[الزخرف : 38] حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ
38 - (حتى إذا جاءنا) العاشي بقرينه يوم القيامة (قال) له (يا) للتنبيه (ليت بيني وبينك بعد المشرقين) أي مثل بعد ما بين المشرق والمغرب (فبئس القرين) أنت لي
اختلفت القراء في قراءة قوله : " حتى إذا جاءنا " فقرأته عامة قراء الحجاز سوى ابن محيصن ، وبعض الكوفيين وبعض الشاميين < حتى إذا جاءانا > على التثنية بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا الذي عشي عن ذكر الرحمن ، وقرينه الذي قيض له من الشياطين . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة وابن محيصن : " حتى إذا جاءنا " على التوحيد ، بمعنى : حتى إذا جاءنا هذا العاشي من بني آدم عن ذكر الرحمن .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا المعنى وذلك أن في خبر الله تبارك وتعالى عن حال أحد الفريقين عند مقدمه عليه فيما أقرنا فيه في الدنيا ، الكفاية للسامع عن خبر الآخر ، إذ كان الخبر عن حال أحدهما معلوماً به خبر حال الآخر ، وهما مع ذلك قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة : حتى إذا جاءانا هو وقرينه جميعاً .
وقوله : " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين " يقول تعالى ذكره : قال أحد هذين القرينين لصاحبه الآخر : وددت أن بيني وبينك بعد المشرقين : أي بعد المشرق والمغرب ، فغلب اسم أحدهما على الآخر ، كما قيل : شبه القمرين ، وكما قال الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
وكما قال الآخر :
فبصرة الأزد منا والعراق لنا والموصلان ومنا مصر والحرم
يعني : الموصل والجزيرة ، فقال : الموصلان ، فغلب الموصل .
وقد قيل : عني بقوله : " بعد المشرقين " : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، وذلك أن الشمس تطلع في الشتاء من مشرق ، وفي الصيف من مشرق غيره ، وكذلك المغرب تغرب في مغربين مختلفين ، كما قال جل ثناؤه : " رب المشرقين ورب المغربين " [ الرحمن : 17 ] .
وذكر أن هذا قول أحدهما لصاحبه عند لزوم كل واحد منهما صاحبه حتى يورده جهنم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن سعيد الجريري ، قال : بلغني أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره ، سفع بيده الشيطان ، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار ، فذلك حين يقول : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ، فبئس القرين . وأما المؤمن فيوكل به ملك فهو معه حتى قال : إما يفصل بين الناس ، أو نصير إلى ما شاء الله .
" حتى إذا جاءنا " على التوحيد قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي و حفص ، يعني الكافر يوم القيامة ، الباقون (( جاءانا )) على التثنية ، يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة ، فيقول الكافر : " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين " أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، كما قال تعالى : " رب المشرقين ورب المغربين " [ الرحمن : 17 ] ، ونحوه قول مقاتل ، وقراءة التوحيد وإن كان كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعاً ، لأنه قد عرف ذلك بما بعده ، كما قال :
وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر
قال مقاتل : يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة ، ولذلك قال : (( بعد المشرقين )) ، وقال الفراء : أراد المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما ، كما يقال : القمران للشمس والقمر ، والعمران لأبي بكر وعمر ، والبصرتان للكوفة والبصرة ، والعصران للغدة والعصر ، وقال الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع
وأنشد أبو عبيدة لجرير :
ما كان يرضى رسول الله فعلهم والعمران أبو بكر ولا عمر
وأنشد سيبويه :
قدني من نصر الخبيبين قدي
يريد عبد الله ومصعباً ابني الزبير ، وإنما أبو خبيب عبد الله " فبئس القرين " أي فبئس الصاحب أنت ، لأنه يورده إلى النار ، قال أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار .
يقول تعالى: "ومن يعش" أي يتعامى ويتغافل ويعرض "عن ذكر الرحمن" والعشا في العين ضعف بصرها, والمراد ههنا عشا البصيرة "نقيض له شيطاناً فهو له قرين" كقوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الاية, وكقوله: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وكقوله جل جلاله: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" الاية, ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا: "وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا" أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به "قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" وقرأ بعضهم " حتى إذا جاءنا " يعني القرين والمقارن. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة سفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار, فذلك حين يقول "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل هاهنا تغليباً كما يقال: القمران والعمران والأبوان, قاله ابن جرير وغيره.
ثم قال تعالى: "ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته: "أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين" أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم, ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك ثم قال تعالى: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" أي لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت "أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون" أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم, وملكه ما تضمنته صياصيهم! هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر قال: تلا قتادة "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" فقال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة, ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى, ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال: وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله عز وجل, وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه, ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضاً, وفي الحديث "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون" ثم قال عز وجل "فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم" أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك, فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم.
ثم قال جل جلاله: "وإنه لذكر لك ولقومك" قيل معناه لشرف لك ولقومك, قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد, واختاره ابن جرير ولم يحك سواه وأورد البغوي ههنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين" رواه البخاري ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم, فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه, وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم, وقيل معناه "وإنه لذكر لك ولقومك" أي لتذكير لك ولقومك, وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم, كقوله تعالى: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون" وكقوله تبارك وتعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين" "وسوف تسألون" أي عن هذا القرآن, وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له.
وقوله سبحانه وتعالى: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له, ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد, كقوله جلت عظمته: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا. وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود رضي الله عنه, وهذا كأنه تفسير لا تلاوة, والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: واسألهم ليلة الإسراء, فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له, واختار ابن جرير الأول, والله أعلم.
38- "حتى إذا جاءنا" قرأ الجمهور بالتثنية: أي الكافر والشيطان المقارن له، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص بالإفراد: أي الكافر أو جاء كل واحد منها "قال" الكافر مخاطباً للشيطان "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين" أي بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب المشرق على المغرب. قال مقاتل: يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة من مشرق أقصر يوم في السنة، والأول أولى، وبه قال الفراء "فبئس القرين" المخصوص بالذم محذوف أي أنت أيها الشيطان.
38. " حتى إذا جاءنا "، قرأ أهل العراق غير أبي بكر: ((جاءنا)) على الواحد يعنون الكافر، وقرأ الآخرون: جاءانا، على التثنية يعنون الكافر وقرينه، جعلا في سلسلة واحدة. " قال "، الكافر لقرينه الشيطان: " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين "، أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر: القمران، ولأبي بكر وعمر: العمران. وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، والأول أصح، " فبئس القرين "، قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار.
38-" حتى إذا جاءنا " أي العاشي ، وقرأ الحجازيان و ابن عامر و أبو بكر جاءانا أي العاشي والشيطان . " قال " أي العاشي للشيطان . " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين " بعد المشرق من المغرب ، فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد إليهما . " فبئس القرين " أنت .
38. Till, when he cometh unto Us, he saith (unto his comrade): Ah, would that between me and thee there were the distance of the two horizons, an evil comrade!
38 - At length, when (such a one) comes to Us, he says (to his evil companion): Would that between me and thee were the distance of East an West! Ah! Evil is the companion (indeed)!