[ق : 2] بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
2 - (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث (فقال الكافرون هذا) الانذار (شيء عجيب)
وقوله " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما كذبك يا محمد مشركو قومك أن لا يكونوا عالمين بأنك صادق محق ، ولكنهم كذبوك تعجبا من أن جاءهم منذر ينذرهم عقاب الله منهم ، يعني بشرا منهم من بني آدم ، ولم يأتهم ملك برسالة من عند الله .
وقوله " فقال الكافرون هذا شيء عجيب " يقول تعالى ذكره : فقال المكذبون بالله ورسوله من قريش إذ جاءهم منذر منهم " هذا شيء عجيب " : أي مجيء رجل منا من بين آدم برساله الله إلينا ، ( هلا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا)
قوله تعالى " بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم" أن في موضع نصب على تقدير لأن جاءهم منذر منهم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم والضمير للكفار وقيل للمؤمنين والكفار جميعا .
ثم ميز بينهم بقوله تعالى : "فقال الكافرون" ولم يقل فقالوا بل قبح حالهم وفعلهم ووصفهم بالكفر كما تقول : جاءني فلان فأسمعني المكروه وقال لي الفاسق أنت كذا وكذا . "هذا شيء عجيب" العجيب الأمر الذي يتعجب منه وكذلك العجاب بالضم والعجاب بالتشديد أكثر منه وكذلك الأعجوبة وقال قتادةعجبهم أن دعوا إلى إله واحد وقيل: من إنذارهم بالبعث والنشور والذي نص عليه القرآن أولى .
"ق": حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى: " ص" و"ن" و"الم" و"حم"و"طس " ونحو ذلك, قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته, وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا: ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف, وكأن هذا, والله أعلم, من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب, وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم, يلبسون به على الناس أمر دينهم, كما افترى في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور, وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته, وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل, فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل, والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين, وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد, وليس بهم احتياج إلى أخبارهم, ولله الحمد والمنة, حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي, رحمة الله عليه, أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال: حدثنا أبي قال: حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي, حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف, سماء الدنيا مرفوعة عليه, ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات, ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها, ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه, حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات, قال وذلك في قوله تعالى: "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع, والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل "ق" هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى: " ص" "ن" "حم" "طس" "الم " ونحو ذلك, فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقيل: المراد قضي الأمر والله, وأن قوله جل ثناؤه "ق" قال: دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام يكون إنما يكون إذا دل دليل عليه, ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف ؟ وقوله تعالى: "والقرآن المجيد" أي الكريم العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم, وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه, وإن لم يكن القسم يلتقي لفظاً, وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: " ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق " وهكذا قال ههنا: " ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب " أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر, كقوله جل جلاله: "أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" أي وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.
ثم قال عز وجل مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه " أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد " أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً, كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ "ذلك رجع بعيد" أي بعيد الوقوع. والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه. قال الله تعالى رداً عليهم: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من أجسادهم في البلى نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان وأين ذهبت وإلى أين صارت "وعندنا كتاب حفيظ" أي حافظ لذلك فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة. قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم, وعظامهم وأشعارهم, وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم, ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال: "بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج" أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل, والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله كقوله تعالى: " إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من أفك ".
2- "بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم" "بل" للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال، وأن في موضع نصب على تقدير: لأن جاءهم. والمعنى: بل عجب الكفار لأن جاءهم منذر منهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفوا بمجرد الشك والرد، بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة، وقيل هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيداً وقد تقدم تفسير هذا فس سورة ص. ثم فسر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله: "فقال الكافرون هذا شيء عجيب" وفيه زيادة تصريح وإيضاح. قال قتادة: عجبهم أن دعوا إلى إله واحد، وقيل تعجبهم من البعث.
2. واختلفوا في جواب القسم، فقال أهل الكوفة: جوابه: " بل عجبوا "، وقيل: جوابه محذوف، مجازه: والقرآن المجيد لتبعثن. وقيل: جوابه قوله: (( ما يلفظ من قول )). وقيل: (( قد علمنا ))، وجوابات القسم سبعة: (( إن )) الشديدة كقوله: " والفجر " - " إن ربك لبالمرصاد " (الفجر-14)، و ((ما)) النفي كقوله: " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك " (الضحى-1-3)، و ((اللام)) المفتوحة كقوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين " (الحجر-92) و ((إن)) الخفيفة كقوله تعالى: " إن كنا لفي ضلال مبين " (الشعراء-38)، و ((لا)) كقوله تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " (النحل-38)، و ((قد)) كقوله تعالى: " والشمس وضحاها " - " قد أفلح من زكاها " (الشمس-1-9)، و ((بل)) كقوله: " والقرآن المجيد " - " بل عجبوا ".
" أن جاءهم منذر "، مخوف، " منهم " يعرفون نسبه وصدقه وأمانته، " فقال الكافرون هذا شيء عجيب "، غريب.
2-" بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم " إنكارلتعجبهم مما ليس بعجب ، وهو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم . " فقال الكافرون هذا شيء عجيب " حكاية لتعجيبهم ، وهذا إشارة إلى اختيار الله محمداً صلى الله عليه وسلم للرسالة ، وإضمار ذكرهم ثم إظهاره للإشعار بتعنتهم بهذا المقال ،ثم التسجيل على كفرهم بذلك أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة ، والمبالغة فيه بوضع الظاهر موضع ضميرهم وحكاية تعجبهم مبهماً أن كانت الإشارة إلى منهم يفسره ما بعده ، أو مجملاً إن أهون مما يشاهدون من صنعه .
2. Nay, but they marvel that a warner of their own hath come unto them; and the disbelievers say: This is a strange thing:
2 - But they wonder that there has come to them a Warner from among themselves. So the Unbelievers say: This is a wonderful thing!