[ق : 24] أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
24 - (ألقيا في جهنم) ألق ألق أو ألقين وبه قرأ الحسن فابدلت النون ألأفا (كل كفار عنيد) معاند للحق
وقوله "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد " فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه ، وهو : يقال ألقيا في جهنم ، أو قال تعالى : ألقيا ، فأخرج الأمر للقرين وهو بلفظ واحد مخرج خطاب الاثنين . وفي ذلك وجهان من التأويل : أحدهما : أن يكون القرين بمعنى الاثنين ، كالرسول ، والاسم الذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتثنية والجمع ، فرد قوله "ألقيا في جهنم " إلى المعنى . الثاني : أن يكون كما كان بعض أهل العربية يقول ، وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين ، فتقول للرجل ويلك أرحلاها وازجراها ، وذكر أنه سمعها من العرب ، قال : وأنشدني بعضهم :
فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجتز شيحا
قال : وأنشدني أبو ثروان :
فإن تزجرني يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
قال : فيروى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان ، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، وقال : ألا ترى الشعراء أكثر شيء قيلا يا صاحبي يا خليلي ؟
وقال امرؤ القيس :
خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبنات الفؤاد المعذب
ثم قال :
ألم ترى أني كلما جئت طارفا وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
فرجع إلى الواحد ، وأول الكلام اثنان ، قال : وأنشدني بعضهم :
خليلي قوما في عطالة فانظرا أنار ترى من ذي أبانين أم برقا
وبعضهم يروي : أنارا نرى .
" كل كفار عنيد " يعني : كل جاحد وحدانية الله عنيد ، وهو العاند عن الحق وسبيل الهدى .
فيقول الله تعالى لقرينه : " ألقيا في جهنم " قال الخليلوالأخفش هذا كلام العرب الفصيح أن تخاطب الواحد بلفظ الاثنين فتقول : ويلك ارحلاها وازجراها وخذاه وأطلقاه للواحد . قال الفراء تقول للواحد قوما عنا ، وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان فجرى كلام الرجل على صاحبيه ومنه قولهم للواحد في الشعر : خليلي ثم يقول يا صاح قال امرئ القيس :
خليلي مرا بي على أم جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب
وقال أيضا :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وقال آخر :
فإن تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
وقيل جاء كذلك لأن القرين يقع للجماعة والاثنين . وقال المازني قوله : ألقيا يدل على ألق ألق وقال المبرد : هي تثنية على التوكيد المعنى ألق ألق فناب ألقيا مناب التكرار . ويجوز أن يكون ألقيا تثنية على خطاب الحقيقة من قول الله تعالى يخاطب به الملكين . وقيل هو مخاطبة للسائق والحافظ . وقيل إن الأصل ألقين بالنون الخفيفة تقلب في الوقف ألفا فحمل الوصل على الوقف . وقرأ الحسن ألقين بالنون الخفيفة نحو قوله : "وليكونا من الصاغرين" وقوله : " لنسفعا " " كل كفار عنيد" أي معاند . قاله مجاهد وعكرمة وقال بعضهم العنيد المعرض عن الحق يقال عند يعند بالكسر عنودا أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند وجمع العنيد عند مثل رغيف ورغف .
يقول تعالى مخبراً عن الملك الموكل بعمل ابن آدم إنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: "هذا ما لدي عتيد" أي معتمد محضر بلا زيادة ولا نقصان. وقال مجاهد: هذا كلام الملك السائق, يقول ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد, وله اتجاه وقوة, فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول: "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" وقد اختلف النحاة في قوله: "ألقيا" فقال بعضهم هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية كما روي عن الحجاج أنه كان يقول يا حرسي اضربا عنقه, ومما أنشد ابن جرير على هذه قول الشاعر:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تتركاني أحم عرضاً ممنعا
وقيل: بل هي نون التأكيد سهلت إلى الألف, وهذا بعيد لأن هذا إنما يكون في الوقف, والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد, فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب, فلما أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم, وبئس المصير "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" أي كثير الكفر والتكذيب بالحق عنيد معاند للحق, معارض له بالباطل مع علمه بذلك "مناع للخير" أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة "معتد" أي فيما ينفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة: معتد في منطقه وسيره وأمره "مريب" أي شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره "الذي جعل مع الله إلهاً آخر" أي أشرك بالله فعبد معه غيره "فألقياه في العذاب الشديد" وقد تقدم في الحديث أن عنقاً من النار يبرز للخلائق فينادي بصوت يسمع الخلائق: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, وبالمصورين, ثم تنطوي عليهم, قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية هو ابن هشام, حدثنا شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يخرج عنق من النار يتكلم يقول وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, ومن قتل نفساً بغير نفس فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم ".
"قال قرينه" قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة وغيرهم: هو الشيطان الذي وكل به "ربنا ما أطغيته" أي يقول عن الإنسان الذي قد أوفى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول: "ربنا ما أطغيته" أي ما أضللته "ولكن كان في ضلال بعيد" أي بل كان هو في نفسه ضالاً قابلاً للباطل معانداً للحق, كما أخبر سبحانه وتعالى في الاية الأخرى في قوله: " وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم " وقوله تبارك وتعالى: "قال لا تختصموا لدي" يقول الرب عز وجل للإنسي وقرينه من الجن, وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى, فيقول الإنسي يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني, ويقول الشيطان: "ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد" أي عن منهج الحق, فيقول الرب عز وجل لهما: "لا تختصموا لدي" أي عندي "وقد قدمت إليكم بالوعيد" أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل, وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين "ما يبدل القول لدي" قال مجاهد: يعني قد قضيت ما أنا قاض "وما أنا بظلام للعبيد" أي لست أعذب أحداً إلا بذنبه بعد قيام الحجة عليه.
24- "ألقيا في جهنم كل كفار عنيد" هذا خطاب من الله عز وجل للسائق والشهيد. قال الزجاج: هذا أمر للملكين الموكلين به وهما السائق والشاهد: كل كفار للنعم عنيد مجانب للإيمان.
24. " ألقيا في جهنم "، هو خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب، تقول: ويحك ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها، قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ومنه قولهم في الشعر للواحد: خليلي.
وقال الزجاج : هذا أمر للسائق والشهيد، وقيل: للمتلقيين. " كل كفار عنيد "، عاص معرض عن الحق. قال عكرمة و مجاهد : مجانب للحق معاند لله.
24-" ألقيا في جهنم كل كفار " خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد ، أو الملكين من خزنة النار ، أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعا
أو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف ، ويؤيده أنه قرئ ألقين بالنون الخفيفة . " عنيد " معاند للحق .
24. (And it is said): Do ye twain hurl to hell each rebel ingrate,
24 - (The sentence will be:) Throw, throw into Hell every contumacious Rejecter (of God)!