[محمد : 24] أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
24 - (أفلا يتدبرون القرآن) فيعرفون الحق (أم) بل (على قلوب) لهم (أقفالها) فلا يفهمونه
يقول تعالى ذكره : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكرون في حججه التي بينها لهم في تنزيله فيعلمون بها خطأ ما هم عليه مقيمون " أم على قلوب أقفالها " يقول : أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " إذاً والله يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله ، لو تدبره القوم فعقلوه ، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك .
حدثنا إسماعيل بن حفص الأيلي قال ثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال : ما من آدمي إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وما يصلحه من معيشته ، وعينان في قلبه لدينه ، وما وعد الله من الغيب ، فإذا أراد الله بعبد خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه ، وإذا أراد الله به غير ذلك طمس عليهما ، فذلك قوله " أم على قلوب أقفالها " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا ثور بن يزيد قال : ثنا خالد بن معدان قال : مامن الناس أحد إلا وله أربع أربع أعين ، عينان في وجهه لمعيشته، وعينان في قلبه ، وما من أحد إلا وله شيطان متبطن فقار ظهره ، عاطف عنقه على عنقه ، فاغر فاه إلى ثمرة قلبه ، فإذا أراد الله بعبد خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه ما وعد الله من الغيب ، فعمل به ، وهما غيب ، فعمل بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد شراً تركته ثم قرأ " أم على قلوب أقفالها " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا الحكم قال : ثنا عمرو عن ثور عن خالد بن معدان بنحوه إلا أنه قال : ترك القلب على ما فيه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد قال : ثنا حماد بن زيد قال : ثنا هشام بن عروة عن أبيه قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها ، حتى يكون الله عزوجل أو يفرجها . فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به " .
الثانية قوله تعالى : " أفلا يتدبرون القرآن " أي يتفهمونه فيعلمون ما أعد الله للذين لم يتولوا عن الإسلام ، " أم على قلوب أقفالها " أي بل على قلوب أقفال أقفلها الله عز وجل عليهم فهم لا يعقلون ، وهذا يرد على القدرية والإمامية مذهبهم ، وفي حديث مرفوع " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن عليها أقفالاً كأقفال الحديد حتى يكون الله يفتحها " ، وأصل القف اليبس والصلابة ويقال لما يبس من الشجر : القفل : والقفيل مثله ، والقفيل أيضاً نبت والقفيل : الصوت قال الراجز :
لما أتاك يابساً قرشباً قمت إليه بالقفيل ضرباً
كيف قريت شيخك الأزبا
القرشب ( بكسر القاف ) المسن ، عن الأصمعي ، وأقفله الصوم أي أيبسه ، قاله القشيري و الجوهري ، فالأقفال هاهنا إشارة إلى ارتياج القلب وخلوه عن الإيمان ، أي لا يدخل قلوبهم الإيمان ولا يخرجد منها الكفر ، لأن الله تعالى طبع على قلوبهم وقال : ( على قلوب ) لأنه لو قال على قلوبهم لم يدخل قلب غيرهم في هذه الجملة ، والمراد أم على قلوب هؤلاء وقلوب من كانوا بهذه الصفة أقفالها .
الثالثة : في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ من القطيعة قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذاك لك ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرءوا إن شئتم " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم * أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " " ، وظاهر الآية أنها خطاب لجميع الكفار ، وقال قتادة وغيره ، معنى الآية فلعلكم ، أو يخاف عليكم ، إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض لسفك الدماء ، قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى ! ألم يسفكوا الدماء الحرام ويقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن ، فالرحم على هذا رحم دين الإسلام والإيمان ، التي قد سماها الله إخوة بقوله تعالى : " إنما المؤمنون إخوة " [ الحجرات : 10 ] ، وعلى قول الفراء ، أن الآية نزلت في بني هاشم وبني أمية ، والمراد من أضمر منهم نفاقاً ، فأشار بقطع الرحم إلى ما كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من القرابة بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوجب القتال ، وبالجملة فالرحم على وجهين : عامة وخاصة ، فالعامة رحم الدين ، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم ، والنصيحة وترك مضارتهم والعدل بينهم ، والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة ، كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم ، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم ، وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه ، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة ، كالنفقة وتفقد أحوالهم ، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم ، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة ، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب ، وقال بعض أهل العلم : إن الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم محرم ، وعليه فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال ، وقيل : بل هذا في كل رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث ، محرماً كان أو غير محرم ، فيخرج من هذا أن رحم الأم التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم ، وهذا ليس بصحيح والصواب أن كل ما يشمله ويعمه الرحم تجب صلته على كل حال ، قربة ودينية ، على ما ذكرناه أولاً والله أعلم ، وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده ، قال حدثنا شعبة قال أخبرني محمد بن عبد الجبار قال سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث " عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن للرحم لساناً يوم القيامة تحت العرش يقول يا رب قطعت يا رب ظلمت يا رب أسيء إلي فيجيبها ربها ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك " ، وفي صحيح مسلم عن جبير بن مطعم " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة قاطع " ، قال ابن أبي عمر قال سفيان : يعني قاطع رحم ، ورواه البخاري .
الرابعة : قوله عليه السلام : " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم " ، ( خلق ) بمعنى اخترع وأصله التقدير ، كما تقدم ، والخلق هنا بمعنى المخلوق ، ومنه قوله تعالى : " هذا خلق الله " [ لقمان : 11 ] ، أي مخلوقه ، ومعنى ( فرغ منهم ) كمل خلقهم ،لا أنه اشتغل بهم ثم فرغ من شغله بهم ، إذ ليس فعله بمباشرة ولا مناولة ، ولا خلقه بآلة ولا محاولة ، تعالى عن ذلك ، وقوله : ( قامت الرحم فقالت ) يحمل على أحد وجهين : أحدهما ، أن يكون الله تعالى أقام من يتكلم عن الرحم من الملائكة فيقول ذلك ، وكأنه وكل بهذه العبادة من يناضل عنها ويكتب ثواب من وصلها ووزر من قطعها ، كما وكل الله بسائر الأعمال كراماً كاتبين ، وبمشاهدة أوقات الصلوات ملائكة متعاقبين ، وثانيهما ، أن ذلك على جهة التقدير والتمثيل المفهم للإعياء وشدة الاعتناء ، فكأنه قال : لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت هذا الكلام ، كما قال تعالى : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " ثم قال : " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " [ الحشر : 21 ] ، وقوله : ( فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة ) مقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم ، وأن الله سبحانه قد نزلها بمنزلة من استجار به فأجاره ، وأدخله في ذمته وخفارته ، وإذا كان كذلك فجار الله غير مخذول وعهده غير منقوض ، ولذلك قال مخاطباً للرحم ، ( أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ، وهذا كما قال عليه السلام : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله تعالى فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه بذمته بشيء يدركه ثم يكبه في النار على وجهه " .
يقول تعالى آمراً بتدبر القرآن وتفهمه وناهياً عن الإعراض عنه فقال: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" أي بل على قلوب أقفالها, فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه, قال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا هشام بن عروة عن أبيه رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها, فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به. ثم قال تعالى: "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى" أي فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر "من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم" أي زين لهم ذلك وحسنه "وأملى لهم" أي غرهم وخدعهم "ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر" أي ما لؤوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون. ولهذا قال الله عز وجل: "والله يعلم إسرارهم" أي ما يسرون وما يخفون, الله مطلع عليه وعالم به كقوله تبارك وتعالى: "والله يكتب ما يبيتون".
ثم قال تعالى: "فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" أي كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعاصت الأرواح في أجسادهم واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب, كما قال سبحانه وتعالى: "ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم" الاية. وقال تعالى: " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم " أي بالضرب "أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون" ولهذا قال ههنا: "ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم".
والاستفهام في قوله: 24- "أفلا يتدبرون القرآن" للإنكار، والمعنى: أفلا يتفهمونه فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة والحجج الظاهرة والبراهين القاطعة التي تكفي من له فهم وعقل وتزجره عن الكفر بالله والإشراك به والعمل بمعاصيه "أم على قلوب أقفالها" أم هي المنقطعة: أي بل أعلى قلوب أقفالها فهم لا يفهمون ولا يعقلون. قال مقاتل: يعني الطبع على القلوب والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الحق، وإضافة الأقفال إلى القلوب للتنبيه على أن المراد بها ما هو للقلوب بمنزلة الأقفال للأبواب، ومعنى الآية أنه لا يدخل في قلوبهم الإيمان ولا يخرج منها الكفر والشرك، لأن الله سبحانه قد طبع عليها، والمراد بهذه القلوب قلوب هؤلاء المخاطبين. قرأ الجمهور "أقفالها" بالجمع، وقرئ " أقفالها " بكسر الهمزة على أنه مصدر كالإقبال.
24. " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "، فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه، و ((أم)) بمعنى ((بل)).
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأني عقيل بن محمد ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، أخبرنا محمد بن جرير ، حدثنا بشر ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا هشام بن عروة عن أبي قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به.
24-" أفلا يتدبرون القرآن " يتصفحونه وما فيه من المواعظ الزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي . " أم على قلوب أقفالها " لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر ، وقيل " أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير ، وتنكير القلوب لأن القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو للإشعار بأنها لإبهام أمرها في القساوة ، أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبى لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة . وقرئ إقفالها على المصدر .
24. Will they then not meditate on the Quran, or are there locks on the hearts?
24 - Do they not then earnestly seek to understand the Quran, or are their hearts locked up by them?