[الزخرف : 5] أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ
5 - (أفنضرب) نمسك (عنكم الذكر) القرآن (صفحا) إمساكا فلا تؤمرون ولا تنهون لأجل (أن كنتم قوما مسرفين) مشركين لا
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إفنضرب عنكم ونترككم أيها المشركون فيما تحسبون ، فلا نذكركم بعقابنا من أجل أنكم قوم مشركون .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً " قال : تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، قوله : " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً " قال : بالعذاب .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن السدي " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً " قال : أفنضرب عنكم العذاب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين " يقول : أحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أفنترك تذكيركم بهذا القرآن ، ولا نذكركم به ، لأن كنتم قوماً مسرفين .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أن كنتم قوماً مسرفين " : أي مشركين ، والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا ، فدعاهم إليه عشرين سنة ، أو ما شاء الله من ذلك .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً " قال : لو أن هذه الأمة لم يؤمنوا لضرب عنهم الذكر صفحاً ، قال : الذكر ما أنزل عليهم مما أمرهم الله به ونهاهم صفحاً ، لا يذكر لكم منه شيئاً .
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله : أفنضرب عنكم العذاب فنترككم ونعرض عنكم ، لأن كنتم قوماً مسرفين لا تؤمنون بربكم .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية ، لأن الله تبارك وتعالى أتبع ذلك خبره عن الأمم السالفة قبل الأمم التي توعدها بهذه الآية في تكذيبها رسلها ، وما أحل بها من نقمته ، ففي ذلك دليل على أن قوله " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً " وعيد منه للمخاطبين به من أهل الشرك ، إذ سلكوا في التكذيب بما جاءهم عن الله رسولهم مسلك الماضين قبلهم .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة < إن كنتم > بكسر الألف من < إن > بمعنى : أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إذ كنتم قوماً مسرفين . وقرأه بعض قراء أهل مكة والكوفة وعامة قراء البصرة < أن > بفتح الألف من < أن > بمعنى : لأن كنتم .
واختلف أهل العربية في وجه فتح الألف من أن في هذا الموضع ، فقال بعض نحويي البصرة : فتحت لأن معنى الكلام : لأن كنتم . وقال بعض نحويي الكوفة : من فتحها فكأنه أراد شيئاً ماضياً ، فقال : وأنت تقول في الكلام : أتيت أن حرمتني ، تريد : إذ حرمتني ، ويكسر إذا أردت : أتيت إن تحرمني . ومثله : " لا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم " و " أن صدوكم " [ المائدة : 6 ] بكسر وفتح .
" فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً " [ الكهف : 6 ] قال : والعرب تنشد قول الفرزدق :
أتجزع أن أذنا قتيبة حزتا جهاراً ولم تجزع لقتل ابن حازم
قال : وينشد :
أتجزع أن بان الخليط المودع وحبل الصفا من عزة المتقطع
قال : وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أن الكسر والفتح في الألف في هذا الموضع قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب ، وذلك أن العرب إذا تقدم < أن > وهي بمعنى الجزاء فعل مستقبل كسروا ألفها أحياناً ، فمحضوا لها الجزاء ، فقالوا : أقوم إن قمت ، وفتحوها أحياناً ، وهم ينوون ذلك المعنى ، فقالوا : أقوم أن قمت ، بتأويل لأن قمت ، فإذا كان الذي تقدمها من الفعل ماضياً لم يتكلموا إلا بفتح الألف من < أن > فقالوا : قمت أن قمت ، وبذلك جاء التنزيل ، وتتابع شعر الشعراء .
قوله تعالى : " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " يعني : القرآن ، عن الضحاك وغيره ، وقيل : المراد بالذكر العذاب ، أي أفنضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم ، قاله مجاهد و أبو صالح و السدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس ، وقال ابن عباس : المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به وعنه أيضاً أن المعنى أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون ، وقال السدي أيضاً ، المعنى أفنترككم سدى فلا نأمركم ولا ننهاكم ، وقال قتادة : المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم ، وعنه أيضاً أفنمسك عن إنزال القرآن رفع حين رددته أوائل هذه الأمة لهلكوا ، ولكن الله ردده وكرره عليهم برحمته ، وقال الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا توعظون ولا تؤمرون ، وقيل : الذكر التذكر ، فكأنه قال : أنترك تذكيركم لأن كنتم قوماً مسرفين ، في قراءة من فتح ، ومن كسر جعلها للشرط وما قبلها جواباً لها ، لأنها لم تعمل في اللفظ ، ونظيره : " وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " [ البقرة : 278 ] ، وقيل : الجواب محذوف دل عليه ما تقدم ، كما تقول : أنت ظالم إن فعلت ، ومعنى الكسر عند الزجاج الحال ، لأن في الكلام معنى التقدير والتوبيح ، ومعنى " صفحا " إعراضاً يقال : صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه ، وقد ضربت عنه صفحاً إذا أعرضت عنه وتركته ، والأصل فيه صفحة العنق ، يقال : أعرضت عنه أي وليته صفحة عنقي ، قال الشاعر :
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملت
وانتصب (( صفحاً )) على المصدر لأن معنى : (( أفنضرب )) أفنصفح ، وقيل : التقدير أفنضرب عنكم الذكر صافحين ، كما يقال : جاء فلان مشياً ، ومعنى : " مسرفين " مشركين ، واختار أبو عبيدة الفتح في (( أن )) وهي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و ابن عامر ، قال : لأن الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم ، وعلمه قبل ذلك من فعلهم .
يقول تعالى: " حم * والكتاب المبين " أي البين الواضح الجلي المعاني والألفاظ, لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس, ولهذا قال تعالى: "إنا جعلناه" أي نزلناه "قرآناً عربياً" أي بلغة العرب فصيحاً واضحاً "لعلكم تتقون" أي تفهمونه وتتدبرونه, كما قال عز وجل: "بلسان عربي مبين". وقوله تعالى: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم" بين شرفه في الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض, فقال تعالى: "وإنه" أي القرآن "في أم الكتاب" أي اللوح المحفوظ, قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد "لدينا" أي عندنا, قاله قتادة وغيره "لعلي" أي ذو مكانة وشرف وفضل قاله قتادة "حكيم" أي محكم بريء من اللبس والزيغ. وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله, كما قال تبارك وتعالى: "إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين" وقال تعالى: "كلا إنها تذكرة * فمن شاء ذكره * في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة" ولهذا استنبط العلماء رضي الله عنهم من هاتين الايتين أن المحدث لايمس المصحف كما ورد به الحديث إن صح, لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى, فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى, لأنه نزل عليهم, وخطابه متوجه إليهم, فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم, والانقياد له بالقبول والتسليم, لقوله تعالى: "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم".
وقوله عز وجل: " أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين " اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به, قاله ابن عباس رضي الله عنهما وأبو الصالح ومجاهد والسدي واختاره ابن جرير, وقال قتادة في قوله تعالى: "أفنضرب عنكم الذكر صفحاً ؟" والله لو أن هذا القرآن رفع حين ردته أوائل هذه الأمة لهلكوا, ولكن الله تعالى عاد بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاه إليهم عشرين سنة أو ما شاء الله من ذلك, وقول قتادة لطيف المعنى جداً, وحاصله أنه يقول في معناه إنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه لا يترك دعاءهم إلى الخير وإلى الذكر الحكيم وهو القرآن, وإن كانوا مسرفين معرضين عنه بل أمر به ليهتدي به من قدر هدايته, وتقوم الحجة على من كتب شقاوته.
ثم قال جل وعلا مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه وآمراً له بالصبر عليهم: "وكم أرسلنا من نبي في الأولين" أي في شيع الأولين "وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون" أي يكذبونه ويسخرون به. وقوله تبارك وتعالى: "فأهلكنا أشد منهم بطشاً" أي فأهلكنا المكذبين بالرسل, وقد كانوا أشد بطشاً من هؤلاء المكذبين لك يا محمد, كقوله عز وجل: "أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة" والايات في ذلك كثيرة جداً. وقوله جل جلاله: "ومضى مثل الأولين" قال مجاهد: سنتهم. وقال قتادة: عقوبتهم. وقال غيرهما: عبرتهم, أي جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم, كقوله تعالى في آخر هذه السورة: " فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين " وكقوله جلت عظمته: "سنة الله التي قد خلت في عباده" وقال عز وجل: "ولن تجد لسنة الله تبديلاً".
5- "أفنضرب عنكم الذكر صفحاً" يقال ضربت عنه وأضرت عنه: إذا تركته وأمسكت عنه، كذا قال الفراء والزجاج وغيرهما، وانتصاب صفحاً على المصدرية، وقيل على الحال على معنى: أفنضرب عنكم الذكر صافحين، والصفح مصدر قولهم: صفحت عنه إذا أعرضت عنه، وذلك أنك توليه صفحة وجهك وعنقك، المراد بالذكر هنا القرآن، والاستفهام للإنكار والتوبيخ. قال الكسائي: المعنى أفنضرب عنكم الذكر طياً فلا توعظون ولا تؤمرون. وقال مجاهد وأبو صالح والسدي: أنفضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم. وقال قتادة: المعنى أنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم. وروي عنه أنه قال: المعنى أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به. وقيل الذكر التذكير، كأنه قال: أنترك تذكيركم " أن كنتم قوما مسرفين "، قرأ نافع وحمزة والكسائي "إن كنتم" بكسر إن على أنها الشرطية والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقرأ الباقون بفتحها على التعليل: أي لأن كنتم قوماً منهمكين في الإسراف مصرين عليه، واختار أبو عبيد قراءة الفتح.
5. " أفنضرب عنكم الذكر صفحاً "، يقال: ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه، و ((الصفح)) مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه، وذلك بأن توليه صفحة وجهك [وعنقك]، والمراد بالذكر القرآن. ومعناه: أفنترك عنكم الوحي ونمسك عن إنزال القرآن فلا نأمركم [ولا ننهاكم] من أجل أنكم أسرفتم في كفركم وتركتم الإيمان؟ استفهام بمعنى الإنكار، أي: لا نفعل ذلك، وهذا قول قتادة وجماعة.
قال قتادة : والله لو كان هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته، فكرره عليهم عشرين سنة أو ما شاء الله.
وقيل: معناه: أفنضرب عنكم بتذكيرها إياكم صافحين معرضين.
قال الكسائي : أفنطوي عنكم الذكر طياً فلا تدعون ولا توعظون. وقال الكلبي : أفنترككم سدىً لا نأمركم ولا ننهاكم. وقال مجاهد و السدي : أفنعرض عنكم ونترككم فلا نعاقبكم على كفركم." أن كنتم قوما مسرفين" قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي ( إن كنتم) بكسر الهمزة،
" أن كنتم قوماً مسرفين "، قرأ أهل المدينة و حمزة و الكسائي : ((إن كنتم)) بكسر الهمزة، على معنى: إذ كنتم، كقوله: " وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " (آل عمران-139)، وقرأ الآخرون بالفتح، على معنى: لأن كنتم قوماً مسرفين [مشركين].
5-" أفنضرب عنكم الذكر صفحاً " أفنذوده ونبعده عنكم مجاز من قولهم : ضرب الغرائب عن الحوض ، قال طرفة :
اضرب عنك الهموم طارقها ضربك بالسيف قونس الفرس
والفاء للعطف على محذوف أي انهملكم فنضرب " عنكم الذكر " ، و " صفحاً " مصدر من غير لفظه فإن تنحية الذكر عنهم إعراض أو مفعول له أو حال بمعنى صافحين ، و أصله أن تولي الشيء صفحة عنقك . وقيل إنه بمعنى الجانب فيكون ظرفاً ويؤيده أنه قرئ صفحاً بالضم ، وحينئذ يحتمل أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح بمعنى صافحين ، والمراد إنكار أن يكون الأمر على خلاف ما ذكر من إنزال الكتاب على لغتهم ليفهموه . " أن كنتم قوماً مسرفين " أي لأن كنتم ، وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض عنهم ، وقرأ نافع و حمزة و الكسائي " إن " بالكسر على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق مخرج المشكوك استجهالاً لهم ، وما قبلها دليل الجزاء .
5. Shall We utterly ignore you because ye are a wanton folk?
5 - Shall We then take away the Message from you and repel (you), for that ye are a people transgressing beyond bounds?