[الفتح : 26] إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
26 - (إذ جعل) متعلق بعذبنا (الذين كفروا) فاعل (في قلوبهم الحمية) الأنفة من الشيء (حمية الجاهلية) بدل من الحمية وهي صدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) فصالحوهم على أن يعودوا من قابل ولم يلحقهم من الحمية ما لحق الكفار حتى يقاتلوهم (وألزمهم) المؤمنين (كلمة التقوى) لا إله إلا الله محمد رسول الله وأضيفت إلى التقوى لأنها سببها (وكانوا أحق بها) بالكلمة من الكفار (وأهلها) عطف تفسيري (وكان الله بكل شيء عليما) أي لم يزل متصفا بذلك ومن معلومه تعالى أنهم أهلها
يعني تعالى ذكره بقوله : " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية " حين جعل سهيل بن عمرو في قلبه الحمية ، فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب فيه : محمد رسول الله ، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري قال : كانت حميتهم التي ذكر الله ، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، حمية الجاهلية ، أنهم لم يقروا بسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا يحيى بن سعيد قال : ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري بنحوه .
حدثني عمرو بن محمد العثماني قال : ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : ثني أخي ، عن سليمان عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله . وأنزل الله في كتابه ، فذكر قوما استكبروا فقال : ( إنهم كانوا إذا قيل لهم للا إله إلا الله يستكبرون ) وقال الله : " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها " وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، استكبر عنها المشركون يوم الحديبية ، يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة ".
و إذ من قوله " إذ جعل الذين كفروا " من صلة قوله : لعذبنا . . وتأويل الكلام : لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، والحمية فعلية من قول القائل : حمى فلان أنفه حمية ومحمية ، ومنه قول المتلمس :
ألا أنني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يكمشا
يعني بقوله : يحمي : يمنع . وقال " حمية الجاهلية " لأن الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من أخلاق أهل الكفر ، ولم يكن شيء منه مما أذن الله لهم له ، ولا أحد من رسله .
وقوله " فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين " يقول تعالى ذكره فأنزل الله الصبر والطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين ، إذ حمي الذين كفروا حمية الجاهلية ، ومنعوهم من الطواف بالبيت ، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه بينهم بسم الله الرحمن الرحيم ، ومحمد رسول الله " وألزمهم كلمة التقوى " يقال : ألزمهم قول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار ، وأليم العذاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف في ذلك منهم ، وروي به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذكر قائلي ذلك بما قلنا فيه ، والخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي قال : ثنا سفيان بن حبيب قال : ثنا شعبة عن ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن الطفيل عن أبيه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " : " وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله "
حدثني محمد بن خالد بن خداش العتكي قال : سمعت سالما سمع شعبة سمع سلمة بن كهيل سمع عباية سمع عليا رضي الله عنه في قوله " وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله .
حدثني ابن بشار قال : ثنا يحيى و عبد الرحمن قالا : ثنا سفيان عن سلمة عن عبايه بن ربعي عن علي رضي الله عنه ، في قوله " وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر .
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : ثنا ابن المبارك عن سفيان وشعبة عن سلمة بن كهيل عن رجل عن علي رضي الله عنه قال : لا إله إلا الله ، والله أكبر .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا وهب بن جرير عن شعبة عن سلمة عن عباية عن رجل من بني تميم عن علي رضي الله عنه " وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلاالله .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله "وألزمهم كلمة التقوى " يقول شهادة أن لا إله إلا الله ، فهي كلمة تقوى ، يقول : فهي رأس التقوى .
حدثنا ابن المثنى قال : ثنا محمد بن بن جعفر قال : ثنا شعبة قال سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون أنه كان يقول في هذه الآية " وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله .
حدثني محمد بن عيسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرني سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون مثله .
حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون "وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله .
قال : ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد " وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وألزمهم كلمة التقوى " وهي : شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وألزمهم كلمة التقوى " هي لا إله إلا الله . .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا حفص بن عمر قال : ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله " وألزمهم كلمة التقوى " قال : شهادة أن لا إله إلاالله .
حدثني ابن البرقي قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز عن عطاء الخراساني "وألزمهم كلمة التقوى " قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
حدثني الصواري محمد بن إسماعيل قال : ثنا محمد بن سوار قال : ثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن أبي خالد المكي عن علي الأزدي ، قال : : كنت مع ابن عمر بين مكة ومنى بالمأزمين ، فسمع الناس يقولون : لا إله إلاالله ، والله أكبر ، فقال : هي هي ، فقلت : ما هي ؟ قال : " وألزمهم كلمة التقوى " الإخلاص " وكانوا أحق بها وأهلها " .
وقال آخرون : بل هي كلمة التقوى ، الإخلاص .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن الحسين الأزدي قال : ثنا يحيى بن يمان عن ابن جريح عن مجاهد " وألزمهم كلمة التقوى " قال : الإخلاص .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " كلمة التقوى " كلمة الإخلاص .
وقال آخرون : هي قوله : بسم الله الرحمن الرحيم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عيسى قال : ثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري في قوله " وألزمهم كلمة التقوى " قال : بسم الله الرحمن الرحيم .
وقال آخرون : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان قال : أخبرنا ابن جريح عن مجاهد و عطاء " وألزمهم كلمة التقوى " قال أحدهما : الإخلاص ، وقال الآخر : كلمة التقوى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .
وقوله " وكانوا أحق بها وأهلها " يقول تعالى ذكره : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أهل كلمة التقوى دون المشركين .
ذكر أنها في قراءة عبد الله وكانوا أهلها وأحق بها
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وكانوا أحق بها وأهلها " وكان المسلون أحق بها ، وكانوا أهلها : أي التوحيد ، وشهادة أن لا إله إلأا الله ، وأن محمد عبده ورسوله .
وقوله " وكان الله بكل شيء عليما " يقول تعالى ذكره : ولم يزل الله بكل شيء ذا علم ، لا يخفى عليه شيء هو كائن ، ولعلمه أيها الناس بما يحدث من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه .
قوله تعالى : " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما "
العامل في ( إذ ) قوله تعالى : ( لعذبنا ) أي لعذبناهم إذ جعلوا هذا ، أو فعل مضمر تقديره واذكروا " الحمية " فعيلة وهي الأنفة ، يقال : حميت عن كذا حمية ( بالتشديد ) ومحمية إذا أنفت منه وداخلك وأنفة أن تفعله ، منه قول المتلمس :
ألا إنني منهم وعرضي عرضهم كذي الأنف يحمي أنفه أن يكشما
أي يمنع ، قال الزهري : حميهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومنعهم من دخول مكة ، وكان الذي امتنع من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله : سهيل بن عمرو ، على ما تقدم ، وقال ابن بحر : حميتهم عصبيتهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، والأنفة من أن يعبدوا غيرها ، وقيل : ( حمية الجاهلية ) إنهم قالوا : قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا ، واللات والعزى لا يدخلونها أبداً ، " فأنزل الله سكينته " أي الطمأنينة والوقار " على رسوله وعلى المؤمنين " وقيل : ثبتهم على الرضا والتسليم ، ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية " وألزمهم كلمة التقوى " قيل :
لا إله إلا الله ، روي مرفوعاً ، من حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول علي وابن عمر وابن عباس ، و عمرو بن ميمون و مجاهد و قتادة و عكرمة و الضحاك و سلمة بن كهيل و عبيد بن عمير و طلحة بن مصرف ، و الربيع و السدي و ابن زيد ، وقاله عطاء الخراساني ، وزاد ( محمد رسول الله ) وعن علي وابن عمر أيضاً : هي لا إله إلا الله والله أكبر ، وقال عطاء بن أبي رباح و مجاهد أيضاً : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وقال الزهري : بسم الله الرحمن الرحيم ، يعني أن المشركين لم يقروا بهذه الكلمة ، فخص الله بها المؤمنين ، و( كلمة التقوى ) هي التي يتقي بها من الشرك ، وعن مجاهد أيضاً أن ( كلمة التقوى ) الإخلاص ، " وكانوا أحق بها وأهلها " أي أحق بها من كفار مكة ، لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه " وكان الله بكل شيء عليما " .
يقول تعالى مخبراً عن الكفار من مشركي العرب من قريش, ومن ما لأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم "هم الذين كفروا" أي هم الكفار دون غيرهم "وصدوكم عن المسجد الحرام" أي أنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر "والهدي معكوفاً أن يبلغ محله" أي صدوا الهدي أن يصل وهذا من بغيهم وعنادهم, وكان الهدي سبعين بدنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى, وقوله عز وجل: "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم, لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل, ولهذا قال تعالى: " لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة " أي إثم وغرامة "بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء" أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين, وليرجع كثير منهم إلى الإسلام, ثم قال تبارك وتعالى: "لو تزيلوا" أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم "لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً" أي لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلاً ذريعاً.
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج, حدثنا عبد الرحمن بن أبي عباد المكي, حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد مولى بني هاشم, حدثنا حجر بن خلف قال: سمعت عبد الله بن عوف يقول: سمعت جنيد بن سبع يقول: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً, وقاتلت معه آخر النهار مسلماً, وفينا نزلت "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" قال: كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين, ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به, وقال فيه عن أبي جمعة جنيد بن سبع فذكره, والصواب أبو جعفر حبيب بن سباع, ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف به: قال: كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة, وفينا نزلت "ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات" وقال ابن أبي حاتم, حدثنا علي بن الحسين, حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري. حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة عن أبي حمزة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً" يقول لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلهم إياهم.
وقوله عز وجل: "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية" وذلك حين أبوا أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم, وأبوا أن يكتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله "فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى" وهي قول "لا إله إلا الله" كما قال ابن جرير وعبد الله بن الإمام أحمد. حدثنا الحسن بن قزعة أبو علي البصري حدثنا سفيان بن حبيب, حدثنا شعبة عن ثور عن أبيه عن الطفيل, يعني ابن أبي بن كعب عن أبيه رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وألزمهم كلمة التقوى" قال "لا إله إلا الله" وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة, وقال غريب لا نعرفه إلا من حديثه, وسألت أبا زرعة عنه فلم يعرفه إلا من هذا الوجه, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثني الليث, حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله, فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل" وأنزل الله في كتابه وذكر قوماً فقال: "إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون" وقال الله جل ثناؤه: "وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها" وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله, فاستكبروا عنها, واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية فكاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدة, وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري, والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري والله أعلم.
وقال مجاهد: كلمة التقوى الإخلاص, وقال عطاء بن أبي رباح هي "لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير" وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور "وألزمهم كلمة التقوى" قال "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن عباية بن ربعي عن علي رضي الله عنه "وألزمهم كلمة التقوى" قال: "لا إله إلا الله والله أكبر " وكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما , وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى "وألزمهم كلمة التقوى" قال يقول شهادة أن لا إله إلا الله وهي رأس كل تقوى, وقال سعيد بن جبير "وألزمهم كلمة التقوى" قال "لا إله إلا الله والجهاد في سبيله" وقال عطاء الخراساني هي لا إله إلا الله محمد رسول الله وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري "وألزمهم كلمة التقوى" قال "بسم الله الرحمن الرحيم". وقال قتادة "وألزمهم كلمة التقوى" قال "لا إله إلا الله" "وكانوا أحق بها وأهلها" كان المسلمون أحق بها وكانوا أهلها "وكان الله بكل شيء عليماً" أي هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر, وقد قال النسائي: حدثنا إبراهيم بن سعيد, حدثنا شبابة بن سوار عن أبي رزين عن عبد الله بن العلاء بن نوير عن بشر بن عبد الله عن أبي إدريس عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقرأ "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية" ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام, فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأغلظ له فقال إنك لتعلم أني كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمني مما علمه الله تعالى, فقال عمر رضي الله عنه: بل أنت رجل عندك علم وقرآن, فاقرأ وعلم مما علمك الله تعالى ورسوله.
وهذا ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح
قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة بن الزبير, عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً, وساق معه الهدي سبعين بدنة, وكان الناس سبعمائة رجل, فكانت كل بدنة عن عشرة, وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش, قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل, قد لبست جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبداً, وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب, ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا, وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون, وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة, فماذا تظن قريش فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهرني الله عز وجل أو تنفرد هذه السالفة" ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة, قال فسلك بالجيش تلك الطريق, فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم, ركضوا راجعين إلى قريش, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس خلأت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما خلأت وما ذلك لها بخلق, ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة, والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها".
ثم قال صلى الله عليه وسلم للناس: "انزلوا" قالوا: يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس, فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه, فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فيه, فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن. فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة, فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان, فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد صلى الله عليه وسلم, إن محمداً لم يأت لقتال إنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحقه, فاتهموهم. قال محمد بن إسحاق: قال الزهري وكانت خزاعة في عيبة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, مشركها ومسلمها لا يخفون على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شيئاً كان بمكة, فقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فوالله لا يدخلها أبداً علينا عنوة, ولا يتحدث بذلك العرب, ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي, فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا رجل غادر" فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم, كلمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بنحو مما تكلم مع أصحابه, ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني, وهو يومئذ سيد الأحابيش, فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي" فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله, رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى فقال: يا معشر قريش لقد رأيت ما لا يحل صد الهدي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس على محله, قالوا: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك.
فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ, وقد عرفتم أنكم والد وأنا ولد, وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس ثم جئت بهم لبيضتك لنقضها, إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل, قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبداً, وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً, قال وأبو بكر رضي الله عنه قاعد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: امصص بظر اللات أنحن ننكشف عنه ؟ قال من هذا يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "هذا ابن أبي قحافة "قال: أما والله لو لا يد كانت لك عندي لكافأتك بها, ولكن هذه بها, ثم تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديد, قال: فقرع يده ثم قال أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل والله أن لا تصل إليك قال ويحك ما أفظك وأغلظك! فتبسم رسول الله قال: من هذا يا محمد ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة" قال: أغدر, وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس ؟ قال: فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه, وأخبره بأنه لم يأت يريد حرباً. قال فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ وضوءاً إلا ابتدروه, ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه, ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه, فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما, والله ما رأيت ملكاً قط مثل محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه, ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً فروا رأيكم.
قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة, وحمله على جمل له يقال له الثعلب, فلما دخل مكة عقرت به قريش وأرادوا قتل خراش, فمنعتهم الأحابيش حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدعا عمر رضي الله عنه ليبعثه إلى مكة فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي وليس بها من بني عدي أحد يمنعني. وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها, ولكن أدلك على رجل هو أعز مني بها عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال: فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبعثه يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد, وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته, فخرج عثمان رضي الله عنه حتى أتى مكة, فلقيه أبان بن سعيد بن العاص, فنزل عن دابته وحمله بين يديه أردفه خلفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فانطلق عثمان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش, فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به, فقالوا لعثمان رضي الله عنه: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به, فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: واحتبسته قريش عندها قال: وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه قد قتل.
قال محمد: فحدثني الزهري أن قريشاً بعثوا سهيل بن عمرو وقالوا: ائت محمداً فصالحه ولا تلن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا, فوالله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبداً, فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل". فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, تكلما وأطالا الكلام وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح, فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب, وثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأتى أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر أوليس برسول الله ؟ أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا عمر الزم غرزه حيث كان فإني أشهد أنه رسول الله. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا أشهد, ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أولسنا بالمسلمين ؟ أوليسوا بالمشركين ؟ قال صلى الله عليه وسلم "بلى" قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني" ثم قال عمر رضي الله عنه: ما زلت أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ, حتى رجوت أن يكون خيراً.
قال: ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: لا أعرف هذا, ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتب باسمك اللهم. هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" فقال له سهيل بن عمرو لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك, ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين, يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض, على أنه من أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليه رده عليه, ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه, ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه, فتواثبت خزاعة فقالوا, نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده, وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم, وأنك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة, وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك وأقمت بها ثلاثا, معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه, دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه قال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال "صدقت" فقام إليه فأخذ بتلابيبه قال وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معشر المسلمين أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني قال فزاد الناس شرا إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله تعالى جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا, فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا وإنا لن نغدر بهم" قال فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فجعل يمشي مع أبي جندل, ويقول اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب, قال ويدني قائم السيف منه, قال يقول رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضن الرجل بأبيه, قال ونفذت القضية, فلما فرغا من الكتاب, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل, قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا أيها الناس انحروا واحلقوا " قال: فما قام أحد, قال ثم عاد صلى الله عليه وسلم بمثلها, فما قام رجل, ثم عاد صلى الله عليه وسلم بمثلها فما قام رجل, فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فقال "يا أم سلمة ما شأن الناس ؟" قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما رأيت, فلا تكلمن منهم إنساناً واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق, فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلم أحداً حتى إذا أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق, قال: فقام الناس ينحرون ويحلقون, حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح, هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه, وهكذا رواه يونس بن بكير وزياد البكائي عن أبي إسحاق بنحوه وفيه إغراب.
وقد رواه أيضاً عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به نحوه, وخالفه في أشياء, وقد رواه البخاري رحمه الله في صحيحه فساقه سياقة حسنة مطولة بزيادات جيدة, فقال في كتاب الشروط من صحيحه: حدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم, يصدق كل واحد منهم حديث صاحبه, قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه, فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة, وبعث عيناً له من خزاعة وسار, حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال: إن قريشاً قد جمعوا لك جموعاً وقد جمعوا لك الأحابيش, وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك. فقال صلى الله عليه وسلم: "أشيروا أيها الناس علي, أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت ؟" وفي لفظ: "أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم, فإن يأتونا كان الله قد قطع عنقاً من المشركين, وإلا تركناهم محزونين", وفي لفظ "فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين محرونين, وإن نجوا يكن عنقاً قطعها الله عز وجل. أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه".
فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت, لا تريد قتل أحد ولا حرباً, فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه, وفي لفظ: فقال أبو بكر رضي الله عنه: الله ورسوله علم إنما جئنا معتمرين ولم نجىء لقتال أحد, ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فروحوا إذن" وفي لفظ "فامضوا على اسم الله تعالى" حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيراً لقريش, وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته, فقال الناس: جل حل فألحت, فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل, ثم قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً, فلم يلبث الناس حتى نزحوه, وشكي إلى رسول الله العطش, فانتزع صلى الله عليه وسلم من كنانته سهماً ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.
فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة, وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة, فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية, معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نجىء لقتال أحد, ولكن جئنا معتمرين, وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب, فأضرت بهم, فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس, فإن أظهر, فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جمه, وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره". قال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا قد جئنا من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً, فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا, فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا, فحدثهم بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم ألستم بالوالد ؟ قالوا: بلى, قال: أولست بالولد ؟ قالوا: بلى, قال: فهل تتهمونني ؟ قالوا: لا, قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ, فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته, فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم له نحواً من قوله لبديل بن ورقاء, فقال عروة عند ذلك: أي محمد, أرأيت إن استأصلت أمر قومك, هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك ؟ وإن تك الأخرى فإني والله لأرى وجوهاً, وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك, فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات أنحن نفر وندعه ؟ قال: من ذا ؟ قالوا أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته صلى الله عليه وسلم, والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم, ومعه السيف وعليه المغفر, وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرفع عروة رأسه وقال: من هذا ؟ قال: المغيرة بن شعبة. قال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك ؟ وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم, ثم جاء فأسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الإسلام فأقبل, وأما المال فلست منه في شيء".
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده, وإذا أمرهم ابتدروا أمره, وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه, وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون النظر إليه تعظيماً له صلى الله عليه وسلم فرجع عروة إلى أصحابه. فقال: أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي, والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً, والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده, وإذا أمرهم ابتدروا أمره, وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده, وما يحدون النظر إليه تعظيماً له, وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
فقال رجل منهم من بني كنانة: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له". فبعثت واستقبله الناس يلبون. فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت, فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص, فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا مكرز وهو رجل فاجر" فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم , فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو, وقال معمر: أخبرني أيوب عن عكرمة أنه قال: لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد سهل لكم من أمركم" قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتاباً. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بعلي رضي الله عنه وقال: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو, ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اكتب باسمك اللهم ـ ثم قال ـ هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك, ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني, اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري: وذلك لقوله: "والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل, فكتب فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً ؟.
فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا لم نقض الكتاب بعد" قال: فوالله إذاً لا أصالحك على شيء أبداً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيز ذلك لك قال "بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً, ألا ترون ما قد لقيت ؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله عز وجل. قال عمر رضي الله عنه: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبي الله حقاً ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بلى" قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال صلى الله عليه وسلم "بلى" قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟". قلت: لا . قال صلى الله عليه وسلم: فإنك آتيه ومطوف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً ؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً ؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه, وهو ناصره فاستمسك بغرزه, فوالله إنه على الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال بلى, أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت: لا . قال: فإنك تأتيه وتطوف به.
قال الزهري قال عمر رضي الله عنه: فعملت لذلك أعمالاً. قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات, فلما لم يقم منهم أحد دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها, فذكر لها ما لقي من الناس, قالت له أم سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك, نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً, ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات " حتى بلغ "بعصم الكوافر" فطلق عمر رضي الله عنه يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك, فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان, والأخرى صفوان بن أمية.
ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم, فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا, فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى إذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم, فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً, فاستله الاخر فقال: أجل والله إنه لجيد, لقد جربت منه ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الاخر حتى أتى المدينة, فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه "لقد رأى هذا ذعراً" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا رسول الله قد والله أوفى الله ذمتك, قد رددتني إليهم ثم نجاني الله تعالى منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد".
فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم, فخرج حتى أتى سيف البحر قال وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل, فلحق بأبي بصير, فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير, جتى اجتمعت منهم عصابة, فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها, فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم, فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأنزل الله عز وجل: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة" ـ حتى بلغ ـ "حمية الجاهلية" وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه رسول الله, ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم, وحالوا بينهم وبين البيت. هكذا ساقه البخاري ههنا, وقد أخرجه في التفسير وفي عمرة الحديبية وفي الحج وغير ذلك من حديث معمر وسفيان بن عيينة, كلاهما عن الزهري به. ووقع في بعض الأماكن عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وهذا أشبه والله أعلم, ولم يسقه أبسط من ههنا, وبينه وبين سياق ابن إسحاق تباين في مواضع, وهناك فوائد ينبغي إضافتها إلى ما هنا, ولذلك سقنا تلك الرواية وهذه والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
وقال البخاري في التفسير: حدثنا أحمد بن إسحاق السلمي, حدثنا يعلى, حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال: أتيت أبا وائل أسأله, فقال كنا بصفين, فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله, فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: نعم, فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين, ولو نرى قتالاً لقاتلنا, فجاء عمر رضي الله عنه فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ فقال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً" فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ فقال: يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً, فنزلت سورة الفتح. وقد رواه البخاري أيضاً في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طرق أخر عن أبي وائل سفيان بن سلمة عن سهل بن حنيف به, وفي بعض ألفاظه: يا أيها الناس اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل, ولو أقدر على أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددته, وفي رواية: فنزلت سورة الفتح فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأها عليه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: إن قريشاً صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم سهيل بن عمرو, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: لا ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم, ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم. فقال صلى الله عليه وسلم: "اكتب من محمد رسول الله" قال: لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك, ولكن اكتب اسمك واسم أبيك, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتب من محمد بن عبد الله" واشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لا نرده عليكم, ومن جاءكم منا رددتموه علينا, فقال: يا رسول الله أنكتب هذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله" رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضاً, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عكرمة بن عمار قال حدثني سماك عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما خرجت الحرورية اعتزلوا فقلت لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين, فقال لعلي رضي الله عنه: "اكتب يا علي هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" قالوا لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امح يا علي اللهم إنك تعلم أني رسولك امح يا علي واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله" والله لرسول الله خير من علي وقد محا نفسه ولم يكن محوه ذلك يمحوه من النبوة أخرجت من هذه ؟ قالوا نعم ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار اليمامي بنحوه وروى الإمام أحمد عن يحيى بن آدم عن زهير بن حرب عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة فيها جمل لأبي جهل فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها.
والظرف في قوله: 26- "إذ جعل الذين كفروا" منصوب بفعل مقدر: أي اذكر وقت جعل الذين كفروا "في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية" وقيل متعلق بعذبنا، والحمية: الأنفة، يقال فلان ذو حمية: أي ذو أنفة وغضب: أي جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم، والجعل بمعنى الإلقاء، وحمية الجاهلية بدل من الحمية. قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان، قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا، فتتحدث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا، واللات والعزى لا يدخلونها علينا، فهذه الحمية هي حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم. وقال الزهري. حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. قرأ الجمهور "لو تزيلوا" وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وابن عون لو تزايلوا والتزايل التباين "فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين" أي أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحمية، وقيل ثبتهم على الرضى والتسليم "وألزمهم كلمة التقوى" وهي لا إله إلا الله كذا قال الجمهور، وزاد بعضهم محمد رسول الله وزاد بعضهم وحده لا شريك له. وقال الزهري في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير، فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها، والأول أولى، لأن كلمة التوحيد هي التي يتقي بها الشرك بالله، وقيل كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد والثبات عليه "وكانوا أحق بها وأهلها" أي وكان المؤمنون أحق بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم، لأن الله سبحانه أهلهم لدينه وصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
26. " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية "، حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وأنكروا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحمية: الأنفة، يقال: فلان ذو حمية إذا كان ذا غضب وأنفة.
قال مقاتل : قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا، [فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا] على رغم أنفنا، واللات والعزى لا يدخلونها علينا، فهذه (( حمية الجاهلية ))، التي دخلت قلوبهم.
" فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين "، حتى لم يدخلهم ما دخلهم من الحمية فيعصوا الله في قتالهم، " وألزمهم كلمة التقوى "، قال ابن عباس، و مجاهد ، و الضحاك ، و قتادة ، و عكرمة ، و السدي ، و ابن زيد ، وأكثر المفسرين: كلمة التقوى (( لا إله إلاالله )).
وروي عن أبي بن مكعب مرفوعاً.
وقال علي وابن عمر: " كلمة التقوى " لا إله إلا الله والله أكبر.
وقال عطاء بن أبي رباح : هي لا غله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وقال الزهري : هي بسم الله الرحمن الرحيم.
" وكانوا أحق بها "، من كفار مكة، " وأهلها "، أي وكانوا أهلها في علم الله، لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير، " وكان الله بكل شيء عليماً ".
26-" إذ جعل الذين كفروا " مقدر باذكر أو ظرف " لعذبنا " أو " صدوكم " . " في قلوبهم الحمية " الأنفة . " حمية الجاهلية " التي تمنع إذعان الحق . " فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين " فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي " أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو أو حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام ، فأجابهم وكتبوا بينهم كتاباً ، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا :لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة ، فقال عليه الصلاة والسلام : اكتب ما يريدون " . فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا ." وألزمهم كلمة التقوى " كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم ، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة الـ" كلمة " إلى " التقوى " لأنها سببها أو كلمة أهلها . " وكانوا أحق بها " من غيرهم " وأهلها " والمستأهلين لها " وكان الله بكل شيء عليماً " فيعلم أهل كل شيء وييسره له .
26. When those who disbelieve had set up in their hearts zealotry, the zealotry of the Age of Ignorance, then Allah sent down His peace of reassurance upon His messenger and upon the believers and imposed on them the word of self restraint, for they were worthy of it and meet for it. And Allah is Aware of all things.
26 - While the Unbelievers got up in their hearts heat and cant the heat and cant of Ignorance, God sent down His Tranquillity to his Apostle and to the Believers, and made them stick close to the command of self restraint; and well were they entitled to it and worthy of it. And God has full knowledge of all things.