[الذاريات : 53] أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ
53 - (أتواصوا) كلهم (به) استفهام بمعنى النفي (بل هم قوم طاغون) جمعهم على هذاالقول طغيانهم
وقوله " أتواصوا به بل هم قوم طاغون " يقول تعالى ذكره : أوأوصى هؤلاء المكذبين من قريش محمداً صلى الله عليه وسلم على ما جاءهم به من الحق أوائلهم وآباؤهم الماضون من قبلهم بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فقبلوا ذلك عنهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " أتواصوا به بل هم قوم طاغون " قال : أوصى أولاهم أخراهم بالتكذيب .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة قوله " أتواصوا به " أي كان الأول قد أوصى الآخر التكذيب .
وقوله " بل هم قوم طاغون " يقول تعالى ذكره : ما أوصى هؤلاء المشركون آخرهم بذلك ولكنهم قوم متعدون طغاة عن أمر ربهم لا يأتمرون لأمره ولا ينتهون عما نهاهم عنه .
قوله تعالى " أتواصوا به " أي أوص أولهم آخرهم بالتكذيب وتواطؤوا عليه والألف للتوبيخ والتعجب " بل هم قوم طاغون" أي لم يوص بعضهم بعضا بل جمعهم الطغيان وهو مجاوزة الحد في الكفر .
يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم وكما قال لك هؤلاء المشركون قال المكذبون الأولون لرسلهم: "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون" قال الله عز وجل: "أتواصوا به ؟" أي أوصى بعضهم بعضاً بهذه المقالة "بل هم قوم طاغون" أي لكن هم قوم طغاة تشابهت قلوبهم, فقال متأخرهم كما قال متقدمهم. قال الله تعالى: "فتول عنهم" أي فأعرض عنهم يامحمد "فما أنت بملوم" يعني فما نلومك على ذلك "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" أي إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة, ثم قال جل جلاله: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" أي إنما خلقتهم لامرهم بعبادتي لا لا حتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إلا ليعبدون" أي إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً. وهذا اختيار ابن جرير وقال ابن جريج: إلا ليعرفون, وقال الربيع بن أنس "إلا ليعبدون" أي إلا للعبادة, وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله" هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك, وقال الضحاك: المراد بذلك المؤمنون.
وقوله تعالى: "ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد, عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسرائيل, وقال الترمذي: حسن صحيح. ومعنى الاية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء, ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. فهو خالقهم ورازقهم. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله, حدثنا عمران ـ يعني ابن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد ـ هو الوالبي ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ـ "ياابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك, وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمران بن زائدة, وقال الترمذي: حسن غريب.
وقد روى الإمام أحمد عن وكيع وأبي معاوية عن الأعمش عن سلام بن شرحبيل: سمعت حبة وسواء ابني خالد يقولان: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعمل عملاً أو يبني بناء, قال أبو معاوية: يصلح شيئاً, فأعناه عليه فلما فرغ دعا لنا وقال: "لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ثم يعطيه الله ويرزقه". وقد ورد في بعض الكتب الإلهية: يقول الله تعالى: ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب, وتكفلت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء, وأنا أحب إليك من كل شيء. وقوله تعالى: "فإن للذين ظلموا ذنوباً" أي نصيباً من العذاب "مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون" أي فلا يستعجلون ذلك فإنه واقع لا محالة "فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون" يعني يوم القيامة. آخر تفسير سورة الذاريات ولله الحمد والمنة .
53- "أتواصوا به" الاستفهام للتقريع والتوبيخ والتعجيب من حالهم: أي هل أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب وتوطأوا عليه "بل هم قوم طاغون" إضراب عن التواصي إلى ما جمعهم من الطغيان: أي لم يتواصوا بذلك، بل جمعهم الطغيان وهو مجاوزة الحد في الكفر.
53. قال الله تعالى: " أتواصوا به "، أي: أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضاً بالتكذيب وتواطؤا عليه؟ والألف فيه للتوبيخ، " بل هم قوم طاغون "، قال ابن عباس: حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك،
53-" أتواصوا به " أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول حتى قالوا جميعاً . " بل هم قوم طاغون " إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه .
53. Have they handed down (the saying) as an heirloom one unto another? Nay, but they are froward folk.
53 - Is this the legacy they have transmitted, one to another? Nay, they are themselves a people transgressing beyond bounds!