[الأحقاف : 23] قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ
23 - (قال) هود (إنما العلم عند الله) هو الذي يعلم متى يأتيكم العذاب (وأبلغكم ما أرسلت به) إليكم (ولكني أراكم قوما تجهلون) باستعجالكم العذاب
يقول تعالى ذكره : قال هود لقومه عاد : " إنما العلم " بوقت مجيء ما أعدكم به من عذاب الله على كفركم به عند الله ، لا أعلم من ذلك إلا ما علمني " وأبلغكم ما أرسلت به " يقول : و إنما أنا رسول إليكم من الله ، مبلغ أبلغكم عنه ما أرسلني به من الرسالة " ولكني أراكم قوماً تجهلون " مواضع حظوظ أنفسكم ، فلا تعرفون ما عليها من المضرة بعبادتكم غير الله ، وفي استعجال عذابه .
قوله تعالى : " قال إنما العلم " بوقت مجيء العذاب ، " عند الله " لا عندي " وأبلغكم ما أرسلت به " عن ربكم ، " ولكني أراكم قوما تجهلون " في سؤالكم استعجال العذاب .
يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذب من قومه "واذكر أخا عاد" وهو هود عليه الصلاة والسلام, بعثه الله عز وجل إلى عاد الأولى وكانوا يسكنون الأحقاف, جمع حقف وهو الجبل من الرمل, قاله ابن زيد, وقال عكرمة: الأحقاف الجبل والغار, وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الأحقاف واد بحضرموت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار, وقال قتادة: ذكر لنا أن عاداً كانوا حياً باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال الشحر, قال ابن ماجه: باب إذا دعا فليبدأ بنفسه. حدثنا الحسين بن علي الخلال, حدثنا أبي, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يرحمنا الله وأخا عاد" وقوله تعالى: "وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه" يعني وقد أرسل الله تعالى إلى من حول بلادهم في القرى مرسلين ومنذرين كقوله عز وجل: "فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها" وكقوله جل وعلا: " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود * إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن لا تعبدوا إلا الله " " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي قال لهم هود ذلك فأجابه قومه قائلين "أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا ؟" أي لتصدنا عن آلهتنا "فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين" استعجلوا عذاب الله وعقوبته استبعاداً منهم وقوعه كقوله جلت عظمته "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها" "قال إنما العلم عند الله" أي الله أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فسيفعل ذلك بكم وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما أرسلت به "ولكني أراكم قوماً تجهلون" أي لا تعقلون ولا تفهمون.
قال الله تعالى: " فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم " أي لما رأوا العذاب مستقبلهم, اعتقدوا أنه عارض ممطر, ففرحوا واستبشروا به وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر. قال الله تعالى: "بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم" أي هو العذاب الذي قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين "تدمر" أي تخرب "كل شيء" من بلادهم مما من شأنه الخراب "بأمر ربها" أي بإذن الله لها في ذلك كقوله سبحانه وتعالى: "ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم" أي كالشيء البالي ولهذا قال عز وجل: "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم" أي قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية "كذلك نجزي القوم المجرمين" أي هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا. وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جداً من غرائب الحديث وأفراده. قال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب, حدثني أبو المنذر سلام بن سليمان النحوي قال: حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة, فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال فحملتها فأتيت بها المدينة, فإذا المسجد غاص بأهله, وإذا راية سوداء تخفق, وإذا بلال رضي الله عنه, متقلداً السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما شأن الناس ؟ قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص رضي الله عنه وجهاً قال: فجلست فدخل منزله, أو قال رحله, فاستأذنت عليه فأذن لي, فدخلت فسلمت, فقال صلى الله عليه وسلم: "هل كان بينكم وبين تميم شيء ؟" قلت: نعم وكان لنا الدائرة عليهم, ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها, فسألتني أن أحملها إليك فهاهي بالباب, فأذن لها فدخلت فقلت: يا رسول الله إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزاً فاجعل الدهناء فحميت العجوز واستوفزت وقالت: يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال: قلت إن مثلي ما قال الأول معزى حملت حتفها, حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصماً, أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد, قال "وما وافد عاد ؟" وهو أعلم بالحديث منه, ولكن يستطعمه, قلت: إن عاداً قحطوا فبعثوا وفداً لهم يقال له قيل, فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان, فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة, فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير أفاديه, اللهم اسق عاداً ما كنت تسقيه, فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر. فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها, خذها رماداً رمدداً, لا تبقى من عاد أحداً, قال: فلما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا قال أبو وائل: وصدق وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد. ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه كما تقدم في سورة الأعراف.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هارون بن معروف, أخبرنا ابن وهب, أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى رأيت منه لهوته إنما كان يبتسم وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه, قالت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح, وقد رأى قوم العذاب وقالوا هذا عارض ممطرنا" وأخرجاه من حديث ابن وهب.
(طريق أخرى) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئاً في أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه" فإن كشفه الله تعالى حمد الله عز وجل, وإن أمطر قال: "اللهم صيباً نافعاً".
(طريق أخرى) قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر الطاهر, أخبرنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدثنا عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به, وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به قالت: وإذا تخبلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر, فإذا أمطرت سري عنه, فعرفت ذلك عائشة رضي الله عنها, فسألته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد "فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا"" وقد ذكرنا قصة هلاك قوم عاد في سورة الأعراف وهود بما أغنى عن إعادته هنا, ولله تعالى الحمد والمنة.
وقال الطبراني: حدثنا عبدان بن أحمد, حدثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي, حدثنا أبو مالك بن مسلم الملائي عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم, ثم أرسلت عليهم البدو إلى الحضر, فلما رآها أهل الحضر قالوا هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتهم, وكان أهل البوادي فيها, فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا ـ قال ـ عتت على خزانها حتى خرجت من خلال الأبواب ", والله سبحانه وتعالى أعلم.
22- "قال إنما العلم عند الله" أي إنما العلم بوقت مجيئه عند الله لا عندي "وأبلغكم ما أرسلت به" إليكم من ربكم من الإنذار والإعذار، فأما العلم بوقت مجيء العذاب فما أوحاه إلي "ولكني أراكم قوماً تجهلون" حيث بقيتم مصرين على كفركم ولم تهتدوا بما جئتكم به، بل اقترحتم علي ما ليس من وظائف الرسل.
23. " قال "، هود، " إنما العلم عند الله "، وهو يعلم متى يأتيكم العذاب " وأبلغكم ما أرسلت به "، من الوحي، " ولكني أراكم قوماً تجهلون ".
23-" قال إنما العلم عند الله " لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فاستعجل به ، وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له . " وأبلغكم ما أرسلت به " إليكم وما على الرسول إلا البلاغ . " ولكني أراكم قوماً تجهلون " لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين ومنذرين لا معذبين مقترحين .
23. He said: The knowledge is with Allah only. I convey unto you that wherewith I have been sent, but I see you are a folk that know not.
23 - He said: The Knowledge (of when it will come) is only with God: I proclaim to you the mission on which I have been sent: but I see that ye are a people in ignorance!