[الزخرف : 41] فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ
41 - (فإما) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة (نذهبن بك) بأن نميتك قبل تعذيبهم (فإنا منهم منتقمون) في الآخرة
وقوله : " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " اختلف أهل التأويل في المعنيين بهذا الوعيد ، فقال بعضهم : عني به أهل الإسلام من أمة نبينا عليه الصلاة والسلام .
ذكر من قال ذلك : حدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : ثني أبي ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، في قوله : " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " قال : لقد كانت بعد نبي الله نقمة شديدة ، فأكرم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم أن يريه في أمته ما كان من النقمة بعده .
حدثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " فذهب الله بنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه ، وأبقى الله النقمة بعده ، وليس من نبي إلا وقد رأى في أمته العقوبة ، أو قال ما لا يشتهي . ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أري الذي لقيت أمته بعده ، فما زال منقبضاً ما انبسط ضاحكاً حتى لقي الله تبارك وتعالى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " فقال : ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ، ولم ير الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى ، ولم يكن نبي قط إلا رأى العقوبة في أمته ، إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم . قال : وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده ، فما رؤي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله .
وقال آخرون : بل عني به أهل الشرك من قريش ، وقالوا : قد أرى الله نبيه عليه الصلاة والسلام فيهم .
قوله تعالى : " فإما نذهبن بك" يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش : " فإنا منهم منتقمون " .
يقول تعالى: "ومن يعش" أي يتعامى ويتغافل ويعرض "عن ذكر الرحمن" والعشا في العين ضعف بصرها, والمراد ههنا عشا البصيرة "نقيض له شيطاناً فهو له قرين" كقوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الاية, وكقوله: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وكقوله جل جلاله: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" الاية, ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا: "وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا" أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به "قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" وقرأ بعضهم " حتى إذا جاءنا " يعني القرين والمقارن. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة سفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار, فذلك حين يقول "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل هاهنا تغليباً كما يقال: القمران والعمران والأبوان, قاله ابن جرير وغيره.
ثم قال تعالى: "ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته: "أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين" أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم, ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك ثم قال تعالى: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" أي لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت "أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون" أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم, وملكه ما تضمنته صياصيهم! هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر قال: تلا قتادة "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" فقال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة, ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى, ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال: وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله عز وجل, وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه, ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضاً, وفي الحديث "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون" ثم قال عز وجل "فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم" أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك, فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم.
ثم قال جل جلاله: "وإنه لذكر لك ولقومك" قيل معناه لشرف لك ولقومك, قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد, واختاره ابن جرير ولم يحك سواه وأورد البغوي ههنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين" رواه البخاري ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم, فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه, وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم, وقيل معناه "وإنه لذكر لك ولقومك" أي لتذكير لك ولقومك, وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم, كقوله تعالى: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون" وكقوله تبارك وتعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين" "وسوف تسألون" أي عن هذا القرآن, وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له.
وقوله سبحانه وتعالى: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له, ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد, كقوله جلت عظمته: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا. وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود رضي الله عنه, وهذا كأنه تفسير لا تلاوة, والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: واسألهم ليلة الإسراء, فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له, واختار ابن جرير الأول, والله أعلم.
41- " فإما نذهبن بك " بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم "فإنا منهم منتقمون" إما في الدنيا أو في الآخرة، وقيل المعنى: تخرجنك من مكة.
41. " فإما نذهبن بك "، بأن نميتك قبل أن نعذبهم، " فإنا منهم منتقمون "، بالقتل بعدك.
41-" فإما نذهبن بك " أي فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم ، و ما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة " فإنا منهم منتقمون " بعذاب في الدنيا والآخرة .
41. And if We take thee away, We surely shall take vengeance on them,
41 - Even if We take thee away, We shall be sure to exact retribution from them,