[المائدة : 48] وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
48 - (وأنزلنا إليك) يا محمد (الكتاب) القرآن (بالحق) متعلق بأنزلنا (مصدقا لما بين يديه) قبله (من الكتاب ومهيمنا) شاهدا (عليه) والكتاب بمعنى الكتب (فاحكم بينهم) بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك (بما أنزل الله) إليك (ولا تتبع أهواءهم) عادلا (عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم) أيها الأمم (شرعة) شريعة (ومنهاجا) طريقا واضحا في الدين يمشون عليه (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) على شريعة واحدة (ولكن) فرقكم فرقا (ليبلوكم) ليختبركم (فيما آتاكم) من الشرائع المختلفة لينظر المطيع منكم والعاصي (فاستبقوا الخيرات) سارعوا إليها (إلى الله مرجعكم جميعا) بالبعث (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) من أمر الدين ويجزي كلا منكم بعمله
قال أبو جعفر: وهذا خطاب من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى ذكره : أنزلنا إليك ، يا محمد، "الكتاب"، وهو القرآن الذي أنزله عليه، ويعني بقوله : "بالحق"، بالصدق ولا كذب فيه ، ولا شك أنه من عند الله ، "مصدقا لما بين يديه من الكتاب"، يقول : أنزلناه بتصديق ما قبله من كتب الله التي أنزلها إلى أنبيائه ، "ومهيمنا عليه"، يقول : أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إليك ، يا محمد، مصدقاً للكتب قبله ، وشهيداً عليها أنها حق من عند الله ، أميناً عليها، حافظاً لها.
وأصل (الهيمنة)، الحفظ والارتقاب . يقال ، إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده : (قد هيمن فلان عليه ، فهو يهيمن هيمنة، وهو عليه مهيمن ).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، إلا أنهم اختلفت عباراتهم عنه.
فقال بعضهم : معناه : شهيداً.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "ومهيمنا عليه"، يقول : شهيداً.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط، عن السدي: "ومهيمنا عليه"، قال : شهيداً عليه.
حدثني بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب"، يقول : الكتب التي خلت قبله ، "ومهيمنا عليه"، أميناً وشاهداً على الكتب التي خلت قبله.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ومهيمنا عليه"، مؤتمناً على القرآن ، وشاهداً ومصدقاً. وقال ابن جريج : وقال آخرون : القرآن أمين على الكتب فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمر، إن كان في القرآن فصدقوا، وإلا فكذبوا.
وقال بعضهم : معناه : أمين عليه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع ، جميعاً، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : "ومهيمنا عليه"، قال : مؤتمناً عليه.
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس في قوله : "ومهيمنا عليه"، قال: مؤتمناً عليه.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، بإسناده ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن عطية قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من تميم ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "ومهيمنا عليه"، قال: والمهيمن الأمين. قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب"، وهو القرآن ، شاهد على التوراة والإنجيل ، مصدقاً لهما، "ومهيمنا عليه"، يعني : أميناً عليه ، يحكم على ما كان قبله من الكتب.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن قيس، عن أبي إسحاق، عن التميمي ، عن ابن عباس : "ومهيمنا عليه"، قال : مؤتمناً عليه.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم، عن زهير، عن أبي إسحاق ، عن رجل من بني تميم ، عن ابن عباس : "ومهيمنا عليه"، قال : مؤتمناً عليه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا يحيى الحماني قال ، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان وإسرائيل ، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير: "ومهيمنا عليه"، قال : مؤتمناً على ما قبله من الكتب.
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء قال : سألت الحسين عن قوله : "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه"، قال : مصدقاً لهذه الكتب ، وأميناً عليها. وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع فقال : مؤتمناً عليه.
وقال آخرون : معنى (المهيمن) ، المصدق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ومهيمنا عليه"، قال : "مصدقا" عليه. كل شيء أنزله الله من توراة أو إنجيل أو زبور، فالقرآن مصدق على ذلك. وكل شيء ذكر الله في القرآن ، فهو مصدق عليها وعلى ما حدث عنها أنه حق.
وقال آخرون : عنى بقوله "مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه"، نبي الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: و"مهيمنا عليه"، محمد صلى الله عليه وسلم، مؤتمن على القرآن.
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: "ومهيمنا عليه"، قال : محمد صلى الله عليه وسلم، مؤتمن على القرآن.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على ما تأوله مجاهد : وأنزلنا الكتاب مصدقاً الكتب قبله إليك ، مهيمناً عليه ، فيكون قوله : "مصدقا" حالاً من "الكتاب" وبعضاً منه ، ويكون (التصديق) من صفة (الكتاب)، و (المهيمن) حالاً من (الكاف) التي في "إليك"، وهي كناية عن ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، و (الهاء) في قوله : "عليه"، عائدة على الكتاب.
وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ. وذلك أن (المهيمن) عطف على (المصدق)، فلا يكون إلا من صفة ما كان (المصدق) صفة له. ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهد، لقيل : "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه"، لأنه لم يتقدم من صفة (الكاف) التي في (إليك) بعدها شيء يكون "مهيمنا عليه"، عطفاً عليه ، وإنما عطف به على (المصدق)، لأنه من صفة "الكتاب" الذي من صفته (المصدق).
فإن ظن ظان أن (المصدق) - على قول مجاهد وتأويله هذا - من صفة (الكاف) التي في "إليك"، فإن قوله : "لما بين يديه من الكتاب"، يبطل أن يكون تأويل ذلك كذلك ، وأن يكون (المصدق) من صفة (الكاف) التي في "إليك". لأن (الهاء) في قوله : "بين يديه"، كناية اسم غير المخاطب ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "إليك". ولو كان (المصدق) من صفة (الكاف)، لكان الكلام : وأنزلنا إليك الكتاب مصدقاً لما بين يديك من الكتاب ، ومهيمناً عليه ، فيكون معنى الكلام حينئذ كذلك.
قال أبو جعفر: وهذا أمر من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهل الملل بكتابه الذي أنزله إليه ، وهو القرآن الذي خصه بشريعته. يقول تعالى ذكره : احكم ، يا محمد، بين أهل الكتاب والمشركين بما أنزل إليك من كتابي وأحكامي في كل ما احتكموا فيه إليك ، من الحدود والجروح والقود والنفوس ، فارجم الزاني المحصن ، واقتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة ظلماً، وافقأ العين بالعين ، واجدع الأنف بالأنف ، فإني أنزلت إليك القرآن مصدقاً في ذلك ما بين يديه من الكتب ، ومهيمناً عليه رقيباً، يقضي على ما قبله من سائر الكتب قبله ، ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود، الذين يقولون : إن أوتيتم الجلد في الزاني المحصن دون الرجم ، وقتل الوضيع بالشريف إذا قتله ، وترك قتل الشريف بالوضيع إذا قتله ، فخذوه ، وإن لم تؤتوه فاحذروا، عن الذي جاءك من عند الله من الحق ، وهو كتاب الله الذي أنزله إليك. يقول له : اعمل بكتابي الذي أنزلته إليك إذا احتكموا إليك فاخترت الحكم عليه ، ولا تتركن العمل بذلك اتباعاً منك أهواءهم ، وإيثاراً لها على الحق الذي أنزلته إليك في كتابي ، كما:
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس : "فاحكم بينهم بما أنزل الله"، يقول : بحدود الله ، "ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق".
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عنبسة، عني جابر، عن عامر، عن مسروق : أنه كان يحلف اليهودي والنصراني بالله ، ثم قرأ : "وأن احكم بينهم بما أنزل الله" [المائدة : 49]، و أنزل الله: " أن لا تشركوا به شيئا " [الأنعام : 51].
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : لكل قوم منكم جعلنا شرعة. و (الشرعة) هي (الشريعة) بعينها ، تجمع (الشرعة) (شرعاً) ، (والشريعة) (شرائع). ولو جمعت (الشرعة) (شرائع ) ، كان صوابا، لأن معناها ومعنى (الشريعة) واحد، فيردها عند الجمع إلى لفظ نظيرها. وكل ما شرعت فيه من شيء فهو(شريعة). ومن ذلك قيل لشريعة الماء (شريعة)، لأنه يشرع منها إلى الماء. ومنه سميت شرائع الإسلام (شرائع )، لشروع أهله فيه. ومنه قيل للقوم إذا تساووا في الشيء: (هم شرع )، سواء.
وأما (المنهاج )، فإن أصله : الطريق البين الواضح ، يقال منه : (هو طريق نهج، ومنهج)، بين ، كما قال الراجز:
من يك في شك فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج
ثم يستعمل في كل شيء كان بيناً واضحاً سهلا.
فمعنى الكلام : لكل قوم منكم جعلنا طريقاً إلى الحق يؤمه، وسبيلاً واضحاً يعمل به.
ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : "لكل جعلنا منكم".
فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الملل المختلفة، أي : أن الله جعل لكل ملة شريعة ومنهاجاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، يقول : سبيلاً وسنة. والسنن مختلفة : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة، يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء بلاءً، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره: التوحيد والإخلاص لله ، الذي جاءت به الرسل.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، قال : الدين واحد، والشريعة مختلفة.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال ،أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي قال : الإيمان منذ بعث الله تعالى ذكره آدم صلى الله عليه وسلم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، لكل قوم ما جاءهم من شرعة أو منهاج ، فلا يكون المقر تاركاً، ولكنه مطيع.
وقال آخرون : بل عنى بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقالوا: إنما معنى الكلام: قد جعلنا الكتاب الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أيها الناس ، لكلكم -أي لكل من دخل في الإسلام وأقر بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لي نبي- شرعة ومنهاجاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، قال : سنة ، "ومنهاجا"، السبيل ، لكلكم ، من دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد جعل الله له شرعة ومنهاجاً. يقول : القرآن ، هو له شرعة ومنهاج.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : لكل أهل ملة منكم ، أيها الأمم ، جعلنا شرعة ومنهاجاً.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لقوله : "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، ولو كان عنى بقوله "لكل جعلنا منكم"، أمة محمد، وهم أمة واحدة، لم يكن لقوله : "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة"، وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة، معنى مفهوم.
ولكن معنى ذلك ، على ما جرى به الخطاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها، ثم ذكر أنه قفى بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأمر من بعثه إليه بالعمل بما فيه. ثم ذكر نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ، وأخبره أنه أنزل إليه الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ، وأمره بالعمل بما فيه ، والحكم بما أنزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره ، وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شرائع الأنبياء والأمم قبله الذين قص عليه قصصهم ، وإن كان دينه ودينهم -في توحيد الله ، والإقرار بما جاءهم به من عنده ، والانتهاء إلى أمره ونهيه - واحدا، فهم مختلفو الأحوال في ما شرع لكل واحد منهم ولأمته ، في ما أحل لهم وحرم عليهم.
وبنحو الذي قلنا في (الشرعة) و (المنهاج ) من التأويل ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا مسعر، عن أبي إسحق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، قال سنة وسبيلاً.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان لاسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، قال : سنة وسبيلاً.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان وإسرائيل وأبيه ، عن أبي إسحق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، عن أبي سنان ، عن أبي إسحق ، عن يحيى بن وثاب قال : سألت ابن عباس عن قوله : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، قال : سنة وسبيلاً.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : "شرعة ومنهاجا"، قال : سنة وسبيلاً.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو، عن مطرف ، عن أبي إسحق ، عن رجل من بني تميم ، عن ابن عباس ، بمثله.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن أبي إسحق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، يعني : سبيلاً وسنة.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين قال : سمعت الحسن يقول : (لشرعة) ، السنة.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد قال : سنة وسبيلاً.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "شرعة ومنهاجا"، قال : (الشرعة)، السنة، "ومنهاجا"، قال : السبيل.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، يقول : سبيلاً وسنة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحوضي قال ، حدثنا شعبة قال ، حدثنا أبو إسحق قال : سمعت رجلاً من بني تميم ، عن ابن عباس ، بنحوه.
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "شرعة ومنهاجا"، يقول : سبيلاً وسنة.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال : السنة والسبيل.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، يقول : سبيلاً وسنة.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، أخبرني عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله :"شرعة ومنهاجا"، قال : سبيلاً وسنة.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : ولو شاء ربكم لجعل شرائعكم واحدة، ولم يجعل لكل أمة شريعة ومنهاجاً غير شرائع الأمم الأخر ومنهاجهم ، فكنتم تكونون أمة واحدة لا تختلف شرائعكم ومناهجكم ، ولكنه تعالى ذكره يعلم ذلك ، فخالف بين شرائعكم ليختبركم ، فيعرف المطيع منكم من العاصي ، والعامل بما أمره في الكتاب الذي أنزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من المخالف.
و (الابتلاء)، هو الاختبار، وقد أبنت ذلك بشواهده فيما مض قبل.
وقوله : "في ما آتاكم"، يعني : فيما أنزل عليكم من الكتب ، كما:
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج: "ولكن ليبلوكم في ما آتاكم"، قال عبد الله بن كثير: لا أعلمه إلا قال: ليبلوكم فيما آتاكم من الكتب.
فإن قال قائل : وكيف قال : "ليبلوكم في ما آتاكم"، ومن المخاطب بذلك؟ وقد ذكرت أن المعني بقوله : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"، نبتنا مع الأنبياء الذين مضوا قبله وأممهم ، والذين قبل نبينا صلى الله عليه وسلم على حدة؟
قيل : إن الخطاب وإن كان لنبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه قد أريد به الخبر عن الأنبياء قبله وأممهم. ولكن العرب من شانها إذا خاطبت إنساناً وضمت إليه غائباً، فأرادت الخبر عنه ، أن تغلب المخاطب ، فيخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب ، فلذلك قال تعالى ذكره : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : بادروا، أيها الناس ، إلى الصالحات من الأعمال ، والقرب إلى ربكم ، بإدمان العمل بما في كتابكم الذي أنزله إلى نبيكم ، فإنه إنما أنزله امتحاناً لكم وابتلاء، ليتبين المحسن منكم من المسيء ، فيجازي جميعكم على عمله جزاءه عند مصيركم إليه ، فإن إليه مصيركم جميعاً، فيخبر كل فريق منكم بما كان يخالف فيه الفرق الأخرى، فيفصل بينهم بفصل القضاء، وتبين المحق مجازاته إياه بجناته، من المسيء بعقابه إياه بالنار، فيتبين حينئذ كل حزب عياناً، المحق منهم من المبطل.
فإن قال قائل : أو لم ينبئنا ربنا في الدنيا قبل مرجعنا إليه ما نحن فيه مختلفون؟
قيل : إنه بين ذلك في الدنيا بالرسل والأدلة والحجج ، دون الثواب والعقاب عياناً، فمصدق بذلك ومكذب. وأما عند المرجع إليه ، فإنه ينبئهم بذلك بالمجازاة التي لا يشكون معها في معرفة المحق والمبطل ، ولا يقدرون على إدخال اللبس معها على أنفسهم . فكذلك خبره تعالى ذكره أنه ينبئنا عند ؟ المرجع إليه بما كنا فيه نختلف في الدنيا. وإنما معنى ذلك : إلى الله مرجعكم جميعاً، فتعرفون المحق حينئذ من المبطل منكم ، كما:
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب ، عن أبي سنان قال : سمعت الضحاك يقول : "فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا"، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم، البر والفاجر.
قوله تعالى :" وأنزلنا إليك الكتاب " الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم والكتاب القرآن " بالحق " أي هو بالأمر الحق " مصدقا" حال " لما بين يديه من الكتاب " أي من جنس الكتب " ومهيمنا عليه " أي عالياً عليها ومرتفعاً وهذا يدل على تأويل من يقول بالتفضيل أي في كثرة الثواب، على ما تقدمت إليه الإشارة في الفاتحة وهو اختيار ابن الحصار في كتاب شرح السنة له وقد ذكره في كتابنا في شرح الأسماء الحسنى والحمد لله وقال قتادة : المهيمن معناه الشاهد وقيل الحافظ: وقال الحسن: المصدق ومنه قول الشاعر:
إن الكتاب مهيمن لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب
وقال ابن عباس: ومهيمنا عليه أي مؤتمنا عليه وقال سعيد بن جبير: القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب وعن ابن عباس والحسن أيضاً المهيمن الأمين قال المبرد : أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء كما قيل في أرقت الماء هرقت وقاله الزجاج أيضاً وأبو علي وقد صرف فقيل: هيمن يهيمن هيمنة وهو مهيمن بمعنى كان أميناً الجوهري: هو من آمن غيره من الخوف وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين، قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا: هراق الماء وأراقة يقال منه: هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظاً فهو مهيمن عن أبي عبيد وقرأ مجاهد وابن محيصن : ومهيمنا عليه بفتح الميم قال مجاهد: أي محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمن على القرآن .
قوله تعالى :" فاحكم بينهم بما أنزل الله " يوجب الحكم فقيل:هذا نسخ للتخيير في قوله : "فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " [ المائدة: 42] وقيل: ليس هذا وجوباً والمعنى فاحكم بينهم إن شئت إذ لا يجب علينا الحكم بينهم إذا لم يكونوا من أهل الذمة تردد وقد مضى الكلام فيه وقيل: أراد فاحكم بين الخلق فهذا كان واجباً عليه.
قوله تعالى :" ولا تتبع أهواءهم " فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى :" ولا تتبع أهواءهم " يعني لا يعمل بأهوائهم ومرادهم على ما جاءك من الحق يعني لا تترك الحكم بما بين الله تعالى من القرآن من بيان الحق وبيان الأحكام والأهواء جمع هوى ولا يجمع أهوية وقد تقدم في البقرة فنهاه عن أن يتبعهم فيما يريدونه وهو يدل على بطلان قول من قال : تقوم الخمر على من أتلفها عليهم لأنها ليست مالاً لهم فتكون مضمونة على متلفها لأن إيجاب ضمانها على متلفها حكم بموجب أهواء اليهود، وقد أمرنا بخلاف ذلك ، ومعنى " عما جاءك " على ما جاءك " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" يدل على عدم التعلق بشرائع الأولين الشرعة والشريعة الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى النجاة والشريعة في اللغة :الطريق الذي يتوصل منه إلى الماء والشريعة ما شرع الله لعباده من الدين وقد شرع لهم يشرع شرعاً أي سن ، والشارع الطريق الأعظم والشرعة أيضاً الوتر، والجمع شرع وشرع وشراع جمع الجمع عن أبي عبيدة فهو مشترك والمنهاج الطريق المستمر وهو النهج والمنهج أي البين قال الزاجر:
من يك ذا شك فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج
وقال أبو العباس محمد بن يزيد : الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر وروي عن ابن عباس والحسن وغيرهما شرعة ومنهاجاً سنة وسبيلاً ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها والإنجيل لأهله ، والقرآن لأهله وهذا في الشرائع والعبادات والأصل التوحيد لا اختلاف فيه روي معنى ذلك عن قتادة وقال مجاهد: الشرعة والمنهاج دين محمد عليه السلام وقد نسخ به كل ما سواه
قوله تعالى :" ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " أي لجعل شريعتكم واحدة فكنتم على الحق فبين أنه أراد بالاختلاف إيمان قوم وكفر قوم " ولكن ليبلوكم في ما آتاكم " في الكلام حذف تتعلق به لام كي أي ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليختبركم والابتلاء الاختبار .
قوله تعالى :" فاستبقوا الخيرات " أي سارعوا إلى الطاعات وهذا يدل على أن تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها وذلك لا اختلاف فيه في العبادات كلها إلا في الصلاة في أول الوقت فإن أبا حنيفة يرى أن الأولى تأخيرها وعموم الآية يدل عليه قاله الكيا: وفيه دليل على أن الصوم في السفر أولى من الفطر، وقد تقدم جميع هذا في البقرة " إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون "أي بما اختلفتم فيه وتزول الشكوك .
لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها على موسى كليمه, ومدحها وأثنى عليها وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع وذكر الإنجيل ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه, كما تقدم بيانه, شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم, فقال تعالى: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق" أي بالصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله "مصدقاً لما بين يديه من الكتاب" أي من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه, وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم, فكان نزوله كما أخبرت به, مما زادها صدقاً عند حامليها من ذوي البصائر الذين انقادوا لأمر الله, واتبعوا شرائع الله, وصدقوا رسل الله, كما قال تعالى: " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " أي إن كان ما وعدنا الله على ألسنة رسله المتقدمة من مجيء محمد عليه السلام لمفعولاً, أي لكائناً لا محالة ولا بد .
قوله تعالى: "ومهيمناً عليه" قال سفيان الثوري وغيره, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس: أي مؤتمناً عليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: المهيمن الأمين, قال: القرآن أمين على كل كتاب قبله. ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك, وقال ابن جرير: القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله, فما وافقه منها فهو حق, وما خالفه منها فهو باطل, وعن الوالبي عن ابن عباس "ومهيمناً" أي شهيداً, وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس "ومهيمناً" أي حاكماً على ما قبله من الكتب, وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى, فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله, فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله, جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمهاأشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله, وزاده من الكمالات, ماليس في غيره, فلهذا جعله شاهداً وأميناً وحاكماً عليها كلها وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة, فقال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد, أنهم قالوا في قوله "ومهيمناً عليه" يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أمين على القرآن فإنه صحيح في المعنى, ولكن في تفسير هذا بهذا نظر, وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضاً نظر, وبالجملة فالصحيح الأول. وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد: وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب, بل هو خطأ, وذلك أن المهيمن عطف على المصدق , فلا يكون إلا صفة لما كان المصدق صفة له, قال: ولو كان الأمر كما قال مجاهد لقال: وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب, مهيمناً عليه, يعني من غير عطف .
وقوله تعالى: "فاحكم بينهم بما أنزل الله" أي فاحكم يا محمد بين الناس, عربهم وعجمهم, أميهم وكتابيهم, بما أنزل الله إليك في هذا الكتاب العظيم, وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك, هكذا وجهه ابن جرير بمعناه, قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار, حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين, عن الحكم, عن مجاهد, عن ابن عباس, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مخيراً إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم, فردهم إلى أحكامهم, فنزلت "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم" فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا .
وقوله "ولا تتبع أهواءهم" أي آراءهم التي اصطلحوا عليها, وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله, ولهذا قال تعالى: "ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق" أي لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء. وقوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس "لكل جعلنا منكم شرعة" قال: سبيلاً. وحدثنا أبو سعيد, حدثنا وكيع عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن التميمي, عن ابن عباس "ومنهاجاً" قال: وسنة, كذا روى العوفي عن ابن عباس "شرعة ومنهاجاً" سبيلاً وسنة, وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي, أنهم قالوا في قوله "شرعة ومنهاجاً" أي سبيلاً وسنة, وعن ابن عباس أيضاً ومجاهد, أي وعطاء الخراساني عكسه "شرعة ومنهاجاً" أي سنة وسبيلاً, والأول أنسب, فإن الشرعة وهي الشريعة أيضاً هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء, ومنه يقال: شرع في كذا, أي ابتدأ فيه, كذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إلى الماء . أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل, والسنن الطرائق .
فتفسير قوله: "شرعة ومنهاجاً" بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس, والله أعلم. ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان, باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد, كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات, ديننا واحد" يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله, كما قال تعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" الآية, وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراماً, ثم يحل في الشريعة الأخرى, وبالعكس, وخفيفاً فيزاد في الشدة في هذه دون هذه, وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة, والحجة الدامغة .
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: قوله "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" يقول: سبيلاً وسنة, والسنن مختلفة, هي في التوراة شريعة, وفي الإنجيل شريعة, وفي الفرقان شريعة, يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء, ليعلم من يطيعه ممن يعصيه, والدين الذي لا يقبل الله غيره, التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام, وقيل: المخاطب بهذه الآية هذه الأمة ومعناه لكل جعلنا القرآن منكم أيتها الأمة شرعة ومنهاجاً, أي هو لكم كلكم تقتدون به, وحذف الضمير المنصوب في قوله "لكل جعلنا منكم" أي جعلناه, يعني القرآن, شرعة ومنهاجاً, أي سبيلاً إلى المقاصد الصحيحة, وسنة أي طريقاً ومسلكاً واضحاً بيناً, هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن مجاهد رحمه الله, والصحيح القول الأول, ويدل على ذلك قوله تعالى بعده "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" فلو كان هذا خطاباً لهذه الأمة, لما صح أن يقول "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" وهم أمة واحدة, ولكن هذا خطاب لجميع الأمم وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة, التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد, وشريعة واحدة, لا ينسخ شيء منها, ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة, ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده, حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم, الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة, وجعله خاتم الأنبياء كلهم, ولهذا قال تعالى: " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم " أي أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة ليختبر عباده فيما شرع لهم ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله. وقال عبد الله بن كثير " في ما آتاكم " يعني من الكتاب .
ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها, فقال "فاستبقوا الخيرات" وهي طاعة الله واتباع شرعه الذي جعله ناسخاً لما قبله, والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله, ثم قال تعالى: "إلى الله مرجعكم" أي معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة "فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" أي فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق, فيجزي الصادقين بصدقهم, ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان, بل هم معاندون للبراهين القاطعة, والحجج البالغة والأدلة الدامغة. وقال الضحاك "فاستبقوا الخيرات" يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم, والأول أظهر. وقوله "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم" تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك والنهي عن خلافه, ثم قال "واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" أي واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من أمور, فلا تغتر بهم, فإنهم كذبة كفرة خونة, "فإن تولوا" أي عما تحكم به بينهم من الحق وخالفوا شرع الله, "فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم" أي فاعلم أن ذلك كائن عن قدر الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما لهم من الذنوب السالفة التي اقتضت إضلالهم ونكالهم, "وإن كثيراً من الناس لفاسقون" أي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم مخالفون للحق ناكبون عنه, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين". وقال تعالى: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" الآية .
وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت, حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة. عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس, بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه, فأتوه فقالوا: يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود, وأشرافهم, وساداتهم, وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا, وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك, فتقضي لنا عليهم, ونؤمن لك ونصدقك, فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله عز وجل فيهم "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" إلى قوله "لقوم يوقنون", رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وقوله تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير, الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله, كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم, وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم الياسق, وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها, وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه, فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله, فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير, قال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون" أي يبتغون ويريدون, وعن حكم الله يعدلون, "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه, وآمن به, وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين, وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها, فإنه تعالى هو العالم بكل شيء, القادر على كل شيء, العادل في كل شيء .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هلال بن فياض, حدثنا أبو عبيدة الناجي قال: سمعت الحسن يقول: من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية. وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح, قال: كان طاوس إذا سأله رجل: أفضل بين ولدي في النحل ؟ قرأ "أفحكم الجاهلية يبغون" الآية, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي, حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع, أخبرنا شعيب بن أبي حمزة, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين, عن نافع بن جبير, عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبغض الناس إلى الله عز وجل, من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية, وطالب دم امرىء بغير حق ليريق دمه". وروى البخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة .
قوله: 48- "وأنزلنا إليك الكتاب" خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب القرآن والتعريف للعهد، و "بالحق" متعلق بمحذوف وقع حالاً: أي متلبساً بالحق، وقيل هو حال من فاعل أنزلنا، وقيل من ضمير النبي صلى الله عليه وسلم و "مصدقاً لما بين يديه" حال من الكتاب، والتعريف في الكتاب أعني قوله: "مصدقاً لما بين يديه من الكتاب" للجنس: أي أنزلنا إليك يا محمد القرآن حال كونه متلبساً بالحق وحال كونه مصدقاً لما بين يديه من كتب الله المنزلة لكونه مشتملاً على الدعوة إلى الله والأمر بالخير والنهي عن الشر، كما اشتمل عليه قوله: "ومهيمناً عليه" عطف على مصدقاً، والضمير في عليه عائد إلى الكتاب الذي صدقه القرآن وهيمن عليه، والمهيمن الرقيب، وقيل الغالب المرتفع، وقيل الشاهد: وقيل الحافظ، وقيل المؤتمن. قال المبرد: أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء، كما قيل في أرقت الماء هرقت، وبه قال الزجاج وأبو علي الفارسي. وقال الجوهري: هو من أمن غيره من الخوف، وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين قلبت الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء، كما قالوا هراق الماء وأراقه، يقال هيمن على الشيء يهيمن: إذا كان له حافظاً، فهو له مهيمن كذا عن
أبي عبيد. وقرأ مجاهد وابن محيصن مهيمناً عليه بفتح الميم، أي هيمن عليه الله سبحانه. والمعنى على قراءة الجمهور: أن القرآن صار شاهداً بصحة الكتب المنزلة ومقرراً لما فيها مما لم ينسخ وناسخاً لما خالفه منها، ورقيباً عليها وحافظاً لما فيها من أصول الشرائع، وغالباً لها لكونه المرجع في المحكم منها والمنسوخ، ومؤتمناً عليها لكونه مشتملاً على ما هو معمول به منها وما هو متروك. قوله: "فاحكم بينهم بما أنزل الله" أي بما أنزله إليك في القرآن لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده في جميع الكتب السابقة عليه "ولا تتبع أهواءهم" أي أهواء أهل الملل السابقة. وقوله: "عما جاءك من الحق" متعلق بلا تتبع على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف "عما جاءك من الحق" متبعاً لأهوائهم، وقيل متعلق بمحذوف: أي لا تتبع أهواءهم عادلاً أو منحرفاً عن الحق. وفيه النهي له صلى الله عليه وسلم عن أن يتبع أهوية أهل الكتاب ويعدل عن الحق الذي أنزله الله عليه، فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه وما أدركوا عليه سلفهم وإن كان باطلاً منسوخاً أو محرفاً عن الحكم الذي أنزله الله على الأنبياء، كما وقع في الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله. قوله: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" الشرعة والشريعة في الأصل: الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى الماء، ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الدين. والمنهاج: الطريقة الواضحة البينة. وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الشريعة: ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستمر. ومعنى الآية: أنه جعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله وهذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقرآن وأما بعده فلا شرعة ولا منهاج إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" بشريعة واحدة وكتاب واحد ورسول واحد "ولكن ليبلوكم" أي ولكن لم يشأ ذلك الاتحاد ، بل شاء الإبتلاء لكم باختلاف الشرائع ، فيكون " ليبلوكم " متعلقاً بمحفوظ دل عليه سياق الكلام وهو ما ذكرنا، ومعنى " في ما آتاكم " فيما أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص. قوله: "فاستبقوا الخيرات" أي إذا كان المشيئة قد قضت باختلاف الشرائع فاستبقوا إلى فعل ما أمرتم بفعله وترك ما أمرتم بتركه. والاستباق: المسارعة "إلى الله مرجعكم جميعاً" لا إلى غيره وهذه الجملة كالعلة لما قبلها.
48-قوله سبحانه وتعالى :" وأنزلنا إليك "، يا محمد " الكتاب " ، القرآن،" بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب " ، أي من الكتب المنزلة من قبل ، " ومهيمناً عليه "، روى الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي شاهداً عليه ، وهو قول مجاهد و قتادة و السدي و الكسائي .
قال حسان: أن الكتاب مهيمن لنبينا و الحق يعرفه ذوو الألباب
يريد: شاهداً ومصدقاً.
وقال عكرمة : دالاً ، وقال سعيد بن جبير و أبو عبيدة : مؤتمناً عليه، وقال الحسن : أميناً ، وقيل: أصله مؤيمن ، مفيعل من أمين ، كما قالوا : مبيطر من البيطار ، فقبلت الهمزة هاءً ، كما قالوا : أرقت الماء وهرقته، و إيهات وهيهات ونحوها. ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج : القرآن أمين على ما قبله من الكتب ، فما أخبر أهل الكتاب عن [ كتابهم ] فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا .
وقال سعيد بن المسيب و الضحاك قاضياً ، وقال الخليل ، رقيباً وحافظاً ، والمعاني متقاربة، ومعنى الكل: أن كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب الله تعالى ، وما لا فلا. " فاحكم "، يا محمد ، " بينهم " بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك ، " بما أنزل الله " بالقرآن ، " ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " ، أي لا تعرض عما جاءك من الحق ولا تتبع أهواءهم ، " لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً "، قال ابن عباس و الحسن و مجاهد : أي سبيلاً وسنةً ، فالشرعة والمنهاج الطريق الواضح ، وكل ما شرعت فيه فهو شريعة وشرعة، ومنه شرائع الإسلام لشروع أهلها فيها ، وأراد بهذا أن الشرائع مختلفة ، ولكل أهل ملة شريعة.
قال قتادة الخطاب للأمم الثلاث : أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللفرقان شريعة، والدين واحد وهو التوحيد. " ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدة " ،أي على ملة واحدة، " ولكن ليبلوكم "، ليختبركم، " في ما آتاكم "، من الكتب وبين لكم من الشرائع فيتبين المطيع من العاصي والموافق من المخالف ، " فاستبقوا الخيرات "، فبادروا إلى الأعمال الصالحة ، " إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ".
48" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق " أي القرآن. " مصدقا لما بين يديه من الكتاب " من جنس الكتب المنزلة، فاللام الأولى للعهد والثانية للجنس. " ومهيمنا عليه " ورقيباً على سائر الكتب يحفظه عن التغيير ويشهد له بالصحة والثبات، وقرئ على بنية المفعول أي هومن عليه وحوفظ من التحريف والحافظ له هو الله سبحانه وتعالى، أو الحفاظ في كل عصر. " فاحكم بينهم بما أنزل الله " أي بما أنزل الله إليك. " ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه فعن صلة للاتتبع لتضمنه معنى لا تنحرف، أو حال من فاعله أي لا تتبع أهواءهم مائلاً عما جاءك. " لكل جعلنا منكم " أيها الناس. " شرعة " شريعة وهي الطريقة إلى الماء شبهه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الابدية. وقرئ بفتح الشين. " ومنهاجا " وطريقاً واضحاً في الدين من نهج الأمر إذا وضح. واستدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " جماعة متفقة على دين واحد في جميع الأعصار من غير نسخ وتحويل، ومفعول لو شاء محذوف دل عليه الجواب، وقيل المعنى لو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لأجبركم عليه. " ولكن ليبلوكم في ما آتاكم " من الشرائع المختلفة المناسبة لكل عصر وقرن، هل تعملون بها مذعنين لها معتقدين أن اختلافها بمقتضى الحكمة الإلهية، أم تزيغون عن الحق وتفرطون في العمل. " فاستبقوا الخيرات " فابتدروها انتهازاً للفرصة وحيازة لفضل اسبق والتقدم. " إلى الله مرجعكم جميعا " استئناف فيه تعليل الأمر بالاستباق ووعد ووعيد للمبادرين والمقصرين. " فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون " بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل والعامل والمقصر.
48. And unto thee have We revealed the Scripture with the truth, confirming whatever Scripture was before it, and a watcher over it. So judge between them by that which Allah hath revealed, and follow not their desires away from the truth which hath come unto thee. For each We have appointed a divine law and a traced out way. Had Allah willed He could have made you one community. But that He may try you by that which He hath given you (He hath made you as ye are). So vie one with another in good works. Unto Allah ye will all return, and He will then inform you of that wherein ye differ.
48 - To thee we sent the scripture in truth, confirming the scripture that came before it, and guarding it in safety: so judge between them by what God hath revealed, and follow not their vain desires, diverging from the truth that hath come to thee. to each among you have we prescribed a law and an open way. if God had so willed. he would have made you a single people, but (his plan is) to test you in what he hath given you: so strive as in a race in all virtues. the goal of you all is to God; it is he that will show you the truth of the matters in which ye dispute;