[الأحقاف : 25] تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ
25 - (تدمر) تهلك (كل شيء) مرت عليه (بأمر ربها) بإرادته أي كل شيء أراد إهلاكه بها فأهلكت رجالهم ونساءهم وصغارهم وأموالهم بأن طارت بذلك بين السماء والأرض ومزقته وبقي هود ومن آمن معه (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك) كما جزيناهم (نجزي القوم المجرمين) غيرهم
وقوله " تدمر كل شيء بأمر ربها " :يقول تعالى ذكره : تخرب كل شيء وترمي بعضه على بعض فتهلكه ، كما قال جرير :
وكان لكم كبكر ثمود لما رغا ظهراً فدمرهم دماراً
يعني بقوله : دمرهم : القى بعضهم على بعض صرعى هلكى .
وإنما عنى بقوله " تدمر كل شيء بأمر ربها " مما أرسلت بهلاكه ، لأنها لم تدمر هوداً ومن كان آمن به .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا طلق ، عن زائدة عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا ، فنزع خاتمه .
وقوله " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " يقول : فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا فلا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها .
واختلفت القراء في قراءة قوله " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " فقرأ ذلك عامة قراء المدينة و البصرة : لا ترى إلا مساكنهم بالتاء نصباً ، بمعنى : فأصبحوا لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة " لا يرى إلا مساكنهم " بالياء في يرى ورفع المساكن ، بمعنى : ما وصفت قبل أنه لا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم . وروى الحسن البصري : لا ترى التاء . وبأي القراءتين اللتين ذكرت من قراة أهل المدينة الكوفة قرأ ذلك القارئ فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قرئ قوله " يرى " بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قرئ قوله ترى بالتاء وفتحها وأما التي حكيت عن الحسن ، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة ، وإنما قبحت لأن العرب تذكر الأفعال التي قبل إلا ، وأن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث ، فتقول : ما قام إلا أختك ما جاءني إلا جاريتك ، ولا يكادون يقولون : ما جائني إلا جاريتك ، وذلك أن الحذوف قبل إلا أحد ، أو شيء واحد ، وشيء يذكر العرب ،وإن عني بهما المؤنث ، فتقول : إن جاءك منهن أحد فأكرمه ، ولا يقولون : إن جاءتك ، وكان الفراء يجيزها على الاستكراه ، ويذكر أن المفضل أنشده :
ونارك لم تر ناراً مثلها قد علمت ذاك معد أكرما
فأنث فعل مثل لأنه للنار ، قال : وأجود الكلام أن تقول : ما رؤي مثلها .
وقوله " كذلك نجزي القوم المجرمين " يقول تعالى ذكره : كما جزينا عاداً بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا ، فأهلكناهم بعذابنا ، كذلك نجري القوم الكافرين بالله من خلقنا ، إذ تمادوا في غيهم وطغوا على ربهم .
فهي التي قال الله تعالى فيها : " تدمر كل شيء بأمر ربها " أي كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها ، قال ابن عباس : أي كل شيء بعثت إليه ، والتدمير : الهلاك ، وكذلك الدمار ، وقرئ ( يدمر كل شيء ) من دمر دماراً ، يقال : دمره تدميراً ودماراً ودمر عليه بمعنى ، ودمر يدمر دموراً دخل بغير إذن ، وفي الحديث : " من سبق طرفه استئذانه فقد دمر " ، مخفف الميم ، وتدمر : بلد بالشام ، ويربوع تدمري إذا كان صغيراً قصيراً . " بأمر ربها " بإذن ربها ، وفي البخاري " عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم قالت : وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف في وجهه ، قالت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العاذب فقالوا هذا عارض ممطرنا "، خرجه مسلم و الترمذي ، وقال فيه : حديث حسن ، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " ، وذكر الماوردي أن القائل : ( هذا عارض ممطرنا ) من قوم عاد : بكر بن معاوية ، ولما رأى السحاب قال : إني لأرى سحاباً مرمداً ، لا تدع من عاد أحداً ، فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم قال ابن إسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما يلين أعلى ثيابهم ، وتلتذ الأنفس به ، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا ، وحكى الكلبي : أن شاعرهم قال في ذلك :
فدعا هود عليهم دعوةً ‎أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم تركت عاداً خمودا
سخرت سبع ليال لم تدع في الأرض عودا
وعمر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة ، " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " قرأ عاصم و حمزة (لا يرى إلا مساكنهم ) بالياء غير مسمى الفاعل ، وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إلا أنه قرأ ( ترى ) بالتاء ، وقد روي ذلك عن أبي بكر عن عاصم .
الباقون ( ترى ) بتاء مفتوحة ، ( مساكنهم ) بالنصب ، أي لا ترى يا محمد إلا مساكنهم ، قال المهدوي : ومن قرأ بالتاء غير مسمى الفاعل فعلى لفظ الظاهر هو المساكن المؤنثة ، وهو قليل لا يستعمل إلا في الشعر ، وقال أبو حاتم : لا يستقيم هذا في اللغة إلا أن يكون فيها إضمار ، كما تقول في الكلام ألا ترى النساء إلا زينب ، ولا يجوز لا ترى إلا زينب ، وقال سيبويه : معناه لا ترى أشخاصهم إلا مساكنهم ، وأختار أبو عبيد و أبو حاتم قراءة عاصم و حمزة ، قال الكسائي : معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم ، فهو محمول على المعنى ، كما تقول : ما قام إلا هند ، والمعنى ما قام أحد إلا هند ، وقال الفراء : لايرى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل ، وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة " كذلك نجزي القوم المجرمين " أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين .
يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذب من قومه "واذكر أخا عاد" وهو هود عليه الصلاة والسلام, بعثه الله عز وجل إلى عاد الأولى وكانوا يسكنون الأحقاف, جمع حقف وهو الجبل من الرمل, قاله ابن زيد, وقال عكرمة: الأحقاف الجبل والغار, وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الأحقاف واد بحضرموت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار, وقال قتادة: ذكر لنا أن عاداً كانوا حياً باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال الشحر, قال ابن ماجه: باب إذا دعا فليبدأ بنفسه. حدثنا الحسين بن علي الخلال, حدثنا أبي, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يرحمنا الله وأخا عاد" وقوله تعالى: "وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه" يعني وقد أرسل الله تعالى إلى من حول بلادهم في القرى مرسلين ومنذرين كقوله عز وجل: "فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها" وكقوله جل وعلا: " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله " " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي قال لهم هود ذلك فأجابه قومه قائلين "أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ؟" أي لتصدنا عن آلهتنا "فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" استعجلوا عذاب الله وعقوبته استبعاداً منهم وقوعه كقوله جلت عظمته "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها" "قال إنما العلم عند الله" أي الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فسيفعل ذلك بكم وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما أرسلت به "ولكني أراكم قوماً تجهلون" أي لا تعقلون ولا تفهمون.
قال الله تعالى: " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم " أي لما رأوا العذاب مستقبلهم, اعتقدوا أنه عارض ممطر, ففرحوا واستبشروا به وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر. قال الله تعالى: "بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم" أي هو العذاب الذي قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين "تدمر" أي تخرب "كل شيء" من بلادهم مما من شأنه الخراب "بأمر ربها" أي بإذن الله لها في ذلك كقوله سبحانه وتعالى: "ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم" أي كالشيء البالي ولهذا قال عز وجل: "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم" أي قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية "كذلك نجزي القوم المجرمين" أي هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا. وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جداً من غرائب الحديث وأفراده. قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب, حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي قال: حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة, فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال فحملتها فأتيت بها المدينة, فإذا المسجد غاص بأهله, وإذا راية سوداء تخفق, وإذا بلال رضي الله عنه, متقلداً السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس ؟ قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص رضي الله عنه وجهاً قال: فجلست فدخل منزله, أو قال رحله, فاستأذنت عليه فأذن لي, فدخلت فسلمت, فقال صلى الله عليه وسلم: "هل كان بينكم وبين تميم شيء ؟" قلت: نعم وكان لنا الدائرة عليهم, ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها, فسألتني أن أحملها إليك فهاهي بالباب, فأذن لها فدخلت فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزاً فاجعل الدهناء فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال: قلت إن مثلي ما قال الأول معزى حملت حتفها, حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصماً, أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد, قال "وما وافد عاد ؟" وهو أعلم بالحديث منه, ولكن يستطعمه, قلت: إن عاداً قحطوا فبعثوا وفداً لهم يقال له قيل, فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان, فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة, فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير أفاديه, اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه, فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر. فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها, خذها رماداً رمدداً, لا تبقى من عاد أحداً, قال: فلما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا قال أبو وائل: وصدق وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد. ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه كما تقدم في سورة الأعراف.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف, أخبرنا ابن وهب, أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى رأيت منه لهوته إنما كان يبتسم وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه, قالت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح, وقد رأى قوم العذاب وقالوا هذا عارض ممطرنا" وأخرجاه من حديث ابن وهب.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئاً في أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه" فإن كشفه الله تعالى حمد الله عز وجل, وإن أمطر قال: "اللهم صيباً نافعاً".
(طريق أخرى) قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر الطاهر, أخبرنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به, وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به قالت: وإذا تخبلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر, فإذا أمطرت سري عنه, فعرفت ذلك عائشة رضي الله عنها, فسألته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد "فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا"" وقد ذكرنا قصة هلاك قوم عاد في سورة الأعراف وهود بما أغنى عن إعادته هنا, ولله تعالى الحمد والمنة.
وقال الطبراني: حدثنا عبدان بن أحمد, حدثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي, حدثنا أبو مالك بن مسلم الملائي عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم, ثم أرسلت عليهم البدو إلى الحضر, فلما رآها أهل الحضر قالوا هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتهم, وكان أهل البوادي فيها, فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا ـ قال ـ عتت على خزانها حتى خرجت من خلال الأبواب ", والله سبحانه وتعالى أعلم.
24- "تدمر كل شيء بأمر ربها" هذه الجملة صفة ثانية لريح: أي تهلك كل شيء مرت به من نفوس عاد وأموالها، والتدمير: الإهلاك، وكذا الدمار، وقرئ يدمر بالتحتية مفتوحة وسكون الدال وضم الميم ورفع كل على الفاعلية من دمر دماراً، ومعنى "بأمر ربها" أن ذلك بقضائه وقدره " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " أي لا ترى أنت يا محمد أو كل من يصلح للرؤية إلا مساكنهم بعد ذهاب أنفسهم وأموالهم. قرأ الجمهور "لا ترى" بالفوقية على الخطاب، ونصب "مساكنهم". وقرأ حمزة وعاصم بالتحتية مضمونة مبنياً للمفعول ورفع مساكنهم. قال سيبويه: معناه لا يرى أشخاصهم إلا مساكنهم، واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الثانية. قال الكسائي والزجاج: معناها لا يرى شيء إلا مساكنهم فهي محمولة على المعنى كما تقول: ما قال إلا هند، والمعنى: ما قام أحد إلا هند، وفي الكلام حذف، والتقدير: فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم "كذلك نجزي القوم المجرمين" أي مثل ذلك الجزاء نجزي هؤلاء، وقد مر بيان هذه القصة في سورة الأعراف.
25. " تدمر كل شيء "، مرت به من رجال عاد وأموالها، [ " بأمر ربها " ]، فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجاً من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاء الريح فقلعت أبوابهم وصرعتم، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام، لهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتم فرمت بهم البحر.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني ، أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ، أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث، أخبرنا النضر. حدثه عن سليمان بن يسار، عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه بياض لهواته، وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه، فقلت: يارسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية، فقال: (( يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: " هذا عارض ممطرنا " الآية.
" فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم "، قرأ عاصم، و حمزة ، و يعقوب : ((يرى)) بضم الياء ((مساكنهم)) برفع النون، يعني: لا يرى شيء إلا مساكنهم، وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها، ((مساكنهم)) نصب يعني لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم لأن السكان والأنعام بادت بالريح، فلم يبق إلا هود ومن آمن معه. " كذلك نجزي القوم المجرمين ".
25-" تدمر " تهلك . " كل شيء " من نفوسهم و أحوالهم . " بأمر ربها " إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته ،وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مراراً ، وقرئ يدمر كل شيء من دمر دماراً إذا هلك فيكون العائد محذوفاً أو الهاء في " ربها " ويحتمل أن يكون استئنافاً للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضياً لا يتقدم ولا يتأخر ، وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم ، وقرأ عاصم و حمزة و الكسائي لا يرى إلا مساكنهم بالياء المضمومة ورفع المساكن " كذلك نجزي القوم المجرمين " روي أن هوداً عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة ، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانة أيام ، ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر .
25. Destroying all things by commandment of its Lord. And morning found them so that naught could be seen save their dwellings. Thus do We reward the guilty folk.
25 - Everything will it destroy by the command of its Lord! Then by the morning they nothing was to be seen but (the ruins of) their houses! Thus do We recompense those given to sin!