[الأحقاف : 35] فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
35 - (فاصبر) على أذى قومك (كما صبر أولوا العزم) ذوو الثبات والصبر على الشدائد (من الرسل) قبلك فتكون ذا عزم ومن للبيان فكلهم ذوو عزم وقيل للتبغيض فليس منهم آدم لقوله تعالى ولم نجد له عزما ولا يونس لقوله تعالى ولا تكن كصاحب الحوت (ولا تستعجل لهم) لقومك نزول العذاب بهم فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل بهم لا محالة (كأنهم يوم يرون ما يوعدون) من العذاب في الآخرة لطوله (لم يلبثوا) في الدنيا في ظنهم (إلا ساعة من نهار) هذا القرآن (بلاغ) تبليغ من الله إليكم (فهل) أي لا (يهلك) عند رؤية العذاب (إلا القوم الفاسقون) أي الكافرون
يقول تعالى ذكره لنبيه محد صلى الله عليه وسلم ، مثبتة على المضي لما قلده من عبء الرسالة ، وثقل أحمال النبوة صلى الله عليه وسلم ، وآمره بالائتسام في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لقوا فيه من قومهم من المكاره ، ونالهم فيه منهم من الاذى والشدائد " فاصبر " يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالإنذار " كما صبر أولو العزم " على القيام بأمر الله ، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره ما نالهم فيه من شدة .
وقيل : إن أولي العزم منهم ، كانوا الذين امتحنوا في ذات الله في الدنيا بالمحن ، فلم تزدهم المحن إلا جلداً في أمر الله ، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : : أخبرنا ابن وهب ، قال :ثني ثوابة بن مسعود، عن عطاء الحراساني ، أنه قال " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتاد " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " كنا نحدث أن إبراهيم كان منهم .
حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قوله " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " قال : كل الرسل كانوا أولي عزم لم يتخذ الله رسولاً إلا ذا عزم ، فاصبر كما صبروا .
حدثنا ابن سنان القزاز قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : ثنا إسرائيل عن سالم عن سعيد بن جبير في قوله " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " قال : سماه الله من شدته العزم .
وقوله " ولا تستعجل لهم " يقول : ولا تستعجل عليهم بالعذاب ، يقول : لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم فإن ذلك نازل بهم لا محالة " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " يقول : كأنهم يوم يرون عذاب الله الذي يعدهم أنه منزل بهم ، لم يلبثوا في الدنيا ساعة من نهار ،لأنه ينسيهم شدة ما ينزل شدة ما ينزل بهم من عذابه ، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا ، ومبلغ ما فيها مكثوا من السنين و الشهور كما قال جل ثناؤه " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين " (المؤمنون :112-113)
وقوله " بلاغ " فيه وجهان : أحدهما أن يكون معناه : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ذلك لبث بلاغ ، بمعنى : ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أثم حذفت ذلك لبث ، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها . و الآخر : أن يكون معناه : هذا القرآن و التذكير بلاغ لهم وكفاية ، إن فكروا واعتبروا فتذكروا .
وقوله " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " يقول تعالى ذكره : فهل يهلك الله بعذابه إذا أنزله إلا القوم الذين خالفوا أمره وخرجوا عن طاعته وكفروا به . ومعنى الكلام : وما يهلك الله إلا القوم الفاسقين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا سعيد عن قتادة ، في قوله " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " تعلموا ما يهلك على الله إلا هالك ولى الإسلام ظهره ، أومنافق صدق بلسانه وخالف بعمله .
ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أيما عبد من أمتي هم بحسنة كتبت به واحدة ، وإن عملها كتبت له عشرة أمثالها . وأيما عبد هم بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، ثم كان يتبعها ، ويمحوها الله ولا يهلك إلا هالك " .
قوله تعالى : " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " قال ابن عباس : ذوو الحزم والصبر ، قال مجاهد هم خمسة : نوح ، وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام ، وهم أصحاب الشرائع وقال أبو العالية : إن أولي العزم : نوح وهود ، وإبراهيم فأمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم ، وقال السدي هو ستة : إبراهيم وموسى ، وسليمان وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين ، وقيل : نوح ، وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء ، وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه مدة ، وإبراهيم صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر ، ويوسف صبر على البئر والسجن ، وأيوب صبر على الضر ، وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم وقال الشعبي و الكلبي و مجاهد أيضاً : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدو الكفرة ، وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط واختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " [ الأنعام : 90 ] ، وقال ابن عباس أيضاً : كل الرسل كانوا أولي عزم ، واختاره علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنما دخلت ( من ) للتجنيس لا للتبعيض ، ، كما تقول : اشتريت أردية من البز وأكسية من الخز ، أي اصبر كما صبر الرسل ، وقيل : كل الأنبياء أولو عزم إلا يونس بن متى ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يكون مثله ، لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولي مغاضباً لقومه ، فابتلاه الله بثلاث سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه ، قاله أبو القاسم الحكيم ، وقال بعض العلماء ، أولو العزم اثنا عشر نبياً أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إلى الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله بني إسرائيل ، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب ، وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حرق بالنار ، والله أعلم ، وقال الحسن : أولوا العزم أربعة : إبراهيم وموسى وداود وعيسى ، فأما إبراهيم فقيل له " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " [ البقرة : 131 ] ، ثم ابتلي في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقاً وافياً في جميع ما ابتلي به ، وأما موسى فعزمه حين قال له قومه " إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين " [ الشعراء : 61 - 62 ] ، وأما داود فأخطأ خطيئته فنبه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها ، وأما عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها ، فكان الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : اصبر ، أي كن صادقاً فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم ، واثقاً بنصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتماً بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود زاهداً في الدنيا مثل زهد عيسى ، ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف ، وقيل محكمة ، والأظهر أنها منسوخة ، لأن السورة مكية ، وذكر مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فأمره الله عز وجل أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم ، من الرسل ، تسهيلاً عليه وتثبيتاً له والله أعلم : " ولا تستعجل لهم " قال مقاتل : بالدعاء عليهم وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة ، ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب : " كأنهم يوم يرون ما يوعدون " قال يحيى : من العذاب ، النقاش : من الآخرة : "لم يلبثوا " أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى .
وقال النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب ، " إلا ساعة من نهار " يعني في جنب يوم القيامة ، وقيل : نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا ، ثم قال : " بلاغ " أي هذا القرآن بلاغ ، قاله الحسن : ( بلاغ ) رفع على إضمار مبتدأ ، دليله قوله تعالى " هذا بلاغ للناس ولينذروا به " [ إبراهيم : 52 ] ، وقوله : " إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين " [ الأنبياء : 106 ] ، والبلاغ بمعنى التبليغ ، وقيل : أي إن ذلك اللبث بلاغ ، قاله ابن عيسى ، فيوقف على هذا على ( بلاغ ) وعلى ( نهار ) وذكر أبو حاتم أن بعضهم وقف على ( ولا تستعجل ) ثم ابتدأ ( لهم ) على معنى لهم بلاغ ، قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ، لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، وهي رافعة بشيء ليس منهما ويجوز في العربية : بلاغاً وبلاغ على معنى إلا ساعة بلاغاً ، على المصدر أو على النعت للساعة ، والخفظ على معنى من نهار بلاغ ، وبالنصب قرأ عيسى بن عمر و الحسن ، وروي عن بعض القراء ( بلغ ) على الأمر ، فعلى هذه القراءة يكون الوقف على ( من نهار ) ثم يبتدئ ( بلغ ) " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " أي الخارجون عن أمر الله ، قاله ابن عباس وغيره ، وقرأ ابن محيصن ( فهل يهلك إلا القوم ) على إسناد الفعل إلى القوم ، وقال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، ويه : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " [ النازعات : 46 ] ، " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " صدق الله العظيم . وعن قتادة : لا يهلك الله إلا هالكاً مشركاً ، وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء ، والله أعلم .
يقول تعالى: أولم ير هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد "أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن" أي ولم يكرثه خلقهم بل قال لها كوني فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة بل طائعة مجيبة وجلة, أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال عز وجل في الاية الأخرى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ولهذا قال تعالى: "بلى إنه على كل شيء قدير". ثم قال جل جلاله مهدداً ومتوعداً لمن كفر به "ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق" أي يقال لهم أما هذا حق أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ؟ "قالوا بلى وربنا" أي لا يسعهم إلا الاعتراف " قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ثم قال تبارك وتعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه: "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" أي على تكذيب قومهم لهم. وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال وأشهرها أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم, قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى, وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل فتكون "من" في قوله من الرسل لبيان الجنس, والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي, حدثنا السري بن حيان, حدثنا عباد بن عباد, حدثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها:" ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً ثم طواه ثم ظل صائماً ثم طواه ثم ظل صائماً ثم قال: يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لال محمد, يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على محبوبها, ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال: "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله " "ولا تستعجل لهم" أي لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تبارك وتعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا " وكقوله تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار" كقوله جل وعلا: "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" وكقوله عز وجل: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم" الاية. وقوله جل وعلا: "بلاغ". قال ابن جرير يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون تقديره, وذلك لبث بلاغ, والاخر أن يكون تقديره هذا القرآن بلاغ. وقوله تعالى: "فهل يهلك إلا القوم الفاسقون" أي لا يهلك على الله إلا هالك, وهذا من عدله عز وجل أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب, والله أعلم.
لما قرر سبحانه الأدلة على النبوة والتوحيد والمعاد أمر رسوله بالصبر فقال: 34- " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " والفاء جواب شرط محذوف: أي إذا عرفت ذلك وقامت عليه البراهين ولم ينجع في الكافرين فاصبر كما صبروا أولوا العزم: أي أرباب الثبات والحزم فإنك منهم. قال مجاهد: أولوا العزم من الرسل خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهم أصحاب الشرائع. وقال أبو العالية: هم نوح وهود وإبراهيم، فأمر الله رسوله أن يكون رابعهم. وقال السدي. هم ستة إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وموسى. وقال ابن جريح: إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم يونس. وقال الشعبي والكلبي: هم الذين أمروا بالقتال، فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة، وقيل هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر: إبراهيم وإسحاق ويعقوب ونوح وداود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوط. واختار هذا الحسين بن الفضل لقوله بعد ذكرهم: "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" وقيل إن الرسل كلهم أولو العزم، وقيل هم اثنا عشر نبياً إلى بني إسرائيل. وقال الحسن: هم أربعة: إبراهيم وموسى وداود وعيسى "ولا تستعجل لهم" أي لا تستعجل العذاب يا محمد للكفار. لما أمره سبحانه بالصبر ونهاه عن استعجال العذاب لقومه رجاء أن يؤمنوا قال: "كأنهم يوم يرون ما يوعدون" من العذاب "لم يلبثوا إلا ساعة من نهار" أي كأنهم يوم يشاهدونه في الآخرة لم يلبثوا في الدنيا إلا قدر ساعة من ساعات الأيام لما يشاهدونه من الهول العظيم والبلاء المقيم. قرأ الجمهور "بلاغ" بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هذا الذي وعظتهم به بلاغ، أو تلك الساعة بلاغ، أو هذا القرآن بلاغ، أو هو مبتدأ، والخبر لهم الواقع بعد قوله: "ولا تستعجل" أي لهم بلاغ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وزيد بن علي بلاغاً بالنصب على المصدر: أي بلغ بلاغاً، وقرأ أبو مجلز بلغ بصيغة الأمر. وقرئ بلغ بصيغة الماضي " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " قرأ الجمهور فهل يهلك على البناء للمفعول. وقرأ ابن محيصن على البناء للفاعل، والمعنى: أنه لا يهلك بعذاب الله إلا القوم الخارجون عن الطاعة الواقعون في معاصي الله. قال قتادة: لا يهلك على الله إلا هالك مشرك. قيل وهذه الآية أقوى آية في الرجاء. قال الزجاج: تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن منيع والحاكم وصححه ابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن مسعود قال: هبطوا، يعني الجن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه قالوا أنصتوا، قالوا صه، وكانوا تسعة أحدهم زوبعة، فأنزل الله: " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن " إلى قوله: "ضلال مبين". وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه عن الزبير " وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن " قال: بنخلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة "كادوا يكونون عليه لبداً". وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه "وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن" الآية. قال كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً إلى قومهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم نحوه أيضاً قال: صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين وكانوا أشراف الجن بنصيبين. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن مسروق قال: سألت ابن مسعود من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ قال: آذنته بهم شجرة. وأخرج عبد بن حميد وأحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود: هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم أحداً ليلة الجن؟ قال: ما صحبه منا أحد، ولكنا فقدناه ذات ليلة، فقلنا اغتيل، استطير، ما فعل؟ قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حراء، فأخبرناه فقال: إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن، فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لية الجن. وقد روي نحو هذا من طرق. والجمع بين الروايات بالحمل على قصتين وقعت منه صلى الله عليه وسلم مع الجن حضر إحداهما ابن مسعود ولم يحضر في الأخرى. وقد وردت أحاديث كثيرة أن الجن بعد هذا وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة وأخذوا عنه الشرائع. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: " أولو العزم من الرسل " النبي صلى الله عليه وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى. وأخرج ابن مردويه عنه قال: هم الذين أمروا بالقتال حتى مضوا على ذلك نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان. وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: بلغني أن أولي العزم من الرسل كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر. وأخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن عائشة قالت: ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً ثم طوى، ثم ظل صائماً ثم طوى، ثم ظل صائماً قال: يا عائشة إن الدين لا ينبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال: " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي، ولا قوة إلا بالله.
35. " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل "، قال ابن عباس: ذوو الحزم. وقال الضحاك : ذوو الجد والصبر.
واختلفوا فيهم، فقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم، لم يبعث الله نبياً إلا كان ذا عزم وحزم، ورأي وكمال عقل، وإنما أدخلت ((من)) للتجنيس لا للتبعيض، كما يقال: اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز.
وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى، لعجلة كانت منه، ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (( ولا تكن كصاحب الحوت ))؟
وقال قوم: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام، وهم ثمانية عشر، لقوله تعالى بعد ذكرهم: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " (الأنعام-90).
وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين.
وقيل: هم ستة، نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وموسى، عليهم السلام، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء.
وقال مقاتل : هم ستة: نوح، صبر على أذى قومه، ةوإبراهيم، صبر على النار، وإسحاق، صبر على الذبح، ويعقوب، صبر على فقد ولده وذها ببصره، ويوسف، صبر على البئر والسجن، وأيوب، صبر على الضر.
وقال ابن عباس و قتادة : هم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، أصحاب الشرائع، فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة.
قلت: ذكرهم الله على التخصيص في قوله: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " (الأحزاب-7)، وفي قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً " (الشورى-13).
أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ، حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، أخبرنا محمد بن الحجاج ، أخبرنا السري بن حيان ، أخبرنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال: قالت عائشة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها، والصبر على مجهودها، ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم، وقال: (( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل )) وإني والله لا بد لي من طاعته، والله لأصبرن كما صبروا، وأجهدن كما جهدوا، ولا قوة إلا بالله ".
قوله تعالى: " ولا تستعجل لهم "، أي ولا تستعجل العذاب لهم، فإنه نازل بهم لا محالة، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم، فأمر بالصبر وترك الاستعجال.
ثم أخبر عن قرب العذاب فقال: " كأنهم يوم يرون ما يوعدون "، من العذاب في الآخرة، " لم يلبثوا "، [في الدنيا]، " إلا ساعةً من نهار "، أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار، لأن ما مضى وإن كان طويلاً كأن لم يكن.
ثم قال: " بلاغ "، أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم، والبلاغ بمعنى التبليغ، " فهل يهلك "، بالعذاب إذا نزل " إلا القوم الفاسقون "، الخارجون من أمر الله.
قال الزجاج : تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون، ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية.
35-" فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " أولو الثبات والجد منهم فإنك من جملتهم ، و " من " للتبيين ، وقيل للتبعيض ، و " أولو العزم " منهم أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ، ومشاهيرهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى عليهم السلام . وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه ، وإبراهيم على النار وذبح ولده والذبيح على الذبح ، ويعقوب على فقد الولد والبصر ، ويوسف على الجب والسجن ، وأيوب على الضر ، وموسى قال له قومه " إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين " ، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة ، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة . " ولا تستعجل لهم " لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة . " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار " استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة . " بلاغ " هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية ، أو تبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام ويؤيده أنه قرئ بلغ ، وقيل " بلاغ " مبتدأ خبره " لهم " و " ما " بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم ، وقرئ بالنصب اي بلغوا بلاغاً . " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " الخارجون عن الاتعاظ أو الطاعة ، وقرئ يهلك بفتح اللام وكسرها من هلك وهلك ، ونهلك بالنون ونصب القوم . عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الأحقاف كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا " .
35. Then have patience (O Muhammad) even as the stout of heart among the messengers (of old) had patience, and seek not to hasten on the doom for them. On the day when they see that which they are promised (it will seem to them) as though they had tarried but an hour of daylight. A clear message. Shall any be destroyed save evil living folk?
35 - Therefore patiently persevere, as did (all) apostles of inflexible purpose; and be in no haste about the (Unbelievers). On the Day that they see the (Punishment) promised them, (it will be) as if they had not tarried more than an hour in a single day. (Thine but) to proclaim the Message: but shall any be destroyed except those who transgress?