسد, حدثنا سليمان بن المغيرة, حدثنا حميد بن هلال عن خالد بن عمير قال: خطب عتبة بن غزوان, قال بهز, وقال قبل هذه المرة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء, ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها, وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها, فانتقلوا منها بخير ما بحضرتكم, فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً, والله لتملؤنه أفعجبتم والله لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاماً, وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام" وذكر تمام الحديث انفرد به مسلم.
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا يعقوب, حدثني ابن علية, أخبرنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ, فجاءت الجمعة, فحضر أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة فقال: ألا إن الله يقول: "اقتربت الساعة وانشق القمر" ألا وإن الساعة قد اقتربت, ألا وإن القمر قد انشق, ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق, ألا وإن اليوم المضمار وغداً السباق, فقلت لأبي: أيستبق الناس غداً ؟ فقال: يا بني إنك لجاهل, إنما هو السباق بالأعمال, ثم جاءت الجمعة الأخرى, فحضرنا فخطب حذيفة فقال: ألا إن الله عز وجل يقول: "اقتربت الساعة وانشق القمر" ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق, ألا وإن اليوم المضمار وغداً السباق, ألا وإن الغاية النار, والسابق من سبق إلى الجنة. وقوله تعالى: "وانشق القمر" قد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: "خمس قد مضين الروم والدخان واللزام والبطشة والقمر" وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات.
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك
(رواية أنس بن مالك): قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية, فانشق القمر بمكة مرتين فقال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق, وقال البخاري: حدثني عبد الله بن عبد الوهاب, حدثنا بشر بن المفضل, حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك, أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية, فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما. وأخرجاه أيضاً من حديث يونس بن محمد المؤدب عن شيبان عن قتادة, ورواه مسلم أيضاً من حديث أبي داود الطيالسي ويحيى القطان وغيرهما عن شعبة عن قتادة به.
(رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن كثير, حدثنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن, عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل, فقالوا: سحرنا محمد. فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه وأسنده البيهقي في الدلائل من طريق محمد بن كثير عن أخيه سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن.
وهكذا رواه ابن جرير من حديث محمد بن فضيل وغيره عن حصين به, ورواه البيهقي أيضاً من طريق إبراهيم بن طهمان وهشيم, كلاهما عن حصين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده فذكره.
(رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما) قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير, حدثنا بكر عن جعفر عن عراك بن مالك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري أيضاً ومسلم من حديث بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك به مثله. وقال ابن جرير: حدثنا ابن مثنى, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" قال: قد مضى ذلك, كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه, وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا, وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن عمرو البزار, حدثنا محمد بن يحيى القطعي, حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سحر القمر, فنزلت " اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ".
(رواية عبد الله بن عمر) قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: حدثنا أبو العباس الأصم, حدثنا العباس بن محمد الدوري: حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن الأعمش, عن مجاهد عن عبد الله بن عمر في قوله تعالى: "اقتربت الساعة وانشق القمر" قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, انشق فلقتين, فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اشهد" وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد به, قال مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح.
(رواية عبد الله بن مسعود) قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين, حتى نظروا إليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشهدوا" وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة به, وأخرجاه من حديث الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود به. وقال ابن جرير: حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي, حدثنا عمي يحيى بن عيسى, عن الأعمش عن إبراهيم عن رجل عن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى, فانشق القمر فأخذت فرقة خلف الجبل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اشهدوا اشهدوا" قال البخاري: وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بمكة وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة. قال: فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار, فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم, قال: فجاء السفار فقالوا ذلك.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا العباس بن محمد الدوري, حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا هشيم, حدثنا مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين, فقال كفار قريش أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة انظروا السفار, فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق, وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به. قال: فسئل السفار, قال: وقدموا من كل وجهة فقالوا: رأيناه, ورواه ابن جرير من حديث المغيرة به, وزاد فأنزل الله عز وجل: "اقتربت الساعة وانشق القمر". ثم قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, أخبرنا أيوب عن محمد هو ابن سيرين قال: نبئت أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقول: لقد انشق القمر.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني محمد بن عمارة, حدثنا عمرو بن حماد, حدثنا أسباط عن سماك عن إبراهيم عن الأسود, عن عبد الله قال: لقد رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق, ورواه الإمام أحمد عن مؤمل عن إسرائيل عن سماك عن إبراهيم, عن الأسود عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر. وقال ليث عن مجاهد: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "اشهد يا أبا بكر" فقال المشركون: سحر القمر حتى انشق. وقوله تعالى, "وإن يروا آية" أي دليلاً وحجة وبرهاناً "يعرضوا" أي لا ينقادوا له بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم "ويقولوا سحر مستمر" أي ويقولون هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر سحرنا به ومعنى "مستمر" أي ذاهب, قاله مجاهد وقتادة وغيرهما: أي باطل مضمحل لا دوام له "وكذبوا واتبعوا أهواءهم" أي كذبوا بالحق إذ جاءهم, واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم.
وقوله: "وكل أمر مستقر" قال قتادة: معناه أن الخير واقع بأهل الخير, والشر واقع بأهل الشر, وقال ابن جريج: مستقر بأهله, وقال مجاهد "وكل أمر مستقر" أي يوم القيامة, وقال السدي: مستقر أي واقع, وقوله تعالى: "ولقد جاءهم من الأنباء" أي من الأخبار عن قصص الأمم المكذبين بالرسل وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب مما يتلى عليهم في القرآن "ما فيه مزدجر" أي ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي على التكذيب. وقوله تعالى: "حكمة بالغة" أي في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله " فما تغن النذر " يعني أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة وختم على قلبه فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الاية كقوله تعالى: "قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين" وكذا قوله تعالى: " وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ".
ويقال سورة اقتربت، وهي خمس وخمسون آية
وهي مكية كلها في قول الجمهور. وقال مقاتل: هي مكية إلا ثلاث آيات من قوله "أم يقولون نحن جميع منتصر" إلى قوله: "والساعة أدهى وأمر" قال القرطبي: ولا يصح. وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والنحاس والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنها نزلت بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: اقتربت تدعى في التوراة المبيضة تبيض وجه صاحبها يوم تبيض الوجوه. قال البيهقي: منكر. وأخرج ابن الضريس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه "من قرأ اقتربت الساعة في كل ليلتين بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر". وأخرج ابن الضريس نحوه عن ليث بن معن عن شيخ من همدان رفعه، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة في الأضحى والفطر.
قوله: 1- "اقتربت الساعة وانشق القمر" أي قربت ولا شك أنها قد صارت باعتبار نسبة ما بقي بعد قيام النبوة المحمدية إلى ما مضى من الدنيا قريبة. ويمكن أن يقال إنها لما كانت متحققة الوقوع لا محالة كانت قريبة، فكل آت قريب "وانشق القمر" أي وقد انشق القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة قد، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف. قال الواحدي: وجماعة المفسرين على هذا إلا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: المعنى سينشق القمر، والعلماء كلهم على خلافه. قال: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة. قال ابن كيسان: في الكلام تقديم وتأخير: أي انشق القمر واقترب الساعة. وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة، وقيل معنى وانشق القمر: وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح. وقيل انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه وطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فاقاً لانفلاق الظلمة عنه. قال ابن كثير: قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. قال: وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات. قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشق يوم القيامة.
1. مكية، " اقتربت الساعة "،دنت القيامة، " وانشق القمر ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، أخبرنا بشر بن المفضل ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما".
و قال شيبان عن قتادة : فأراهم انشقاق القمر مرتين.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمدبن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى عن شعبة و سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :اشهدوا ".
وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر بمكة. وقال مقاتل : انشق القمر ثم التأم بعد ذلك.
وروى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: [انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم]، فقالت قريش: سحركم ابن أبي كبشة، فاسألوا السفاؤ، فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل الله عز وجل: " اقتربت الساعة وانشق القمر ".
1-" اقتربت الساعة وانشق القمر " روي أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر . وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ وقد انشق القمر أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر ، وقوله :
Surah 54. Al-Qamar
1. The hour drew nigh and the moon was rent in twain.
SURA 54: QAMAR
1 - The Hour (of Judgment) is nigh, and the moon is cleft asunder.