[الطور : 34] فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ
34 - (فليأتوا بحديث) مختلق (مثله إن كانوا صادقين) في قولهم
وقوله " فليأتوا بحديث مثله " يقول : جل ثناؤه : فيأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآن مثله ، فإنهم من أهل لسان محمد صلى الله عليه وسلم ولن يتعذر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إن كانوا صادقين في أن محمداً صلى الله عليه وسلم تقوله وتخلقه .
"فليأتوا بحديث مثله " أي بقرآن يشبهه من تلقاء أنفسهم " إن كانوا صادقين " في أن محمدا افتراه . وقرأ الجحدري ( فلياتوا بحديث مثله ) بالإضافة والهاء في مثله للنبي صلى الله عليه وسلم وأضيف الحديث الذي يراد به القرآن إليه لأنه المبعوث به والهاء على قراءة الجماعة للقرآن .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى عباده, وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه, ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال: "فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون" أي لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار قريش, والكاهن الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء "ولا مجنون" وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس. ثم قال تعالى منكراً عليهم في قولهم في الرسول صلى الله عليه وسلم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " أي قوارع الدهر, والمنون الموت, يقولون ننتظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه, قال الله تعالى: "قل تربصوا فإني معكم من المتربصين" أي انتظروا فإني منتظر معكم, وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والاخرة. قال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قريشاً لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احتبسوه في وثاق وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم, فأنزل الله تعالى ذلك من قولهم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ".
ثم قال تعالى: "أم تأمرهم أحلامهم بهذا" أي عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور "أم هم قوم طاغون" أي ولكن هم قوم طاغون ضلال معاندون, فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك . وقوله تعالى: "أم يقولون تقوله ؟" أي اختلقه وافتراه من عند نفسه يعنون القرآن, قال الله تعالى: "بل لا يؤمنون" أي كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة "فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" أي إن كانوا صادقين في قولهم تقوله وافتراه, فليأتوا بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن, فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ما جاءوا بمثله, ولا بعشر سور من مثله, ولا بسورة من مثله.
ثم تحداهم سبحانه وألزمهم الحجة فقال: 34- "فليأتوا بحديث مثله" أي مثل القرآن في نظمه وحسن بيانه وبديع أسلوبه "إن كانوا صادقين" فيما زعموا من قولهم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم تقوله وجاء به من جهة نفسه مع أنه كلام عربي، وهم رؤوس العرب وفصحاؤهم والممارسون لجميع الأوضاع العربية من نظم ونثر.
وقد أخرج سعيد بن منصور وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي عن ابن عباس قال: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقر به عينه. ثم قرأ "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم" الآية". وأخرجه البزار وابن مردويه عنه مرفوعاً. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به، وقرأ ابن عباس "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم"" الآية. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذين آمنوا" الآية" وإسناده هكذا. قال عبد الله بن أحمد: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن عثمان، عن زاذان، عن علي بن أبي طالب قال: "سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما في النار، فلما رأى الكراهة في وجهها قال: لو رأيت مكانهما لأبغضتهما، قالت: يا رسول الله فولدي منك. قال: في الجنة، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ "والذين آمنوا"" الآية. وقال الإمام أحمد في المسند: حدثنا يزيد حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب من أين لي هذا، فيقول باستغفار ولدك لك" وإسناده صحيح. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس "وما ألتناهم" قال: ما نقصناهم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "لا لغو فيها" يقول: باطل "ولا تأثيم" يقول كذب. وأخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا، فيتحدثان فيتكئ ذا ويتكئ ذا فيتحدثان بما كانوا في الدنيا، فيقول أحدهما: يا فلان تدري أي يوم غفر الله لنا؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا". وأخرج ابن المنذر عن عائشة قالت: لو فتح الله على أهل الأرض من عذاب السموم قدر الأنملة لأحرقت الأرض ومن عليها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إنه هو البر" قال: اللطيف. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عنه أن قريشاً لما اجتمعوا إلى دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم احبسوه في وثاق، وتربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء: زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: "ريب المنون" قال: الموت.
34. " فليأتوا بحديث مثله "، أي: مثل القرآن ونظمه زحسن بيانه، " إن كانوا صادقين "، أن محمداً يقوله من قبل نفسه.
34-" فليأتوا بحديث مثله " مثل القرآن . " إن كانوا صادقين " في زعمهم إذ فيهم كثير ممن عدوا فصحاء فهو رد للأقوال المذكورة بالتحدي ، ويجوز أن يكون رد للتقول فإن سائر الأقسام ظاهر الفساد .
34. Then let them produce speech the like thereof, if they are truthful:
34 - Let them then produce a recital like unto it, if (it be) they speak the Truth!