[الذاريات : 17] كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
17 - (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) ينامون وما زائدة ويهجعون خبر كان وقليلا ظرف أي ينامون في زمن يسير من الليل ويصلون أكثره
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال بعضهم معناه كانوا قليلاً من الليل لا يهجعون وقالوا ما بمعنى الجحد .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن بشار و ابن المثنى قالا ثنا يحيى بن سعيد و ابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : يتيقظون يصلون ما بين هاتين الصلاتين ما بين المغرب والعشاء .
حدثني زريق بن الشحب قال : ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال : ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بنحوه .
حدثنا ابن بشار و ابن المثنى قالا : ثنا أبو داود ثنا بكير بن أبي السمط عن قتادة عن محمد بن علي في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة .
قالا : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن قتادة عن مطرف في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : قل ليلة أتت عليهم إلا صلوا فيها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قال : قال مطرف بن عبد الله في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قل ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها لله إما من اولها ، وإما من وسطها .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان قال : ثنا ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال لم يكن يمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً .
قال : ثنا ابن يمان عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : كانوا يصيبون فيها خطأ .
حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال : ثنا حفص بن عاصم عن أبي العالية في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال :لا ينامون بين المغرب والعشاء .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام و مهران عن أبي جعفر عن الربيع " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كانوا يصيبون من الليل خطأ .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن مطرف في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كان لهم قليل من الليل ما يهجعون كانوا يصلونه .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كانوا قليلاً ما ينامون ليلة حتى الصباح .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قا ل: قليل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون .
وقال آخرون :بل معنى ذلك كانوا قليلاً من الليل يهجعون ووجهوا ما التي في قوله " ما يهجعون " إلى أنها صلة .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن قتادة في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : قال الحسن كابدوا قيام الليل .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قال : كان الحسن يقول : لا ينامون منه إلا قليلاً .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية عن بعض أصحابنا عن الحسن في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : لا ينامون من الليل إلا أقله .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الوهاب قال : ثنا عوف عن سيعد بن أبي الحسن في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : قل ليلة أتت عليهم هجوعاً .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا سعيد عن قتادة قال : قال الأحنف بن قيس في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال :كانوا لا ينامون إلا قليلاً .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو داود قال : ثنا الحكم بن عطية عن قتادة قال : قال الأحنف بن قيس وقرأ هذه الآية " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : لست من أهل هذه الآية .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن عدي عن سعيد عن قتادة عن الحسن في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال قيام الليل .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان عن سفيان عن يونس عن الحسن قال : نشطوا فمدوا إلى السحر .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن يونس بن عبيد عن الحسن قال مدوا في الصلاة ونشطوا حتى كان الاستغفار بسحر .
قال : ثنا مهران عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : كانوا لا ينامون من الليل إلا قليلاً .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كان الحسن والزهري يقولان : كانوا كثيراً من الليل ما يصلون وقد يجوز أن تكون(( ما ))على هذا التأويل في موضع رفع ويكون تأويل الكلام : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم وأما من جعل " ما " صلة فإنه لا موضع لها ويكون تأويل الكلام على مذهبه كانوا يهجعون قليل الليل وإذا كانت " ما " صلة كان القليل منصوباً بيهجعون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال ما ينامون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : كانوا يصلون العتمة وعلى هذا التأويل " ما " في معنى الجحد .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن بشار و ابن المثنى قالا : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن قتادة في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : قال رجل من أهل مكة سماه قتادة قال : صلاة العتمة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : كان هؤلاء المحسنون قبل أن تفرض عليهم الفرائض قليلاً من الناس وقالوا الكلام بعد قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " كانوا قليلاً مستأنف بقوله " من الليل ما يهجعون " فالواجب أن تكون " ما " على هذا التأويل بمعنى الجحد .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا عبيد عن الضحاك في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " يقول : إن المحسنين كانوا قليلاً ثم ابتدئ فقيل " من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون " كما قال " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون " ( الحديد 19 ) ثم قال : " والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم " ( الحديد 19 ) .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن الزبير عن الضحاك بن مزاحم " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كانوا من الناس قليلاً .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان عن سفيان عن الزبير بن عدي عن الضحاك بن مزاحم في قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كانوا قليلاً من الناس من يفعل ذلك .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن الزبير بن عدي عن الضحاك بن مزاحم " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : كانوا قليلا من الناس إذ ذاك .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : اخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " قال الله : " إن المتقين في جنات وعيون " إلى " محسنين " كانوا قليلاً يقول : المحسنون كانوا قليلاً هذه مفصولة ثم استأنف فقال " من الليل ما يهجعون "
وأما قوله " يهجعون " فإنه يعني : ينامون والهجوع النوم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس ،" كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " يقول : ينامون .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قال : ينامون .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان عن منصور عن إبراهيم مثله .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " من الليل ما يهجعون " الهجوع : النوم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " قال : كانوا قليلاً ما ينامون من الليل قال: ذاك الهجع قال : والعرب تقول إذا سافرت اهجع بنا قليلاً قال : وقال رجل من بني تميم لأبي : يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا ذكر الله تبارك وتعالى قوماً فقال : " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " ونحن والله قليلاً من الليل ما نقوم قال : فقال أبي طوبي لمن رقد إذا نعس وألقى الله إذا استيقظ .
وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " قول من قال : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم لأن الله تبارك وتعالى وصفهم بذلك مدحاً لهم وأثنى عليهم به فوصفهم بكثرة العمل وسهر الليل ومكابدته فيما يقربهم منه ويرضيه عنهم أولى وأشبه من وصفهم من قلة العمل وكثرة النوم مع ان الذي اخترنا في ذلك هو أغلب المعاني على ظاهر التنزيل .
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " معنى يهجعون ينامون والهجوع النوم ليلا والتهجاع النومة الخفيفة قال أبو قيس بن الأسلت :
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع
وقال عمرو بن معد يكرب يتشوق أخته وكان أسرها الصمة أبو دريد بن الصمة
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
يقال هجع يهجع هجوعا وهبغ يهبغ هبوغا بالغين المعجمة إذا نام قاله الجوهري واختلف في ما فقيل : صلة زائدة قاله إبراهيم النخعي والتقدير كانوا قليلا من الليل يهجعون . أي ينامون قليلا من الليل ويصلون أكثره . قال عطاء وهذا لما أمروا بقيام الليل . وكان أبو ذر يحتجز ويأخذ العصا فيعتمد عليها حتى نزلت الرخصة "قم الليل إلا قليلا "فـ(ما)للنفي وهو نفي النوم عنهم البتة . قال الحسن كانوا لا ينامون من الليل إلا أقله وربما نشطوا فجدوا إلى السحر روي عن يعقوب الحضرمي أنه قال: اختلفوا في تفسير هذه الآية فقال بعضهم : "كانوا قليلا" معناه كان عددهم يسيرا ثم ابتدأ فقال " من الليل ما يهجعون " على معنى من الليل يهجعون قال ابن الأنباري : وهذا فاسد لأن الآية إنما تدل على قلة نومهم لا على قلة عددهم .وبعد فلو ابتدأنا "من الليل ما يهجعون " على معنى من الليل يهجعون لم يكن في هذا مدح لهم لأن الناس كلهم يهجعون من الليل إلا أن تكون ما جحدا .
قلت : وعلى ما تأوله بعض الناس ـ وهو قول الضحاك من أن عددهم كان يسيرا يكون الكلام متصلا بما قبل من قوله "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين" أي كان المحسنون قليلا ثم استأنف فقال: "من الليل ما يهجعون " وعلى التأويل الأول والثاني يكون "كانوا قليلا من الليل " خطابا مستأنفا بعد تمام ما تقدمه ويكون الوقف على " ما يهجعون " وكذلك إن جعلت قليلا خبر كان وترفع ما بقليل كأنه قال : كانوا قليلا من الليل هجوعهم فـ(ما) يجوز أن تكون نافية ويجوز أن تكون مع الفعل مصدرا ويجوز أن تكون رفعا على البدل من اسم كان التقدير كان هجوعهم قليلا من الليل وانتصاب قوله قليلا إن قدرت ما زائدة مؤكدة بـ يهجعون على تقدير كانوا وقتا قليلا أو هجوعا قليلا يهجعون وإن لم تقدر ما زائدة كان قوله قليلا خبر كان ولم يجز نصبه بـ يهجعون لأنه إذا قدر نصبه بـ يهجعون مع تقدير ما مصدرا قدمت الصلة على الموصول . وقال أنس وقتادة في تأويل الآية : أي كانوا يصلون بين العشاءين المغرب والعشاء . أبو العالية كانوا لا ينامون بين العشاءين وقاله ابن وهب وقال مجاهد نزلت في الأنصار كانوا يصلون العشاءين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم يمضون إلى قباء وقال محمد بن علي بن الحسين كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة . قال الحسن : كأنه عد هجوعهم قليلا في جنب يقظتهم للصلاة . وقال ابن عباس ومطرف قل ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون لله فيها إما من أولها وإما من وسطها .
الثانية : روي عن بعض المتهجدين أنه أتاه آت في منامه فأنشده :
وكيف تنام الليل عين قريرة ولم تدر في أي المجالس تنزل
وروي عن رجل من الأزد أنه قال: كنت لا أنام الليل فنمت في آخر الليل فإذا أنا بشابين أحسن ما رأيت ومعهما حلل ، فوقفا على كل مصل وكسواه حلة ثم انتهيا إلى النيام فلم يكسوهم فقلت لهما : اكسواني من حللكما هذه فقالا لي إنها ليست حلة لباس إنما هي رضوان الله يحل على كل مصل . ويروى عن أبي خلاد أنه قال : حدثني صاحب لي قال : فبينا أنا نائم ذات ليلة إذ مثلت لي القيامة فنظرت إلى أقوام من إخواني قد أضاءت وجوههم وأشرقت ألوانهم وعليهم الحلل من دون الخلائق فقلت : ما بال هؤلاء مكتسون والناس عراة ووجوههم مشرقة ووجوه الناس مغبرة ؟ فقال لي قائل : الذين رأيتهم مكتسون فهم المصلون بين الأذان والإقامة والذين وجوههم مشرقة فأصحاب السهر والتهجد ، قال ورأيت أقواما على نجائب فقلت ما بال هؤلاء ركبانا والناس مشاة حفاة ؟ فقال لي : هؤلاء الذين قاموا على أقدامهم تقربا لله تعالى فأعطاهم الله بذلك خير الثواب قال فصحت في منامي واها للعابدين ، ما أشرف مقامهم ثم استيقظت من منامي وأنا خائف .
يقول تعالى مخبراً عن المتقين لله عز وجل أنهم يوم معادهم يكونون في جنات وعيون بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال. وقوله تعالى: " آخذين ما آتاهم ربهم " قال ابن جرير: أي عاملين بما آتاهم الله من الفرائض "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين" أي قبل أن يفرض عليهم الفرائض كانوا محسنين في الأعمال أيضاً, ثم روي عن ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن أبي عمر عن مسلم البطين, عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " آخذين ما آتاهم ربهم " قال: من الفرائض "إنهم كانوا قبل ذلك محسنين" قبل الفرائض يعملون, وهذا الإسناد ضعيف ولا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد رواه عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان, عن أبي عمر البزار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره, والذي فسر به ابن جرير فيه نظر, لأن قوله تبارك وتعالى آخذين حال من قوله في جنات وعيون, فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون آخذين ماآتاهم ربهم, أي من النعيم والسرور والغبطة, وقوله عز وجل: "إنهم كانوا قبل ذلك" أي في الدار الدنيا "محسنين" كقوله جل جلاله: "كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية" ثم إنه تعالى بين إحسانهم في العمل فقال جل وعلا: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" اختلف المفسرون في ذلك على قولين: (أحدهما) أن "ما" نافية تقديره كانوا قليلاً من الليل لا يهجعونه, قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً, وقال قتادة عن مطرف بن عبد الله: قل ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عز وجل, إما من أولها وإما من أوسطها. وقال مجاهد: قل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون, وكذا قال قتادة, وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو العالية: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء. وقال أبو جعفر الباقر كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة, (والقول الثاني) أن "ما" مصدرية تقديره كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ونومهم, واختاره ابن جرير.
وقال الحسن البصري "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله, ونشطوا فمدوا إلى السحر حتى كان الاستغفار بسحر, وقال قتادة: قال الأحنف بن قيس "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" كانوا لا ينامون إلا قليلاً ثم يقول: لست من أهل هذه الاية. وقال الحسن البصري: كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة, فإذا قوم قد باينونا بوناً بعيداً, إذا قوم لا نبلغ أعمالهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون, وعرضت عملي على عمل أهل النار, فإذا قوم لا خير فيهم مكذبون بكتاب الله وبرسل الله, مكذبون بالبعث بعد الموت, فقد وجدت من خيرنا منزلة قوماً خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال رجل من بني تميم لأبي: يا أبا أسامة صفة لا أجدها فينا ذكر الله تعالى قوماً فقال: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" ونحن والله قليلاً من الليل ما نقوم, فقال له أبي رضي الله عنه: طوبى لمن رقد إذا نعس واتقى الله إذا استيقظ. وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه, فكنت فيمن انجفل, فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب, فكان أول ما سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس أطعموا الطعام, وصلوا الأرحام, وأفشوا السلام, وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: لمن هي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لمن ألان الكلام, وأطعم الطعام, وبات لله قائماً والناس نيام" وقال معمر في قوله تعالى: "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" كان الزهري والحسن يقولان كانوا كثيراً من الليل ما يصلون, وقال ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" ما ينامون. وقال الضحاك " إنهم كانوا قبل ذلك محسنين * كانوا قليلا " ثم ابتدأ فقال: " من الليل ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون " وهذا القول فيه بعد وتعسف.
وقوله عز وجل: "وبالأسحار هم يستغفرون" قال مجاهد وغير واحد: يصلون وقال آخرون: قاموا الليل وأخروا الاستغفار إلى الأسحار كما قال تبارك وتعالى: "والمستغفرين بالأسحار" فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن. وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير, فيقول هل من تائب فأتوب عليه, هل من مستغفر فأغفر له, هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر" وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخباراً عن يعقوب أنه قال لبنيه "سوف أستغفر لكم ربي" قالوا أخرهم إلى وقت السحر.
وقوله تبارك وتعالى: "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" لما وصفهم بالصلاة ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة فقال: "وفي أموالهم حق" أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم. أما السائل فمعروف وهو الذي يبتدىء بالسؤال, وله حق كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى, عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للسائل حق وإن جاء على فرس" ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري به. ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وروي من حديث الهرماس بن زياد مرفوعاً, وأما المحروم فقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد: هو المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم, يعنى لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها, وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هو المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه, وقال الضحاك: هو الذي لا يكون له مال إلا ذهب, قضى الله تعالى له ذلك. وقال أبو قلابة: جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل, فقال رجل من الصحابة رضي الله عنهم: هذا المحروم وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ونافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما وعطاء بن أبي رباح: المحروم المحارف. وقال قتادة والزهري: المحروم الذي لا يسأل الناس شيئاً.
قال الزهري وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه" وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر. وقال سعيد بن جبير: هو الذي يجيء وقد قسم المغنم فيرضخ له. وقال محمد بن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في طريق مكة, فجاء كلب, فانتزع عمر رضي الله عنه كتف شاة فرمى بها إليه وقال: يقولون إنه المحروم, وقال الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم, واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان وقد ذهب ماله, سواء كان لا يقدر على الكسب أو قد هلك ماله أو نحوه بآفة أو نحوها. وقال الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا, فجاءه قوم لم يشهدوا الغنيمة, فنزلت هذه الاية "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" وهذا يقتضي أن هذه مدنية وليس كذلك بل هي مكية شاملة لما بعدها, وقوله عز وجل: "وفي الأرض آيات للموقنين" أي فيها من الايات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار, واختلاف ألسنة الناس وألوانهم وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى, وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات والسعادة والشقاوة, وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه, ولهذا قال عز وجل: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" قال قتادة: من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة.
ثم قال تعالى: "وفي السماء رزقكم" يعنى المطر "وما توعدون" يعني الجنة, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد. وقال سفيان الثوري: قرأ واصل الأحدب هذه الاية "وفي السماء رزقكم وما توعدون" فقال: ألا إني أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض ؟ فدخل خربة فمكث ثلاثا لا يصيب شيئاً, فلما أن كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلة من رطب, وكان له أخ أحسن نية منه, دخل معه فصارتا دوخلتين, فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت وقوله تعالى: "فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة, وهو حق لا مرية فيه, فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون, وكان معاذ رضي الله عنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه: إن هذا لحق كما أنك ههنا, قال مسدد عن ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن البصري قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله أقواماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا" ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن فذكره مرسلاً.
ثم بين إحسانهم الذي وصفهم به فقال: 17- "كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون" الهجوع: النوم بالليل دون النهار، والمعنى: كانوا قليلاً ما ينامون منالليل، وما زائدة، ويجوز أن تكون مصدرية أو موصولة: أي كانوا قليلاً من من الليل هجوعهم أو ما يهجعون فيه، ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت:
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوماً غير تهجاع
والتهجاع: القليل من النوم، ومن ذلك قول عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الداعي السميع يهيجني وأصحابي هجوع
وقيل ما نافية: أي ما كانوا ينامون قليلاً من الليل، فكيف بالكثير منه، وهذا ضعيف جداً. وهذا قول من قال: إن المعنى كان عددهم قليلاً. ثم ابتدأ فقال: "ما يهجعون" وبه قال ابن الأنباري وهو أضعف مما قبله. وقال قتادة في تفسير هذه الآية كانوا يصلون بين العشاءين، وبه قال أبو العالية وابن وهب.
17. " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون "، والهجوع النوم بالليل دون النهار، ((وما)) صلة، والمعنى: كانوا يهجعون قليلاً من الليل، أي يصلون أكثر الليل.
وقيل: معناه كان الليل الذي ينامون فيه كله قليلاً، وهذا معنى قول سعيد بن جبير عن ابن عباس، يعني: كانوا قل ليلة تمر بهم إلا صلوا فيها شيئاً، إما من أولها أو من أوسطها. قال أنس بن مالك: كانوا يصلون ما بين المغرب إلى العشاء. وقال محمد بن علي : كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة. قال مطرف بن عبد الله بن الشخير : قل ليلة أتت عليهم هجعوها كلها. قال مجاهد : كانوا لا ينامون كل الليل.
ووقف بعضهم على قوله: ((قليلاً)) أي: كانوا من الناس قليلاً، ثم ابتدأ: ((من الليل ما يهجعون))، وجعله جحداً أي: لا ينامون بالليل البتة، بل يقومون للصلاة والعبادة، وهو قول الضحاك و مقاتل .
17-" كانوا قليلا من الليل ما يهجعون " تفسير لإحسانهم و " ما " مزيدة أي يهجعون في طائفة من الليل ، أو " يهجعون " هجوعاً قليلاً أو مصدرية أو موصولة أي في قليل من الليل هجوعهم ، أو ما يهجعون فيه ولا يجوز أن تكون نافية لأن " ما " بعدها لا يعمل فيما قبلها . وفيه مبالغات لتقليل نومهم واستراحتهم ذكر القليل و " الليل " الذي هو وقت السبات ، والهجوع الذي هو الفرار من النوم وزيادة "ما " .
17. They used to sleep but tittle of the night,
17 - They were in the habit of sleeping but little by night,