[الزخرف : 8] فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ
8 - (فأهلكنا أشد منهم) من قومك (بطشا) قوة (ومضى) سبق في آيات (مثل الأولين) صفتهم في الاهلاك فعاقبه قومك كذلك
يقول تعالى ذكره : فأهلكنا أشد من هؤلاء المستهزئين بأنبيائهم بطشاً إذا بطشوا فلم يعجزونا بقواهم وشدة بطشهم ، ولم يقدروا على الامتناع من بأسنا إذ أتاهم ، فالذين هم أضعف منهم قوة أحرى أن لا يقدروا على الامتناع من نقمنا إذا حلت بهم " ومضى مثل الأولين " يقول جل ثناؤه : ومضى لهؤلاء المشركين المستهزئين بك ولمن قبلهم من ضربائهم مثلنا الذي مثلناه لهم في أمثالهم من مكذبي رسلنا الذين أهلكناهم ، يقول : فليتوقع هؤلاء الذين يستهزئون بك يا محمد من عقوبتنا مثل الذي أحللناه بأولئك الذين أقاموا على تكذيبك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ومضى مثل الأولين " قال : عقوبة الأولين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " مثل الأولين " قال : سنتهم .
" فأهلكنا أشد منهم بطشا " أي قوماً أشد منهم قوة ، والكناية في (( منهم )) ترجع إلى المشركين المخاطبين بقوله : " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " فكنى عنهم بعد أن خاطبهم ، و(( أشد )) نصب على الحال ، وقيل هو مفعول ، أي فقد أهلكنا أقوى من هؤلاء المشركين في أبدانهم وأتباعهم ، " ومضى مثل الأولين " أي عقوبتهم ، عن قتادة وقيل : صفحة الأولين ، فخبرهم بأنهم أهلكوا على كفرهم حكاه النقاش و المهدوي والمثل : الوصف والخبر .
يقول تعالى: " حم * والكتاب المبين " أي البين الواضح الجلي المعاني والألفاظ, لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس, ولهذا قال تعالى: "إنا جعلناه" أي نزلناه "قرآناً عربياً" أي بلغة العرب فصيحاً واضحاً "لعلكم تتقون" أي تفهمونه وتتدبرونه, كما قال عز وجل: "بلسان عربي مبين". وقوله تعالى: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" بين شرفه في الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض, فقال تعالى: "وإنه" أي القرآن "في أم الكتاب" أي اللوح المحفوظ, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد "لدينا" أي عندنا, قاله قتادة وغيره "لعلي" أي ذو مكانة وشرف وفضل قاله قتادة "حكيم" أي محكم بريء من اللبس والزيغ. وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله, كما قال تبارك وتعالى: "إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين" وقال تعالى: "كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة" ولهذا استنبط العلماء رضي الله عنهم من هاتين الايتين أن المحدث لايمس المصحف كما ورد به الحديث إن صح, لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى, فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى, لأنه نزل عليهم, وخطابه متوجه إليهم, فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم, والانقياد له بالقبول والتسليم, لقوله تعالى: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم".
وقوله عز وجل: " أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين " اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به, قاله ابن عباس رضي الله عنهما وأبو الصالح ومجاهد والسدي واختاره ابن جرير, وقال قتادة في قوله تعالى: "أفنضرب عنكم الذكر صفحاً ؟" والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا, ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاه إليهم عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك, وقول قتادة لطيف المعنى جداً, وحاصله أنه يقول في معناه إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير وإلى الذكر الحكيم وهو القرآن, وإن كانوا مسرفين معرضين عنه بل أمر به ليهتدي به من قدر هدايته, وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.
ثم قال جل وعلا مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه وآمراً له بالصبر عليهم: "وكم أرسلنا من نبي في الأولين" أي في شيع الأولين "وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون" أي يكذبونه ويسخرون به. وقوله تبارك وتعالى: "فأهلكنا أشد منهم بطشاً" أي فأهلكنا المكذبين بالرسل, وقد كانوا أشد بطشاً من هؤلاء المكذبين لك يا محمد, كقوله عز وجل: "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة" والايات في ذلك كثيرة جداً. وقوله جل جلاله: "ومضى مثل الأولين" قال مجاهد: سنتهم. وقال قتادة: عقوبتهم. وقال غيرهما: عبرتهم, أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم, كقوله تعالى في آخر هذه السورة: " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " وكقوله جلت عظمته: "سنة الله التي قد خلت في عباده" وقال عز وجل: "ولن تجد لسنة الله تبديلاً".
8- "فأهلكنا أشد منهم بطشاً" أي أهلكنا قوماً أشد قوة من هؤلاء القوم، وانتصاب بطشاً على التمييز أو الحال: أي باطشين "ومضى مثل الأولين" أي سلف في القرآن ذكرهم غير مرة. وقال قتادة: عقوبتهم، وقيل صفتهم، والمثل الوصف والخبر. وفي هذا تهديد شديد، لأنه يتضمن أن الأولين أهلكوا بتكذيب الرسل، وهؤلاء إن استمروا على تكذيبك والكفر بما جئت به هلكوا مثلهم.
8. " فأهلكنا أشد منهم بطشاً "، أي أقوى من قومك، يعني الأولين الذين أهلكوا بتكذيب الرسل، " ومضى مثل الأولين "، أي صفتهم وسنتهم وعقوبتهم، فعاقبة هؤلاء كذلك في الإهلاك.
8-" فأهلكنا أشد منهم بطشاً " أي من القوم المسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى الرسول مخبراً عنهم . " ومضى مثل الأولين " وسلف في القرآن قصتهم العجيبة ، وفيه وعد للرسول ووعيد لهم بمثل ما جرى على الأولين .
8. Then we destroyed men mightier than these in prowess; and the example of the men of old hath gone (before them).
8 - So We destroyed (them) stronger in power than these; and (thus) has passed on the Parable of the peoples of old.