[الجاثية : 28] وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
28 - (وترى كل أمة) أي أهل الدين (جاثية) على الركب أو مجتمعة (كل أمة تدعى إلى كتابها) كتاب أعمالها ويقال لهم (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) أي جزاءه
يقول تعالى ذكره : و ترى يا محمد يوم تقوم الساعة أهل كل ملة و دين جاثية : يقول : مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم .
كما حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث قال ثنا الحسين ، قال ثنا ورقاء جميعاً عن ابن نجيح عن مجاهد في قوله " وترى كل أمة جاثية " قال على الركب مستوفزين.
حدثني يونس قال : اخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله " و ترى كل أمة جاثية " قال: هذا يوم القيامة جاثية على ركبهم .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال سمعت الضحاك يقول في قوله " و ترى كل أمة جاثية " يقول على الركب عند الحساب .
و قوله " كل أمة تدعى إلى كتابها " يقول : كل أهل ملة و دين تدعى إلى كتابها الذي أملت على حفظتها .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " كل أمة تدعى إلى كتابها " يعلمون أنه ستدعى أمة قبل أمة وقوم قبل قوم ورجل قبل رجل ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان يقول : " يمثل لكل أمة يوم القيامة ما كانت تعبد من حجر أو وثن أو خشبة أو دارة ثم يقال : من كان يعبد شيئاً فليتبعه فتكون ، أو تجعل بلك الأوثان قادة إلى النار حتى تقذفهم فيها فتبقى أمة محمد صلى الله عليه و سلم فيقول لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد الله و عزيراً إلا قليلاً منهم فيقال لها : أما عزير فليس منكم و لستم منه فيؤخذ بهم ذات الشمال فينطلقون و لا يستطيعون مكوثا ثم يدعى بالنصارى، فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد الله و المسيح إلا قليلا منهم فيقال : أما عيسى فليس منكم و لستم منه ، فيؤخذ بهم ذات الشمال فينطلقون و لا يستطيعون مكوثاً و تبقى أمة محمد صلى الله عليه و سلم ، فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد الله وحده و إنما فارقنا هؤلاء في الدنيا مخافة يومنا هذا ، فيؤذن للمؤمنين في السجود ، فيسجد المؤمنون ، و بين كل مؤمن منافق فيقسو ظهر المنافق عن السجود و يجعل الله سجود المؤمنين عليه توبيخاً و صغاراً و حسرة و ندامة "
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة عن الزهري عن عطاء ين يزيد الليثي عن ابي هريرة قال : " قال الناس : يارسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضامون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يارسول الله ، قال : فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيتبع من كان يعبد قمر القمر ، ومن كان يعبد الشمس الشمس ، و يتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، و تبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم ربهم في صورة ، و يضرب جسر على جهنم . قال النبي صلى الله عليه وسلم فأكون أول من يجيز، ودعوة الرسل يومئذ : اللهم سلم اللهم سلم ! و بها كلاليب كشوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم أحد قدر عظمها إلا الله و يخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق بعمله ، و منهم المخردل ثم ينجو " ثم ذكر الحديث بطوله
و قوله " اليوم تجزون ما كنتم تعملون " يقول تعالى ذكره : كل أمة تدعى إلى كتابها ، يقال لها : اليوم تجزون : أي تثابون و تعطون أجور ما كنتم في الدنيا من جزاء الأعمال تعملون بالإحسان الإحسان ، و بالإساءة جزاءها .
قوله تعالى : " وترى كل أمة جاثية " أي من هول ذلك اليوم ، والأمة هنا : أهل كل ملة ، وفي الجاثية تأويلات خمسة : الأول : قال مجاهد : مستوفزة ، وقال سفيان المستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله ، الضحاك : ذلك عند الحساب : الثاني ، مجتمعة ، قاله ابن عباس : الفراء : المعنى وترى أهل كل دين مجتمعين ، الثالث ، متميزة ، قاله عكرمة ، الرابع : خاضعة بلغة قريش ، قاله مؤرج ركبتيه يجثو ويجثي جثوا وجثيا ، على فعول فيهما ، وقد مضى في مريم ، وأصل الجثوة : الجماعة من كل شيء قال طرفة يصف قبرين :
ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صم من صفيح منضد
ثم قيل : هو خاص بالكفار ، قاله يحيى بن سلام ، وقيل : إنه عام للمؤمن والكافر انتظاراً للحساب ، وقد روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبد الله بن باباه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم " ، ذكره الماوردي ، قال سلمان : إن في يوم القيامة لساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إن إبراهيم عليه السلام لينادي لا أسألك اليوم إلا نفسي ، " كل أمة تدعى إلى كتابها " قال يحيى بن سلام : إلى حسابها ، وقيل : إلى كتابها الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من خير وشر ، قاله مقاتل : وهو معنى قول مجاهد : وقيل : ( كتابها ) ما كتبت الملائكة عليها ، وقيل كتابها المنزل عليها لينظر هل عملوا بما فيه ، وقيل : الكتاب هاهنا اللوح المحفوظ ، وقرأ يعقوب الحضرمي ( كل أمة ) بالنصب على البدل من ( كل ) الأولى لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى ، إذ ليس في جثوها شيء من حال شرح الجثو كما في الثانية من ذكر السبب الداعي إليه وهو استدعاؤها إلى كتابها ، وقيل : انتصب بإعمال ( ترى ) مضمراً ، والرفع على الابتداء ، " اليوم تجزون ما كنتم تعملون " من خير أو شر .
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض والحاكم فيهما في الدنيا والاخرة, ولهذا قال عز وجل: "ويوم تقوم الساعة" أي يوم القيامة "يخسر المبطلون" وهم الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسله من الايات البينات والدلائل الواضحات.
وقال ابن أبي حاتم: قدم سفيان الثوري المدينة فسمع المعافري يتكلم ببعض ما يضحك به الناس, فقال له: يا شيخ أما علمت أن لله تعالى يوماً يخسر فيه المبطلون ؟ قال: فما زالت تعرف في المعافري حتى لحق بالله تعالى, ذكره ابن أبي حاتم ثم قال تعالى: "وترى كل أمة جاثية" أي على ركبها من الشدة والعظمة, ويقال إن هذا إذا جيء بجهنم فإنها تزفر زفرة, لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه, حتى إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ويقول: نفسي نفسي نفسي! لا أسألك اليوم إلا نفسي. وحتى إن عيسى عليه الصلاة والسلام ليقول: لا أسألك إلا نفسي لا أسألك مريم التي ولدتني! قال مجاهد وكعب الأحبار والحسن البصري "كل أمة جاثية" أي على الركب. وقال عكرمة: جاثية متميزة على ناحيتها وليس على الركب, والأول أولى. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عبد الله بن باباه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم" وقال إسماعيل بن أبي رافع المدني عن محمد بن كعب عن أبي هريرة رضي الله عنه, مرفوعاً في حديث الصور: فيتميز الناس وتجثو الأمم, وهي التي يقول الله تعالى: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها" وهذا فيه جمع بين القولين ولا منافاة, والله أعلم.
وقوله عز وجل: "كل أمة تدعى إلى كتابها" يعني كتاب أعمالها كقوله جل جلاله: "ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء" ولهذا قال سبحانه وتعالى: "اليوم تجزون ما كنتم تعملون" أي تجازون بأعمالكم خيرها وشرها كقوله عز وجل: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر * بل الإنسان على نفسه بصيرة * ولو ألقى معاذيره" ولهذا قال جلت عظمته: "هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق" أي يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص كقوله جل جلاله: " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " وقوله عز وجل: "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" أي إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم. قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: تكتب الملائكة أعمال العباد ثم تصعد بها إلى السماء, فيقابلون الملائكة في ديوان الأعمال على ما بأيدي الكتبة, مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر, مما كتبه الله في القدم على العباد قبل أن يخلقهم فلا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً ثم قرأ "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون".
28- "وترى كل أمة جاثية" الخطاب لكل من يصلح له، أو للنبي صلى الله عليه وسلم، والأمة الملة، ومعنى جاثية: مستوفزة، والمستوفز، الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله، وذلك عند الحساب. وقيل معنى جاثية: مجتمعة قال الفراء: المعنى وترى أهل كل ذي دين مجتمعين. وقال عكرمة: متميزة عن غيرها. وقال مؤرج: معناه بلغة قريش: خاضعة. وقال الحسن: باركة على الركب والجثو الجلوس على الركب، تقول جثا يجثو ويجثي جثواً وجثياً: إذا جلس على ركبتيه، والأول أولى. ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب. وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب، ومنه قول طرفة يصف قبرين:
ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صم من صفائح منضد
وظاهر الآية أن هذه الصفة تكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل وغيرهم من أهل الشرك. وقال يحيى بن سلام: هو خاص بالكفار، والأول أولى. ويؤيده قوله: "كل أمة تدعى إلى كتابها" ولقوله فيما سيأتي: "فأما الذين آمنوا"، ومعنى إلى كتابها: إلى الكتاب المنزل عليها، وقيل إلى صحيفة أعمالها، وقيل إلى حسابها، وقيل اللوح المحفوظ، والأول أولى. قرأ الجمهور "كل أمة" بالرفع على الابتداء، وخبره: تدعى. وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من كل أمة "اليوم تجزون ما كنتم تعملون" أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشر.
28. " وترى كل أمة جاثيةً "، باركة على الركب، وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء.
قال سلمان الفارسي: إن في القيامة ساعة هي عشر سنين، يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إبراهيم عليه السلام ينادي ربه: لا أسألك إلا نفسي.
" كل أمة تدعى إلى كتابها "، الذي فيه أعمالها، وقرأ يعقوب ((كل أمة)) نصب، ويقال لهم: " اليوم تجزون ما كنتم تعملون ".
28-" وترى كل أمة جاثيةً " مجتمعة من الجثوة وهو الجماعة ، أو باركة مستوفزة على الركب . وقرئ جاذية أي جالسة على أطراف الأصابع لا ستيفازهم . " كل أمة تدعى إلى كتابها " صحيفة أعمالها . وقرأ يعقوب " كل " على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان . " اليوم تجزون ما كنتم تعملون " محمول على القول .
28. And thou wilt see each nation crouching, each nation summoned to its record. (And it will be said unto them): This day ye are requited what ye used to do.
28 - And thou wilt see every sect bowing the knee: every sect will be called to its Record: This Day shall ye be recompensed for all that ye did!