[محمد : 25] إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ
25 - (إن الذين ارتدوا) بالنفاق (على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول) أي زين (لهم وأملى لهم) بضم أوله وبفتحه واللام والمملي الشيطان بإرادته تعالى فهو المضل لهم
وقوله " إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى " يقول الله عزوجل إن الذين رجعوا القهقرى على أعقابهم كفاراً بالله من بعد ما تبين لهم الحق وقصد السبيل ، فعرفوا واضح الحجة ثم آثروا الضلال على الهدى عناداً لأمر الله تعالى ذكره من بعد العلم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى " هم أعداء الله أهل الكتاب ، يعرفون بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندهم ، ثم يكفرون به .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " من بعد ما تبين لهم الهدى " أنهم يجدونه مكتوباً عندهم .
وقال آخرون : عني بذلك أهل النفاق .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله " إن الذين ارتدوا على أدبارهم " ... إلى قوله " فأحبط أعمالهم " هم أهل النفاق .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله " إن الذين ارتدوا على أدبارهم " ...إلى " إسرارهم " هم أهل النفاق . وهذه الصفة بصفة أهل النفاق عندنا ، أشبه منها بصفة أهل الكتاب وذلك أن الله عزوجل أخبر أن ردتهم كانت بقيلهم ( للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر ) ولو كانت بصفة أهل الكتاب ، لكان في وصفهم بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم الكفاية من الخبر عنهم بأنهم إنما ارتدوا من أجل قيلهم ما قالوا .
وقوله " الشيطان سول لهم " يقول تعالى ذكره : الشيطان زين لهم ارتدادهم عللى أدبارهم ، من بعد ما تبين لهم الهدى.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " الشيطان سول لهم وأملى لهم " يقول : زين لهم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " سول لهم " يقول : زين لهم .
وقوله " وأملى لهم " يقول : ومد الله لهم في آجلهم ملاوة من الدهر ، ومعنى الكلام : الشيطان سول لهم ، والله أملى لهم .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة " وأملى لهم " بفتح الألف منها بمعنى : وأملى الله لهم . وقرأ ذلك بعض أهل المدينة والبصرة وأملي لهم على وجه ما لم يسم فاعله .
وقرأ مجاهد فيما ذكر عنه وأملي بضم الألف وإرسال الياء على وجه الخبر من الله جل ثناؤه عن نفسه أنه يفعل ذلك لهم .
وأولى هذه القراءات بالصواب ، التي عليها عامة قراء الحجاز والكوفة من فتح الألف في ذلك ، لأنها القرائة المستفيضة في قرأة الأمصار ، وإن كان يجمعها مذهب تتقارب معانيها فيه .
قوله تعالى : " إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم "
قال قتادة : هم كفار أهل الكتاب ، كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعدما عرفوا نعته عندهم ، قاله ابن جريج ، وقال ابن عباس و الضحاك و السدي : هم المنافقون ، قعدوا عن القتال بعدما علموه في القرآن ، " الشيطان سول لهم " أي زين لهم خطاياهم ، قاله الحسن ، " وأملي لهم " أي مد لهم الشيطان في الأمل ووعدهم طول العمل ، عن الحسن أيضاً ، وقال : إن الذي أملى لهم في الأمل ومد في آجالهم هو الله عز وجل ، قاله الفراء و المفضل ، وقال الكلبي و مقاتل : إن معنى ( أملي لهم ) أمهلهم ، فعلى هذا يكون الله تعالى أملي لهم بالإمهال في عذابهم ، وقرأ أبو عمرو و ابن أبي إسحاق و عيسى بن عمر و أبو جعفر و شيبة ( وأملي لهم ) بضم الهمزة وكسر اللام وفتح الياء ، على ما لم يسم فاعله ، وكذلك قرأ ابن هرمز و مجاهد و الجحدري و يعقوب ، إلا أنهم سكنوا الياء على وجه الخبر من الله تعالى : عن نفسه أنه يفعل ذلك بهم ، كأنه قال : وأنا أملي لهم ، واختاره أبو حاتم ، قال : لأن فتح الهمزة يوهم أن الشيطان يملي لهم ، وليس كذلك ، فلهذا عدل إلى الضم ، قال المهدوي : ومن قرأ ( وأملى لهم ) فالفاعل اسم الله تعالى ، وقيل الشيطان ، واختار أبو عبيد قراءة العامة ، قال : لأن المعنى معلوم ، لقوله : " لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه " [ الفتح : 9 ] ، رد التسبيح على اسم الله ، والتوقير والتعزير على اسم الرسول .
يقول تعالى آمراً بتدبر القرآن وتفهمه وناهياً عن الإعراض عنه فقال: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" أي بل على قلوب أقفالها, فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه, قال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها, فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به. ثم قال تعالى: "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى" أي فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر "من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم" أي زين لهم ذلك وحسنه "وأملى لهم" أي غرهم وخدعهم "ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر" أي ما لؤوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون. ولهذا قال الله عز وجل: "والله يعلم إسرارهم" أي ما يسرون وما يخفون, الله مطلع عليه وعالم به كقوله تبارك وتعالى: "والله يكتب ما يبيتون".
ثم قال تعالى: "فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" أي كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعاصت الأرواح في أجسادهم واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب, كما قال سبحانه وتعالى: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" الاية. وقال تعالى: " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم " أي بالضرب "أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" ولهذا قال ههنا: "ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم".
25- "إن الذين ارتدوا على أدبارهم" أي رجعوا كفاراً كما كانوا، قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوا نعته عندهم، وبه قال ابن جرير: وقال الضحاك والسدي: هم المنافقون قعدوا عن القتال، وهذا أولى لأن السياق في المنافقين "من بعد ما تبين لهم الهدى" بما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات الظاهرة والدلائل الواضحة "الشيطان سول لهم" أي زين لهم خطاياهم وسهل لهم الوقوع فيها، وهذه الجملة خبر إن، ومعنى "وأملى لهم" أن الشيطان مد لهم في الأمل ووعدهم طول العمر، وقيل إن الذي أملى لهم هو الله عز وجل على معنى أنه لم يعاجلهم بالعقوبة. قرأ الجمهور "أملى" مبنياً للفاعل، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وأبو جعفر وشيبة على البناء للمفعول. قيل وعلى هذه القراءة يكون الفاعل هو الله أو الشيطان كالقراءة الأولى، وقد اختار القول بأن الفاعل الله الفراء والمفضل، والأولى اختيار أنه الشيطان لتقدم ذكره قريباً.
25. " إن الذين ارتدوا على أدبارهم "، رجعوا كفاراً، " من بعد ما تبين لهم الهدى "، قال قتادة : هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم.
وقال ابن عباس، و الضحاك ، و السدي : هم المنافقون.
" الشيطان سول لهم "، زين لهم القبيح، " وأملى لهم "، قرأ أهل البصرة بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله، وقرأ مجاهد بإرسال الياء على وجه الخبر من الله عز وجل عن نفسه أنه يفعل ذلك، وتروى هذه القراءة عن يعقوب ، وقرأ الآخرون: ((وأملى لهم)) بفتح الألف، أي: وأملى الشيطان لهم، مد لهم في الأمل.
25-" إن الذين ارتدوا على أدبارهم " أي ما كانوا عليه من الكفر ." من بعد ما تبين لهم الهدى " بالدلائل الواضحات والمعجزات الظاهرة " الشيطان سول لهم " سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء . وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني ، وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واواً لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل ، ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرئ سول على تقدير مضاف أي كيد الشيطان " سول لهم " . " وأملى لهم " ومد لهم في الأمال والأماني ، أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب وأملي لهم أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف ، وقرأ أبو عمرو وأملي لهم على البناء للمفعول وهو ضمير " الشيطان " أو " لهم " .
25. Lo! those who turn back after the guidance hath been manifested unto them, Satan hath seduced them, and He giveth them the rein.
25 - Those who turn back as apostates after Guidance was clearly shown to them, the Evil One has instigated them and buoyed them up with false hopes.