[الجاثية : 4] وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
4 - (وفي خلقكم) أي في خلق كل منكم من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن صار إنسانا وخلق (وما يبث) يفرق في الأرض (من دابة) هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم (آيات لقوم يوقنون) بالبعث
يقول تعالى ذكره : و في خلق الله إياكم أيها الناس و خلقه ما تفرق في الأرض من دابة تدب عليها من غير جنسكم " آيات لقوم يوقنون " يعني حججاً و أدلة لقوم يوقنون بحقائق الاشياء فيقرون بها و يعلمون صحتها .
و اختلفت القراء في قراءة قوله " آيات لقوم يوقنون " و في التي بعد ذلك فقرأ ذلك عامة قراء المدينه و البصرة و بعض قراء الكوفة " آيات " رفعا على الابتداء و ترك ردها على قوله " لآيات للمؤمنين " و قرأته عامة قراءالكوفة الكفة آيات خفضأ بتأويل النصب رداً على قوله تعالى " لآيات للمؤمنين " وزعم قارئوا ذلك كذلك من المتأخرين أنهم اختاروا قرائته كذلك لأنه في قرائة أبي في الايات الثلاث لآيات باللام فجعلوا في ذلك في قرائته دليلاً لهم على صحة جميعه بلاخفض و ليس الذي اعتمدوا عليه من الحجة في ذلك بحجة لأنه لا رواية بذلك عن أبي صحيحة و أبي لو صحت به عنه روايه ثم لم يعلم كيف كانت قرائته بالخفض أو بالرفع لم يكن الحكم عليه بأنه كان يقرؤه خفضاً بأولى من الحكم عليه بأنه كان يقرؤه رفعاً إذ كانت العرب قد تدخل اللام في خبر المعطوف على جمله كلام تام قد عملت في ابتدائها إن مع ابتدائهم إياه كما قال حميد بن ثور الهلالي :
إن الخلافة بعدهم لذميمة و خلائف طرف لمما أحقر
فأدخل اللام في خبر المبتدأ بعد جملة خبر قد عملت فيه إن إذ كان الكلام و إن ابتدئ متوياً فيه إن .
و الصواب من القول في ذلك إن الامر على ما وصفنا أن يقال : إن الخفض في هذه الأحرف و الرفع قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار قد قرأ بهما علماء من القراء صحيحتا المعنى فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
قوله تعالى : " وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون "
يرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلائه ونعمه, وقدرته العظيمة التي خلق بها السموات والأرض, وما فيها من المخلوقات المختلفة والأجناس, والأنواع من الملائكة والجن والإنس والدواب والطيور والوحوش والسباع والحشرات, وما في البحر من الأصناف المتنوعة واختلاف الليل والنهار في تعاقبهما دائبين لا يفتران, هذا بظلامه وهذا بضيائه, وما أنزل الله تبارك وتعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه, وسماه رزقاً لأن به يحصل الرزق "فأحيا به الأرض بعد موتها" أي بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء. وقوله عز وجل: "وتصريف الرياح" أي جنوباً وشمالاً ودبوراً وصباً, برية وبحرية, ليلية ونهارية. ومنها ما هو للمطر, ومنها ما هو للقاح, ومنها ما هو غذاء للأرواح ومنها ما هو عقيم لا ينتج , وقال سبحانه وتعالى: أولاً: " لآيات للمؤمنين " ثم يوقنون ثم يعقلون وهو ترق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى, وهذه الايات شبيهة بآية البقرة وهي قوله تعالى: " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " وقد أورد ابن أبي حاتم ههنا عن وهب بن منبه أثراً طويلاً غريباً في خلق الإنسان من الأخلاط الأربعة, والله أعلم.
4- قال الزجاج: ويدل على أن المعنى في خلق السموات والأرض قوله: "وفي خلقكم" أي في خلقكم أنفسكم على أطوار مختلفة. قال مقاتل: من تراب ثم من نطفة إلى أن يصير إنساناً "وما يبث من دابة آيات" أي وفي خلق ما يبث من دابة، وارتفاع آيات على أنها مبتدأ مؤخر وخبره الظرف قبله، وبالرفع قرأ الجمهور، وقرأ حمزة والكسائي "آيات" بالنصب عطفاً على اسم إن، والخبر قوله: "وفي خلقكم" كأنه قيل: وإن في خلقكم وما يبث من دابة آيات، أو على أنها تأكيد لآيات الأولى. وقرأ الجمهور أيضاً " آيات لقوم يعلمون " بالرفع وقرأ حمزة والكسائي بنصبها مع اتفاقهم على الجر في اختلاف، أما جر اختلاف فهو على تقدير حرف الجر: أي "و" في "اختلاف الليل والنهار" آيات، فمن رفع آيات فعلى أنها مبتدأ، وخبرها: في اختلاف، وأما النصب فهو من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين. قال الفراء: الرفع على الاستئناف بعد إن، تقول العرب: إن لي عليك مالاً وعلى أخيك مال، ينصبون الثاني ويرفعونه وللنحاة في هذا الموضع كلام طويل. والبحث في مسألة العطف على معمولي عاملين مختلفين وحجج المجوزين له وجوابات المانعين له مقرر في علم النحو مبسوط في مطولاته. ومعنى "ما يبث من دابة" ما يفرقه وينشره.
4. " وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات "، قرأ حمزة ، و الكسائي ، و يعقوب : ((آيات)) (( وتصريف الرياح آيات )) بكسر التاء فيهما رداً على قوله: ((لآيات)) وهو في موضع النصب، وقرأ الآخرون برفعهما على الاستئناف، على أن العرب تقول: إن لي عليك مالاً وعلى أخيك مال، ينصبون الثاني ويرفعونه، " لقوم يوقنون "، أنه لا إله غيره.
4-" وفي خلقكم وما يبث من دابة " ولا يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين ، فإن بثه وتنوعه واستجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار . " آيات لقوم يوقنون " محمول على محل إن واسمها ، وقرأ حمزة و الكسائي و يعقوب بالنصب حملاً على الاسم .
4. And in your creation, and all the beasts that He scattered in the earth, are portents for a folk whose faith is sure.
4 - And in the creation of yourselves and the fact that animals are scattered (through the earth), are Signs for those of assured Faith.