[الجاثية : 26] قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
26 - (قل الله يحييكم) حين كنتم نطفا (ثم يميتكم ثم يجمعكم) أحياء (إلى يوم القيامة لا ريب) لا شك (فيه ولكن أكثر الناس) وهم القائلون ما ذكر (لا يعلمون)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث ، القائلين لك ائتنا بآبائنا إن كنت صادقاً : الله أيها المشركون يحييكم ما شاء أن يحييكم في الدنيا ثم يميتكم فيها إذا شاء ثم يجمعكم إلى يوم القيمة يعني أنه يجمعكم جميعاً أولكم و آخركم و صغيركم و كبيركم " إلى يوم القيامة " يقول : ليوم القيامة ، يعني أنه يجمعكم جميعاً أحياء ليوم القيامة " لا ريب فيه " يقول : ولكن أكثر الناس الذين هم أهل تكذيب بالبعث ، لا يعلمون بحقيقة ذلك ، و أن الله محييهم من بعد مماتهم .
قوله تعالى : " قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا" أي ما ثم إلا هذه الدار, يموت قوم ويعيش آخرون, وما ثم معاد ولا قيامة, وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد, وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم, وهم ينكرون البداءة والرجعة, وتقوله الفلاسفة الدهرية الدرية المنكرون للصانع, المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه, وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى, فكابروا المعقول وكذبوا المنقول ولهذا قالوا "وما يهلكنا إلا الدهر" قال الله تعالى: "وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون" أي يتوهمون ويتخيلون فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح وأبو داود والنسائي من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول تعالى يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر وأنا الدهر, بيدي الأمر أقلب ليله ونهاره" وفي رواية "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جداً فقال: حدثنا أبو كريب, حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا يميتنا ويحيينا فقال الله تعالى في كتابه: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر" ويسبون الدهر فقال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر وأنا الدهر, بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ", وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن منصور عن شريح بن النعمان عن ابن عيينة مثله. ثم روى عن يونس عن ابن وهب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار" وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به. وقال محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال يقول الله تعالى: استقرضت عبدي فلم يعطني وسبني عبدي, يقول وادهراه وأنا الدهر" قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" كانت العرب في جاهليتهم إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا يا خيبة الدهر, فينسبون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه, وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل, لأنه فاعل ذلك في الحقيقة, فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار, لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال, هذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد, والله أعلم, وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذاً من هذا الحديث.
وقوله تعالى: "وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات" أي إذا استدل عليهم وبين لهم الحق, وأن الله تعالى قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها "ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين" أي أحيوهم إن كان ما تقولونه حقاً. قال الله تعالى: "قل الله يحييكم ثم يميتكم" أي كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ؟" أي الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" "ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" أي إنما يجمعكم إلى يوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا "ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين" "يوم يجمعكم ليوم الجمع" " لأي يوم أجلت * ليوم الفصل " "وما نؤخره إلا لأجل معدود" وقال ههنا "ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" أي لا شك فيه "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي فلهذا ينكرون المعاد ويستبعدون قيام الأجساد قال الله تعالى: " إنهم يرونه بعيدا * ونراه قريبا " أي يرون وقوعه بعيداً والمؤمنون يرون ذلك سهلاً قريباً.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم فقال: 26- "قل الله يحييكم" أي في الدنيا "ثم يميتكم" عند انقضاء آجالكم "ثم يجمعكم إلى يوم القيامة" بالبعث والنشور "لا ريب فيه" أي في جمعكم، لأن من قدر على ابتداء الخلق قدر على إعادته "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" بذلك، فلهذا حصل معهم الشك في البعث، وجاءوا في دفعه بما هو أوهن من بيت العنكبوت، ولو نظروا حق النظر لحصلوا على العلم اليقين، واندفع عنهم الريب وأراحوا أنفسهم من ورطة الشك والحيرة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر" يقول: على هدى من أمر دينه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "سواء محياهم ومماتهم" قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه" قال: ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان "وأضله الله على علم" يقول: أضله في سابق علمه. وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عنه قال: كان الرجل من العرب يعبد الحجر، فإذا وجد أحسن منه أخذه وألقى الآخر، فأنزل الله: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال:" كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار، فقال الله في كتابه: "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر" قال الله: يؤذيني ابن آدم [يسب] الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:قال الله
عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار".
26. " قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة "، [أي ليوم القيامة]، " لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
26-" قل الله يحييكم ثم يميتكم " على ما دلت عليه الحجج . " ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه " فإن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة ، والحكمة اقتضت الجمع للمجازاة على ما قرر مراراً ، والوعد المصدق بالآيات دل على وقوعها ، وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوه يوم الجمع للجزاء ." ولكن أكثر الناس لا يعلمون " لقلة تكفرهم وقصور نظرهم على ما يحسونه .
26. Say (unto them, O Muhammad): Allah giveth life to you, then causeth you to die, then gathereth you unto the Day of Resurrection whereof there is no doubt. But most of mankind know not.
26 - Say: It is God Who gives you life, then gives you death; then He will gather you together for the Day of Judgment about which there is no doubt: but most men do not understand.