[المائدة : 4] يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
4 - (يسألونك) يا محمد (ماذا أحل لهم) من الطعام (قل أحل لكم الطيبات) المستلذات (و) صيد (ما علمتم من الجوارح) الكواسب من الكلاب والسباع والطير (مكلِّبين) حال من كلَّبْتُ الكلب بالتشديد أي أرسلته على الصيد (تعلمونهن) حال من ضمير مكلبين أي تؤدبونهن (مما علمكم الله) من آداب الصيد (فكلوا مما أمسكن عليكم) وإن قتلنه إن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تسترسل إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبهن فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح (واذكروا اسم الله عليه) عند إرساله (واتقوا الله إن الله سريع الحساب)
قوله تعالى يسألونك ما أحل لهم الآية روى الطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم عن أبي رافع قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه فأذن له فأبطأ فأخذ رداءه فخرج إليه وهو قائم بالباب فقال قد أذن لك قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب فنظروا فاذا في بعض بيوتهم جرو فأمر أب رافع لا تدع كلبا بالمدينة إلا قتلته فأتاه ناس فقالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزلت يسألونك ماذا أحل لهم الآية وروى ابن جرير عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي وسعد بن حثمة وعويمر بن ساعدة فقالوا ماذا أحل لنا يا رسول الله فنزلت يسألونك ماذا أحل لهم الآية وأخرج عن محمد بن كعب القرظي قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة فنزلت
وأخرج من طريق الشعبي أن عدي بن حاتم الطائي قال أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب فلم يدر ما يقول له حتى نزلت هذه الآية تعلمونهن مما عملكم الله
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة وإن كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزلت يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك ، يا محمد، أصحابك : ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل؟ فقل لهم : أحل لكم منها، "الطيبات"، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح ، وأحل لكم أيضاً مع ذلك ، صيد ما علمتم من "الجوارح"، وهن الكواسب من سباع ا لبهائم.
والطير سميت (جوارح )، لجرحها لأربابها، وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد. يقال منه: (جرح فلان لأهله خيراً)، إذا أكسبهم خيراً، و (فلان جارحة أهله )، يعنى بذلك : كاسبهم ، و (لا جارحة لفلانة)، إذا لم يكن لها كاسب ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة: ذات حد منضج ميسمها تذكر الجارح ما كان اجترح
يعني : اكتسب.
وترك من قوله : "وما علمتم"، (وصيد) ما علمتم من الجوارح ، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره.
وذلك أن القوم ، فيما بلغنا، كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب ، عما يحل لهم اتخاذه منها وصيده ، فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية. فاستثنى مما كان حرم اتخاذه منها؟ وأمر بقنية كلاب الصيد، وكلاب الماشية، وكلاب الحرث ، وأذن لهم باتخاذ ذلك.
ذكر الخبر بذلك:
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا زيد بن حباب العكلي قال ، حدثنا موسى بن عبيدة قال ، أخبرنا أبان بن صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه ، فأذن له فقال : قد أذنا لك يا رسول الله! قال : أجل ، ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب! قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمة لها، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته. فجاءوا فقالوا: يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين".
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب ، فقتل! حتى بلغ العوالي ، فدخل عاصم بن عدي ، وسعد بن خيثمة ، وعويم بن ساعدة، فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ".
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير قال ، حدثونا عن محمد بن كعب القرظي قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، قالوا : يا رسول الله ، فماذا يحل لنا من هذه الأمة؟ فنزلت : "يسألونك ماذا أحل لهم"، الآية.
ثم اختلف أهل التأويل في "الجوارح" التي عنى الله بقوله : "وما علمتم من الجوارح".
فقال بعضهم : هو كل ما علم الصيد فتعلمه ، من بهيمة أو طائر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن "الحسن" في قول : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، قال : كل ما علم فصاد، من كلب أو صقر أو فهد أو غيره.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن : "مكلبين"، قال : كل ما علم فصاد من كلب أو فهد م و غيره.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في صيد الفهد قال: هو من الجوارح.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين" ، قال : الطير والكلاب.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الحجاج ، عن عطاء، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة، عن حميد، عن مجاهد: "مكلبين"، قال : من الكلاب والطير.
حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله : "من الجوارح مكلبين"، قال : من الطير والكلاب.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبوحذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، مثله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا شعبة، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن شعبة-، عن الهيثم ، عن طلحة بن مصرف قال ، قال خيثمة بن عبد الرحمن : هذا ما قد بينت لك : أن الصقر والبازي من الجوارح.
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة قال ، سمعت الهيثم يحدث ، عن طلحة الآيامي ، عن خيثمة قال : بينت لك : أن الصقر والباز والكلب من الجوارح.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا عبد الله بن عمر، عن نافع ، عن علي بن حسين قال : الباز والصقر من الجوارح.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن جابر، عن أبي جعفر قال : الباز والصقر من "الجوارح مكلبين".
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، يعني ب "الجوارح"، الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن ابن طاووس ، عن أبيه : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، قال : من الكلاب ، وغيرها من الصقور والبيزان ، وأشباه ذلك مما يعلم.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، الجوارح : الكلاب والصقور المعلمة.
حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار، سمع عبيد بن عمير يقول في قوله : "من الجوارح مكلبين"، قال : الكلاب والطير.
وقال آخرون : إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، الكلاب دون غيرها من السباع.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا أبو تميلة قال ، حدثنا عبيد، عن الضحاك : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، قال : هي الكلاب.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، يقول : أحل لكم صيد الكلاب التي علمتموهن.
حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أما ما صاد من الطير- والبزاة من الطير- فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعمه.
قال أبو جعفر: وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال : كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح ، وأن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم، لأن الله جل ثناؤه عم بقوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين"، كل جارحة، ولم يخصص منها شيئاً. فكل جارحة، كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع ، فحلال أكل صيدها.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قلنا في ذلك خبر، مع ما في الآية من الدلالة التي ذكرنا على صحة ما قلنا في ذلك، وهو ما:
حدثنا به هناد قال ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : ما أمسك عليك فكل.
فأباح صلى الله عليه وسلم صيد البازي وجعله من الجوارح. ففي ذلك دلالة بينة على فساد قول من قال : عنى الله بقوله : "وما علمتم من الجوارح"، ما علمنا من الكلاب خاصة، دون غيرها من سائر الجوارح.
فإن ظن ظان أن في قوله : "مكلبين"، دلالة على أن الجوارح التي ذكرت في قوله : "وما علمتم من الجوارح"، هي الكلاب خاصة، فقد ظن غير الصواب.
وذلك أن معنى الآية : قل أحل لكم ، أيها الناس ، في حال مصيركم أصحاب كلاب ، الطيبات ، وصيد ما علمتوه الصيد من كواسب السباع والطير. فقوله : "مكلبين "، صفة للقانص ، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه. وهو نظير قول القائل يخاطب قوماً: " أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ". فمعلوم أنه إنما عنى قائل ذلك ، إخبار القوم أن الله جل ذكره أحل لهم، في حال كونهم أهل إيمان ، الطيبات وصيد الجوارح التي أعلمهم أنه لا يحل لهم منه إلا ما صادوه به . فكذلك قوله : "أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين" لذلك نظيره ، في أن التكليب للقانص - بالكلاب كان صيده أو بغيرها - لا أنه إعلام من الله عز ذكره أنه لا يحل من الصيد إلا ما صادته ا لكلاب.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله : "تعلمونهن"، تؤدبون الجوارح فتعلمونهن طلب الصيد لكم ، "مما علمكم الله"، يعني بذلك : من التأديب الذي أدبكم الله ، والعلم الذي علمكم.
وقد قال بعض أهل التأويل : معنى قوله : "مما علمكم الله"، كما علمكم الله.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "تعلمونهن مما علمكم الله"، يقول : تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله.
ولسنا نعرف في كلام العرب من بمعنىالكاف، لأن من تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض ، و الكاف بمعنى التشبيه. وإنما يوضع الحرف مكان آخر غيره ، إذا تقارب معنياهما. فأما إذا اختلفت معانيهما، فغير موجود في كلامهم وضع أحدهما عقيب الآخر. وكتاب الله وتنزيله أحرى الكلام أن يجنب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفساحة من كلام من نزل بلسانه.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا إسماعيل بن صبيح قال ، حدثنا أبو هانىء عمر بن بشير قال ، حدثنا عامر: أن عدي بن حاتم الطائي قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب ، فلم يدر ما يقول له ، حتى نزلت هذه الآية : "تعلمونهن مما علمكم الله".
قيل : اختلف أهل التأويل في ذلك.
فقال بعضهم : هو أن يستشلي لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه ، ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه ، ويستجيب له إذا دعاه ، ولا يفر منه إذا أراده. فإذا تتابع ذلك منه مراراً كان معلماً. وهذا قول جماعة من أهل الحجاز وبعض أهل العراق.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلم ويمسك ويصيد، فهو ميتة. ولا يكون قتله إياه ذكاة، حتى يعلم ويمسك ويصيد. فإن كان ذلك ثم قتل ، فهو ذكاته. حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن المعلم من الكلاب : أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه. فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته ، فلا يأكل من صيده.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاووس ، عن ابن عباس قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه.
حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو المعلى، عن سعيد بن جبير قال ، قال ابن عباس : إذا أرسل الرجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده ، وإن كان ذكر اسم الله حين أرسله - فزعم أنه إنما أمسك على نفسه - والله يقول : "من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله"، فزعم أنه إذا أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه أنه ليس بمعلم، وأنه ينبني أن يضرب ويعتم حتى يترك ذلك الخلق.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا معمر الرقي ، عن حجاج ، عن عطاء، عن ابن عباس قال : إذا أخذ الكلب فقتل فأكل ، فهو سبع.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثني عبد الأعلى قال ، حدثنا داود، عن عامر، عن ابن عباس قال : لا يأكل منه ، فإنه لو كان معلماً لم يأكل منه ، ولم يتعلم ما علمته. إنما أمسك على نفسه ، ولم يمسك عليك.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يزيد بن هارون قال ، أخبرنا داود، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، بنحوه.
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حماد، عن إبراهيم ، عن ابن عباس قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحق ، عن الشعبي ، عن ابن عباس ، بمثله.
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا ابن عون قال : قلت لعامر الشعبي : الرجل يرسل كلبه فيأكل منه ، أنأكل منه ؟ قال: لا، لم يتعلم الذي علمته.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد، عن ابن عمر قال : إذا أكل الكلب من صيده فاضربه ، فإنه ليس بمعلم.
حدثنا سوار بن عبد الله قال ، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج ، عن ابن طاووس ، عن أبيه قال : إذا أكل الكلب فهو ميتة، فلا تأكله.
حدثنا الحسن بن عرفة قال ، حدثنا هشيم ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، وسيار، عن الشعبي ، ومغيرة، عن إبراهيم ، أنهم قالوا في الكلب إذا أكل من صيده : فلا تأكل ، فإنما أمسك على نفسه.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، قال عطاء: إن وجدت الكلب قد أكل من الصيد، فما وجدته ميتاً فدعه ، فإنه مما لم يمسك عليك صيداً. إنما هو سبع أمسك على نفسه ولم يمسك عليك ، وإن كان قد علم.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، بنحوه.
وقال آخرون نحو هذه المقالة، غير أنهم حدوا لمعرفة الكلاب بأن كلبه قد قبل التعليم وصار من الجوارح الحلال صيدها: أن يفعل ذلك كلبه مرات ثلاثاً. وهذا قول محكي عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن.
وقال آخرون ممن قال هذه المقالة: لا حد لعلم الكلاب بذلك من كلبه ، أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعليم. قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلماً حلالاً صيده. وهذا قول بعض المتأخرين.
وفرق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطيور الجارحة وتعليم الكلب وضاري السباع الجارحة، فقال : جائز أكل ما أكل منه البازي من الصيد . قالوا : وإنما تعليم البازي أن يطير إذا استشلي ، ويجيب إذا دعي ، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه . قالوا : وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصيد.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة، عن إبراهيم وحجاج ، عن عطاء قال : لا بأس بصيد البازي وإن أكل منه.
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا أسباط قال ، حدثنا أبو إسحق الشيباني ، عن حماد، عن إبراهيم ، عن ابن عباس أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل ، فكل. فإن الكلب إذا ضربته لم يعد. لأن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه ، وليس يضرب إذا أكل من الصيد ونتف من الريش.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا أبو حمزة، عن جابر، عن الشعبي قال : ليس البازي والصقر كالكلب ، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا، فدعوتهما فأتياك ، فكل منه.
حدثنا هناد قال ، حدثنا أبوزيد، عن مطرف ، عن حماد، قال إبراهيم : كل صيد البازي بأن أكل منه.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حماد، عن إبراهيم ، وجابر، عن الشعبي ، قالا: كل من صيد البازي وإن أكل.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم : إذا أكل البازي والصقر من الصيد، فكل ، فإنه لا يعلم.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن حماد، عن إبراهيم فال : لا بأس بما أكل منه البازي.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن حماد: أنه قال في البازي إذا أكل منه ، قال:كل.
وقال آخرون منهم : سواء تعليم الطير والبهائم والسباع ، لا يكون نوع من ذلك معلماً إلا بما يكون به سائر الأنواع معلماً. وقالوا: لا يحل أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه ، كائنة ما كانت تلك الجارحة، بهيمة، أو طائراً . قالوا : لأن من شروط تعليمها الذي يحل به صيدها : أن تمسك ما صادت على صاحبها، فلا تأكل منه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد وأبو كريب قالا، حدثنا بن أبي زائدة قال ، حدثنا محمد بن سالم ، عن عامر فال : قال علي : إذا أكل البازي من صيده فلا تأكل.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن جعفر، عن شعبة، عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال : إذا أكل البازي منه فلا تأكل.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير قال : إذا أكل البازي فلا تأكل.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن عمر بن الوليد الشني قال : سمعت عكرمة قال : إذا أكل البازي فلا تأكل.
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، أخبرنا ابن جيريج قال ، قال عطاء: الكلب والبازي كله واحد، لا تأكل ما أكل منه من الصيد، إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه. قال قلت لعطاء: البازي ينتف الريش ؟ قال : فما أدركته ولم يأكل فكل. قال ذلك غير مرة.
وقال آخرون : تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد. قالوا : وتعليمه الذي يحل به صيده : أن يشلى على الصيد فيستشلي ويأخذ الصيد، ويدعوه صاحبه فيجيب ، ولا يفر منه إذا أخذه. قالوا: فإذا فعل الجارح ذلك كان معلماً داخلاً في المعنى الذي قال الله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم". قالوا: وليس من شرط تعليم ذلك من لا يأكل من الصيد. قالوا : وكيف يجوز من يكون ذلك من شرطه ، وهو يؤدب بأكله ؟ ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن أبي الشوارب قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد - أو سعد- عن سلمان قال : إذا أرسلت كلبك على صيد، وذكرت اسم الله ، فأكل ثلثيه وبقي ثلثه، فكل ما بقي.
حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا حميدقال ، حدثني القاسم بن ربيعة، عمن حدثه ، عن سلمان - وبكر بن عبد الله ، عمن حدثه ، عن سلمان -: من الكلب يأخذ الصيد فيأكل منه ، قال : كل ، وإن أكل ثلثيه ، إذا أرسلته وذكرت اسم الله ، وكان معلماً.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة قال ، سمعت قتادة يحدث ، عن سعيد بن المسيب قال ، قال سلمان : كل ، وإن أكل ثلثيه ، يعني : الصيد إذا أكل منه الكلب.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن شعبة، عن قتادة، عنسعيد بن المسيب ، عن سلمان ، نحوه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي وعبد العزيز بن عبد الصمد، عن شعبة- ح وحدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة - جميعاً، عن سعيد، عن قتادة : عن سعيد بن المسيب قال ، قال سلمان : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله ، فأكل ثلثيه وبقي ثلثه ، فكل.
حدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، عن سلمان ، نحوه.
حدثنا مجاهد بن موسى قال ، حدثنا يزيد، عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم : أن سلمان قال : إذا أكل الكلب فكل ، لأن أكل ثلثيه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية، عن داود بن أبي الفرات ، عن محمد بي زيد، عن سعيد بن المسيب قال : قال سلمان : إذا أرسلت كلبك المعلم أو بازك ، فسميت فأكل نصفه أو ثلثيه ،فكل بقيته.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه ، عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي : أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب ، فقال : كل ، وإن لم يبق منه إلا حذية-يعني : بضعة. حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثني عبد الصمد قال ، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد قال : سمعت بكير بن الأشج يحدث ، عن سعد قال : كل ، لان أكل ثلثيه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا سعيد بن الربيع قال ، حدثنا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد فال : سمعت بكير بن الأشج ، عن سعيد بن المسيب -قال شعبة: قلت : سمعته من سعيد؟ قال : لا- قال : كل وإن أكل ثلثيه ، قال : ثم إن شعبة قال في حديثه : عن سعد، قال كل ، وإن أكل نصفه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثني عبد الأعلى قال ، حدثنا داود، عن عامر، عن أبي هريرة قال : إذا أرسلت كلبك فأكل منه ، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه ، فكل. حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا يزيد بن هارون قال ، أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبي ، عن أبي هريرة، بنحوه.
حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي ، عن أبي هريرة، نحوه.
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثني سالم بن نوح العطار، عن عمر- يعني : ابن عامر- عن قتادة، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان قال : إذا أرسلت كلبك المعتم فأخذ فقتل ، فكل ، وإن أكل ثلثيه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر قال ، سمعت عبيد الله -ح وحدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة، عن عبيد الله بن عمر- عن نافع ، عن عبد الله بن عمر قال : إذا أرسلت كلبك المعتم وذكرت اسم الله ، فكل ما أمسك عليك ، أكل أو لم يأكل.
حدثنا ابن المثنى، قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر،بنحوه.
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني ابن أبي ذئب : أن نافعاً حدثهم : أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأكل الصيد بأساً، إذا قتله الكلب أكل منه.
حدثني يونس به مرة أخرى فقال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثني عبيد الله بن عمرو، وابن أبي ذئب ، وغير واحد: أن نافعاً حدثهم ، عن عبد الله بن عمر، فذكر نحوه.
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا محمد بن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر: أنه كان لا يرى بأساً بما أكل الذئب الضاري.
حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن حميد بن عبد الله ، عن سعد قال : قلت لنا: كلاب ضوار يأكلن ويبقين ؟ قال : كل ، وإن لم يبق إلا بضعة.
حدثنا هناد قال ، حدثنا قبيصة، عن سفيان ، عن ابن أبي ذئب ، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ، عن حميد قال : سألت سعداً، فذكر نحوه.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا في تأويل قوله: "تعلمونهن مما علمكم الله": أن التعليم الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح ، إنما هو أن يعلم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أشلي على الصيد، وطلبه إياه إذا أغري ، أو إمساكه عليه ، إذا أخذه من غير أن يأكل منه شيئاً، وأن لا يفر منه إذا أراده ، وأن يجيبه إذا دعاه. فذلك ، هو تعليم جميع الجوارح ، طيرها وبهائمها. فإن أكل من الصيد جارحة صائد، فجارحته حينئذ غير معلم. فإن أدرك صيده صاحبه حياً فذكاه ، حل له أكله. وإن أدركه ميتاً، لم يحل له أكله ، لأنه مما أكله السبع الذي حرمه الله تعالى بقوله: "وما أكل السبع"، ولم يدرك ذكاته.
وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواني ،، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما:
حدثنا به ابن حميد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال : إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه ، فإن أدركته وقد قتل وأكل منه فلا تأكل منه شيئاً، فإنما أمسك على نفسه.
حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفاعي قالا، حدثنا محمد بن فضيل ، عن بيان بن بشر، عن عامر، عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إنا قوم نتصيد بهذه الكلاب ؟ فقال : إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها، فكل ما أمسكن عليك وإن قتلن ، إلا أن يأكل الكلب ، فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما حبسه على نفسه.
فإن قال قائل : فما أنت قائل فيما حدثك به:
عمران بن بكار الكلاعي قال ، حدثنا عبد العزيز بن موسى قال ، حدثنا محمد بن دينار، عن أبي إياس ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان الفارسي ، "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه ، فليأكل ما بقي".
قيل : هذا خبر في إسناده نظر، فإن سعيداً غير معلوم له سماع من سلمان ، والثقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان ، ويروونه عنه من قبله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة، فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم ، كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم.
قال أبو جعفر: وإذا كان الأمر في الكلب على ما ذكرت : من أنه إذا أكل من الصيد فغير معلم ، فكذلك حكم كل جارحة : في أن ما أكل منها من الصيد فغير معلم ، لا يحل له أكل صيده إلا أن يدرك ذكاته.
قال أبو جعفر: يعني بقوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، فكلوا، أيها الناس ، مما أمسكت عليكم جوارحكم.
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم : ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله ، حلال أكل كل ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلمة من الصيد الحلال أكله ، أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه ، أدركت ذكاته فذكي أو لم تدرك ذكاته حتى قتلته الجوارح بجرحها إياه أو بغير جرح.
وهذا قول الذين قالوا : تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها أن تعلم الاستشلاء على الصيد، وطلبه إذا أشليت عليه ، وأخذه ، وترك الهرب من صاحبها، دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفاً.
وقال آخرون : بل ذلك على الخصوص دون العموم . قالوا: ومعناه : فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه. قالوا فإن أكلت الجوارح منه بعضاً وأمسكت بعضاً، فالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه ، لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه ، على أنفسها لا علينا، والله تعالى ذكره إنما أباح لنا أكل ما أمسكته جوارحنا المعلمة علينا بقوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، دون ما أمسكته على أنفسها. وهذا قول من قال : تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها: أن تستشلي للصيد إذا أشليت ، فتطلبه وتأخذه ، فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئاً، ولا تفر من صاحبها. وقد ذكرنا ممن قال ذلك فيما مضى منهم جماعة كثيرة، ونذكر منهم جماعة أخر في هذا الموضع.
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، يقول : كلوا مما قتلن. قال علي وكان ابن عباس يقول : إن قتل وأكل فلا تأكل ، وإن أمسك فأدركته حياً فذكه. حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن أكل المعلم من الكلاب من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته ، فلا يأكل من صيده.
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولم يأكل منه ، فهو حل. فإن أكل منه ، فيقال : إنما أمسك على نفسه ، فلا تأكل منه شيئاً، إنه ليس بمعلم.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "يسألونك ماذا أحل لهم" إلى قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه"، قال : إذا أرسلت كلبك المعلم أو طيرك أو سهمك ، فذكرت اسم الله ، فأخذ أو قتل ، فكل.
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول : إذا أرسلت كلبك المعلم فذكرت اسم الله حين ترسله ، فأمسك أو قتل ، فهو حلال. فإذا أكل منه فلا تأكل ، فإنما أمسكه على نفسه.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم ، عن الشعبي ، عن عدي قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، قال : قلت يا رسول الله ، إن أرضي أرض صيد؟ قال : إذا أرسلت كلبك وسميت ، فكل مما أمسك عليك كلبك وإن قتل. فإن أكل فلا تأكل ، فإنه إنما أمسك على نفسه.
وقد بينا أولى القولين في ذلك بالصواب قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره.
فإن قال قائل : وما وجه دخول (من )، في قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، وقد أحل الله لنا صيد جوارحنا الحلال ، و (من ) إنما تدخل في الكلام مبعضة لما دخلت فيه؟
قيل: قد اختلف في معنى دخولها في هذا الموضع أهل العربية.
فقال بعض نحويي البصرة : دخلت (من ) في هذا الموضع لغير معنى، كما تدخله العرب في قولهم : (كان من مطر) و (كان من حديث). قال : ومن ذلك قوله : "ويكفر عنكم من سيئاتكم" [البقرة : 271]، وقوله : "وينزل من السماء من جبال فيها من برد" ا[لنور: 43]، قال : وهو فيما فسر: وينزل من السماء جبالاً فيها برد. قال : وقال بعضهم : "وينزل من السماء من جبال فيها من برد" [النور: 43]، أي : من السماء من برد، بجعل (الجبال من برد) في السماء، وبجعل الإنزال منها.
وكان غيره من أهل العربية ينكر ذلك ويقول : لم تدخل (من ) إلا لمعنى مفهوم ، لا يجوز الكلام ولا يصلح إلا به. وذلك أنها دالة على التبعيض . وكان يقول : معنى قولهم (قد كان من مطر) و (كان من حديث )، هل كان من مطر مطر عندكم ؟ وهل من حديث حدث عندكم ؟ ويقول : معنى : "ويكفر عنكم من سيئا" [البقرة : 271]، أي : ويكفر عنكم من سيئاتكم ما يشاء ويريد، وفي قوله : "وينزل من السماء من جبال فيها من برد" [النور: 43]، فيجيز حذف (من ) من (من برد)، ولا يجيز حذفها من (الجبال )، ويتأول معنى ذلك : وينزل من السماء أمثال جبال برد، ثم أدخلت (من ) في (البرد)، لأن (البرد) مفسر عنده من (الأمثال ) ، أعني : (أمثال الجبال ) ، وقد أقيمت (الجبال ) مقام (الأمثال ) و (الجبال ) وهي (جبال برد) فلا يجيز حذف (من ) من (الجبال )، لأنها دالة على أن الذي في السماء الذي أنزل منه البرد، أمثال جبال برد. وأجاز حذف (من ) من (البرد) ، لأن (البرد) مفسر عن (الأمثال ) ، كما تقول : (عندي رطلان زيتاً) و (عندي رطلان من زيت ) ، وليس عندك (الرطل ) ، وإنما عندك المقدار. ف (من ) تدخل في المفسر وتخرج منه . وكذلك عند قائل هذا القول : من السماء، من أمثال جبال ، وليس بجبال. وقال : وإن كان : (أنزل من جبال في السماء من برد جبالا)، ثم حذف (الجبال ) الثانية، و (الجبال ) الأول في السماء، جاز. تقول : (أكلت من الطعام )، تريد : أكلت من الطعام طعاماً، ثم تحذف (الطعام ) ولا تسقط (من ).
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك : أن (من ) لا تدخل في الكلام إلا لمعنى مفهوم ، وقد يجوز حذفها في بعض الكلام وبالكلام إليها حاجة، لدلالة ما يظهر من الكلام عليها. فأما أن تكون في الكلام لغير معنى أفادته بدخولها، فذلك قد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون فيما صح من الكلام . ومعنى دخولها في قوله : "فكلوا مما أمسكن عليكم"، للتبعيض ، إذ كانت الجوارح تمسك على أصحابها ما أحل الله لهم لحومه ، وحرم عليهم فرثه ودمه ، فقال جل ثناؤه : "فكلوا"-مما أمسكت عليكم جوارحكم - الطيبات التي أحللت لكم من لحومها، دون ما حرمت عليكم من خبائثه من الفرث والدم وما أشبه ذلك ، مما لم أطيبه لكم. فذلك معنى دخول (من ) في ذلك.
وأما قوله : "ويكفر عنكم من سيئاتكم" [البقرة: 271]، فقد بينا وجه دخولها فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
وأما دخولها في قوله : "وينزل من السماء من جبال" [النور: 43]، فسنبينه إذا أتينا عليه إن شاء الله.
قال أبو جعفر يعني جل ثناؤه بقوله : "واذكروا اسم الله عليه"، على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد، كما:
حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "واذكروا اسم الله عليه"، يقول : إذا أرسلت جوارحك فقل : (بسم الله )، وإن نسيت فلا حرج.
حدثنا محمد قال ، حدثنا أحمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "واذكروا اسم الله عليه"، قال : إذا أرسلته فسم عليه حين ترسله على الصيد.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه : واتقوا الله ، أيها الناس ، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه ، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلمة، أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها، أو تطعموا ما لم يسم الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوحد الله من خلقه ، أو ذبحوه ، فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه.
ثم خوفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره . فقال : اعلموا أن الله سريع حسابه لمن حاسبه على نعمه عليه منكم ، وشكر الشاكر منكم ربه على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى، لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم ، فيحيط به ، لا يخفى عليه منه شيء ، فيجازي المطيع منكم بطاعته ، والعاصي بمعصيته، وقد بين لكم جزاء الفريقين.
فيه ثماني عشرة مسألة :
الأولى- قوله تعالى "يسألونك " الآية نزلت بسبب عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، قالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد الكلاب والبزاة، وإن الكلاب تأخذ البقر والحمر والظباء فمنه ما ندرك ذكاته، ومنه ما تقتله فلا ندرك ذكاته، وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا ؟ فنزلت الآية .
الثانية -قوله تعالى :" ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " ما في موضع رفع بالابتداء والخبر أحل لهم و ذا زائدة وإن شئت كانت بمعنى الذي ويكون الخبر قل أحل لكمم الطيبات وهو الحلال وكل حرام فليس بطيب وقيل: ما التذه آكله وشاربه ولم يكن عليه فيه ضرر في الدنيا ولا في الآخرة، وقيل: الطيبات الذبائح، لأنها طابت بالتذكية .
الثالثة- قوله تعالى :" وما علمتم " أي وصيد ما علمتم،ففي الكلام إضمار لا بد منه ولولاه لكان المعنى يقتضي أن يكون الحل المسؤول عنه متناولاً للمعلم من الجوارح المكلبين، وذلك ليس مذهباً لأحمد: فإن الذي يبيح لحم الطلب فلا يخصص الإباحة بالمعلم ، وسيأتي ما للعلماء في أكل الكلب في الأنعام إن شاء الله تعالى وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تتناول ما علمناه من الجوارح، وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير، وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل، وهو الأكل من الجارح أي الكواسب من الكلاب وسباع الطير، وكان لعدي كلاب خمسة قد سماها بأسماء أعلام، وكان أسماء أكلبه سلهب وغلاب والمختلس والمتناعس، وقال السهيلي ، وخامس أشك قال فيه أخطب، أو قال فيه وثاب .
الرابعة- أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فينشلي إذا أشلي ويجيب إذا دعي، وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر، وأن يكون لا يأكل من صيده الذي صاده، وأثر فيه بجرح أو تنييب، وصاد به مسلم وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يؤكل لا خلاف، فإم انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبه وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صد بعد التعليم فهو جارح كاسب، يقال:جرح فلان واجترح إذا اكتسب، ومنه الجارحة لأنها يكتسب بها، ومنها اجتراح السيئات. وقال الأعشى :
ذا جبار منضجا ميسمه يذكر الجارح ما كان اجترح
وفي التنزيل " ويعلم ما جرحتم بالنهار " [ الأنعام : 60] وقال :" أم حسب الذين اجترحوا السيئات "[الجاثية:21].
الخامسة - قوله تعالى :" مكلبين " معنى مكبين أصحاب الكلاب وهو كالمؤدب صاحب التأديب. وقيل: معناه مضرين على الصيد كما تضرى الكلاب قال الرماني: وكلا القولين محتمل ، وليس في مكلبين دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة لأنه بمنزلة قوله : مؤمنين وإن كان قد تسمك به قصر الإباحة على الكلاب خاصة روي عن ابن عمر فيما حكي ابن المنذر عنه قال : وأما ما يصاد به من البزاة غيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو لك حلال، وإلا فلا تطعمه، قال ابن المنذر: وسئل أبو جعفر عن البازي يحل صيده؟ قال : لا إلا أن تدرك ذكاته وقال الضحاك والسدي: " وما علمتم من الجوارح مكلبين " هي الكلاب خاصة فإن كان الكلب أسود بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي، وقال أحمد: ما أعرف أحداً رخص فيه إذا كان بهيماً وبه قال إسحاق بن راهويه، فأما عوام أهل العلم بالمدنية والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم أما من منع صيد الكب الأسود "فلقوله صلى الله عليه وسلم :
الكلب الأسود شيطان " أخرجه مسلم ، احتج الجمهور بعموم الآية واحتجوا أيضاً في جواز صيد البازي بما ذكر من سبب النزول وبما خرجه الترمذي عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عله وسلم عن صدي البازي فقال ك
ما أمسك عليك فكل ، في إسناده مجالد ولا يعرف إلا من جهته وهو ضعيف وبالمعنى وهو أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثلاً فلا فارق إلا فيما لا مدخل لا في التأثير، وهذا هو القياس في معنى الأصل، كقياس السيف على المدية والأمة على العبد، وقد تقدم .
السادسة- وإذا تقرر هذا فاعلم أنه لا بد للصائد أن يقصد عند الإرسال التذكية والإباحة، وهذا لا يختلف فيه "لقوله عليه السلام :
إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل " وهذا يقتضي النية والتسمية فلو قصد مع ذلك اللهو فكرهه مالك وأجازه ابن عبد الحكم، وهو ظاهر قول الليث: ما رأيت حقاً أشبه بباطل منه، يعني الصيد فأما لو فعله بغير نية التذكية فهو حرام لأنه من باب الفساد وإتلاف حيوان لغير منفعة، وقد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة" وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية لا بد منها بالقول عند الإرسال، لقوله: "وذكرت اسم الله " فلو لم توجد على أي وجه كان لم يؤكل الصيد وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث وذهبت جماعة من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك التسمية عمداً، وحملوا الأمر بالتسمية على الندب، وذهب مالك في المشهور إلى الفرق بين ترك التسمية عمداً أو سهواً فقال : لا تؤكل مع العمد وتؤكل مع السهو وهو قول فقهاء الأمصار، وأحد قولي الشافعي وستأتي هذه المسألة في الأنعام إن شاء الله تعالى ، ثم لا بد أن يكون انبعاث الكلب بإرسال من يد الصائب بحيث يكون زمامه بيده فيخلي عنه ويغريه عليه فينبعث أو يكون الجارح ساكناً مع رؤيته الصيد فلا يتحرك له إلا بالإغراء من الصائد فهذا بمنزلة ما زمامه بيده فأطلقه مغرياً له على أحد القولين فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال ولا إغراء فلا يجوز صيده ولا يحل أكله عند الجمهور ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، لأنه إنما صاد لنفسه من غير إرسال وأمسك عليها، ولا صنع للصائد فيه فلا ينسب إرساله إليه، لأنه لا يصدق عليه السلام: "إذا أرسلت كلبك المعلم " وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي: يؤكل صيده إذا كان أخرج للصيد .
السابعة -قرأ الجمهور علمتم بفتح العين وللام وابن عباس ومحمد بن الحنفية بضم العين وكسر اللام، أي من أمر الجوارح والصيد بها والجوارح الكواسب، وسميت أعضاء الإنسان جوارح لأنها تكسب وتتصرف وقيل: سميت جوارح لأنها تجرح وتسيل الدم فهو مأخوذ من الجراح، وهذا ضعيف وأهل اللغة على خلافه، وحكاه ابن المنذر عن قوم ومكلبين قراءة الجمهور بفتح الكاف وشد اللام، والمكلب معلم الكلاب ومضريها ويقال لمن يعلم غير الكلب: مكلب، لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب، حكاه بعضهم ويقال للصائد: مكلب فعلى هذا معناه صائدين، وقيل: المكلب صاحب الكلاب يقال: كلب فهو مكلب وكلاب وقرأ الحسن مكلبين بسكون الكاف وتخفيف اللام ومعناه أصحاب كلاب يقال : أمشي الرجل كثرت ماشيته أكلب كثرت كلابه وأنشد الأصمعي:
وكل فتى وإن أمشى فأثرى ستخلجه عن الدنيا منون
الثامنة -قوله تعالى :" تعلمونهن مما علمكم الله " أنت الضمير مراعاة للفظ الجوارح إذ هو جمع جارحة لا خلاف بين العلماء في شرطين في التعليم وهما : أن يأتمر إذا أمر وزجر إذا زجر، لا خلاف في هذين الشرطين في الكلاب وما في معناها من سباع الوحوش واختلف فيما يصاد به من الطير، فالمشهور أن ذلك مشترط فيها عند الجمهور وذكر ابن حبيب أنه لا يشترط فيها أن تنزجر إذا زجرت، فإنه لا يتأتى ذلك فيها غالباً فيكفي أنها أمرت أطاعت وقال ربيعة: ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري: لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي وقد شرط الشافعي وجمهور من العلماء في التعليم أن يمسك على صاحبه، ولم يشترطه مالك في المشهور عنه وقال الشافعي: المعلم هو الذي إذا أشلاه اصحبه أنشلى وإذا دعاه إلى الرجوع رجع إليه، ويمسك الصيد على صاحبه ولا يأكل منه فإذا فعل هذا مراراً وقال أهل العرف: صار معلماً فهو المعلم وعن الشافعي أيضاً والكوفيين: أشلي فانشلى وإذا أخذ حبس وفعل ذلك مرة بعد مرة أكل صيده في الثالثة ومن العلماء من قال : يفعل ذلك ثلاث مرات ويؤكل صديه في الرابعة. ومنهم من قال: إذا فعل ذلك مرة فهو معلم ويؤكل صيده في الثانية .
التاسعة- قوله تعالى :" فكلوا مما أمسكن عليكم" أي حبسن لكم واختلف العلماء في تأويله قال ابن عباس وأبو هريرة والنخعي وقتادة وابن جبير وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان وأصحابه: المعنى ولم يأكل فإن أكل لم يؤكل ما بقي، لأنه أمسك على نفسه ولم يمسك على ربه والفهد عند أبي حنيفة وأصحابه كالكلب ولم يشترطوا ذلك في الطيور بل يؤكل ما أكلت منه، وقال سعيد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وسلمان الفارسي وأبو هريرة أيضاً: المعنى وإن أكل فإذا أكل الجارح كلباً كان أو فهداً أو طيراً أكل ما بقي من الصيد وأن لم يبق إلا بضعة، وهذا قول مالك وجميع أصحابه وهو القول الثاني للشافعي: وهو القياس، وفي الباب حديثا بمعنى ما ذكرنا أحدهما- حديث عدي في الكلب المعلم :
" وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه " أخرجه مسلم الثاني - حديث أبي ثعلبة الخشني قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب :
إذا أرسلت كلبك وذكرا اسم الله عليك فكل وأن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك"أخرجه أبو داود وروي عن عدي ولا يصح والصحيح عنه حديث مسلم ولما تعارضت الروايتان رام بعض أصحابنا وغيرهم الجمع بينهما فحملوا حديث النهي على التنزيه والورع، وحديث الإباحة على الجواز وقالوا: إن عدياً كان موسعاً عليه فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بالكف ورعاً وأبا ثعلبة كان محتاجً فأفتاه بالجواز، والله أعلم وقد دل على صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عدي: "فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسك " هذا تأويل علمائنا، وقال أبو عمري كتاب الاستذكار : قد عارض حدث عدي هذا حديث أبي ثعلبه والظاهر أن حديث أبي ثعلبه ناسخ له،فقوله وإن أكل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "وإن أكل"
قلت: هذا فيه نظر لأن التاريخ مجهول والجمع بين الحديثين أولى ما لم يعلم التاريخ والله أعلم وأما أصحاب الشافعي، فقالوا: إن كان الأكل عن فرط جوع من الكب أكل وإلا لم يؤكل، فإن ذلك من سوء تعليمه ، وقد ري عن قوم من السلف التفرقة بين ما أكل منه الكلب والفهد فمنعوه، وبين ما أكل منه البازي فأجازوه قاله النخعي والثوري وأصحاب الرأي وحماد بن أبي سليمان وحكى عن ابن عباس وقالوا: الكلب والفهد يمكن ضربه وزجره والطير لا يمكن ذلك فيه، وحد تعليمه أن يدعى فيجب وأن يشلى فينشلي لا يمكن فيه أكثر من ذلك والضرب يؤذيه .
العاشرة -والجمهور من العلماء على أن الجارح إذا شرب من دم الصيد أن الصيد يؤكل قال عطاء: ليس شرب الدم بأكل، وكره أكل ذلك الصيد الشعبي وسفيان الثوري ولا خلاف بينهم أن سبب إباحة الصيد الذي هو عقر الجارح له لا بد أن يكون متحققاً غير مشكوك فيه، مع الشك لا يجوز الأكل، وهي :
الحادية عشرة- فإن وجد الصائد مع كلبه كلباً آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر، وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بطبعه ونفسه، ولا يختلف في هذا "لقوله عليه الصلاة والسلام :
وإن خالطها كلاب من غير فلا تأكل "في رواية "فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" فأما لو أرسله صائد آخر فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فيه فلو أنفذ أحد الكلبين، مقاتله ثم جاء الآخر فهو للذي أنفذ مقاتله، وكذلك لا يؤكل ما رمي بسهم فتردى من جبل أو غرق في ماء "لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي:
وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل وإن وجد غريقاً في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك" وهذا نص .
الثانية عشرة - لو مات الصيد في أفواه الكلاب من غير بضع لم يكل لأنه مات خنقاً فأشبه أن يذبح بسكين كالة فيموت في الذبح قبل أن يفرى حلقه ولو أمكنه أخذه من الجوارح وذبحه فلم يفعل حتى مات لم يؤكل وكان مقصراً في الذكاة لأنه قد صار مقدوراً على ذبح وذكاة المقدور عليه تخالف ذكاة غير المقدور عليه ولو أخذه ثم مات قبل أن يخرج السكين أو تناولها وهي معه جاز أكله ولو لم تكن السكين معه فتشاغل بطلبها لم تؤكل وقال الشافعي: فيما نالته الجوارح ولم تدمه قولان أحدهما- ألا يؤكل حتى يجرح لقوله تعالى : " من الجوارح " وهو قول ابن القاسم، والآخر أنه حل وهو قول أشهب: إن مات من صمه الكلب أكل .
الثالثة عشرة-قوله : "فإن غاب عنك يوماً فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل " ونحوه في حديث أبي ثعلبه الذي خرجه أبو داود:، غير أنه زاد "فكله بعد ثلاث ما لم ينتن " يعارضه "قوله عليه السلام :
كل ما أصميت ودع ما أنميت " فالإصماء ما قتل مسرعاً وأنت تراه والإنماء أن ترمي الصيد فيغيب عنك فيموت وأن لا تراه يقال: قد أنميت الرمية فنمت تنمى إذا غابت ثم ماتت قال امرؤ القيس :
فهو لا تنمى رميته ماله لا عد من نفره
وقد اختلف العلماء في أكل الصيد الغائب على ثلاثة أقوال: يؤكل وسواء قتله السهم أو الكلب الثاني- لا يؤكل شيء من ذلك إذا غاب ، لقوله :" كل ما أصميت ودع ما أنميت " وإنما لم يؤكل مخافة أن يكون قد أعان على قتله غير السهم من الهوام .الثالث- الفرق بين السهم فيؤكل وبين الكلب فلا يؤكل، ووجهه أن السهم يقتل على جهة واحدة فلا يشكل والجارح على جهات متعددة فيشكل، والثلاثة الأقوال،\لعلمائنا: وقال مالك في غير الموطأ: إذا بات الصيد ثم أصابه ميتاً لم نفذ البازي أو الكلب أو السهم مقاتله لم يأكله قال أبو عمر: فهذا يدلك على أنه إذا بلغ مقاتله كان حلالاً عنده أكله وإن بات، إلا أن يكرهه إذا بات لما جاء عن ابن عباس:" وإن غاب عنك ليلة فلا تأكل " ونحوه عن الثوري قال: إذا غاب عنك يوماً كرهت أكله وقال الشافعي: القياس ألا يأكله إذا غاب عنه مصرعه وقال الأوزاعي: إن وجده من الغد ميتاً ووجد فيه سهمه أو أثراً من كلبه فليأكله ونحوه قال أشهب وعبد الملك وأصبغ قالوا: جائز أكل الصيد وإن بات إذا نفذت مقاتله، وقوله في الحديث: ما لم ينتن تعليل لأنه إذا أنتن لحق بالمستقذرات التي تمجها الطباع فيكره أكلها لجاز، كما :
" أكل النبي صلى الله عليه وسلم الإهالة السنخة وهي المنتنة" وقيل: هو معلل بما يخاف منه الضرر على آكله، وعلى هذا التعليل يكون أكله محرما إن كان الخوف محققاً والله أعلم .
الرابعة عشرة- واختلف العلماء من هذا الباب في الصيد بكلب اليهودي والنصراني إذا كان معلما فكرهه الحسن البصري، وأما كلب المجوسي وبازه وصقره فكره الصيد بها جابر بن عبد الله والحسن وعطاء ومجاهد والنخعي والثوري وإسحاق وأجاز الصيد بكلابهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إذا كان الصائد مسلماً قالوا: وذلك مثل شفرته وأما إن كان الصائد من أهل الكتاب فجمهور الأمة على جواز صديه غير مالك وفرق بين ذلك وبين ذبيحته وتلا " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " [ المائدة : 94] قال : فلم يذكر الله في هذا اليهود والنصارى وقال ابن وهب وأشهب : صيد اليهودي والنصراني حلال كذبيحته، وفي كتاب محمد : لا يجوز صيد الصابئ ولا ذبحه وهم قوم بين اليهود والنصارى ولا دين لهم وأما إن كان الصائد مجوسياً فمنع من أكله مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وجمهور الناس وقال أبو ثور فيها قولان: أحدهما كقول هؤلاء والآخر- أن المجوس من أهل الكتاب وأن صيدهم جائز ولو اصطاد السكران أو ذبح لم يؤكل صيده ولا ذبيحته لأن الذكاة تحتاج إلى قصد والسكران لا قصد له .
الخامسة عشرة-واختلف النحاة في من في قوله تعالى : " مما أمسكن عليكم " فقال الأخفش: هي زائدة كقوله " كلوا من ثمره " [الأنعام: 141] وخطأه البصريون وقالوا: من لا تزاد في الإثبات وإنما تزاد في النفي والاستفهام وقوله : " من ثمره " [ و] "ويكفر عنكم من سيئاتكم " [البقرة:271] و" يغفر لكم من ذنوبكم " [ الأحقاف:31] للتبعيض أجاب فقال : قد قال : " يغفر لكم من ذنوبكم " [ الأحزاب: 71] بإسقاط من فدل على زيادتها في الإيجاب أجيب بأن من ههنا للتبعيض لأنه إنما يحل من الصيد اللحم دون الفرث والدم .
قلت: هذا ليس بمراد ولا معهود في الأكل فيعكر على ما قال : ويحتمل أن يريد ما أمسكن أي مما أبقته الجوارح لكم وهذا على قول من قال : لو أكل الكلب الفريسة لم يضر وبسبب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل الجارح منه على ما تقدم .
السادسة عشرة- ودلت الآية على جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد، وثبت ذلك في صحيح السنة وزادت الحرث والماشية، وقد كان الأول الإسلام أمر بقتل الكلاب حتى كان يقتل الكلب المرية من البادية يتبعها روى مسلم "عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان " وروي أيضاً "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط:" قال الزهري: وذكر لابن عمر قول أبي هريرة فقال : يرحم الله أبا هريرة كان صاحب زرع فقد دلت السنة على ما ذكرنا، وجعل النقص من أجر من اقتناها على غير ذلك من المنفعة، إما لترويع الكلب المسلمين وتشويشه عليهم بنباحه - كما قال بعض شعراء البصرة وقد نزل بعمار فسمع لكلابه نباحاً فأنشأ يقول :
نزلنا بعمار فأشلى كلابه علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل
فقلت لأصحابي أسر إليهم أذا اليوم أم يوم القيمة أطول
أو لمنع دخول الملائكة البيت أو لنجاسته على ما يراه الشافعي، أو لاقتحام النهي عن اتخاذ ما لا منفعة فيه والله أعلم. وقال في إحدى الروايتين : قيراطان وفي الأخرى قيراط وذلك يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر كالأسود الذي أمر عليه الصلاة والسلام بقتله، لم يدخله في الاستثناء حين نهى عن قتلها فقال :
"عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان " أخرجه مسلم، ويحتمل أن يكون ذلك لاختلاف المواضع، فيكون ممسكه بالمدينة مثلاً أو بمكة ينقص قيراطان وبغيرهما قيراط، والله أعلم وأما المباح اتخاذه فلا ينقص أجر متخذه كالفرس والهر ويجوز بيعه وشراؤه، حتى قال سحنون : ويحج بثمنه ، وكلب الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو الذي يسرح معها لا الذي يحفظها في الدار من السراق، وكلب الزرع هو الذي يحفظه من الوحوش بالليل والنهار لا من السراق، وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسراق الماشية والزرع والدار في البادية .
السابعة عشرة- وفي هذه الآية دليل على أن العالم له من الفضيلة ما ليس للجاهل لأن الكلب إذا علم يكون له فضيلة على سائر الكلاب فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس، لا سيما إذا عمل بما علم، وهذا كما روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : لكل شيء قيمته وقيمة المرء ما يحسنه .
الثامنة عشرة-قوله تعالى _ " واذكروا اسم الله عليه " أمر باسمة قيل: عند الإرسال على الصيد وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد يأتي بيانه في الأنعام وقيل: المراد بالتسمية هنا التسمية عند الأكل وهو الأظهر، وفي صحيح مسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن أبي سلمة:
يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " وروي من حديث حديفة "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الشيطان ليستحل الطعام إلا يذكر اسم الله عليه " الحديث "فإن نسي التسمية أول الأكل فليسم آخره"، وروي النسائي "عن أميه بن مخشي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يأكل ولم يسم الله فلما كان في آخر لقمة قال :
بسم الله أوله وآخره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما زال الشيطان يأكل معه فلما سمى قاء ما أكله "
التاسعة عشرة- قوله تعالى :" واتقوا الله إن الله سريع الحساب" أمر بالتقوى على الجملة والإرشاد القريبة هي ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر. وسرعة الحساب هي من حيث كونه تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عدداً فلا يحتاج إلى محاولة عد ولا عقد كما يفعله الحساب، ولهذا قال " وكفى بنا حاسبين " [ الأنبياء : 47] فهو سبحانه يحاسب الخلائق دفعة واحدة ويحتمل أن يكون وعيداً بيوم القيامة كأنه قال: إن حساب الله لكم سريع إتيانه إذ يوم القيامة قريب ويحتمل أن يريد بالحساب المجازاة، فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتقوا الله .
لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها إما في بدنه أو في دينه أو فيهما، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال تعالى: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" قال بعدها "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات" كما في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي بكير، حدثني عبد الله بن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير، عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين، سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله قد حرم الله الميتة، فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات" قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم. وقال مقاتل: الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق، وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال: ليس هو من الطيبات، رواه ابن أبي حاتم، وقال ابن وهب: سئل مالك عن بيع الطير الذي يأكله الناس، فقال: ليس هو من الطيبات .
وقوله تعالى: "وما علمتم من الجوارح مكلبين" أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها، والطيبات من الرزق، وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح، وهي الكلاب والفهود والصقور وأشباهها، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة، وممن قال ذلك علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وما علمتم من الجوارح مكلبين" وهن الكلاب المعلمة، والبازي، وكل طير يعلم للصيد والجوارح، يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: وروي عن خيثمة وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبي كثير نحو ذلك، وروي عن الحسن أنه قال: الباز والصقر من الجوارح، وروي عن علي بن الحسين مثله، ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله، وقرأ قوله "وما علمتم من الجوارح مكلبين" قال: وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك، ونقله ابن جرير عن الضحاك والسدي، ثم قال: حدثنا هناد، حدثنا ابن أبي زائدة، أخبرنا ابن جريج عن نافع، عن ابن عمر، قال: أما ما صاد من الطير البازات وغيرها من الطير، فما أدركت فهو لك وإلا فلا تطعمه، قلت: والمحكي عن الجمهور إن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب لأنه تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب، فلا فرق، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم واختاره ابن جرير، واحتج في ذلك بما رواه عن هناد، حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال: "ما أمسك عليك فكل" واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود، لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود" فقلت: ما بال الكلب الأسود من الأحمر ؟ فقال: "الكلب الأسود شيطان" .
وفي الحديث الاخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ثم قال "ما بالهم وبال الكلاب، اقتلوا منها كل أسود بهيم" وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح من الجرح، وهو الكسب، كما تقول العرب: فلان جرح أهله خيراً، أي كسبهم خيراً، ويقولون: فلان لا جارح له أي لا كاسب له، وقال الله تعالى: "ويعلم ما جرحتم بالنهار" أي ما كسبتم من خير وشر، وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة، حدثنا زيد بن حباب، حدثني يونس بن عبيدة، حدثني أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، فقلت: فجاء الناس فقالوا: يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ فسكت، فأنزل الله "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين" الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل الرجل كلبه وسمى، فأمسك عليه، فليأكل ما لم يأكل" وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن الحباب بإسناده عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه، فأذن له، فقال: قد أذن لك يا رسول الله، قال: أجل "ولكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب" قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها، فتركته رحمة لها، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته, فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته، فجاؤوا فقالوا: يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأنزل الله عز وجل "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين".
ورواه الحاكم في مستدركه من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به، وقال: صحيح، ولم يخرجاه، وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا حجاج عن ابن جريج، عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب حتى بلغ العوالي، فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة، فقالوا: ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت الآية، ورواه الحاكم من طريق سماك عن عكرمة، وكذا قال محمد بن كعب القرظي في سبب نزول هذه الآية: أنه في قتل الكلاب .
وقوله تعالى: "مكلبين" يحتمل أن يكون حالاً من الفاعل ويحتمل أن يكون حالاً من المفعول، وهو الجوارح، أي وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد، وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو أظفارها، فيستدل بذلك والحالة هذه على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته لا بمخلابه وظفره، أنه لا يحل له، كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء، ولهذا قال "تعلمونهن مما علمكم الله" وهو أنه إذا أرسله استرسل، وإذا أشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه، ولهذا قال تعالى: "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" فمتى كان الجارح معلماً وأمسك على صاحبه، وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله، حل الصيد وإن قتله بالإجماع . وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله! فقال "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك". قلت: وإن قتلن ؟ قال "وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب ؟ فقال: إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فلا تأكله" وفي لفظ لهما "وإذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حياً، فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، فإن أخذ الكلب ذكاته" وفي رواية لهما "فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه" فهذا دليل للجمهور، وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقاً، ولم يستفصلوا كما ورد بذلك الحديث، وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا: لا يحرم مطلقاً .
ذكر الاثار بذلك
قال ابن جرير: حدثنا هناد، حدثنا وكيع عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، قال: قال سلمان الفارسي: كل وإن أكل ثلثيه ـ يعني الصيد ـ إذا أكل منه الكلب، وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة وعمر بن عامر عن قتادة، وكذا رواه محمد بن زيد عن سعيد بن المسيب عن سلمان، ورواه ابن جرير أيضاً عن مجاهد بن موسى، عن يزيد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله المزني، والقاسم بن سلمان قال: إذا أكل الكلب فكل، وإن أكل ثلثيه، وقال ابن جرير: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه، عن حميد بن مالك بن خيثم الدؤلي أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب، فقال: كل وإن لم يبق منه إلا حذية، يعني بضعة، ورواه شعبة عن عبد ربه بن سعيد، عن بكير بن الأشج، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: كل وإن أكل ثلثيه .
وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود عن عامر، عن أبي هريرة، قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكله . وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر قال: سمعت عبد الله، وحدثنا هناد، حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك، أكل أو لم يأكل، وكذا رواه عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد عن نافع، فهذه الآثار ثابتة عن سلمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وابن عمر، وهو محكي عن علي وابن عباس، واختلف فيه عن عطاء والحسن البصري، وهو قول الزهري وربيعة ومالك، وإليه ذهب الشافعي في القديم وأومأ إليه في الجديد .
وقد روي من طريق سلمان الفارسي مرفوعاً، فقال ابن جرير: حدثنا عمران بن بكار الكلاعي، حدثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني، حدثنا محمد بن دينار وهو الطاجي عن أبي إياس معاوية بن قرة، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان الفارسي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل ما بقي" ثم قال ابن جرير: وفي إسناد هذا الحديث نظر، وسعيد غير معلوم له سماع من سلمان، والثقات يروونه من كلام سلمان غير مرفوع، وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح، لكن قد روي هذا المعنى مرفوعاً من وجوه أخر، فقال أبو داود: حدثنا محمد بن منهال الضرير، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن أعرابياً يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله، إن لي كلاباً مكلبة، فأفتني في صيدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن كان لك كلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليك" فقال: ذكياً وغير ذكي، وإن أكل منه ؟ قال "نعم وإن أكل منه" فقال: يارسول الله أفتني في قوسي، قال "كل ما ردت عليك قوسك" قال: ذكياً وغير ذكي ؟ "وإن تغيب عنك ما لم يضل أو تجد فيه أثر غير سهمك" قال: أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها، قال "اغسلها وكل فيها" هكذا رواه أبو داود، وقد أخرجه النسائي، وكذا رواه أبو داود من طريق يونس بن سيف، عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه، وكل ما ردت عليك يدك" وهذان إسنادان جيدان، وقد روى الثوري عن سماك بن حرب، عن عدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان من كلب ضار أمسك عليك فكل" قلت: وإن أكل ؟ قال "نعم" . وروى عبد الملك بن حبيب: حدثنا أسد بن موسى عن ابن أبي زائدة، عن الشعبي، عن عدي بمثله، فهذه آثار دالة على أنه يغتفر، وإن أكل منه الكلب، وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه، كما تقدم عمن حكيناه عنهم، وقد توسط آخرون فقالوا: إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم، وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم "فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه" وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل منه لجوعه، فإنه لا يؤثر في التحريم وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني . وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح .
وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه "النهاية" أن لو فصل مفصل هذا التفصيل وقد حقق الله أمنيته، وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم . وقال آخرون قولاً رابعاً في المسألة وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عدي، وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل، وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن عباس أنه قال في الطير: إذا أرسلته فقتل فكل، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد وإن تعلم الطير أن يرجع إلى صاحبه وليس يضرب، فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل، وكذا قال إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان، وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم، حدثنا أبو سعيد، حدثنا المحاربي، حدثنا مجالد عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة، فما يحل لنا منها ؟ قال "يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ثم قال ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك" قلت: وإن قتل ؟ قال "وإن قتل مالم يأكل" قلت: يا رسول الله, وإن خالطت كلابنا كلاباً غيرها ؟ قال "فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك". قال: قلت: إنا قوم نرمي فما يحل لنا ؟ قال "ما ذكرت اسم الله عليه وخزقت فكل". فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب أن لا يأكل، ولم يشترط ذلك في البزاة، فدل على التفرقة بينهما في الحكم، والله أعلم .
وقوله تعالى: "فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه" أي عند إرساله له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله، فكل ما أمسك عليك" وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضاً "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله" ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة كالإمام أحمد رحمه الله في المشهور عنه، التسمية عند إرسال الكلب، والرمي بالسهم، لهذه الآية وهذا الحديث، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال كما قال السدي وغيره، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "واذكروا اسم الله عليه" يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: باسم الله، وإن نسيت فلا حرج، وقال بعض الناس: المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال "سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" . وفي صحيح البخاري عن عائشة أنهم قالوا: يا رسول الله، إن قوماً يأتوننا حديث عهدهم بكفر بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا ؟ فقال "سموا الله أنتم وكلوا" .
[حديث آخر] ـ وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا هشام عن بديل، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله، فليقل: باسم الله أوله وآخره"، وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون به، وهذا منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير وعائشة فإنه لم يسمع منها هذا الحديث بدليل ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب، أخبرنا هشام يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي، عن بديل، عن عبد الله بن عبيد بن عمير: أن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم حدثته عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاماً في ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين، فقال "أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي اسم الله في أوله، فليقل باسم الله أوله وآخره" رواه أحمد أيضاً وأبو داود والترمذي والنسائي من غير وجه عن هشام الدستوائي به، وقال الترمذي: حسن صحيح .
[حديث آخر] ـ وقال أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا جابر بن صبح، حدثني المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وصحبته إلى واسط، فكان يسمي في أول طعامه، وفي آخر لقمة يقول: باسم الله أوله وآخره، فقلت له: إنك تسمي في أول ما تأكل، أرأيت قولك في آخر ما تأكل باسم الله أوله وآخره، فقال: أخبرك أن جدي أمية بن مخشي وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: إن رجلاً كان يأكل والنبي ينظر فلم يسم حتى كان آخر طعامه لقمة، قال: باسم الله أوله وآخره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى، فلم يبق شيء في بطنه حتى قاءه" وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث جابر بن صبح الراسبي أبي بشر البصري، ووثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو الفتح الأزدي : لا تقوم به حجة .
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة ـ قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد واسمه سلمة بن الهيثم بن صهيب ـ من أصحاب ابن مسعود، عن حذيفة، قال: كنا إذا حضرنا مع النبي على طعام لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله فيضع يده، وإنا حضرنا معه طعاماً، فجاءت جارية كأنما تدفع فذهبت تضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، وجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب يضع يده في الطعام فأخذ رسول الله بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما" يعني الشيطان، وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي، من حديث الأعمش به .
[حديث آخر] ـ روى مسلم وأهل السنن، إلا الترمذي من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء" لفظ أبي داود .
[حديث آخر] ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد بن مسلم، عن وحشي بن حرب عن أبيه، عن جده، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نأكل ولا نشبع. قال "فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه" ورواه أبو داود، وابن ماجه، من طريق الوليد بن مسلم .
هذا شروع في بيان ما أحله الله لهم بعد بيان ما حرمه الله عليهم، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية. قوله: 4- "ماذا أحل لهم" أي شيء أحل لهم، أو ما الذي أحل لهم من المطاعم إجمالاً ومن الصيد ومن طعام أهل الكتاب ومن نسائهم قوله: "قل أحل لكم الطيبات" هي ما يستلذه آكله ويستطيبه مما أحله الله لعباده، وقيل هي الحلال، وقد سبق الكلام في هذا، وقيل الطيبات: الذبائح لأنها طابت بالتذكية، وهو تخصيص للعام بغير مخصص، والسبب والسياق لا يصلحان لذلك. قوله: "وما علمتم من الجوارح" وهو معطوف على الطيبات بتقدير مضاف لتصحيح المعنى: أي أحل لكم الطيبات وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح. وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية علمتم بضم العين وكسر اللام: أي علمتم من أمر الجوارح والصيد بها. قال القرطبي: وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تناولت ما علمنا من الجوارح، وهو يتضمن الكلب وسائر جوارح الطير، وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل: وهو الأكل من الجوارح: أي الكواسب من الكلاب وسباع الطير. قال: أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم ولم يأكل من صيده الذي صاده وأثر فيه بجرح أو تنييب وصاد به مسلم وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يؤكل بلا خلاف. فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف، فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه، وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب، يقال جرح فلان واجترح: إذا اكتسب، ومنه الجارحة لأنه يكتسب بها، ومنه اجتراح السيئات، ومنه قوله تعالى: " ويعلم ما جرحتم بالنهار ". وقوله: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات". قوله: "مكلبين" حال، والمكلب: معلم الكلاب لكيفية الاصطياد، والأخص معلم الكلاب وإن كان معلم سائر الجوارح مثله، لأن الاصطياد بالكلاب هو الغالب، ولم يكتف بقوله: "وما علمتم من الجوارح" مع أن التكليب هو التعليم، لقصد التأكيد لما لا بد منه من التعليم، وقيل: إن السبع يسمى كلباً فيدخل كل سبع يصاد به، وقيل: إن هذه الآية خاصة بالكلاب. وقد حكى ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال: ما يصاد بالبزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فهو لك حلال، وإلا فلا تطعمه. قال ابن المنذر: وسئل أبو جعفر عن البازي: هل يحل صيده؟ قال: لا، إلا أن تدرك ذكاته. وقال الضحاك والسدي: "وما علمتم من الجوارح مكلبين" هي الكلاب خاصة، فإن كان الكلب أسود بهيماً فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي. وقال أحمد: ما أعرف أحداً يرخص فيه إذا كان بهيماً، وبه قال ابن راهويه. فأما عامة أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم، واحتج من منع من صيد الكلب الأسود بقوله صلى الله عليه وسلم: "الكلب الأسود شيطان". أخرجه مسلم وغيره، والحق أن يحل صيد كل ما يدخل تحت عموم الجوارح من غير فرق بين الكلب وغيره وبين الأسود من الكلاب وغيره وبين الطير وغيره، ويؤيد هذا أن سبب نزول الآية سؤال عدي بن حاتم عن صيد البازي كما سيأتي قوله: "تعلمونهن مما علمكم الله" الجملة في محل نصب على الحال: أي مما علمكم الله مما أدركتموه بما خلقه فيكم من العقل الذي تهتدون به إلى تعليمها وتدريبها حتى تصير قابلة لإمساك الصيد عند إرسالكم لها. قوله: "فكلوا مما أمسكن عليكم" الفاء للتفريع، والجملة متفرعة على ما تقدم من تحليل صيد ما علموه من الجوارح، ومن في قوله: "مما أمسكن عليكم" للتبعيض، لأن بعض الصيد لا يؤكل كالجلد والعظم وما أكله الكلب ونحوه، وفيه دليل على أنه لا بد أن يمسكه على صاحبه فإن أكل منه فإنما أمسكه على نفسه كما في الحديث الثابت في الصحيح. وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحل أكل الصيد الذي يقصده الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال. وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي: وهو مروي عن سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعبد الله بن عمر، وروي عن علي وابن عباس والحسن البصري والزهري وربيعة ومالك والشافعي في القديم أنه يؤكل صيده، ويرد عليهم قوله تعالى: "مما أمسكن عليكم"، وقوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك" وهو في الصحيحين وغيرهما، وفي لفظ لهما: "فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه". وأما ما أخرجه أبو داود بإسناد جيد من حديث أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه". وقد أخرجه أيضاً بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأخرجه أيضاً النسائي فقد جمع بعض الشافعية بين هذه الأحاديث بأنه إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم، وإن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه الانتظار وجاع فأكل من الصيد لجوعه لا لكونه أمسكه على نفسه فإنه لا يؤثر ذلك ولا يحرم به الصيد، وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني، وحديث عمرو بن شعيب، وهذا جمع حسن. وقال آخرون: إنه إذا أكل الكلب منه حرم لحديث عدي، وإن أكل غيره لم يحرم للحديثين الآخرين، وقيل: يحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أمسكه وخلاه، ثم عاد فأكل منه.
وقد سلك كثير من أهل العلم طريق الترجيح ولم يسلكوا طريق الجمع لما فيها من البعد، قالوا: وحديث عدي بن حاتم أرجح لكونه في الصحيحين. وقد قررت هذا المسلك في شرحي للمنتقي بما يزيد الناظر فيه بصيرة. قوله: "واذكروا اسم الله عليه" الضمير في "عليه" يعود إلى "ما علمتم" أي سموا عليه عند إرساله، أو لما أمسكن عليكم: أي سموا عليه إذا أردتم ذكاته. وقد ذهب الجمهور إلى وجوب التسمية عند إرسال الجارح، واستدلوا بهذه الآية، ويؤيده حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله". وقال بعض أهل العلم: إن المراد التسمية عند الأكل. قال القرطبي: وهو الأظهر، واستدلوا بالأحاديث التي فيها الإرشاد إلى التسمية وهذا خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وقت التسمية بإرسال الكلب وإرسال السهم، ومشروعية التسمية عند الأكل حكم آخر، ومسألة غير هذه المسألة فلا وجه لحمل ما ورد في الكتاب والسنة هنا على ما ورد في التسمية عند الأكل، ولا ملجئ إلى ذلك، وفي لفظ في الصحيحين من حديث عدي: "إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فكل". وقد ذهب جماعة إلى أن التسمية شرط وذهب آخرون إلى أنها سنة فقط، وذهب جماعة إلى أنها شرط على الذاكر لا الناسي، وهذا أقوى الأقوال وأرجحها قوله: "واتقوا الله إن الله سريع الحساب" أي حسابه سبحانه سريع إتيانه وكل آت قريب.
4-قوله عز وجل " يسألونك ماذا أحل لهم " الآية ، قال سعيد بن جبير نزلت هذه الآية في عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير ، قالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت هذه الآية .
وقيل : سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب قالوا : يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ فنزلت هذه الآية فلما نزلت أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقتناء الكلاب التي ينتفع بها، ونهى عن إمساك مالا نفع فيه منها .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا معمر عن أبي هريرة رضي الله عنه أ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اتخذ كلباً إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط " ، والأول أصح في نزول الآية .
" قل أحل لكم الطيبات " ، يعني الذبائح على أسم الله تعالى ، وقيل كل ما تستطيبه العرب وتستلذه من غير أن يرد بتحريمه نص من كتاب أو سنة " وما علمتم من الجوارح " ، يعني : وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح .
واختلفوا في هذه الجوارح ، فقال الضحاك و السدي : هي الكلاب دون غيرها ، ولا يحل ما صاده غير الكلب إلا أن يدرك ذكاته ، وهذا غير معمول به ، بل عامة أهل العلم على أن المراد بالجوارح الكواسب من السباع البهائم كالفهد والنمر والكلب ، ومن سباع الطير كالبازي والعقاب والصقر ونحو مما يقبل التعليم، فيحل صيد جميعها، سميت جارحة: لجرحها لأربابها أقواتهم من الصيد، أي: كسبها، يقال: فلان جارحة أهله، أي: كاسبهم " مكلبين"، والمكلب الذي يغري الكلاب على الصيد، ويقال للذي يعلمها أيضاً كلاب ، ونصب مكلبين على كل خال ، أي: في حال تكليبهم هذه الجوارح أي إغرائكم إياها على الصيد، وذكر الكلاب لأنها أكثر وأعم، والمراد جميع جوارح الصيد،" تعلمونهن"، تؤدبونهن آداب أخذ الصيد، " مما علمكم الله"، أي: من العلم الذي علمكم، وقال السدي: أي كما علمكم الله ، ((من)) بمعنى الكاف ، "فكلوا مما أمسكن عليكم". أراد أن الجارحة المعلمة إذا خرجت بإرسال صاحبها فأخذت الصيد وقتلته كان حلالاً، والتعليم هو أن يوجد بها ثلاث أشياء: إذا أشليت استشلت، وأذا زجرت إنزجرت، وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل، وإذا وجد ذلك منه مراراً وأقله ثلاث مرات كانت معلمة، يحل قتلها بارسال صاحبها.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا ثابت بن زيد عن عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت فأمسك وقتل فكل، وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، وإذا خالط كلاباً لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل، وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل ".
واختلفوا فيما إذا أخذت الصيد وأكلت منه شيئاً : فذهب أكثر أهل العلم إلى أهل تحريمه ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وهو قول عطاء و طاووس والشعبي ، وبه قال الثوري و ابن المبارك وأصحاب الرأي وهو أصح قول الشافعي لقوله : " وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه " .
ورخص بعضهم في أكله ، روي ذلك عن ابن عمر ، وسلمان الفارسي ، وسعد بن أبي وقاص ، وبه قال مالك : لما روي عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله تعالى فكل وإن أكل منه " .
أما غير المعلم من / الجوارح إ ذا أخذ صيداً ، أ, المعلم إذا خرج بغير إرسال فأخذ وقتل فلا يكون حلالاً إلا أن يدركه صاحبه حياً فيذبحه ، فيكون حلالاً .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن يزيد أنا حيوة أخبرني ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة الخشني قال قلت :" يا نبي الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ، وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي المعلم فما يصح لي ؟ قال : أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل ".
قوله عز وجل : " واذكروا اسم الله عليه . واتقوا الله إن الله سريع الحساب " ، ففيه بيان أن ذكر اسم الله عز وجل على الذبيحة شرط حالة ما يذبح ، وفي الصيد حالة ما يرسل الجارحة أو السهم .
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن علوية الجوهري قال : حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن الأثرم المقري بالبصرة حدثنا عمر بن شيبة أنا أبي عدي عن أنس قال : " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ، قال : رأيته واضعاً قدمه على صفاحهما ويذبحهما بيده ويقول بسم الله و الله أكبر" .
4" يسألونك ماذا أحل لهم " لما تضمن السؤال معنى القول أوقع على الجملة، وقد سبق الكلام في " ماذا " وإنما قال لهم ولم يقل لنا على الحكاية، لأن " يسألونك " بلفظ الغيبة وكلا الوجهين سائغ في أمثاله، والمسؤول ما أحل لهم من المطاعم كأنهم لما تلي عليهم ما حرم عليهم سألوا عما أحل لهم. " قل أحل لكم الطيبات " ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تنفر عنه ومن مفهومه حرم مستخبثات العرب، أو ما لم يدل نص ولا قياس على حرمته. " وما علمتم من الجوارح " عطف على " الطيبات " إن جعلت " ما " موصولة على تقدير وصيد ما علمتم، وجملة شرطية إن جعلت شرطاً وجوابها " فكلوا " و " الجوارح " كواسب الصيد على أهلها من سباع ذوات الأربع والطير " مكلبين " معلمين إياه الصيد، والمكلب مؤدب الجوارح ومضر بها بالصيد. مشتق من الكلب، لأن التأديب يكون أكثر فيه وآثره، أو لأن كل سبع يسمى كلباً لقوله عليه الصلاة والسلام "الهم سلط عليه كلباً من كلابك" وانتصابه على الحال من علمتم وفائدتها المبالغة في التعليم. " تعلمونهن " حال ثانية أو استئناف. " مما علمكم الله " من الحيل وطرق التأديب، فإن العلم بها إلهام من الله تعالى أو مكتسب بالعقل الذي هو منحة منه سبحانه وتعالى، أو مما علمكم الله أن تعلموه م اتباع الصيد بإرسال صاحبه، وأن ينزجر بزجره وينصرف بدعائه ويمسك عله الصيد ولا يأكل منه. " فكلوا مما أمسكن عليكم " وهو ما لم تأكل منه
" لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتموإن أكل منه فلا تأكل إنما أمسك على نفسه". وإليه ذهب أكثر الفقهاء وقال بعضهم: لا يشترط ذلك في سباع الطير لأن تأديبها إلى هذا الحد متعذر، وقال آخرون لا يشترط مطلقاً. " واذكروا اسم الله عليه " الضمير لما علمتم والمعنى :سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن بمعنى سموا عليه إذا أدركتم ذكاته. " واتقوا الله " في محرماته. " إن الله سريع الحساب " فيؤاخذكم بما جل ودق.
4. They ask thee (O Muhammad) what is made lawful for them. Say : ( all ) good things are made lawful for you. And those beasts and birds of prey which ye have trained as hounds are trained, ye teach them that which Allah taught you; so eat of that which they catch for you and mention Allah's name upon it, and observe your duty to Allah. Lo! Allah is swift to take account.
4 - They ask thee what is lawful to them (as food). say: lawful unto you are (all) things good and pure: and what ye have thought your trained hunting animals (to catch) in the manner directed to you by God: eat what they catch for you, but pronounce the name of God over it: and fear God; for God is swift in taking account.