[الأحقاف : 10] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
10 - (قل أرأيتم) أخبروني ماذا حالكم (إن كان) القرآن (من عند الله وكفرتم به) جملة حالية (وشهد شاهد من بني إسرائيل) هو عبد الله بن سلام (على مثله) عليه أنه من عند الله (فآمن) الشاهد (واستكبرتم) تكبرتم عن الإيمان وجواب الشرط بما عطف عليه ألستم ظالمين دل عليه (إن الله لا يهدي القوم الظالمين)
ك أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخولنا عليهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه فسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم انصرف فإذا رجل من خلفه فقال كما أنت يا محمد فأقبل فقال أي رجل تعلموني منكم يا معشر اليهود فقالوا والله ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قل أبيك قال فإني أشهد أنه النبي الذين تجدون في التوراة قالوا كذبت ثم ردوا عليه وقالوا فيه شرا فأنزل الله قل أرأيت إن كان من عند الله وكفرتم به الآية
وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال في عبد الله بن سلام نزلت وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله وأخرج ابن جرير عن عبد الله ابن سلام قال في نزلت
يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين القائلين لهذا القرآن لما جائهم هذا سحر مبين " أرأيتم " أيها القوم " إن كان " هذا القرآن " من عند الله " أنزله علي " وكفرتم " أنتم " به " يقول : و كذبتم أنتم به .
وقوله " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معناه : و شهد شاهد من بني إسرائيل ، و هو موسى بن عمران عليه السلام على مثله ، يعني على مثل القرآن ، قالوا : و مثل القرآن الذي شهد عليه موسى بالتصديق التوراة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب قال : ثنا داود عن عامر عن مسروق هذه الآية : " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " فخاصم به الذين كفروا من أهل مكة ، التوراة مثل القرآن ، وموسى مثل محمد . صلى الله عليه وسلم .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الاعلى ، قال سئل داود عن قوله " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به " ... الآية ، قال داود قال عامر ، قال مسروق : و الله ما نزلت في عبد الله بن سلام ما نزلت إلا بمكة ، و ما أسلم عبد الله إلا بالمدينة و لكنها خصومة خاصم محمد صلى الله عليه وسلم بها قومه قال : فنزلت " قل أرأيتم إن كان من عند الله و كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن و استكبرتم " قال : فالتوراة مثل القرآن و موسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا بالتوراة و برسولهم ، و كفرتم .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت داود ابن أبي هند عن الشعبي قال : أناس يزعمون أن شاهداً من بني إسرائيل على مثله عبد الله بن سلام و إنما أسلم عبد الله بالمدينة و قد أخبرني مسروق أن آل حم ، إنما نزلت بمكة ، و إنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ، فقال " أرأيتم إن كان من عند الله " يعني القرآن " وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن " موسى و محمد عليهما الصلاة و السلام على الفرقان .
حدثني أبو السائب قال : ثنا ابن ادريس عن داود عن الشعبي ، قال : إن ناساً يزعمون أن الشاهد على مثله : عبد الله بن سلام ، و إنما أسلم عبد الله بالمدينة ، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة ، و إنما كانت محاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه ، فقال : " قل أرأيتم إن كان من عند الله " يعني الفرقان " و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " فمثل التوراة الفرقان ، التوراة شهد عليها موسى ، ومحمد على الفرقان صلى الله عليهما وسلم .
حدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية قال : أخبرنا داود عن الشعبي عن مسروق في قوله " قل أرأيتم إن كان من عند الله " ... الآية ، قال : كان إسلام ابن سلام بالمدينة و نزلت هذه السورة بمكة إنما كانت خصومة بين محمد صلى الله عليه و سلم و بين قومه ، فقال : " قل أرأيتم إن كان من عند الله و كفرتم به و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " قال : التوراة مثل الفرقان ،و موسى مثل محمد ، فآمن به و استكبرتم ، ثم قال : آمن هذا الذي من بين إسرائيل بنبيه و كتابه ، و استكبرتم أنتم ، فكذبتم أنتم نبيكم وكتابكم " إن الله لا يهدي " ...إلى قوله " هذا إفك قديم " .
و قال آخرون : عني بقوله " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " عبد الله بن سلام ، قالوا : و معنى الكلام و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثل هذا القرآن بالتصديق . قالوا : و مثل القرآن التوراة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي ، قال : سمعت مالك بن أنس يحدث عن أبي النضر ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال" : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، قال : و فيه نزلت " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله" "
حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال : ثنا أبو داود الطيالسي ، قال : ثنا شعيب بن صفوان قال : ثنا عبد الملك بن عمير أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : قال عبد الله: أنزل في " قل أرأيتم إن كان من عند الله " .... إلى قوله "فآمن واستكبرتم" .
حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي، قال : ثنا أبومحمد بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أخي عبد الله بن سلامه، عن عبد الله بن سلام : نزلت في " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن و استكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " قل أرأيتم إن كان من عند الله " ...الآية ، قال : " كان رجل من أهل الكتاب آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : أترضون أن يحكم بيني و بينكم عبد الله بن سلام ؟ أتؤمنون ؟ قالوا : نعم ، فأرسل إلى عبد الله بن سلام ، فقال : تشهد أني رسول الله مكتوباً في التوراة و الإنجيل؟ قال : نعم ، فأعرضت اليهود ،و أسلم عبد الله بن سلام . "
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى و حدثني الحارث قال : ثنا الحسين قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله تعالى " و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله"قال : عبد الله بن سلام .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة " قل أرأيتم إن كان من عند الله "...الآية ، كنا نحدث أنه عبد الله بن سلام آمن بكتاب الله و برسوله و بالأسلام ، و كان من أحبار اليهود .
حدثنا ابن عبد الاعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قوله " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " قال : هو عبد الله بن سلام .
حدثت عن الحسين ، قال سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " الشاهد : عبد الله بن سلام و كان من الأحبار من علماء بني إسرائيل ،" وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود فأتوه فسألهم فقال : (( أتعلمون أني رسول الله تجدونني مكتوباً عندكم في التوراة ؟ )) قالوا : لا نعلم ما تقول ، و إنا بما جئت به كافرون ، فقال :(( أي رجل عبد الله ابن سلام عندكم ؟ ))قالوا: عالمنا وخيرنا ، قال : أترضون به بيني و بينكم ؟ )) قالوا : نعم ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن سلام فجاءه فقال : (( ما شهادتك يا ابن سلام ؟ )) قال : أشهد أنك رسول الله وأن كتابك جاء من عند الله . فآمن و كفروا ، يقول الله تبارك و تعالى " فآمن و استكبرتم " "
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال : ثنا عوف عن الحسن قال : "بلغني أنه لما أراد عبد الله بن سلام أن يسلم قال : يا رسول الله قد علمت اليهود أني من علمائهم ، وأن أبي كان من علمائهم ، و إني أشهد أنك رسول الله و أنهم يجدونك مكتوباً عندهم في التوراة فأرسل إلى فلان و فلان ، و من سماه من اليهود وأخبئني في بيتك و سلهم عني ، و عن أبي ، فإنهم سيحدثونك أني أعلمهم ، و أن أبي من أعلمهم وإني سأخرج إليهم فأشهد أنك رسول الله وأنهم يجدونك مكتوباً عندهم في التوراة و أنك بعثت بالهدى و دين الحق قال : ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فخبأه في بيته و أرسل إلى اليهود ، فدخلوا عليه ، فقال رسول الله صالى الله عليه و سلم (( ما عبد الله بن سلام فيكم ؟)) قالوا: أعلمنا نفساً و أعلمنا أباً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أرأيتم إن أسلم تسلمون ؟ )) قالوا : لا يسلم ، ثلاث مرار ، فدعاه فخرج ، ثم قال : أشهد أنك رسول الله ، و أنهم يجدونك مكتوباً عندهم في التوراة ، و أنك بعثت بالهدى و دين الحق ، فقالت اليهود: ما كنا نخشاك على هذا يا عبد الله بن سلام ، قال : فخرجوا كفاراً ، فأنزل الله عزوجل في ذلك " قل أرأيتم إن كان من عند الله و كفرتم به و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن و استكبرتم " .
حدثني يونس ، قال : أحبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم " قال : هذا عند الله بن سلام ، شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه حق ، وهو في التوراة حق ، فآمن واستكبرتم .
حدثني أبو شرحبيل الحمصي قال : ثنا أبو المغيرة قال : ثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عنأبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال :" انطلق النبي صلى الله عليه و سلم و أنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلاً يشهدون أنه لا إله إلا هو ، و أن محمداً رسول الله ، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه ! )) فأسكتوا فما أجابه منهم أحد ثم ثلث فلم يجب أحد فانصرف و أنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد ! قال فأقبل فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود ، قالوا : و الله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله و لا أفقه منك ، ولا من أبيك ، و لا من جدك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد بالله أنه النبي صلى الله عليه و سلم الذي تجدونه في التوراة و الإنجيل قالوا كذبت ، ثم ردوا عليه قوله و قالوا له شراً ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كذبتم لن نقبل قولكم أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، و أما إذ آمن كذبتموه و قلتم ما قلتم فلن نقبل قولكم !)) قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و أنا ، و عبد الله بن سلام ، فأنزل الله فيه : " قل أرأيتم إن كان من عند الله " ...الآية .
و الصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل لأن قوله " قل أرأيتم إن كان من عند الله و كفرتم به و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " في سياق توبيخ الله تعالى ذكره مشركي قريش ، و احتجاجاً عليهم لنبيه صلى الله عليه و سلم ، وهذه الآية نظير سائر الآيات قبلها ، ولم يجر لأهل الكتاب و لا لليهود قبل ذلك ذكر فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت و لا دل على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى ، غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن ذلك عني به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل ، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن ، و السبب الذي فيه نزل و ما أريد به فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك : و شهد عبد الله بن سلام وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله ، يعني على مثل القرآن وهو التوراة ، وذلك شهادته أن محمداً مكتوب في التوراة أنه نبي تجده اليهود مكتوباً عندهم في التوراة كما هو مكتوب ففي القرآن أنه نبي .
وقوله " فآمن و استكبرتم " يقول : فآمن عبد الله بن سلام و صدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من عند الله ، و استكبرتم أنتم على الإيمان بما آمن به عبد الله بن سلام معشر اليهود " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " يقول : إن الله لا يوفق لإصابة الحق ، وهدى الطريق المستقيم ، و القوم الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بإيجابهم لها سخط الله بكفرهم به .
قوله تعالى : " قل أرأيتم إن كان من عند الله " يعني القرآن . " وكفرتم به " وقال الشعبي : المراد محمد صلى الله عليه وسلم ، " وشهد شاهد من بني إسرائيل " قال ابن عباس و الحسن و عكرمة و قتادة و مجاهد : هو عبد الله بن سلام ، شهد من اليهود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور في التوراة ، وأنه نبي من عند الله ، وفي الترمذي عنه : ونزلت في آيات من كتاب الله ، نزلت فيه " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " وقد تقدم في آخر سورة الرعد ، وقال مسروق : هو موسى والتوراة لا ابن سلام ، لأنه أسلم بالمدينة والسورة مكية ، وقال : وقوله : " وكفرتم به " مخاطبة لقريش ك الشعبي : هو من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوراة ، لأن ابن سلام إنما أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ، والسورة مكية ، قال القشيري : ومن قال الشاهد موسى قال السورة مكية وأسم ابن سلام قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ، ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وتوضع في سورة مكية ، فإن الآية كانت تنزل فيقول النبي صلى الله عليه وسلم ضعوها في سورة كذا ، والآية في محاجة المشركين ، ووجه الحجة أنهم كانوا يراجعون اليهود في أشياء أي شهادتهم لهم وشهادة نبيهم لي من أوضح الحجج ، ولا يبعد أن تكون السورة في محاجة اليهود ، ولما جاء ابن سلام مسلماً من قبل أن تعلم اليهود بإسلامه قال : يا رسول الله ، اجعلني حكماً بينك وبين اليهود ، فسألهم عنه : أي رجل هو فيكم ، قالوا : سيدنا وعالمنا ، فقال : إنه قد آمن بي ، فأساءوا القول فيه ... الحديث ، وقد تقدم ، قال ابن عباس : رضيت اليهود بحكم ابن سلام ، وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن يشهد لك آمنا بل ، فسئل فشهد ثم أسلم ، " على مثله " أي على مثل ما جئتكم به ، فشهد موسى على التوراة ومحمد على القرآن ، وقال الجرجاني : ( مثل ) صلة ، أي وشهد شاهد عليه أنه من عند الله " فآمن " أي هذا الشاهد ، " واستكبرتم " أنتم عن الإيمان ، وجواب ( إن كان ) محذوف تقديره ، فآمن أتؤمنون ، قاله الزجاج ، وقيل : ( فآمن واستكبرتم ) اليس قد ظلمتم ، يبينه " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " وقيل : ( فآمن واستكبرتم ) أفتأمنون عذاب الله ، و( أرأيتم ) لفظ موضوع للسؤال والاستفهام ، ولذلك لا يقتضي مفعولاً ، وحكى النقاش وغيره : أن في الآية تقديماً وتأخيراً ، وتقديره ، قل أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل فآمن هو وكفرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
يقول تعالى: "قل" يا محمد لهؤلاء المشركين الكافرين بالقرآن "أرأيتم إن كان" هذا القرآن "من عند الله وكفرتم به" أي ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد أنزل علي لأبلغكموه, وقد كفرتم به وكذبتموه. "وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله" أي وقد شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبلي, بشرت به وأخبرت بمثل ما أخبر هذا القرآن به. وقوله عز وجل: "فآمن" أي هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيقته "واستكبرتم" أنتم عن اتباعه, وقال مسروق: فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم "إن الله لا يهدي القوم الظالمين" وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد الله بن سلام رضي الله عنه وغيره, فإن هذه الاية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه, وهذا كقوله تبارك وتعالى: "وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين" وقال: " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا " قال مسروق والشعبي: ليس بعبد الله بن سلام هذه الاية مكية, وإسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه كان بالمدينة. رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم واختاره ابن جرير. وقال مالك عن أبي النضر عن عامر بن سعد عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة, إلا لعبد الله بن سلام رضي الله عنه, قال: وفيه نزلت "وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله" رواه البخاري ومسلم والنسائي من حديث مالك به, وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ويوسف بن عبد الله بن سلام وهلال بن يساف والسدي والثوري ومالك بن أنس, وابن زيد أنهم كلهم قالوا: إنه عبد الله بن سلام.
وقوله تعالى: "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه" أي قالوا عن المؤمنين بالقرآن لو كان القرآن خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه, يعنون بلالاً وعماراً وصهيباً وخباباً رضي الله عنهم, وأشباههم وأضرابهم من المستضعفين والعبيد والإماء, وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية. وقد غلطوا في ذلك غلطاً فاحشاً وأخطأوا خطأ بيناً كما قال تبارك وتعالى: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا" أي يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا ولهذا قالوا: "لو كان خيراً ما سبقونا إليه" وأما أهل السنة والجماعة, فيقولون: في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هو بدعة لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه, لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.
وقوله تعالى: "وإذ لم يهتدوا به" أي بالقرآن "فسيقولون هذا إفك قديم" أي كذب قديم أي مأثور عن الناس الأقدمين فينتقصون القرآن وأهله, وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بطر الحق وغمط الناس" . ثم قال تعالى: "ومن قبله كتاب موسى" وهو التوراة "إماماً ورحمة وهذا كتاب" يعني القرآن "مصدق" أي لما قبله من الكتب "لساناً عربياً" أي فصيحاً بيناً واضحاً "لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين" أي مشتمل على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين, وقوله تعالى: "فلا خوف عليهم" أي فيما يستقبلون "ولا هم يحزنون" على ما خلفهم "أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون" أي الأعمال سبب لنيل الرحمة لهم وسبوغها عليهم, والله أعلم.
9- "قل أرأيتم" أي أخبروني "إن كان من عند الله" يعني ما يوحى إليه من القرآن، وقيل المراد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: إن كان مرسلاً من عند غير الله، وقوله: "وكفرتم به" في محل نصب على الحال بتقدير قد، وكذلك قوله: "وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله" والمعنى: أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله والحال أنكم قد كفرتم به، وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله: أي القرآن من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك. وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ. وقال الجرجاني: مثل صلة، والمعنى: وشهد شاهد عليه أنه من عند الله، وكذا قال الواحدي: "فآمن" الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله على رسله وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم، وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع، وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة، فيكون المراد بالشاهد رجلاً من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه، واختار هذا ابن جرير، وسيأتي في آخر البحث ما يترجح به أنه عبد الله بن سلام وأن هذه الآية مدنية لا مكية. وروي عن مسروق أن المراد بالرجل موسى عليه السلام، وقوله: "واستكبرتم" معطوف على شهد: أي آمن الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان "إن الله لا يهدي القوم الظالمين" فحرمهم الله سبحانه الهداية لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان، ومن فقد هداية الله له ضل.
وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو؟ فقال الزجاج: محذوف تقديره أتؤمنون، وقيل قوله: "فآمن واستكبرتم" وقيل محذوف تقديره: فقد ظلمتم لدلالة "إن الله لا يهدي القوم الظالمين" عليه، وقيل تقديره: فمن أضل منكم، كما في قوله: "أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل" الآية. وقال أو علي الفارسي تقديره أتأمنون عقوبة الله، وقيل التقدير: ألستم ظالمين.
10. " قل أرأيتم "، معناه: أخبروني ماذا تقولون، " إن كان "، يعني القرآن، " من عند الله وكفرتم به "، أيها المشركون، " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله "، المثل: صلة، يعني: عليه، أي على أنه من عند الله، " فآمن "، يعني الشاهد، " واستكبرتم "، عن الإيمان به، وجواب قوله: ((إن كان من عند الله)) محذوف، على تقدير: أليس قد ظلمتم؟ يدل على هذا المحذوف قوله: " إن الله لا يهدي القوم الظالمين "، وقال الحسن : جوابه، فمن أضل منكم، كما قال في سورة السجدة.
واختلفوا في هذا الشاهد، قال قتادة و الضحاك : هو عبد الله بن سلام، شهد على نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم وآمن به، واستكبر اليهود فلم يؤمنوا.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكير ، حدثنا حميد ، عن أنس قال: (( سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً، قال: جبريل؟ قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية: " قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " (البقرة-97)، فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، [يارسول الله] إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال: أي رجل عبد الله فيكم؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، فانتقصوه، قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله )).
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن يوسف قال: سمعت مالكاً يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الحنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت هذه الآية: " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ". قال: لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث.
وقال الآخرون الشاهد هو موسى بن عمران.
وقال الشعبي قال مسروق في هذه الآية: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأن حم نزلت بمكة، وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة، ونزلت هذه الآية في محاجة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه، ومثل القرآن التوراة فشهد موسى على التوراة ومحمد صلى الله عليه وسلم على الفرقان، وكل واحد يصدق الآخر.
وقيل: هو نبي من بني إسرائيل فآمن واستكبرتم فلم تؤمنوا " إن الله لا يهدي القوم الظالمين ".
10-" قل أرأيتم إن كان من عند الله " أي القرآن . " وكفرتم به " وقد كفرتم به ، ويجوز أن تكون الواو عاطفة على الشرط وكذا الواو في قوله : " وشهد شاهد من بني إسرائيل " إلا أنها تعطفه بما عطف عليه على جملة ما قبله ، والشاهد هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه الصلاة والسلام وشهادته ما في التوراة من نعت الرسول عليه الصلاة والسلام . " على مثله " مثل القرآن وهو ما في التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له ، أو مثل ذلك وهو كونه من عند الله . " فآمن " أي بالقرآن لما رآه من جنس الوحي مطابقاً للحق . " واستكبرتم " عن الإيمان " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " استئناف مشعر بأن كفرهم به لضلالهم المسبب عن ظلمهم ، ودليل على الجواب المحذوف مثل ألستم ظالمين .
10. Bethink you: If it is from Allah and ye disbelieve therein, and a witness of the Children of Israel hath already testified to the like thereof and hath believed, and ye are too proud (what plight is yours)? Lo! Allah, guideth not wrong doing folk.
10 - Say: See ye? if (this teaching) be from God, and ye reject it, and a witness from among the children of Israel testifies to its similarity (with earlier scripture), and has believed while ye are arrogant, (how unjust ye are!) Truly, God guides not a people unjust.