[الزخرف : 55] فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
55 - (فلما آسفونا) أغضبونا (انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين)
يقول الله تبارك وتعالى : " فلما آسفونا " يعني بقوله آسفونا : أغضبونا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " فلما آسفونا " يقول : أسخطونا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، " فلما آسفونا " يقول : لما أغضبونا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فلما آسفونا " : أغضبونا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فلما آسفونا " قال : أغضبوا ربهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فلما آسفونا " قال : أغضبونا .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " فلما آسفونا " قال : أغضبونا ، وهو على قول يعقوب : " يا أسفى على يوسف " [ يوسف : 84 ] قال : يا حزني على يوسف .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " فلما آسفونا انتقمنا منهم " قال : أغضبونا . وقوله : " انتقمنا منهم " يقول : انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عجلناه لهم ، فأغرقناهم جميعاً في البحر .
قوله تعالى : " فلما آسفونا انتقمنا منهم " روى الضحاك عن ابن عباس : أي غاظونا وأغضبونا ، وروى عنه علي بن أبي طلحة : أي أسخطونا ، قال الماوردي ومعناهما مختلف ، والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة ، والغضب إرادة الإنتقام القشيري : والأسف هاهنا بمعنى الغضب ، والغضب من الله إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات ، وإما عين العقوبة فيكون من صفات الفعل ، وهو معنى قول الماوردي وقال عمر بن ذر : يا أهل معاصي الله لا تغتروا بطول حلم الله عنكم ، وأحذروا أسفه ، فإنه قال : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) وقيل : ( آسفونا ) أي أغضبوا رسلنا وأولياءنا المؤمنين ، نحو السحرة وبني إسرائيل ، وهو كقوله تعالى : " يؤذون الله " [ الأحزاب : 57 ] ، و " يحاربون الله " [ المائدة : 33 ] ، أي أولياءه ورسله .
يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده, أنه جمع قومه فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر وتصرفه فيها "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي" قال قتادة: قد كانت لهم جنات وأنهار ماء "أفلا تبصرون" أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك, يعني موسى وأتباعه فقراء ضعفاء وهذا كقوله تعالى:" فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى * فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ".
وقوله: "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" قال السدي: يقول بل أنا خير من هذا الذي هو مهين, وهكذا قال بعض نحاة البصرة: إن أم ههنا بمعنى بل, ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها " أم أنا خير من هذا الذي هو مهين " قال ابن جرير: ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحاً واضحاً, ولكنها خلاف قراءة الأمصار فإنهم قرأوا "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين" على الاستفهام (قلت) وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام, وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ويعني بقوله مهين كما قال سفيان حقير, وقال قتادة والسدي: يعني ضعيف. وقال ابن جرير: يعني لا ملك له ولا سلطان ولا مال "ولا يكاد يبين" يعني لا يكاد يفصح عن كلامه فهو عيي حصر. قال السدي "لا يكاد يبين" أي لا يكاد يفهم. وقال قتادة والسدي وابن جرير: يعني عيي اللسان, وقال سفيان: يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير, وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق, وإنما حمله على هذا الكفر والعناد وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية, وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب.
وقوله: "مهين" كذب. بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً, وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد. وقوله: "ولا يكاد يبين" افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة, فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله, وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله: "قد أوتيت سؤلك يا موسى" وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته, كما قاله الحسن البصري وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام, فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها, وفرعون وإن كان يفهم وله عقل, فهو يدري هذا, وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله: "فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب" وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغير واحد "أو جاء معه الملائكة مقترنين" أي يكنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه, نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يفهم, ولهذا قال تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه" أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له "إنهم كانوا قوماً فاسقين" قال الله تعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: آسفونا أسخطونا, وقال الضحاك عنه: أغضبونا, وهكذا قال ابن عباس أيضاً ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وغيرهم من المفسرين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيد الله بن أخي ابن وهب, حدثنا عمي, حدثنا ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله تبارك وتعالى يعطي العبد ما يشاء وهو مقيم على معاصيه, فإنما ذلك استدراج منه له" ثم تلا صلى الله عليه وسلم: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني, حدثنا قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنت عند عبد الله رضي الله عنه, فذكر عنده موت الفجأة, فقال: تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر, ثم قرأ رضي الله عنه "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: وجدت النقمة مع الغفلة يعني قوله تبارك وتعالى: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين" وقوله سبحانه وتعالى: " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " قال أبو مجلز: سلفاً لمثل من عمل بعملهم. وقال هو ومجاهد: ومثلاً أي عبرة لمن بعدهم, والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب, وإليه المرجع والمآب.
55- "فلما آسفونا انتقمنا منهم" قال المفسرون: أغضبونا، والأسف الغضب، وقيل أشد الغضب، وقيل السخط، وقيل المعنى: أغضبوا رسلنا. ثم بين العذاب الذي وقع به الانتقام فقال: "فأغرقناهم أجمعين" في البحر.
55. " فلما آسفونا "، أغضبونا، " انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين "
55-" فلما آسفونا " أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان منقول من أسف إذا اشتد غضبه . " انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين " في اليم .
55. So, when they angered Us, We punished them and drowned them every one.
55 - When at length they provoked Us, We exacted retribution from them, and We drowned them all.