[الأحقاف : 15] وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
15 - (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) وفي قراءة إحسانا أي أمرناه أن يحسن إليهما فنصب إحسانا على المصدر بفعله المقدر ومثله حسنا (حملته أمه كرها ووضعته كرها) على مشقة (وحمله وفصاله) من الرضاع (ثلاثون شهرا) ستة أشهر أقل مدة الحمل والباقي أكثر مدة الرضاع وقيل إن حملت به ستة أو تسعة أرضعته الباقي (حتى) غاية لجملة مقدرة أي وعاش حتى (إذا بلغ أشده) هو كمال قوته وعقله ورأيه أقله ثلاث وثلاثون سنة أو ثلاثون (وبلغ أربعين سنة) أي تمامها وهو أكثر الأشد (قال رب) الخ نزل في ابي بكر الصديق لما بلغ أربعين سنة بعد سنتين من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ثم آمن أبواه ثم ابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن أبو عتيق (أوزعني) ألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت) بها (علي وعلى والدي) وهي التوحيد (وأن أعمل صالحا ترضاه) فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله (وأصلح لي في ذريتي) فكلهم مؤمنون (إني تبت إليك وإني من المسلمين)
يقول تعالى ذكره : ووصينا ابن آدم بوالديه الحسن في صحبته إياهما حياتهما ، و البر بهما في حياتهما و بعد مماتهما .
واختلفت القراء في قراءة قوله حسناً فقرأته عامة قراء المدينة و البصرة حسناً بضم الحاء على التأويل الذي وصفت . وقرأ ذلك علمة قراء الكوفة " إحساناً " بالألف ، بمعنى : ووصيناه بالإحسان إليهما . و بأي ذلك قرأفمصيب ، لتقارب معاني ذلك ، و استفاضة القراءة بكل واحدة منهما في القراء .
وقوله " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " يقول تعالى ذكره : ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً براً بهما ، لما كان منهما إليه حملاً ووليداً و ناشئاً . ثم وصف جل ثناؤه ما لديه من نعمة أمه ، و ما لقت منه في حال حمله ووضعه ، ونبهه على الواجب لها عليه من البر ، و استحقاقها عليه من الكرامة و جميل الصحبة ، فقال : " حملته أمه " يعني في بطنها كرهاً ، يعني مشقة ، " ووضعته كرهاً "يقول : وولدته كرهاً يعني مشقة .
كما حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " يقول : حملته مشقة ، ووضعته مشقة .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة و الحسن في قوله " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " قالا : حملته مشقة ، ووضعته مشقة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، إن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله " حملته أمه كرهاً " قال : مشقة عليها.
واختلفت القراء في قراءة قوله " كرهاً" فقرأته عامة قراء المدينة و البصرة كرهاً بفتح الكاف و قرأته عامة قراء الكوفة " كرهاً " بضمها ، وقد بينت اختلاف المختلفين في ذلك قبل إذا فتح إذا ضم في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
و الصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، متقاربتان المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله " و حمله و فصاله ثلاثون شهراً"يقول تعالى ذكره : وحمل أمه إياه جنيناً في بطنها و فصاله إياه من الرضاع ، و فطمها إياه شرب اللبن ثلاثون شهراً .
واختلفت القراء في قراءة قوله " و فصاله " فقرأ ذلك عامة قراءة الأمصار غير الحسن البصري " وحمله وفصاله " بمعنى : فاصلته أمه فصالاً و مفاصلة ، وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه وحمله وفصله بفتح الفاء بغير ألف ، بمعنى : وفصل أمه إياه .
والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليه وشذ ما خالفه .
وقوله " حتى إذا بلغ أشده " اختلف أهل التأويل في مبلغ حد ذلك من السنين ، فقال بعضهم : ثلاث و ثلاثون سنة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن إدريس قال : سمعت عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد عن ابن عباس ، قال : أشده ثلاث وثلاثون سنة ، واستواؤه أربعون سنة ، و العذر الذي أعذر الله فيه إلى بني آدم ستون .
حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال : ثنا : ابن ثور عن معمر عن قتادة " حتى إذا بلغ أشده " قال : ثلاثاً وثلاثين .
وقال آخرون هو بلوغ الحلم
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ابن ابراهيم ، قال ثنا هشيم قال : أخبرنا ابن مجالد ، عن الشعبي قال : الأشد : الحلم إذا كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيئات .
وقد بينا فيما مضى أن الأشد جمع شد ، و أنه تناهي قوته واستوائه ، و إذا كان ذلك كذلك ، كان الثلاث و الثلاثون به أشبه من الحلم لأن المرء لا يبلغ في حال حلمه كمال قواه ، ونهاية شدته ، فإن العرب إذا ذكرت مثل هذا من الكلام فعطفت ببعض على بعض جعلت كلا الوقتين قريباً احدهما من صاحبه كما قال جل ثناؤه : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل و نصفه )و لا تكاد تقول أنا أعلم أنك تقوم قريباً من ساعة من الليل و كله ، ولا أخذت قليلاً من مال أو كله ن ولكن تقول : أخذت عامة مالي أو كله ، فكذلك ذلك في قوله " حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة " لا شك أن نسق الأربعين على الثلاث و الثلاثين أحسن و أشبه ، إذ كان يراد بذلك تقريب أحدهما من الآخر من النسق على الخمس عشرة أو الثمان عشرة .
وقوله " وبلغ أربعين سنة " ذلك حين تكاملت حجة الله عليه وسير عنه جهالة شبابه و عرف الواجب لله من الحق في بر والديه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " وبلغ أربعين سنة " وقد مضى من سيئ عمله .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " وبلغ أربعين سنةً قال رب أوزعني" حتى بلغ " من المسلمين " و قد مضى من سيئ عمله ما مضى .
وقوله " قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي " يقول تعالى ذكره : قال هذا الإنسان الذي هداه الله لرشده ، و عرف حق الله عليه فيما ألزمه من بر والديه " رب أوزعني أن أشكر نعمتك " يقول : أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت علي في تعريفك إياي توحيدك و هدايتك لي للإقرار بذلك و العمل بطاعتك " وعلى والدي " من قبلي ، و غير ذلك من نعمتك علينا ، و ألهمني ذلك . وأصله من وزعت الرجل على كذا : إذا دفعته عليه .
و كان ابن زيد يقول في ذلك ما :
حدثني به يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ، في قوله " أوزعني أن أشكر نعمتك " قال : اجعلني أشكر نعمتك . وهذا الذي قاله ابن زيد في قوله " رب أوزعني " و إن كان يؤول إليه معنى الكلمة ، فليس بمعنى الإيزاع على الصحة .
وقوله " وأن أعمل صالحاً ترضاه " يقول تعالى ذكره : أوزعني أن أعمل صالحاً من الاعمال التي ترضاها ، وذلك العمل بطاعته و طاعة رسوله صلى الله عليه و سلم .
وقوله " وأصلح لي في ذريتي " يقول : و أصلح لي أموري في ذريتي الذين وهبتهم ، بأن تجعلهم هداة للإيمان بك و اتباع مرضاتك ، و العمل بطاعتك ، فوصفه جل ثناؤه بالبر بالآباء و الأمهات و البنين و البنات . وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وقوله " إني تبت إليك و إني من المسلمين " يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل هذا الانسان : " إني تبت إليك " يقول : تبت من ذنوبي التي سلفت مني في سالف أيامي إليك " وإني من المسلمين " يقول : وإني من الخاضعين لك بالطاعة ، المستسلمين لأمرك و نهيك ، المنقادين لحكمك .
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا " بين اختلاف حال الإنسان مع أبويه ، فقد يطيعهما وقد يخالفهما ، أي فلا يبعد مثل هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقومه حتى يستجيب له البعض ويكفر البعض ، فهذا وجه اتصال الكلام بعضه ببعض ، قاله القشيري .
الثانية : قوله تعالى : ( حسناً ) قراءة العامة ( حسناً ) وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام ، وقرأ ابن عباس والكوفيون ( إحساناً ) وحجتهم قوله تعالى في سورة الأنعام وبني إسرائيل ، " وبالوالدين إحسانا " [ الإسراء : 23 ] ، وكذا هو في مصاحف الكوفة وحجة القراءة الأولى قوله تعالى في سورة العنكبوت : " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " [ العنبكوت : 8 ] ولم يختلفوا فيها و الحسن خلاف القبح ، والإحسان خلاف الإساءة ، والتوصية الأمر ، وقد مضى القول في هذا وفيمن نزلت .
الثالثة : قوله تعالى : " حملته أمه كرها ووضعته كرها " أي بكره ومشقة ، وقراءة العامة بفتح الكاف ، واختاره أبو عبيد ، قال : وكذلك لفظ الكره في كل القرآن بالفتح إلا التي في سورة البقرة : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم " [ البقرة : 216 ] ، لأن ذلك اسم وهذه كله مصادر ، وقرأ الكوفيون ( كرهاً ) بالضم ، قيل : هما لغتان مثل الضعف والضعف والشهد والشهد ، قاله الكسائي وكذلم هو عند جميع البصريين ، وقال الكسائي أيضاً و الفراء في الفرق بينهما ، إن الكره ( بالضم ) ما حمل الإنسان على نفسه ، وبالفتح ما حمل على غيره ، أي قهراً وغضباً ، ولهذا قال بعض أهل العربية إن كرهاً ( بفتح الكاف ) لحن .
الرابعة : قوله تعالى : " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " قال ابن عباس : إذا حملت تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهراً ، وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهراً ، وروي أن عثمان قد أتي بامرأة قد ولدت لسته أشهر ، فأراد أن يقضي عليها بالحد فقال له علي رضي الله عنه : ليس ذلك عليها ، قال الله تعالى : " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " وقال تعالى : " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " [ البقرة : 233 ] ، فالرضاع أربعة وعشرون شهراً والحمل ستة أشهر ، فرجع عثمان عن قوله ولم يحدها ، وقد مضى في ( البقرة ) وقيل : لم يعد ثلاثة أشهر في ابتداء الحمل ، لأن الولد فيها نطفة وعلقة ومضغة فلا يكون له ثقل يحس به ، وهو معنى قوله تعالى : " فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به " [ الأعراف : 189 ] ، والفصال الفطام ، وقد تقدم في لقمان الكلام فيه وقرأ الحسن و يعقوب وغيرهما (وفصله ) بفتح الفاء وسكون الصاد ، وروي أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، وكان حمله وفصاله في ثلاثين شهراً ، حملته أمه تسعة أشهر ، وأرضعته إحدى وعشرين شهراً وفي الكلام إضمار ، أي ومدة حمله ومدة فصاله ثلاثون شهراً ، ولولا هذا الإضمار لنصب ثلاثون على الظرف وتغير المعنى .
الخامسة : قوله تعالى : " حتى إذا بلغ أشده " قال ابن عباس : ثماني عشرة سنة ، وقال في رواية عطاء عنه : إن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة ، وهو يريدون الشام للتجارة ، فنزلوا منزلاً فيه سدرة ، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك فسأله عن الدين ، فقال الراهب : من الرجل الذي في ظل الشجرة ؟ فقال : ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فقال : هذا والله نبي ، وم استظل أحد تحتها بعد عيسى ، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق ، وكان لا يكاد يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضره ، فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة ، صدق أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني وثلاثين سنة ، فلما بلغ أربعين سنة قال : ( رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ) الآية ، وقال الشعبي و ابن زيد : الأشد الحلم ، وقال الحسن : هو بلوغ الأربعين وعنه قيام الحجة عليه ، وقد مضى في الأنعام الكلام في الآية ، وقال السدي و الضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد تقدم ، وقال الحسن : هي مرسلة نزلت على العموم والله أعلم .
السادسة : قوله تعالى : " قال رب أوزعني " أي ألهمني . " أن أشكر " في موضع نصب على المصدر ، أي شكر نعمتك " علي " أي ما أنعمت به علي من الهداية ، " وعلى والدي " بالتحنن والشفقة حتى ربياني صغيراً ، وقيل : أنعمت علي بالصحة والعافية وعلى وادلي بالغنى والثروة ، وقال علي رضي الله عنه : هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، أسلم أبواه جميعاً ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره ، فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده ، ووالده هو أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن سعد بن تيم ، وأمه أم الخير ، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد ، وأم أبيه أبي قحافة ( قيلة ) ( بالياء المعجمة باثنتين من تحتها ) وامرأة أبي بكر الصديق اسمها ( قتيلة ) ( بالتاء المعجمة باثنتين من فوقها ) بنت عبد العزى ، " وأن أعمل صالحا ترضاه " قال ابن عباس : فأجابه الله فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة ، ولم يدع شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه ، وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر أنا قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر أنا ، قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً ؟ قال أبو بكر أنا ، قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكر أنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة " .
السابعة : قوله تعالى : " وأصلح لي في ذريتي " أي اجعل ذريتي صالحين قال ابن عباس : فلم يبق له ولد ولا والد ولا والدة إلا آمنوا بالله وحده ، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأبواه وأولاده وبناته كلهم إلا أبو بكر ، وقال سهل بن عبد الله المعنى اجعلهم لي خلف صدق ، ولك عبيد حق ، وقال أبو عثمان : اجعلهم أبراراً لي مطيعين لك ، وقال ابن عطاء : وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم وقال محمد بن علي : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلاً وقال مالك بن مقول : اشكتى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف ، فقال : استعن عليه بهذه الآية ، وتلا : " رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين " ، " إني تبت إليك " قال ابن عباس : رجعت عن الأمر الذي كنت عليه ، " وإني من المسلمين " أي المخلصين بالتوحيد .
لما ذكر تعالى في الاية الأولى التوحيد له وإخلاص العبادة والاستقامة إليه, عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله عز وجل: " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " وقوله جل جلاله: "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير" إلى غير ذلك من الايات الكثيرة. وقال عز وجل ههنا "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" أي أمرناه بالإحسان إليهما والحنو عليهما وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة, أخبرني سماك بن حرب قال: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد رضي الله عنه قال: قالت أم سعد لسعد: أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين فلا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بالله تعالى, فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا ونزلت هذه الاية "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" الاية. ورواه مسلم وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث شعبة بإسناده نحوه وأطول منه "حملته أمه كرهاً" أي قاست بسببه في حمله مشقة وتعباً من وحام وغثيان وثقل وكرب, إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة, "ووضعته كرهاً" أي بمشقة أيضاً من الطلق وشدته "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً".
وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الاية مع التي في لقمان "وفصاله في عامين" وقوله تبارك وتعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي وصحيح, ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. قال محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط عن معمر بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له لتمام ستة أشهر, فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه, فذكر ذلك له, فبعث إليها, فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: وما يبكيك ؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط, فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء, فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه: فأتاه فقال له ما تصنع, قال: ولدت تماماً لستة أشهر, وهل يكون ذلك, فقال له علي رضي الله عنه: أما تقرأ القرآن: قال: بلى. قال: أما سمعت الله عز وجل يقول "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" وقال "حولين كاملين" فلم نجده بقي إلا ستة أشهر قال: فقال عثمان رضي الله عنه والله ما فطنت بهذا, علي بالمرأة فوجدوها قد فرغ منها قال: فقال معمر: فوالله ما الغراب بالغراب ولا البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه, فلما رآه أبوه قال: ابني والله لا أشك فيه. قال: وابتلاه الله تعالى بهذه القرحة بوجهه الاكلة, فما زالت تأكله حتى مات, رواه ابن أبي حاتم, وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله عز وجل: "فأنا أول العابدين".
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا فروة بن أبي المغراء, حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع أحد وعشرين شهراً, وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً, وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين لأن الله تعالى يقول "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده" أي قوي وشب وارتجل. "وبلغ أربعين سنة" أي تناهى عقله وكمل فهمه وحلمه. ويقال إنه لا يتغير غالباً عما يكون عليه ابن الأربعين, قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال إذا بلغت الأربعين فخذ حذرك.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو عبد الله القواريري, حدثنا عروة بن قيس الأزدي, وكان قد بلغ مائة سنة, حدثنا أبو الحسن السلولي عمر بن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العبد المسلم إذا بلغ أربعين سنة خفف الله تعالى حسابه, وإذا بلغ الستين سنة رزقه الله تعالى الإنابة إليه, وإذا بلغ سبعين سنة أحبه أهل السماء وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت الله تعالى حسناته ومحا سيئاته, وإذا بلغ تسعين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وشفعه الله تعالى في أهل بيته, وكتب في السماء أسير الله في أرضه" وقد روي هذا من غير وجه, وهو في مسند الإمام أحمد, وقد قال الحجاج بن عبد الله الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق, تركت المعاصي والذنوب أربعين سنة حياء من الناس, ثم تركتها حياءً من الله عز وجل, وما أحسن قول الشاعر:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل: ابعد!
"قال رب أوزعني" أي ألهمني " أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه " أي في المستقبل "وأصلح لي في ذريتي" أي نسلي وعقبي "إني تبت إليك وإني من المسلمين" وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله عز وجل ويعزم عليها, وقد روى أبو داود في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد "اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا, واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن, وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم, واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها عليك قابليها وأتممها علينا" قال الله عز وجل: "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة" أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا, التائبون إلى الله تعالى المنيبون إليه, المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار, هم الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم فيغفر لهم الكثير من الزلل ونتقبل منهم اليسير من العمل.
"في أصحاب الجنة" أي هم في جملة أصحاب الجنة, وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله عز وجل من تاب إليه وأناب, ولهذا قال تعالى: "وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" قال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا المعتمر بن سليمان عن الحكم بن أبان عن الغطريف, عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن الروح الأمين عليه الصلاة والسلام قال: "يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فيقتص بعضها ببعض, فإن بقيت حسنة وسع الله تعالى له في الجنة" قال: فدخلت على يزداد فحدث بمثل هذا قال: قلت فإن ذهبت الحسنة ؟ قال "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن المعتمر بن سليمان بإسناده مثله وزاد عن الروح الأمين. قال: قال الرب جل جلاله: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته فذكره, وهو حديث غريب وإسناده جيد ولا بأس به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سليمان بن معبد, حدثنا عمرو بن عاصم الكلائي, حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن ابي وحشية عن يوسف بن سعد, عن محمد بن حاطب قال: ونزل في داري حيث ظهر علي رضي الله عنه على أهل البصرة فقال له يوماً: لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه, وعنده عمار وصعصعة والأشتر ومحمد بن أبي بكر رضي الله عنهم, فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه, فكان علي رضي الله عنه على السرير ومعه عود في يده, فقال قائل منهم: إن عندكم من يفصل بينكم, فسألوه فقال علي رضي الله عنه: كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى: "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" قال: والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم, قالها ثلاثاً. قال يوسف فقلت لمحمد بن حاطب: آلله لسمعت هذا عن علي رضي الله عنه ؟ قال: آلله لسمعت هذا عن علي رضي الله عنه.
14- "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" قرأ الجمهور "حسناً" بضم الحاء وسكون السين. وقرأ علي والسلمي بفتحهما. وقرأ ابن عباس والكوفيون "إحساناً" وقد تقدم في سورة العنكبوت "ووصينا الإنسان بوالديه حسناً" من غير اختلاف بين القراء وتقدم في سورة الأنعام وسورة بني إسرائيل "وبالوالدين إحساناً" فلعل هذا هو وجه اختلاف القراء في هذه الآية، وعلى جميع هذه القراءات فانتصابه على المصدرية: أي وصيناه أن يحسن إليهما حسناً، أو إحساناً. وقيل على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى ألزمنا، وقيل على أنه مفعول له "حملته أمه كرها ووضعته كرهاً" قرأ الجمهور "كرهاً" في الموضعين بضم الكاف. وقرأ أبو عمر وأهل الحجاز [بفتحها]. قال الكسائي: وهما لغتان بمعنى واحد. قال أبو حاتم: الكره بالفتح لا يحسن لأنه الغضب والغلبة، واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال: لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلا التي في سورة البقرة "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" وقيل إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه، وبالفتح ما حمل على غيره. وإنما ذكر سبحانه حمل الأم ووضعها تأكيداً لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به، والمعنى: أنها حملته ذات كره ووضعته ذات كره. ثم بين سبحانه مدة حمله وفصاله فقال: "حمله وفصاله ثلاثون شهراً" أي مدتهما هذه المدة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع: أي يفطم عنه، وقد استدل بهذه الآية على أن أقل الحمل ستة أشهر، لأن مدة الرضاع سنتان: أي مدة الرضاع الكامل كما في قوله: "حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع. وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم آكد من حق الأب لأنها حملته بمشقة ووضعته بمشقة، وأرضعته هذه المدة بتعب ونصب ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك. قرأ الجمهور "وفصاله" بالألف، وقرأ الحسن ويعقوب وقتادة والجحدي " وفصاله " بفتح الفاء وسكون الصاد بغير ألف، والفصل والفصال بمعنى: كالفطم والفطام والقطف والقطاف "حتى إذا بلغ أشده" أي بلغ استحكام قوته وعقله، وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى ولا بد من تقدير جملة تكون حتى غاية لها: أي عاش واستمرت حياته حتى بلغ أشده، قيل بلغ عمره ثماني عشرة سنة، وقيل الأشد الحلم قاله الشعبي وابن زيد. وقال الحسن: هو بلوغ الأربعين، والأول أولى لقوله: "وبلغ أربعين سنة" فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد. قال المفسرون: لم يبعث الله نبياً قط إلا بعد أربعين سنة "قال رب أوزعني" أي ألهمني. قال الجوهري: استوزعت الله فأوزعني: أي استلهمته فألهمني "أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي" أي ألهمني شكر ما أنعمت به علي من الهداية، وعلى والدي من التحنن علي منهما حين ربياني صغيراً. وقيل أنعمت علي بالصحة والعافية، وعلى والدي بالغنى والثروة، والأولى عدم تقييد النعمة عليه وعلى أبويه بنعمة مخصوصة "وأن أعمل صالحاً ترضاه" أي وألهمني أن أعمل عملاً صالحاً ترضاه مني "وأصلح لي في ذريتي" أي اجعل ذريتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه. وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات، وقد روي أنها نزلت في أبي بكر كما سيأتي في آخر البحث "إني تبت إليك" من ذنوبي "وإني من المسلمين" أي المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك.
15. قوله عز وجل: " ووصينا الإنسان بوالديه حسناً "، قرأ أهل الكوفة: ((إحساناً)) [كقوله تعالى: " وبالوالدين إحساناً " (البقرة-83)] " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً "، يريد شدة الطلق. قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو ((كرهاً)) بفتح الكاف فيهما، وقرأ الآخرون بضمهما. " وحمله وفصاله "، فطامه، وقرأ يعقوب : ((وفصله)) بغير ألف، " ثلاثون شهراً "، يريد أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهراً.
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهراً، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهراً: " حتى إذا بلغ أشده "، نهاية قوته، وغاية شبابه واستوائه، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة، فذلك قوله: " وبلغ أربعين سنةً ".
وقال السدي و الضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد مضت القصة.
وقال الآخرون: نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو.
قال علي بن أبي طالب: الآية نزلت في أبي بكر، أسلم أبواه جميعاً، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره، أوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده.
وكان أبو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنةً، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة، في تجارة إلى الشام، فلما بلغ أربعين سنة ونبيء النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه فـ " قال رب أوزعني "، ألهمني، " أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي "، بالهداية والإيمان، " وأن أعمل صالحاً ترضاه "، قال ابن عباس: وأجابه الله عز وجل، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه، ودعا أيضاً فقال: " وأصلح لي في ذريتي "، فأجابه الله، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعاً، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعاً، فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة. قوله: " إني تبت إليك وإني من المسلمين ".
15-" ووصينا الإنسان بوالديه حسناً " وقرأ الكوفيون إحساناً ، وقرئ " حسناً " أي إيصاء " حسناً " . " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " ذات كره أو حملاً ذاكره وهو المشقة ، وقرأ الحجازيان و أبو عمرو و وهشام وهما لغتان كالفقر والفقر . وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر . " وحمله وفصاله " ومدة " حمله وفصاله " ن والفصال الفطام ويدل عليه قراءة يعقوب وفصله أو وقته والمراد به الرضاع التام المنتهى به ولذلك عبر به كما يعبر بالأمد عن المدة ، قال :
كل حيً مستكمل عدة العمـ ــر ومود إذا انتهى أمده
" ثلاثون شهراً " كل ذلك بيان لما تكابده الأم في تربية الولد مبالغة في التوصية بها ، وفيه دليل على أن أقل مدة ستة أشهر لأنه حط منه الفطام حولان لقوله تعالى : " حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " بقي ذلك وبه قال الأطباء ولعل تخصيص أقل الحمل وأكثر الرضاع لانضباطهما وتحقق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما . " حتى إذا بلغ أشده " إذا اكتهل واستحكم قوته وعقله " وبلغ أربعين سنةً " قيل لم يبعث نبي إلا بعد الأربعين . " قال رب أوزعني " ألهمني وأصله أولعني من أوزعته بكذا . " أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي " يعني نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها ،وذلك يؤيد ما روي أنها نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأنه لم يكن أحد أسلم هو و أبواه من المهاجرين والأنصار سواه . " وأن أعمل صالحاً ترضاه " نكرة للتعظيم أو لأنه أراد نوعاً من الجنس يستجلب رضا الله عز وجل . " وأصلح لي في ذريتي " واجعل لي الصلاح سارياً في ذريتي واسخاً فيهم ونحوه قوله :
وإن تعتذر بالمحل عن ذي ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي
" إني تبت إليك " عما لا ترضاه أو يشغل عنك " وإني من المسلمين " المخلصين لك .
15. And We have commended unto man kindness toward parents. His mother beareth him with reluctance, and bringeth him forth with reluctance, and the bearing of him and the weaning of him is thirty months, till, when he attaineth full strength and reacheth forty years, he saith: My Lord! Arouse me that I may give thanks for the favor wherewith Thou hast favored me and my parents, and that I may do right acceptable unto Thee. And be gracious unto me In the matter of my seed. Lo! I have turned unto Thee repentant, and lo! I am of those who surrender (unto Thee).
15 - We have enjoined on man kindness to his parents: in pain did his mother bear him, and in pain did she give him birth. The carrying of the (child) to his weaning is (a period of) thirty months. At length, when he reaches the age of full strength and attains forty years, He says, O my Lord! Grant me that I may be grateful for thy favour which Thou has bestowed upon me, and upon both my parents, and that I may work righteousness such as Thou mayest approve; and be gracious to me in my issue. Truly have I turned to Thee and truly do I bow (to Thee) in Islam.