[المائدة : 102] قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ
102 - (قد سألها) أي الأشياء (قوم من قبلكم) أنبياءهم فأجيبوا ببيان أحكامها (ثم أصبحوا) صاروا (بها كافرين) بتركهم العمل بها
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد سال الآيات قوم من قبلكم، فلما آتاهموها الله أصبحوا بها جاحدين، منكرين أن تكون دلالة على حقيقة ما احتج بها عليهم، وبرهاناً على صحة ما جعلت برهاناً على تصحيحه، كقوم صالح الذين سألوا الآية، فلما جاءتهم الناقة آية عقروها، وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل عليهم من السماء، فلما أعطوها كفروا بها، وما أشبه ذلك.
فحذر الله تعالى المؤمنين بنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا سبيل من قبلهم من الأمم التي هلكت بكفرهم بآيات الله لما جاءتهم عند مسألتهموها، فقال لهم: لا تسألوا الآيات، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، فقد سأل الآيات من قبلكم قوم، فلما أوتوها أصبحوا بها كافرين، كالذي:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى الله عن ذلك.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قد سألها قوم من قبلكم"، قد سأل الآيات قوم من قبلكم، وذلك حين قيل له: غير لنا الصفا ذهباً!
السابعة - قوله تعالى :" قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين " أخبر تعالى أن قوماً من قبلنا قد سألوا آيات مثلها، فلما أعطوها وفرضت عليهم كفروا بها وقالوا: ليست من عند الله، وذلك كسؤال قوم صالح الناقة، وأصحاب عيسى المائدة وهذا تحرير مما وقع فيه من سبق من الأمم والله أعلم .
الثامنة -إن قائل : ما ذكرتم من كراهية السؤال والنهي عنه يعارضه قوله تعالى :" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " [ النحل: 43 والأنبياء :7] فالجواب أن هذا الذي أمر الله به عباده هو ما تقرر وثبت وجوبه مما يجب العمل له والذي جاء فيه النهي هو ما لم يتعبد الله عباده به ، ولم يذكره في كتابه والله أعلم
التاسعة - روى مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسئلته " قال القشيري أبو نصر: ولم لم يسأل العجلاني عن الزنى لما ثبت اللعان قال أبو الفرج الجوزي: هذا محمول على من سأل عن الشيء عنثاً وعبثاً فعوقب بسور قصده بتحريم ما سأل عنه، والتحريم يعم .
العاشرة - قال علماؤنا: لا تعلق للقدرية بهذا الحديث في أن الله تعالى يفعل شيئاً ن أجل شيء وبسببه، تعالى الله عن ذلك فإن الله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء عليم بل السبب والداعي فعل ما أفعاله، لكن سبق القضاء والقدر أن يحرم الشيء المسئول عنه إذا وقع السؤال فيه، لا أن السؤال موجب للتحريم وعلية له، ومثله كثير "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" [الأنبياء : 23].
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك" أي يا أيها الإنسان "كثرة الخبيث" يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار, كما جاء في الحديث "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" وقال أبوالقاسم البغوي في معجمه: حدثنا أحمد بن زهير, حدثنا الحوطي, حدثنا محمد بن شعيب, حدثنا معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد عن القاسم, عن أبي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله, ادع الله أن يرزقني مالاً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قليل تؤدي شكره, خير من كثير لا تطيقه" "فاتقوا الله يا أولي الألباب" أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة, وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به, لعلكم تفلحون, أي في الدنيا والاخرة .
ثم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين, ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها, لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها, كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً, إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" وقال البخاري: حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي, حدثنا أبي, حدثنا شعبة عن موسى بن أنس, عن أنس بن مالك قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط, وقال فيها "لو تعلمون ما أعلم, لضحكتم قليلاً, ولبكيتم كثيراً". قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين, فقال رجل: من أبي ؟ قال "فلان" فنزلت هذه الاية "لا تسألوا عن أشياء" رواه النضر وروح بن عبادة عن شعبة, وقد رواه البخاري في غير هذا الموضع, ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة بن الحجاج به.
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة في قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, قال : فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة, فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر, فقال "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم" فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر, فجعلت لا ألتفت يميناً ولا شمالاً إلا وجدت كلاً لافاً رأسه في ثوبه يبكي, فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه, فقال: يا نبي الله, من أبي ؟ قال "أبوك حذافة". قال: ثم قام عمر ـ أو قال: فأنشأ عمر ـ فقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً عائذاً بالله ـ أو قال: أعوذ بالله من شر الفتن ـ قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم أر في الخير والشر كاليوم قط, صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط", أخرجاه من طريق سعيد, ورواه معمر عن الزهري, عن أنس بنحو ذلك, أو قريباً منه. قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولداً أعق منك قط, أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية, فتفضحها على رؤوس الناس ؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا قيس عن أبي حصين, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان, محمار وجهه, حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين أبي ؟ قال: "في النار", فقام آخر فقال: من أبي ؟ فقال " أبوك حذافة", فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً, وبالقرآن إماماً, إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك, والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه, ونزلت هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, إسناده جيد, وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف, منهم أسباط عن السدي أنه قال في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام, فقام خطيباً فقال "سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة, وكان يطعن فيه, فقال: يا رسول الله, من أبي ؟ فقال: أبوك فلان, فدعاه لأبيه, فقام إليه عمر بن الخطاب, فقبل رجله وقال: يا رسول الله, رضينا بالله رباً, وبك نبياً, وبالإسلام ديناً, وبالقرآن إماماً, فاعف عنا عفا الله عنك, فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال "الولد للفراش, وللعاهر الحجر" .
ثم قال البخاري: حدثنا الفضل بن سهل, حدثنا أبو النضر, حدثنا أبو خيثمة, حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء, فيقول الرجل: من أبي ؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" حتى فرغ من الاية كلها, تفرد به البخاري. وقال الإمام أحمد: حدثنا منصور بن وردان الأسدي, حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه, عن أبي البختري وهو سعيد بن فيروز, عن علي قال: لما نزلت هذه الاية "و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً" قالوا: يا رسول الله, أفي كل عام ؟ فسكت, فقالوا: أفي كل عام ؟ فسكت, قال: ثم قالوا: أفي كل عام ؟ فقال "لا", ولو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من طريق منصور بن وردان به, وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه, وسمعت البخاري يقول: أبوالبختري لم يدرك علياً.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن إبراهيم بن مسلم الهجري, عن أبي عياض, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب عليكم الحج" فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً, فقال "من السائل ؟" فقال: فلان, فقال "والذي نفسي بيده, لو قلت: نعم لوجبت, ولو وجبت عليكم ما أطقتموه, ولو تركتموه لكفرتم", فأنزل الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" حتى ختم الاية, ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد عن محمد بن زياد, عن أبي هريرة وقال: فقام محصن الأسدي,وفي رواية من هذه الطريق عكاشة بن محصن, وهو أشبه, وإبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري, حدثنا أبو يزيد عبد الرحمن أبي الغمر, حدثنا ابن مطيع معاوية بن يحيى عن صفوان بن عمرو, حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس, فقال "كتب عليكم الحج" فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام ؟ قال: فغلق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسكت, وأغضب واستغضب, ومكث طويلاً, ثم تكلم فقال "من السائل ؟" فقال الأعرابي: أناذا, فقال "ويحك ماذا يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت: نعم لو جبت, ولو وجبت لكفرتم, ألا إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحرج, والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض وحرمت عليكم منها موضع خف, لوقعتم فيه" قال: فأنزل الله عند ذلك "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" إلى آخر الاية, في إسناده ضعف, وظاهر الاية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته, فالأولى الإعراض عنها وتركها, وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا حجاج قال: سمعت إسرائيل بن يونس, عن الوليد بن أبي هاشم مولى الهمداني, عن زيد بن زائد, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً, فإني أحب أي أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" الحديث, وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث إسرائيل, قال أبو داود عن الوليد, وقال الترمذي عن إسرائيل عن السدي, عن الوليد بن أبي هاشم به, ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه .
وقوله تعالى: "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" أي وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لكم "وذلك على الله يسير", ثم قال "عفا الله عنها" أي عما كان منكم قبل ذلك "والله غفور حليم". وقيل: المراد بقوله "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" أي لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها, فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق, وقد ورد في الحديث "أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم, فحرم من أجل مسألته" ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها, تبيت لكم حينئذ لاحتياجكم إليها, "عفا الله عنها" أي ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه, فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها, وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ذروني ما تركتكم, فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" وفي الحديث الصحيح أيضاً "أن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها, وحد حدوداً فلا تعتدوها, وحرم أشياء فلا تنتهكوها, وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها".
ثم قال تعالى: "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها, ثم لم يؤمنوا بها, فأصبحوا بها كافرين أي بسببها, أي بينت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد. وقال العوفي: عن ابن عباس في الاية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس فقال "يا قوم كتب عليكم الحج" فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله, أفي كل عام ؟ فأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً, فقال "والذي نفسي بيده, لو قلت: نعم لوجبت, ولو وجبت ما استطعتم, وإذاً لكفرتم, فاتركوني ما تركتكم, وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا, وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه" فأنزل هذه الاية, نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت عنه النصارى من المائدة, فأصبحوا بها كافرين, فنهى الله عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك,ولكن انتظروا, فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه, رواه ابن جرير.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" قال: لما نزلت آية الحج, نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال "يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا" فقالوا: يا رسول الله, أعاماً واحداً, أم كل عام ؟ فقال "لا بل عاماً واحداً, ولو قلت: كل عام لوجبت, ولو وجبت لكفرتم". ثم قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء" إلى قوله "ثم أصبحوا بها كافرين" رواه ابن جرير. وقال خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس "لا تسألوا عن أشياء" قال: هي البحيرة والوصيلة والسائبة والحام, ألا ترى أنه قال بعدها "ما جعل الله من بحيرة" ولا كذا ولا كذا, قال: وأما عكرمة فقال: إنهم كانوا يسألونه عن الايات فنهوا عن ذلك, ثم قال "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" رواه ابن جرير, يعني عكرمة رحمه الله أن المراد من هذا النهي عن سؤال وقوع الايات كما سألت قريش أن يجري لهم أنهاراً, وأن يجعل لهم الصفا ذهباً وغير ذلك, وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتاباً من السماء. وقد قال الله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " وقال تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ".
قوله: 102- "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" الضمير يرجع إلى المسألة المفهومة من "لا تسألوا" لكن ليست هذه المسألة بعينها، بل مثلها في كونها مما لا حاجة إليه ولا توجبه الضرورة الدينية ثم لم يعملوا بها، بل أصبحوا بها كافرين: أي ساترين لها تاركين للعمل بها، وذلك كسؤال قوم صالح الناقة، وأصحاب عيسى المائدة، ولا بد من تقييد النهي في هذه الآية بما لا تدعو إليه حاجة كما قدمنا، لأن الأمر الذي تدعو الحاجة إليه في أمور الدين والدنيا قد أذن الله بالسؤال عنه فقال: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وقال صلى الله عليه وسلم: "قاتلهم الله ألا سألوا فإنما شفاء العي السؤال".
102- " قد سألها قوم من قبلكم "، كما سألت ثمود صالحاً الناقة وسأل قوم عيسى المائدة " ثم أصبحوا بها كافرين "، فأهلكوا، قال أبو ثعلبةالخشني (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدوداً فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها).


102"قد سألها قوم" في الضمير للمسألة التي دل عليها تسألوا ولذلك لم يعد بعن أو لأشياء بحذف الجار. "من قبلكم" متعلق بسأل وليس صفة لقوم، فإن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة ولا حالاً من ولا خبراً عنها. " ثم أصبحوا بها كافرين " أي بسببها حيث لا يأتمروا بما سألوا جحوداً.
102. A folk before you asked (for such disclosures) and then disbelieved there in.
102 - Some people before you did ask such questions, and on that account lost their faith.