[ق : 38] وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ
38 - (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) أولها الأحد وآخرها الجمعة (وما مسنا من لغوب) تعب نزل ردا على اليهود في قولهم إن الله استراح يوم السبت وانتفاء التعب عنه بتنزهه تعالى عن صفات المخلوقين ولعدم المماسة بينه وبين غيره إتما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن اليهود أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاثة ساعات بقين منه فخلق في أول ساعة الآجال حتى يموت من مات وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فنزلت ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون
يقول تعالى ذكره : ولقد خلقنا السماوات السبع والأرض وما بينهما من الخلائق في ستة أيام ، وما مسنا من إعياء .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن أبي سنان عن أبي بكر قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : " يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة ؟ فقال : خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ، وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء ، وخلق السموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات ، يعني من يوم الجمعة ، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال ، وفي الثانية الآفة ، وفي الثاله آدم ،قالوا : صدقت إن أتممت ، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يريدون ، فغضب ، فأنزل الله : " وما مسنا من لغوب * فاصبر على ما يقولون " "
قال : ثنا مهران عن سفيان " وما مسنا من لغوب " قال : من سآمة .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : " وما مسنا من لغوب "يقول : من إزحاف .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وما مسنا من لغوب " يقول : وما مسنا من نصب .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسين قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " ولقد خلقنا السماوات والأرض " .. الآية ، أكذب الله اليهود والنصارى وأهل الفرى على الله ، وذلك أنهم قالوا : إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استراح يوم السابع ، وذلك عندهم يوم السبت ، وهم يسمونه يوم الراحة .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله : " من لغوب " قال اليهود : إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ، ففرغ من الخلق يوم الجمعة ، واستراح يوم السبت ، فأكذبهم الله ، وقال : " ما مسنا من لغوب " .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام " كان مقدار كل يوم ألف سنة مما تعدون .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وما مسنا من لغوب " قال : لم يمسنا في ذلك عناء ، ذلك اللغوب .
قوله تعالى " ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب " تقدم في الأعراف وغيرها . واللغوب التعب والإعياء تقول منه لغب يلغب بالضم لغوبا ولغب بالكسر يلغب لغوبا لغة ضعيفة فيه . وألغبته أنا أي نصبته قال قتادةوالكلبي هذه الآية نزلت في يهود المدينة زعموا أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت فجعلوه يوم راحة فأكذبهم الله تعالى في ذلك .
يقول تعالى: وكم أهلكنا قبل هؤلاء المكذبين "من قرن هم أشد منهم بطشاً" أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها ولهذا قال تعالى ههنا: "فنقبوا في البلاد هل من محيص" قال ابن عباس رضي الله عنهما: أثروا فيها. وقال مجاهد "فنقبوا في البلاد" ضربوا في الأرض وقال قتادة: فساروا في البلاد أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما طفتم بها, ويقال لمن طوف في البلاد نقب فيها, قال امرؤ القيس:
لقد نقبت في الافاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وقوله تعالى: "هل من محيص" أي هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله إذ جاءهم لما كذبوا الرسل فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد ولا مناص ولا محيص. وقوله عز وجل: "إن في ذلك لذكرى" أي لعبرة "لمن كان له قلب" أي لب يعي به وقال مجاهد: عقل "أو ألقى السمع وهو شهيد" أي استمع الكلام فوعاه وتعقله بعقله وتفهمه بلبه, وقال مجاهد: "أو ألقى السمع" يعني لا يحدث نفسه في هذا بقلب, وقال الضحاك: العرب تقول ألقى فلان سمعه إذا استمع بأذنيه, وهو شاهد بقلب غير غائب, وهكذا قال الثوري وغير واحد. وقوله سبحانه وتعالى: "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب" فيه تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى, وقال قتادة: قالت اليهود ـ عليهم لعائن الله ـ خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت, وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه "وما مسنا من لغوب" أي من إعياء ولا تعب ولا نصب, كما قال تبارك وتعالى في الاية الأخرى: " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير " وكما قال عز وجل: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" وقال تعالى: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ".
وقوله عز وجل: "فاصبر على ما يقولون" يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجراً جميلاً "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر, وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً ثم نسخ في حق الأمة وجوبه ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات, ولكن منهن صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ "وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة من حديث إسماعيل به.
وقوله تعالى: "ومن الليل فسبحه" أي فصل له كقوله: "ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" "وأدبار السجود" قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: هو التسبيح بعد الصلاة. ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: جاء فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟" قالوا: يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم, ويتصدقون ولا نتصدق, ويعتقون ولا نعتق. قال صلى الله عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئاً إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" قال: فقالوا يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" والقول الثاني أن المراد بقوله تعالى: "وأدبار السجود" هما الركعتان بعد المغرب وروي ذلك عن عمر وعلي وابنه الحسن وابن عباس وأبي هريرة وأبي أمامة رضي الله عنهم وبه يقول مجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي والحسن وقتادة وغيرهم.
قال الإمام أحمد حدثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق, عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر, وقال عبد الرحمن دبر كل صلاة. ورواه أبو داود والنسائي من حديث سفيان الثوري به, زاد النسائي ومطرف عن أبي إسحاق به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني, حدثنا ابن فضيل عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصلى ركعتين خفيفتين اللتين قبل الفجر, ثم خرج إلى الصلاة فقال يا ابن عباس "ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم, وركعتين بعد المغرب إدبار السجود" ورواه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي عن محمد بن فضيل به. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما, وأنه بات في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها, وصلى تلك الليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ثابت في الصحيحين وغيرهما. فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف إلا من هذا الوجه ورشدين بن كريب ضعيف, ولعله من كلام ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه, والله أعلم.
38- "ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام" قد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف وغيرها "وما مسنا من لغوب" اللغوب: التعب والإعياء، تقول غب يلغب بالضم لغوباً. قال الواحدي: قال جماعة المفسير إن اليهود قالوا: خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أولها الأحد وآخرها الجمعة، واستراح يوم السبت.
38. قوله عز وجل: " ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب "، إعياء وتعب.
" نزلت في اليهود حيث قالوا: يا محمد أخبرنا بما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة؟ فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم ، قالوا: صدقت إن أتممت، قال: وما ذاك؟ قالوا: ثم استراح يوم السبت، واستلقى على العرش، فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم."
38-" ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام " مر تفسيره مراراً . " وما مسنا من لغوب " من تعب وإعياء ، وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش .
38. And verily We created the heavens and the earth, and all that is between them, in six days, and naught of weariness touched Us.
38 - We created the heavens and the earth and all between them in Six Days, nor did any sense of weariness touch Us.