[المائدة : 93] لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
93 - (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم (إذا ما اتقوا) المحرمات (وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا) ثبتوا على التقوى والإيمان (ثم اتقوا وأحسنوا) العمل (والله يحب المحسنين) بمعنى أنه يثيبهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا -إذ أنزل الله تحريم الخمر بقوله : "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه": كيف بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها؟ وبنا وقد كنا نشربها؟ -ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك ، في الحال التي لم يكن الله تعالى حرمه عليهم ، "إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات"، يقول : إذا ما اتقى الله الأحياء منهم فخافوه ، وراقبوه في اجتنابهم ما حرم عليهم منه ، وصدقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهياهم ، فأطاعوهما في ذلك كله ، "وعملوا الصالحات"، يقول : واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربهم ، "ثم اتقوا وآمنوا" يقول : ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارمه بعد ذلك التكليف أيضاً، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به ، ولم يغيروا ولم يبدلوا، "ثم اتقوا وأحسنوا" يقول : ثم خافوا الله ، فدعاهم خوفهم الله إلى الإحسان ، وذلك الإحسان ، هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال ، ولكنه نوافل تقربوا بها إلى ربهم طلب رضاه ، وهرباً من عقابه ، "والله يحب المحسنين"، يقول : والله يحب المتقربين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها .
فالاتقاء الأول : هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق ، والدينونة به والعمل ، والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق ، وترك التبديل والتغيير، والاتقاء الثالث : هو الاتقاء بالإحسان ، والتقرب بنوافل الأعمال .
إن قال قائل : ما الدليل على أن الاتقاء الثالث ، هو الاتقاء بالنوافل ، دون أن يكون ذلك بالفرائض ؟
قيل : إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إياها، إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمها، وصدقوا الله ورسوله في تحريمها، وعملوا الصالحات من الفرائض . ولا وجه لتكرير ذلك وقد مضى ذكره في آية واحدة.
وبنحو الذي قلنا من أن هذه الآية نزلت فيما ذكرنا أنها نزلت فيه ، جاءت الأخبار عن الصحابة والتابعين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، .عن عكرمة، عن ابن عباس قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : يا رسول الله ، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح"، الآية .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، بإسناده ، نحوه .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد قال ، أخبرنا عباد بن راشد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال : بينا أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ ابن جبل ، وسهيل بن بيضاء، وأبي دجانة، حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر. فسمعنا منادياً ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ! قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القلال ، وتوضأ بعضنا، واغتسل بعضنا، وأصبنا من طيب أم سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"، إلى قوله : "فهل أنتم منتهون"، فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلة من مات منا وهو يشربها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الآية فقال رجل ل قتادة : سمعته من أنس بن مالك ؟ قال : نعم ! قال رجل لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ! وحدثني من لم يكذب ، والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب !
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي اسحق ، عن البراء قال : لما حرمت الخمر قالوا : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الآية .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي اسحق قال ، قال البراء: مات ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر، فلما نزل تحريمها، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، الآية .
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا داود، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : نزلت : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" فيمن قتل ببدر وأحد مع محمد صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا خالد بن مخلد قال ، حدثنا علي بن مسهر، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة، عن عبد الله قال : لما نزلت : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قيل لي : أنت منهم .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، إلى قوله : "والله يحب المحسنين"*، لما أنزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في سورة المائدة ، بعدسورة الأحزاب ، قال في ذلك رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصيب فلان يوم بدر، وفلان يوم أحد، وهم يشربونها! فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة! فأنزل الله تعالى ذكره : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين"، يقول : شربها القوم على تقوى من الله وإحسان ، وهي لهم يومئذ حلال ، ثم حرمت بعدهم ، فلا جناح عليهم في ذلك .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، قالوا : يا رسول الله ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا؟ كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر! فأنزل الله : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" يعني قبل التحريم ، إذا كانوا محسنين متقين ، وقال مرة أخرى : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" من الحرام قبل أن يحرم عليهم ، "ثم اتقوا وأحسنوا"، بعد ما حرم ، وهو قوله : "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف"، [البقرة :275].
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" يعني بذلك رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم الخمر، فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن نحرم فلما حرمت قالوا: كيف تكون علينا حراماً، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره :"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات"، يقول : ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرمها، إذا كانوا محسنين متقين ، "والله يحب المحسنين".
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا"، لمن كان يشرب الخمر ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدر وأحد.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح"، الآية، هذا في شأن الخمر حين حرمت سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم وسلم فقالوا : إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، "ليبلونكم الله بشيء من الصيد" يقول : ليختبرنكم الله ، "بشيء من الصيد" يعني : ببعض الصيد.
وإنما أخبرهم تعالى ذكره أنه يبلوهم بشيء ، لأنه لم يبلهم بصيد البحر، وإنما ابتلاهم بصيد البر، فالابتلاء ببعض لا بجميع.
وقوله : "تناله أيديكم"، فإنه يعني : إما باليد، كالبيض والفراخ ، وإما بإصابة النبل والرماح ، وذلك كالحمر والبقر والظباء، فيمتحنكم به في حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجكم .
وبنحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم"، قال : "أيديكم"، صغار الصيد ، أخذ الفراخ والبيض ، والرماح قال : كبار الصيد .
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة، عن داود، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله "تناله أيديكم ورماحكم"، قال : النبل ، رماحكم ، تنال كبير الصيد، وأيديكم !، تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض .
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد في قوله : "ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم"، قال : ما لا يستطيع أن يفرمن الصيد.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن قالا، حدثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "أيديكم ورماحكم"، قال : هو الضعيف من الصيد وصغيره ، يبتلي الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم ، حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم . فنهاهم الله أن يقربوه .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حميد الأعرج ، وليث ، عن مجاهد في قوله : "يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم"، قال : الفراخ والبيض ، وما لا يستطيع أن يفر.
فيه تسع مسائل:
الأولى- قال ابن عباس والبراء بن عازب وأنس بن مالك إنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة : كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر -ونحو هذا -فنزلت الآية وروى البخاري عن أنس قال :
كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر فأمر منادياً ينادي فقال أبو طلحة: أخرج فانظر ما هذا الصوت قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي ألا أن الخمر قد حرمت فقال : اذهب فأهرقها - وكان الخمر من الفضيخ - قال : فجرت من سكك المدينة فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله عز وجل : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الآية .
الثانية - هذه الآية وهذا الحديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى فنزلت " وما كان الله ليضيع إيمانكم " [البقرة: 143] ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ولا عليه شيء لا إثم ولا مؤاخذه ولا ذم ولا أجر ولا مدح لأن المباح مستوي الطرفين بالنسبة إلى الشرع وعلى هذا فما كان ينبغي أن يتخوف ولا يسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها، فإما أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة فلم يخطر له أو يكون لغلبة خوفه من الله تعالى وشفقته على إخوانه المؤمنين توهم مؤاخذة ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدم فرفع الله ذلك التوهم بقوله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية .
الثالثة - هذا الحديث في نزول الآية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر وهو نص ولا يجوز الاعتراض عليه لأن الصحابة رحمهم الله هم أهل اللسان وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره وقد قال الحكمي:
لنا خمر وليست خمر كرم ولكن من نتاج الباسقات
كرام في السماء ذهبن طولاً وفات ثمارها أيدي الجناة
ومن الدليل الواضح على ذلك ما رواه النسائي: أخبرنا القسم بن زكريا أخبرنا عبيد الله بن شيبان عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الزبيب والتمر هو الخمر " وثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه- وحسبك به علماً باللسان والشرع- خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا أيها الناس ألا إنه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي من خمسة : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل وهذا أبين ما يكون في معنى الخمر يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة الصحابة وهم أهل اللسان ولم يفهموا من الخمر إلا ما ذكرناه، وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب وما كان في غيره لا يسمى خمراً ولا يتناوله اسم الخمر وإنما يسمى نبيذاً وقال الشاعر:
تركت النبيذ لأهل النبيذ وصرت حليفاً لمن عابه
شراب يدنس عرض الفتى ويفتح للشرا أبوابه
الرابعة -قال الإمام أبو عبد الله المازري: ذهب جمهور العلماء من السلف وغيرهم إلى أن كل ما يسكر نوعه حرم شربه قليلاً كان أو كثيراً نيئاً كان أو مطبوخاً ولا فرق بين المستخرج من العنب أو غيره، وأن من شرب شيئاً من ذلك حد فأما المستخرج من العنب المسكر النيء فهو الذي انعقد الاجماع على تحريم قليله وكثيره ولو نقطة منه وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه وخالف الكوفيون في القليل مما عدا ما ذكره وهو الذي لا يبلغ الإسكار وفي المطبوخ المستخرج من العنب، فذهب قوم من أهل البصرة إلى قصر التحريم على عصير العنب، ونقيع الزبيب النيء فأما المطبوخ منهما، والنيء والمطبوخ مما سواهما فحلال ما لم يقع الإسكار، وذهب أبو حنيفة إلى قصر التحريم على المعتصر من ثمرات النخيل والأعناب على تفصيل، فيرى أن سلافة العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن تطبخ حتى ينقص ثلثها، وأن نقيع الزبيب والتمر فيحل مطبوخهما وإن مسته الناس مساً قليلاً من غير اعتبار بحد وأما النيء منه فحرام، ولكنه مع تحريمه إياه لا يوجب الحد فيه وهذا كله ما لم يقع الإسكار فإن وقع الإسكار استوى الجميع قال شيخنا الفقيه الإمام أبو العباس أحمد رضي الله عنه: العجب من المخالفين في هذه المسألة ، فإنهم قالوا: إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيرة وهو مجمع عليه فإذا قيل لهم: فلم حرم القليل من الخمر وليس مذهباً للعقل؟ فلا بد أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير أو للتعبد، فحينئذ يقال لهم: كل ما قدرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ فيحرم أيضاً، إذ لا فارق بينهما إلى مجرد الاسم إذا سلم ذلك وهذا القياس هو أرفع أنواع القياس، لأن الفرع فيه مساو للأصل في جميع أوصافه وهذا كما يقوله في قياس الأمة على العبد في سراية العتق، ثم العجب من أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله فإنهم يتوغلون في القياس ويرجحونه على أخبار الآحاد ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسنة وإجماع صدور الأمة لأحاديث لا يصح شيء منها على ما قد بين عللها المحدثون في كتبهم وليس في الصحاح شيء منها وسيأتي في سورة النحل تمام هذه المسألة إن شاء الله تعالى .
الخامسة -قوله تعالى "طعموا" أصل هذه اللفظة في الأكل ، يقال: طعم الطعام وشرب الشراب لكن قد تجوز في ذلك فيقال : لم أطعم خبزاً ولا ماء ولا نوماً قال الشاعر:
نعاماً بوجرة صعر الخدو د لا تطعم النوم إلا صياما
وقد تقدم القول في البقرة في قوله تعالى : " ومن لم يطعمه " [البقرة: 249] بما فيه الكفاية.
السادسة- قال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية تناول المباح والشهوات والانتفاع بكل لذيذ م مطعم ومشرب ومنكح وإن بولغ فيه وتنوهى في ثمنه وهذه الآية نظير قوله تعالى :" لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ونظير قوله " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " [الأعراف: 32]
السابعة- قوله تعالى :" إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " فيه أربع أقوال: الأول - أنه ليس في ذكر التقوى تكرار والمعنى اتقوا شربها ، وآمنوا بتحريمها والمعنى الثاني دام اتقاؤهم وإيمانهم، والثالث على معنى الإحسان إلى الاتقاء والثاني - اتقوا قبل التحريم في غيرها من المحرمات ثم اتقوا بعد تحريمها شربها ثم اتقوا فيما بقي من أعمالهم وأحسنوا العمل الثالث- اتقوا الشرك وآمنوا بالله ورسوله، والمعنى الثاني ثم اتقوا الكبائر وازدادوا إيماناً، والمعنى الثلاث ثم اتقوا الصغائر وأحسنوا أي تنقلوا وقال محمد بن جرير: الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل .
الثامنة- قوله تعالى :" ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " دليل على أن المتقي المحسن أفضل من المتقي المؤمن الذي عمل الصالحات فضله بأجر الإحسان .
التاسعة -قد تأول هذه الآية قدامة بن مظعون الجمحي من الصحابة رضي الله عنهم، وهو ممن هجر إلى أرض الحبشة مع أخويه عثمان وعبد الله ،ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وعمر وكان ختن عمر بن الخطاب خالد بن عبد الله وحفصة وولاه عمر بن الخطاب على البحرين ثم عزله بشهادة الجارود -سيد عبد القيس- عليه بشرب الخمر روى الدارقطني قال حدثنا أبو الحسن علي بن محمد المصري حدثنا يحيى بن أيوب العلاف حدثني سيعد بن عفير حدثني يحيى بن فليح بن سليمان قال حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس:
أن الشراب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله صلى الله وسلم فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ثم كان عمر من بعده يجلدهم كذلك أربعين حتى أتى برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال لم تجلدني؟بيني وبينك كتاب الله ! فقال عمر:وفي أي كتاب الله تجد ألا أجلدك ؟ فقال له: إن الله تعالى يقول في كتابه" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها فقال عمر: ألا تردون عليه ما يقول فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذراً لمن غبر وحجة على الناس لأن الله تعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر " الآية ثم قرأ حتى أنفذ الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية فإن الله قد نهاه أن يشرب الخمر، فقال عمر: صدقت ماذا ترون ؟ فقال علي رضي الله عنه : إنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر به عمر فجلد ثمنين جلدة وذكر الحمديدي عن أبي بكر البرقاني عن ابن عباس قال : لما قدم الجارود من البحرين قال يا أمير المؤمنين إن قدامة بن مظعون قد شرب مسكراً وإني إذا رأيت حقاً من حقوق الله حق علي أن أرفعه إليك فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟ فقال: أبو هريرة فدعا عمر أبا هريرة فقال علام تشهد يا أبا هريرة ؟ فقال: لم أره حين شرب ورأيته سكران يقيء فقال عمر: لقد تنطعت في الشهادة ثم كتب عمر إلى قدامة وهو بالبحرين يأمره بالقدوم عليه فلما قدم قدامة والجارود بالمدينة كلم الجارود عمر فقال: أقم على هذا كتاب الله فقال عمر للجارود : أشهيد أنت أم خصم ؟ فقال الجارود : أنا شهيد لسانك أو لأسوءنك فقال الجارود: أما والله ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني فأعدوه عمر فقال أبو هريرة وهو جالس: يا أمير المؤمنين إن كنت في شك من شهادتنا فسل بنت الوليد امرأة ابن مظعون فأرسل عمر إلى هند ينشدها بالله فأقامت هند على زوجها الشهادة فقال عمر: يا قدامة إني جالدك، فقال قدامة : والله لو شربت كما يقولون- ما كان لك أن تجلدني يا عمر. قال : ولم يا قدامة ؟ قال : لأن الله سبحانه يقول :
" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية إلى " المحسنين " فقال عمر: أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت ما حرم الله، ثم أقبل عمر على القوم فقال : ما ترون في جلد قدامة؟ قال القوم: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا فسكت عمر عن جلده ثم اصبح يوماً فقال لأصحابه ما ترون في جلد قدامة ؟ فقال القوم: لا نرى أن تجلده ما دام وجعا فقال عمر: إنه والله لأن يلقى الله تحت السوط أحب إلى أن ألقى الله وهو في عنقي ولله لأجلدنه ائتوني بسوط فجاءه مولاه أسلم بسوط رقيق صغير فأخذه عمر فمسح بيده ثم قال لأسلم: أخذتك دقرارة أهلك ائتوني بسوط غير هذا قال : فجاءه أسلم بسوط تام فأمر عمر بقدامة فجلد فغاضب قدامة عمر وهجره فحجا وقدامة مهاجر لعمر حتى قفلوا عن حجهم ونزل عمر بالسقيا ونان بها فلما استيقظ عمر قال: عجلوا علي بقدامة انطلقوا فأتوني به فوالله لأرى في النوم أنه جاءني آت فقال : سالم قدامة فإنه أخوك، فلما جاءوا قدامة أبى أن يأتيه فأمر عمر بقدامة أن يجر إليه جراً حتى كلمه عمر واستغفر له فكان أول صلحهما، قال أيوب ابن أبي تميمة : لم يحد أحد من أهل بدر في الخمر غيره قال ابن العربي: هذا يدلك على تأويل الآية وما ذكر فه عن ابن عباس من حديث الدارقطني وعمر في حديث البرقاني وهو صحيح وبسطه أنه لو كان من شرب الخمر واتقى الله في غيره ما حد على الخمر أحد فكان هذا من أفسد تأويل وقد خفي على قدامة، وعرفه من وفقه الله كعمر وابن عباس رضي الله عنهما قال الشاعر:
وإن حراماً لا أرى الدهر باكياً على شجوة إلا بكيت على عمر
وروي عن علي رضي الله عنه أن قوماً شربوا بالشام وقالوا: هي لنا حلال وتأولوا هذه الآية فأجمع علي وعمر على أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا ذكره الطبري .
يقول تعالى: ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر وهو القمار, وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الشطرنج من الميسر, ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه, عن عيسى بن مرحوم, عن حاتم, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي, حدثنا وكيع عن سفيان, عن ليث, عن عطاء ومجاهد وطاوس قال: سفيان أو اثنين منهم قالوا: كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز: وروي عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب مثله, وقالا: حتى الكعاب والجوز والبيض التي تلعب بها الصبيان. وقال موسى بن عقبة, عن نافع, عن ابن عمر, قال: الميسر هو القمار. وقال الضحاك, عن ابن عباس, قال: الميسر هو القمار, كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام, فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة. وقال مالك, عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين .
وقال الزهري, عن الأعرج, قال: الميسر الضرب بالقداح على الأموال والشمار. وقال القاسم بن محمد: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر, رواهن ابن أبي حاتم, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الزيادي, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا صدقة, حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد, عن القاسم عن أبي أمامة, عن أبي موسى الأشعري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي يزجر بها زجراً, فإنها من الميسر" حديث غريب, وكأن المراد بهذا هو النرد الذي ورد الحديث به في صحيح مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لعب بالنردشير, فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه" وفي موطأ مالك ومسند أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه, عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله" وروي موقوفاً عن أبي موسى من قوله, فالله أعلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إبراهيم, حدثنا الجعيد عن موسى بن عبد الرحمن الخطمي أنه سمع محمد بن كعب وهو يسأل عبد الرحمن يقول: أخبرني ما سمعت أباك يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي, مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي" وأما الشطرنج فقد قال عبد الله بن عمر إنه شر من النرد, وتقدم عن علي أنه قال: هو من الميسر, ونص على تحريمه مالك وأبو حنيفة وأحمد, وكرهه الشافعي, رحمهم الله تعالى, وأما الأنصاب, فقال ابن عباس ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وغير واحد: هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها, وأما الأزلام فقالوا أيضاً: هي قداح كانوا يستقسمون بها, رواه ابن أبي حاتم.
وقوله تعالى: "رجس من عمل الشيطان" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي سخط من عمل الشيطان. وقال سعيد بن جبير: إثم. وقال زيد بن أسلم: أي شر من عمل الشيطان "فاجتنبوه" الضمير عائد إلى الرجس, أي اتركوه "لعلكم تفلحون" وهذا ترغيب, ثم قال تعالى: "إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" وهذا تهديد وترهيب .
ذكر الأحاديث الواردة في بيان تحريم الخمر
قال الإمام أحمد: حدثنا شريح, حدثنا أبو معشر عن أبي وهب مولى أبي هريرة, عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات, قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر, فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما, فأنزل الله "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" إلى آخر الاية. فقال الناس: ما حرما علينا إنما قال "فيهما إثم كبير ومنافع للناس", وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوماً من الأيام, صلى رجل من المهاجرين, أم أصحابه في المغرب, فخلط في قراءته, فأنزل الله أغلظ منها "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" فكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغبق, ثم أنزلت آية أغلظ منها "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" قالوا: انتهينا ربنا. وقال الناس: يا رسول الله, ناس قتلوا في سبيل الله, وماتوا على فرشهم, كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر, وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان, فأنزل الله تعالى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " إلى آخر الاية, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم" انفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة, عن عمر بن الخطاب أنه قال لما نزل تحريم الخمر, قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاية التي في البقرة "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير" فدعي عمر فقرئت عليه, فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاية التي في سورة النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: حي على الصلاة, نادى: لا يقربن الصلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه, فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاية التي في المائدة, فدعي عمر فقرئت عليه, فلما بلغ قول الله تعالى: "فهل أنتم منتهون" قال عمر: انتهينا انتهينا. وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق عمر بن عبد الله السبيعي, وعن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني, عن عمر به, وليس له عنه سواه, قال أبو زرعة: ولم يسمع منه. وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي. وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس, إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير, والخمر ما خامر العقل. وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا محمد بن بشر, حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, حدثني نافع عن ابن عمر قال: نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب.
[حديث آخر] قال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن أبي حميد, عن المصري يعني أبا طعمة قارىء مصر, قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آيات, فأول شيء نزل "يسألونك عن الخمر والميسر" الاية, فقيل: حرمت الخمر, فقالوا: يا رسول الله, دعنا ننتفع بها كما قال الله تعالى, قال: فسكت عنهم, ثم نزلت هذه الاية "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" فقيل: حرمت الخمر, فقالوا: يا رسول الله إنا لا نشربها قرب الصلاة, فسكت عنهم, ثم نزلت "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" الايتين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حرمت الخمر".
[حديث آخر] قال الإمام أحمد: حدثنا يعلى, حدثنا محمد بن إسحاق عن القعقاع بن حكيم أن عبد الرحمن بن وعلة قال: سألت ابن عباس عن بيع الخمر, فقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف, أو من دوس, فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا فلان أما علمت أن الله حرمها ؟" فأقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب فبعها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا فلان بماذا أمرته ؟ فقال: أمرته أن يبيعها. قال :إن الذي حرم شربها حرم بيعها " فأمر بها فأفرغت في البطحاء, ورواه مسلم من طريق ابن وهب, عن مالك, عن زيد بن أسلم, ومن طريق ابن وهب أيضاً عن سليمان بن بلال, عن يحيى بن سعيد, كلاهما عن عبد الرحمن بن وعلة, عن ابن عباس به, ورواه النسائي عن قتيبة عن مالك به.
[حديث آخر] قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا أبو بكر الحنفي, حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن شهر بن حوشب, عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر, فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها, فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال "إنها قد حرمت بعدك" قال: يا رسول الله فأبيعها وأنتفع بثمنها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن الله اليهود, حرمت عليهم شحوم البقر والغنم, فأذابوه وباعوه, والله حرم الخمر وثمنها" وقد رواه أيضاً الإمام أحمد فقال: حدثنا روح, حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال: سمعت شهر بن حوشب قال: حدثني عبد الرحمن بن غنم أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر, فلما كان عام حرمت, جاء براوية, فلما نظر إليه ضحك, فقال "أشعرت أنها قد حرمت بعدك" فقال: يا رسول الله, ألا أبيعها وأنتفع بثمنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن الله اليهود انطلقوا إلى ما حرم عليهم من شحم البقر والغنم, فأذابوه, فباعوا به ما يأكلون, وإن الخمر حرام وثمنها حرام, وإن الخمر حرام وثمنها حرام, وإن الخمر حرام وثمنها حرام".
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد, حدثنا ابن لهيعة عن سليمان بن سليمان بن عبد الرحمن, عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره أنه كانه يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد بها التجارة, فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إني جئتك بشراب طيب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا كيسان إنها قد حرمت بعدك" قال: فأبيعها يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها قد حرمت وحرم ثمنها", فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم هراقها.
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن حميد, عن أنس قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسعيد بن بيضاء ونفراً من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ منهم, فأتى آت من المسلمين فقال: أما شعرتم أن الخمر قد حرمت ؟ فقالوا: حتى ننظر ونسأل, فقالوا: يا أنس اسكب ما بقي في إنائك فوالله ما عادوا فيها, وما هي إلا التمر والبسر, وهي خمرهم يومئذ, أخرجاه في الصحيحين من غير وجه عن أنس, وفي رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة, وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر, فإذا مناد ينادي قال: اخرج فانظر, فإذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت, فجرت في سكك المدينة, قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها, فهرقتها فقالوا أو قال بعضهم: قتل فلان وفلان وهي في بطونهم, قال: فأنزل الله "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الاية .
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد, عن قتادة, عن أنس بن مالك قال: بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح وأبي دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر, فسمعت منادياً ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت. قال: فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب, وكسرنا القلال, وتوضأ بعضنا, واغتسل بعضنا, وأصبنا من طيب أم سليم, ثم خرجنا إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه" إلى قوله تعالى "فهل أنتم منتهون" فقال رجل: يا رسول الله, فما ترى فيمن مات وهو يشربها ؟ فأنزل الله تعالى: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الاية, فقال رجل لقتادة: أنت سمعته من أنس بن مالك قال: نعم, وقال رجل لأنس بن مالك, أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم, أو حدثني من لم يكذب, ما كنا نكذب, ولا ندري ما الكذب .
[حديث آخر] قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر, عن بكر بن سوادة, عن قيس بن سعيد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن ربي تبارك وتعالى, حرم الخمر والكوبة والقنين, وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم" .
[حديث آخر] قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا فرج بن فضالة عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين, وزادني صلاة الوتر" قال يزيد: القنين البرابط, تفرد به أحمد, وقال أحمد أيضاً: حدثنا أبو عاصم وهو النبيل, أخبرنا عبد الحميد بن جعفر, حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد, عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم" قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام" تفرد به أحمد أيضاً .
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز, عن أبي طعمة مولاهم, عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعنت الخمر على عشرة أوجه: لعنت الخمر بعينها, وشاربها, وساقيها, وبائعها, ومبتاعها, وعاصرها, ومعتصرها, وحاملها, والمحمولة إليه, وآكل ثمنها", ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث وكيع به, وقال أحمد: حدثنا حسن, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا أبو طعمة, سمعت ابن عمر يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد فخرجت معه, فكنت معه, فكنت عن يمينه, وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه, فكان عن يمينه وكنت عن يساره, ثم أقبل عمر فتنحيت له فكان عن يساره, فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد فإذا بزقاق على المربد فيها خمر, قال ابن عمر: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية, قال ابن عمر: وما عرفت المدية إلا يومئذ, فأمر بالزقاق فشقت, ثم قال "لعنت الخمر وشاربها, وساقيها, وبائعها, ومبتاعها, وحاملها, والمحمولة إليه, وعاصرها ومعتصرها, وآكل ثمنها", وقال أحمد: حدثنا الحكم بن نافع, حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب قال: قال عبد الله بن عمر: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة, فأتيته بها, فأرسل بها, فأرهفت ثم أعطانيها, وقال "اغد علي بها" ففعلت, فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة, وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام, فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها, وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني, وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته, ففعلت فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته .
[حديث آخر] ـ قال عبد الله بن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن شريح وابن لهيعة والليث بن سعد, عن خالد بن زيد, عن ثابت أن يزيد الخولاني أخبره أنه كان له عم يبيع الخمر, وكان يتصدق, قال: فنهيته عنها فلم ينته, فقدمت المدينة فلقيت ابن عباس فسألته عن الخمر وثمنها, فقال: هي حرام, وثمنها حرام, ثم قال ابن عباس رضي الله عنه: يا معشر أمة محمد, إنه لو كان كتاب بعد كتابكم, ونبي بعد نبيكم, لأنزل فيكم كما أنزل قبلكم, ولكن أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة ولعمري لهو أشد عليكم, قال ثابت: فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر فقال: سأخبرك عن الخمر, إني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فبينما هو محتب على حبوته, ثم قال "من كان عنده من هذه الخمر شيء فليأتنا بها" فجعلوا يأتونه فيقول أحدهم: عندي راوية, ويقول الاخر: عندي زق, أو ما شاء الله أن يكون عنده, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجمعوه ببقيع كذا وكذا, ثم آذنوني" ففعلوا, ثم آذنوه, فقام وقمت معه ومشيت عن يمينه وهو متكىء علي, فلحقنا أبو بكر رضي الله عنه, فأخرني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعلني عن شماله وجعل أبا بكر في مكاني, ثم لحقنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأخرني وجعله عن يساره, فمشى بينهما حتى إذا وقف على الخمر قال للناس "أتعرفون هذه ؟ قالوا نعم يا رسول الله, هذه الخمر, قال "صدقتم", ثم قال "فإن الله لعن الخمر, وعاصرها, ومعتصرها, وشاربها, وساقيها, وحاملها, والمحمولة إليه, وبائعها ومشتريها, وآكل ثمنها" ثم دعا بسكين فقال "اشحذوها" ففعلوا, ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرق بها الزقاق, قال: فقال الناس: في هذه الزقاق منفعة, فقال "أجل ولكني إنما أفعل ذلك غضباً لله عز وجل لما فيها من سخطه" فقال عمر: انا أكفيك يا رسول الله, قال "لا" قال ابن وهب: وبعضهم يزيد على بعض في قصة الحديث, رواه البيهقي .
[حديث آخر] قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشر, أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا شعبة عن سماك, عن مصعب بن سعد. عن سعد قال: أنزلت في الخمر أربع آيات, فذكر الحديث قال: وصنع رجل من الأنصار طعاماً فدعانا, فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا فتفاخرنا, فقالت الأنصار: نحن أفضل, وقالت قريش: نحن أفضل, فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور, فضرب به أنف سعد ففزره, وكانت أنف سعد مفزورة, فنزلت "إنما الخمر والميسر" إلى قوله تعالى: "فهل أنتم منتهون" أخرجه مسلم من حديث شعبة.
[حديث آخر] ـ قال البيهقي: وأخبرنا أبو نصر بن قتادة, أنبأنا أبو علي الرفاء, حدثنا علي بن عبد العزيز, حدثنا حجاج بن منهال, حدثنا ربيعة بن كلثوم, حدثني أبي عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: قال: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار, شربوا فلما أن ثمل القوم, عبث بعضهم ببعض, فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته, فيقول صنع بي هذا أخي فلان, وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن, فيقول: والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما صنع بي هذا, حتى وقعت الضغائن في قلوبهم, فأنزل الله تعالى هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان" إلى قوله تعالى: "فهل أنتم منتهون" فقال أناس من المتكلفين: هي رجس وهي في بطن فلان, وقد قتل يوم أحد: فأنزل الله تعالى: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" إلى آخر الاية, ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة, عن حجاج بن منهال.
[حديث آخر] ـ قال ابن جرير: حدثني محمد بن خلف, حدثنا سعيد بن محمد الحرمي عن أبي نميلة, عن سلام مولى حفص أبي القاسم, عن أبي بريدة, عن أبيه قال بينا نحن قعود على شراب لنا, ونحن على رملة, ونحن ثلاثة أو أربعة, وعندنا باطية لنا ونحن نشرب الخمر حلاً, إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه, إذ نزل تحريم الخمر "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" إلى آخر الايتين, "فهل أنتم منتهون" فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله "فهل أنتم منتهون" قال: وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء فقال: بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام, ثم صبوا ما في باطيتهم, فقالوا: انتهينا ربنا.
[حديث آخر] ـ قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل, أخبرنا ابن عيينة عن عمرو, عن جابر قال صبح أناس غداة أحد الخمر, فقتلوا من يومهم جميعاً شهداء, وذلك قبل تحريمها, هكذا رواه البخاري في تفسيره من صحيحه. وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار, سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قتلوا شهداء يوم أحد فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم, فأنزل الله "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" ثم قال: وهذا إسناد صحيح, وهو كما قال, ولكن في سياقه غرابة.
[حديث آخر] ـ قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق, عن البراء بن عازب قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا: كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم ؟ فنزلت "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الاية, ورواه الترمذي عن بندار غندر عن شعبة به نحوه, وقال: حسن صحيح.
[حديث آخر] ـ قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا جعفر بن حميد الكوفي, حدثنا يعقوب القمي عن عيسى بن جارية, عن جابر بن عبد الله قال: كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين, فحمل منها بمال فقدم بها المدينة فلقيه رجل من المسلمين فقال يا فلان, إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل, وسجى عليها بأكسية, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله, بلغني أن الخمر قد حرمت ؟ قال "أجل" قال لي أن أردها على من ابتعتها منه ؟ قال لا يصلح ردها". قال: لي أن أهديها إلى من يكافئني منها ؟ قال "لا". قال: فإن فيها مالاً ليتامى في حجري, قال "إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم" ثم نادى بالمدينة, فقال رجل: يا رسول الله, الأوعية ننتفع بها ؟ قال "فحلوا أوكيتها" فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي, هذا حديث غريب .
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن السدي, عن أبي هبيرة وهو يحيى بن عباد الأنصاري, عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمراً فقال "أهرقها". قال: أفلا نجعلها خلاً ؟ قال "لا". ورواه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث الثوري به نحوه.
[حديث آخر] قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا عبد العزيز بن سلمة حدثنا هلال بن أبي هلال عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال: إن هذه الاية التي في القرآن "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" قال: هي في التوراة إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل, ويبطل به اللعب والمزامير, والزفن والكبارات, يعني البرابط والزمارات, يعني به الدف والطنابير والشعر والخمر مرة لمن طعمها, أقسم الله بيمينه وعزته من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة, ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس, وهذا إسناد صحيح .
[حديث آخر] ـ قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث أن عمرو بن شعيب حدثهم عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها, ومن ترك الصلاة سكراً أربع مرات, كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل: وما طينة الخبال ؟ قال "عصارة أهل جهنم" ورواه أحمد من طريق عمرو بن شعيب .
[حديث آخر] ـ قال أبو داود: حدثنا محمد بن رافع, حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني قال: سمعت النعمان هو ابن أبي شيبة الجندي يقول عن طاوس, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل مخمر خمر, وكل مسكر حرام ومن شرب مسكراً بخست صلاته أربعين صباحاً, فإن تاب تاب الله عليه, فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله ؟ قال "صديد أهل النار. ومن سقاه صغيراً لا يعرف حلاله من حرامه, كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" تفرد به أبو داود.
[حديث آخر] ـ قال الشافعي رحمه الله: أنبأنا مالك عن نافع, عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من شرب الخمر في الدنيا لم يتب منها حرمها في الاخرة" أخرجه البخاري ومسلم من حديث مالك به. وروى مسلم عن أبي الربيع, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل مسكر خمر, وكل مسكر حرام, ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها, لم يشربها في الاخرة".
[حديث آخر] ـ قال ابن وهب: أخبرني عمر بن محمد عن عبد الله بن يسار أنه سمع سالم بن عبد الله يقول: قال عبد الله بن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه, والمدمن الخمر, والمنان بما أعطى". ورواه النسائي عن عمرو بن علي, عن يزيد بن زريع, عن عمر بن محمد العمري به. وروى أحمد عن غندر, عن شعبة, عن يزيد بن أبي زياد, عن مجاهد, عن أبي سعيد, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر". ورواه أحمد أيضاً عن عبد الصمد, عن عبد العزيز بن مسلم, عن يزيد بن أبي زياد, عن مجاهد به. وعن مروان بن شجاع, عن حصيف, عن مجاهد به. ورواه النسائي عن القاسم بن زكريا, عن حسين الجعفي, عن زائدة, عن يزيد بن أبي زيادة, عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد, كلاهما عن أبي سعيد به .
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا سفيان عن منصور, عن سالم بن أبي الجعد, عن جابان عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة عاق, ولا مدمن خمر, ولا منان, ولا ولد زنية" وكذا رواه عن يزيد, عن همام, عن منصور, عن سالم, عن جابان, عن عبد الله بن عمرو به, وقد رواه أيضاً عن غندر وغيره, عن شعبة, عن منصور, عن سالم, عن نبيط بن شريط, عن جابان, عن عبد الله بن عمرو, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة منان, ولا عاق والديه, ولا مدمن خمر". ورواه النسائي من حديث شعبة كذلك, ثم قال: ولا نعلم أحداً تابع شعبة عن نبيط بن شريط. وقال البخاري: لا يعرف لجابان سماع عن عبد الله, ولا لسالم من جابان ولا نبيط, وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد عن ابن عباس, ومن طريقه أيضاً عن أبي هريرة, فالله أعلم .
وقال الزهري: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت إنا ندعوك لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر فسقته كأساً فقال زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه. رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح وقد رواه أبوبكر بن أبي الدنيا في كتابه ذم المسكر عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن الفضيل بن سليمان النميري عن عمر بن سعيد عن الزهري به مرفوعاً والموقوف أصح والله أعلم وله شاهد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أسود بن عامر, حدثنا إسرائيل عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: لما حرمت الخمر قال ناس: يا رسول الله, أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها, فأنزل الله "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" إلى آخر الاية, ولما حولت القبلة قال ناس: يا رسول الله, إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس, فأنزل الله "وما كان الله ليضيع إيمانكم" وقال الإمام أحمد: حدثنا داود بن مهران الدباغ, حدثنا داود يعني العطار عن أبي خثيم, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة, إن مات مات كافراً, وإن تاب تاب الله عليه, وإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال" قالت: قلت: يارسول الله, وما طينة الخبال ؟ قال "صديد أهل النار" وقال الأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قيل لي: أنت منهم" وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريقه. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: قرأت على أبي, حدثنا علي بن عاصم, حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم وهاتان الكعبتان الموسومتان اللتان تزجران زجراً فإنهما ميسر العجم".
قوله: 93- "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" أي من المطاعم التي يشتهونها، والطعم وإن كان استعماله في الأكل أكثر لكنه يجوز استعماله في الشرب، ومنه قوله تعالى: "ومن لم يطعمه فإنه مني" أباح الله سبحانه لهم في هذه الآية جميع ما طعموا كائنا ما كان مقيداً بقوله: "إذا ما اتقوا" أي اتقوا ما هو محرم عليهم كالخمر وغيره من الكبائر، وجميع المعاصي "وآمنوا" بالله "وعملوا الصالحات" من الأعمال التي شرعها الله لهم: أي استمروا على عملها. قوله: "ثم اتقوا" عطف على اتقوا الأول: أي اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه كان مباحاً فيما سبق "وآمنوا" بتحريمه "ثم اتقوا" ما حرم عليهم بعد التحريم المذكور قبله مما كان مباحاً من قبل "وأحسنوا" أي اعملوا الأعمال الحسنة، هذا معنى الآية، وقيل التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة، وقيل إن التكرير باعتبار المراتب الثلاث، المبدأ، والوسط، والمنتهى، وقيل إن التكرار باعتبار ما يتقيه الإنسان، فإنه ينبغي له أن يترك المحرمات توقياً من العذاب، والشبهات توقياً من الوقوع في الحرام، وبعض المباحات حفظاً للنفس عن الخسة، وقيل إنه لمجرد التأكيد، كما في قوله تعالى:
" كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون " هذه الوجوه كلها مع قطع النظر عن سبب نزول الآية إما مع النظر إلى سبب نزولها، وهو أنه لما نزل تحريم الخمر، قال قوم من الصحابة: كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر؟ فنزلت، فقد قيل: إن المعنى "اتقوا" الشرك "وآمنوا" بالله ورسوله "ثم اتقوا" الكبائر "وآمنوا" أي ازدادوا إيماناً "ثم اتقوا" الصغائر "وأحسنوا" أي تنفلوا. قال ابن جرير الطبري: الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل، والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: " نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء " يسألونك عن الخمر والميسر " الآية ، فقيل حرمت الخمر فقيل : يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله، فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى"، فقيل حرمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة، فسكت عنهم، ثم نزلت: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر" الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:حرمت الخمر". وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: حرمت الخمر ثلاث مرات وذكر نحو حديث ابن عمر، "فقال الناس: يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على
فراشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان، فأنزل الله: "ليس على الذين آمنوا" الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: في نزل تحريم الخمر، صنع رجل من الأنصار طعاماً فدعا ناساً فأتوه، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر، وذلك قبل أن تحرم الخمر فتفاخروا، فقالت الأنصار: الأنصار خير من المهاجرين، وقال قريش: قريش خير، فأهوى رجل بلحي جمل فضرب على أنفي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" الآية. وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: أنزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا، فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته، فيقول: صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" إلى قوله: "فهل أنتم منتهون" فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد، فأنزل الله هذه الآية: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا" الآية. وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما قد ذكرناه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: الميسر هو القمار كله. وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال: قلت لجابر متى حرمت الخمر؟ قال: بعد أحد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال: نزل تحريم الخمر في سورة المائدة، بعد غزوة الأحزاب. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: النرد والشطرنج من الميسر. وأخرج عبد بن حميد عن علي قال: الشطرنج ميسر الأعاجم. وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد أنه سئل عن النرد أهي من الميسر؟ قال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في الشعب عنه أيضاً أنه قيل له: هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج؟ قال: كل ما ألهي عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر. وأخرجوا أيضاً عن ابن الزبير قال: يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النردشير، والله يقول في كتابه: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر" إلى قوله: "فهل أنتم منتهون" وإني أحلف بالله لا أوتي بأحد يلعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره، وأعطيت سلبه من أتاني به. وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال: الشطرنج من النرد، بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فأحرقها. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر أنه سئل عن الشطرنج فقال: تلك المجوسية فلا تلعبوا بها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله". وأخرج أحمد عن عبد الرحيم الخطمي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمر قال: اللاعب بالنرد قماراً كآكل لحم الخنزير، واللاعب بها من غير قمار كالمدهن بودك الخنزير. وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن كثير قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يلعبون بالنرد فقال قلوب لاهية وأيدي عليلة وألسنة لاغية". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن قتادة قال: الميسر القمار. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا: كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال: القمار من الميسر. وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن يزيد بن شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من الميسر: الصفير بالحمام، والقمار، والضرب بالكعاب". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأنصاب حجارة كانوا يذبحون لها، والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها الأمور. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانت لهم حصيات إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الأزلام قال: هي كعاب فارس التي يقتمرون بها، وسهام العرب. وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم الخمر وشاربها والوعيد الشديد عليه وأن كل مسكر حرام وهي مدونة في كتب الحديث فلا نطول المقام بذكرها فلسنا بصدد ذلك، بل نحن بصدد ما هو متعلق بالتفسير.
94- قوله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد " ، الآية نولت عام الحديبية وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصيد ، وكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها فهموا بأخذها فنزلت :" يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله " ليختبرهم اله ، وفائدة البلوى إظهار المطيع من العاصي ، وإلا فلا حاجة له إلى البلوى بشيء من الصيد ، وإنما بعض ، فقال " بشيء " لأنه ابتلاهم بصيد البر خاصةً " تناله أيديكم " ، يعني : الفرخ والبيض وما لا يقدر ان يفر من صغار الصيد ، " ورماحكم " ، يعني : الكبار من الصيد ، " ليعلم الله " ، ليرى الله ، لأنه قد علمه ، " من يخافه بالغيب " ، أي : يخاف الله ولم يره ، كقوله تعالى :" الذين يخشون ربهم بالغيب " ( الأنبياء 49 ) أي : يخافه فلا يصطاد في حال الإحرام " فمن اعتدى بعد ذلك " ، أي : صاد بعد تحريمه ، " فله عذاب أليم " ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : { يوجع } ظهره جلداً ، ويسلب ثيابه .
93" ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " مما لم يحرم عليهم لقوله: " إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " أي اتقوا المحرم وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة. " ثم اتقوا " ما حرم عليهم بعد كالخمر . " وآمنوا" بتحريمه " ثم اتقوا" ثم استمروا وثبتوا على اتقاء المعاصي." وأحسنوا" وتحروا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها. روي "أنه لما نزل تحريم الخمر قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسرفنزلت". ويحتمل أن يكون هذا التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة، أو باعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه وبين الناس وبين الله تعالى، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسيره، أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ الوسط والمنتهى، أو باعتبار ما يتقي فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقياً من العقاب والشبهات تحرزاً عن الوقوع في الحرام، وبعض المباحات تحفظاً للنفس عن الخسة وتهذيباً لها عن دنس الطبيعة. " والله يحب المحسنين " فلا يؤاخذهم بشيء، وفيه أن من فعل ذلك صار محسناً ومن صار محسناً صار لله محبوباً.
93. There shall be no sin (imputed) unto those who believe and do good works for what they may have eaten (in the past). So be mindful of your duty (to Allah), and do good works; and again: be mindful of your duty, and believe; and once again: be mindful of your duty, and do right. Allah loveth the good.
93 - On those who believe and do deeds of righteousness there is no blame for what they ate (in the past), when they guard themselves from evil, and believe, and do deeds of righteousness, (or) again, guard themselves from evil and believe, (or) again, guard themselves from evil and do good. for God loveth those who do good.