[الحجرات : 1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
1 - (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا) من قدم بمعنى تقدم أي لا تقدموا بقول ولا فعل (بين يدي الله ورسوله) المبلغ عنه أي بغير إذن (واتقوا الله إن الله سميع) لقولكم (عليم) بفعلكم نزلت في مجادلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير الأقرع بن حابس أو القعقاع بن معبد ونزل فيمن رفع صوته عند النبي صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا الآيتين أخرج البخاري وغيره من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر أمرالقعقاع بن معبد وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي وقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك قوله تعالى يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله إلى قوله ولو أنهم صبروا
ك وأخرج ابن المنذر عن الحسن أن أناسا ذبحوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فأمرهم أن يعيدوا ذبحا فأنزل الله يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأضاحي بلفظ ذبح رجل قبل الصلاة فنزلت
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة ان ناسا كانوا يتقدمون الظهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
ك واخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا فأنزل الله لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
ك وأخرج عنه قال كانوا يجهرون له بالكلام ويرفعون أصواتهم فأنزل الله لا ترفعوا أصواتكم الآية
ك وأخرج أيضا عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال لما نزلت هذه الآية لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي فمر به عاصم بن عدي بن العجلان فقال ما يبكيك قال هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت في وأنا صيت رفيع الصوت فرفع عاصم ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا به فقال أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة قال رضيت ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله إن الذين يغضون أصواتهم الآية
يعني تعالى ذكره بقوله : " يا أيها الذين آمنوا " : يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله ، وبنبوة محد صلى الله عليه وسلم " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " يقول : لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم ، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله ، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله . محكي عن العرب فلان يقدم بين يدي إمامه ، بمعنى يعجل بالأمر والنهي دونه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " يقول : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " ....الآية قال : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " قال : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا : فكره الله عزو جل ذلك ، وقدم فيه .
وقال الحسن : أناس من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر ، فأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحا آخر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " قال : إن أناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا ، لو أنزل في كذا .
وقال الحسن : هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الذبح .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " يعني بذلك في القتال ، وكان من أمورهم لا يصلح أن يقضى إلا بأمره ما كان من شرائع دينهم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله جل ثناؤه : " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " قال : لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله .
وحدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " قال : لا تقضوا أمرا دون رسول الله . وبضم التاء من قوله " لا تقدموا " قرأ قراء الأمصار ، وهي القراءة التي لا أستجيز بخلافها ، لإجماع الحجة من القراء عليها ، وقد حكي عن العرب قدمت في كذا وتقدمت في كذا ، فعلى هذه اللغة لو كان قيل : لا تقدموا بفتح التاء كان جائزا .
وقوله " واتقوا الله إن الله سميع عليم " يقول : وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم ، أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله ، وفي غير ذلك من أموركم ، وراقبوه ، إن الله سميع لما تقولون ، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم ، لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم ، وغير ذلك من أمروكم وأمور غيركم .
مكية بإجماع وهي ثماني عشرة آية
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " قال العلماء : كان في العرب جفاء وسوء أدب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلقيب الناس ، فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب ، وقرأ الضحاك و يعقوب الحضرمي : ( لا تقدموا ) بتفح التاء والدال من التقدم ، الباقون ( تقدموا ) بضم التاء وكسر الدال من التقويم ، ومعناهما ظاهر ، أي لا تقدموا قولاً ولا فعلاً بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيله أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا ، ومن قدم قوله أو فعله على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدمه على الله تعالى ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يأمر عن أمر الله عز وجل .
الثانية : واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة :
الأولى : ما ذكره الواحدي من حديث ابن جريج قال : حدثني ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره : أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : أمر الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك : " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " إلى قوله " ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم " رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح ، ذكره المهدوي أيضاً .
الثاني : ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستخلف على المدينة رجلاً إذ مضى إلى خيبر ، فأشار عليه عمر برجل آخر فنزل : " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " ذكره المهدوي أيضاً .
الثالث : ما ذكره الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ أربعة وعشرين رجلاً من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة تأخروا فسلموا وأنكفأوا إلى المدينة ، فلقوا رجلين من بني سليم فسألوهما عن نسبهما فقالا : من بني عامر ، لأنهم من بني أعز من بني سليم فقتلوهما ، فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن بيننا عهداً ، وقد قتل منا رجلان ، فوداهما النبي صلى الله عليه وسلم بمائة بعير ، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين ، وقال قتادة : إن ناساً كانوا يقولون لو أنزل في كذا ، لو أنزل في كذا ؟ فنزلت هذه الآية ، ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه ، مجاهد : لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان روسله ، ذكره البخاري أيضاً ، الحسن : نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم أن يعيدوا الذبح ، ابن جريج : لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم .
قلت : هذه الأقوال الخمسة المتأخرة ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي ، وسردها قبله الماوردي ، قال القاضي : وهي كلها صحيحة تدخل تحت العموم ، فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية منها ، ولعلها نزلت دون سبب ، والله أعلم قال القاضي : إذا قلنا إنها نزلت في تقدم الطاعات على أوقاتها فهو صحيح ، لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه كالصلاة والصوم والحج ، وذلك بي، ، إلا أن العلماء اختلفوا في الزكاة ، لما كانت عبادة مالية وكانت مطلوبة لمعنى مفهوم ، وهو سد خلة الفقير ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعجل من العباس صدقة عامين ، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقيها يوم الوجوب وهو يوم الفطر ، فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والاثنين ، فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت موقعها ، وإن جاء رأس العام وقد تغير النصاب تبي، أنها صدقة تطوع ، وقال أشهب : لا يجوز تقديمها على الحول لحظة كالصلاة ، وكأنه طرد الأصل في العبادات فرأى أنها إحدى دعائم الإسلام فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب ، ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز لأنه معفو عنه في الشرع بخلاف الكثير ، وما قاله أشهب أصح ، فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح ، ولكنه لمعان تختص باليسير دون الكثير ، فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر ، والشهر كالسنة ، فإما تقديم كلي كما قاله أبو حنيفة و الشافعي وإما حفظ العبادة على ميقاتها كما قال أشهب .
الثانية : قوله تعالى : " لا تقدموا بين يدي الله " أصل في ترك التعرض لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وإيجاب اتباعه والاقتداء به ، وكذلك " قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما : قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء ، فمر عمر فليصل بالناس ، فقال صلى الله عليه وسلم : إنكن لأنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس " ، فمعنى قوله " صواحب يوسف " : الفتنة بالرد عن الجائز إلى غير الجائز ، وربما احتج بغات القياس بهذه الآية ، وهو باطل منهم ، فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه ، وقد قامت دلالة الكتاب والسنة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع ، فليس إذاً تقدم بين يديه ، " واتقوا الله " يعني في التقدم المنهي عنه " إن الله سميع " لقولكم " عليم " بفعلكم . dأيها
تفسير سورة الحجرات
بسم الله الرحمـن الرحيم
هذه آيات أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين, فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام, فقال تبارك وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" أي لا تسارعوا في الأشياء بين يديه أي قبله, بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن: "بم تحكم ؟" قال: بكتاب الله تعالى, قال صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد ؟" قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد ؟" قال رضي الله عنه: أجتهد رأيي, فضرب في صدره وقال "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة, ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة, وقال العوفي عنه: نهى أن يتكلموا بين يدي كلامه, وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه, وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم, وقال سفيان الثوري "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" بقول ولا فعل, وقال الحسن البصري "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" قال: لا تدعوا قبل الإمام, وقال قتادة: ذكر لنا أن ناساً كانوا يقولون لو أنزل في كذا وكذا, لو صنع كذا, فكره الله تعالى ذلك وتقدم فيه "واتقوا الله" أي فيما أمركم به "إن الله سميع" أي لأقوالكم "عليم" بنياتكم.
وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فوق صوته, وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال البخاري: حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي, حدثنا نافع بن عمر عن أبي مليكة, قال: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم, فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس رضي الله عنه أخي بني مجاشع, وأشار الاخر برجل آخر, قال نافع: لا أحفظ اسمه, فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما, ما أردت إلا خلافي, قال: ما أردت خلافك, فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" قال ابن الزبير رضي الله عنهما فما كان عمر رضي الله عنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الاية حتى يستفهمه, ولم يذكر ذلك عن أبيه يعني أبا بكر رضي الله عنه. انفرد به دون مسلم.
ثم قال البخاري: حدثنا حسن بن محمد, حدثنا حجاج عن ابن جريج, حدثني ابن أبي ملكية أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: أمر القعقاع بن معبد, وقال عمر رضي الله عنه: بل أمر الأقرع بن حابس, فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أردت إلا خلافي, فقال عمر رضي الله عنه: ما أردت خلافك, فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت في ذلك "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" حتى انقضت الاية "ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم" الاية. وهكذا رواه ههنا منفرداً به أيضاً وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا الفضل بن سهل, حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا حصين بن عمر عن مخارق عن طارق بن شهاب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" قلت: يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي السرار. حصين بن عمر, هذا وإن كان ضعيفاً لكن قد رويناه من حديث عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة رضي الله عنهما بنحو ذلك, والله أعلم. وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا أزهر بن سعد, أخبرنا ابن عون, أنبأني موسى بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس رضي الله عنه فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك علمه, فأتاه فوجده في بيته منكساً رأسه فقال له: ما شأنك ؟ فقال: شر كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهل النار, فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا, قال موسى: فرجع إليه المرة الاخرة ببشارة عظيمة فقال: "اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة" تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم, حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" إلى قوله "وأنتم لا تشعرون " وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنا من أهل النار حبط عملي وجلس في أهله حزيناً ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك ؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النار, فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا , بل هو من أهل الجنة" قال أنس رضي الله عنه: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة, فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت بن قيس بن شماس, وقد تحنط ولبس كفنه فقال: بئسما تعودون أقرانكم فقاتلهم حتى قتل رضي الله عنه.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا الحسن بن موسى, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" إلى آخر الاية, جلس ثابت رضي الله عنه في بيته قال: أنا من أهل النار, واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ: "يا أبا عمرو ما شأن ثابت أشتكى ؟" فقال سعد رضي الله عنه: إنه لجاري وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد رضي الله عنه فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ثابت رضي الله عنه: أنزلت هذه الاية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا من أهل النار, فذكر ذلك سعد رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل هو من أهل الجنة" ثم رواه مسلم عن أحمد بن سعيد الدرامي عن حيان بن هلال عن سليمان بن المغيرة به, قال ولم يذكر سعد بن معاذ رضي الله عنه, وعن قطن بن بشير عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه بنحوه, وقال ليس فيه ذكر سعد بن معاذ رضي الله عنه. حدثني هدبة بن عبد الأعلى الأسدي, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي يذكر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية فاقتص الحديث ولم يذكر سعد بن معاذ رضي الله عنه وزاد: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة. فهذه الطرق الثلاث معللة لرواية حماد بن سلمة فيما تفرد به من ذكر سعد بن معاذ رضي الله عنه, والصحيح أن حال نزول هذه الاية لم يكن سعد بن معاذ رضي الله عنه موجوداً, لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس, وهذه الايات نزلت في وفد بني تميم, والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة, والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن شماس, حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الاية "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول" قال: قعد ثابت بن قيس رضي الله عنه في الطريق يبكي, قال: فمر به عاصم بن عدي من بني العجلان فقال: ما يبكيك يا ثابت ؟ قال: هذه الاية أتخوف أن تكون نزلت في وأنا صيت رفيع الصوت. قال: فمضى عاصم بن عدي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: وغلبه البكاء فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أبي ابن سلول, فقال لها: إذا دخلت بيت فرسي فشدي على الضبة بمسمار, فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله تعالى, أو يرضى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال وأتى عاصم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال: "اذهب فادعه لي" فجاء عاصم رضي الله عنه إلى المكان فلم يجده, فجاء إلى أهله, فوجده في بيت الفرس فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك, فقال: اكسر الضبة, قال: فخرجا فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا ثابت ؟" فقال رضي الله عنه: أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الاية نزلت في "لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة ؟" فقال: رضيت ببشرى الله تعالى ورسوله , ولا أرفع صوتي أبدا ًعلى صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأنزل الله تعالى: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" الاية: وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك, فقد نهى الله عز وجل عن رفع الأصوات بحضرة رسول الله, وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قد ارتفعت أصواتهما, فجاء فقال: أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال: من أين أنتما ؟ قالا: من أهل الطائف, فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً. وقال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما كان يكره في حياته عليه الصلاة والسلام, لأنه محترم حياً وفي قبره صلى الله عليه وسلم دائماً, ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه ممن عداه, بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم, ولهذا قال تبارك وتعالى: "ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض" كما قال تعالى: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً".
وقوله عز وجل: "أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون" أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده, خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه, فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري كما جاء في الصحيح: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يكتب له بها الجنة, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض" ثم ندب الله تعالى إلى خفض الصوت عنده وحث على ذلك, وأرشد إليه, ورغب فيه فقال: "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" أي أخلصها لها وجعلها أهلاً ومحلاً "لهم مغفرة وأجر عظيم" وقد قال الإمام أحمد في كتاب الزهد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد قال: كتب إلى عمر: يا أمير المؤمنين, رجل لا يشتهي المعصية, ولا يعمل بها أفضل, أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها "أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم".
هي ثماني عشرة آية، وهي مدنية
قال القرطبي: بالإجماع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بالمدينة.
قوله: 1- "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله" قرأ الجمهور "تقدموا" بضم المثناة الفوقية وتشديد الدال مكسورة. وفيه وجهان: أحدهما أنه متعد وحذف مفعوله لقصد التعميم، أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل كقولهم هو يعطي ويمنع. والثاني أنه لازم نحو وجه وتوجه، ويعضده قراءة ابن عباس والضحاك ويعقوب تقدموا بفتح التاء والقاف والدال. قال الواحدي: قد هاهنا بمعنى تقدم، وهو لازم. قال أبو عبيدة: العرب تقول لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب: أي لا تعجل بالأمر دونه والنهي لأن المعنى: لا تقدموا قبل أمرهما ونهيهما، وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لا ما بين يدي الإنسان، ومعنى الآية: لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله ولا تعجلوا به. وقيل المراد معنى بين يدي فلان بحضرته، لأن ما يحضره الإنسان فهو بين يديه "واتقوا الله" في كل أموركم، ويدخل تحتها الترك للتقدم بين يدي الله ورسوله دخولاً أولياً. ثم علل ما أمر به من التقوى بقوله: "إن الله سميع" لكل مسموع "عليم" بكل معلوم.
1. مدنية، " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله "، قرأ يعقوب: ((لا تقدموا)) بفتح التاء والدال، من التقدم أي لا تتقدموا، وقرأ الآخرون بضم التاء وكسر الدال، من التقديم، وهو لازم بمعنى التقدم، [قال أبو عبيدة] تقول العرب: لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي لا تعجل بالأمر والنهي دونه، والمعنى: بين اليدين الأمام. والقدام: أي لا تقدموا بين يدي أمرهما ونهيهما. واختلفوا في معناه: روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى، وهو قول الحسن ، أي لا تذبحوا قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ناساً ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يعيدوا الذبح.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سليمان بن رحب ، حدثنا شعبة، عن زيد، عن الشعبي ، عن الباء قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن نصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء ".
وروى مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم يوم الشك، أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم عن ابن مليكة، أن عبد الله بن الزبير أخبرهم، أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع معبد بن زرارة، قال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، قال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك: " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله " حتى انقضت.
ورواه نافع عن ابن أبي مليكة، قال فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " إلى قوله: " أجر عظيم "، وزاد: قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر عن أبيه، يعني أبا بكر.
وقال قتادة : نزلت الآية في ناس كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، أو صنع في كذا وكذا، فكره الله ذلك.
وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
وقال الضحاك : يعني في القتال وشرائع الدين لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله.
" واتقوا الله "، في تضييع حقه ومخالفة أمره، " إن الله سميع "، لأقوالكم، " عليم "، بأفعالكم.
1-" يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا " أي لا تقدموا أمراً ، فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كل ما يمكن ، أو ترك لأن المقصود نفي التقديم رأساً أو لا تتقدموا ومنه مقدمة الجيش لمتقدميهم ، ويؤيده قراءة يعقوب لا تقدموا . وقرئ لا تقدموا من القدوم ." بين يدي الله ورسوله " مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان تهجيناً لما نهوا عنه ، والمعنى لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكما به وقيل المراد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله . " واتقوا الله " في التقديم أو مخالفة الحكم . " إن الله سميع " لأقوالكم . " عليم " بأفعالكم .
Surah 49. Al-Hujurat
1. O ye who believe! Be not forward in the presence of Allah and His messenger, and keep your duty to Allah. Lo! Allah is Hearer, Knower.
SURA 49: HUJURAT
1 - O ye who believe! Put not yourselves forward before God and His Apostle; but fear God: for God is He Who hears and knows all things.