[الزخرف : 36] وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
36 - (ومن يعش) يعرض (عن ذكر الرحمن) أي القرآن (نقيض) نسبب (له شيطانا فهو له قرين) لا يفارقه
ك وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمد حقا أنزل علي هذا القرآن أو على مسعود الثقفي فنزلت
ك وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشا قالت قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه فقيضوا لأبي بكر طلحة فأتاه وهو في القوم فقال أبو بكر إلام تدعوني قال أدعوك إلى عبادة اللات والعزى قال أبو بكر وما اللات قال ربنا قال وما العزى قال بنات الله قال أبو بكر فمن أمهم فسكت طلحة فلم يجبه فقال طلحة لأصحابه أجيبوا الرجل فسكت القوم فقال طلحة قم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فانزل الله ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا الآية
يقول تعالى ذكره : ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخف سطوته ، ولم يخش عقابه " نقيض له شيطاناً فهو له قرين " يقول : نجعل له شيطاناً يغويه فهو له قرين : يقول : فهو للشيطان قرين ، أن يصير كذلك . وأصل العشو : النظر بغير ثبت لعلة في العين ، يقال منه : عشا فلان يعشو عشواً وعشواً : إذا ضعف بصره ، وأظلمت عينه ، كأن عليه غشاوة ، كما قال الشاعر :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
يعني : متى تفتقر فتأته يعنك . وأما إذا ذهب البصر ولم يبصر ، فإنه يقال فيه : عشي فلان يعشى عشى منقوص ، ومنه قول الأعشى :
رأت رجلاً غائب الوافدين مختلف الخلق أعشى ضريراً
يقال منه : رجل أعشى وامرأة عشواء . وإنما معنى الكلام : ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه إلا نظراً ضعيفاً ، كنظر من قد عشي بصره " نقيض له شيطاناً " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً " يقول : إذا أعرض عن ذكر الله نقيض له شيطاناً " فهو له قرين " .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : " ومن يعش عن ذكر الرحمن " قال : يعرض .
وقد تأوله بعضهم بمعنى : ومن يعم ، ومن تأول ذلك كذلك ، فيجب أن تكون قراءته < ومن يعش > بفتح الشين على ما بينت قبل .
ذكر من تأوله كذلك : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ومن يعش عن ذكر الرحمن " قال : من يعم عن ذكر الرحمن .
قوله تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " وقرأ ابن عباس و عكرمة (( ومن يعش )) بفتح الشين ، ومعناه يعمى ، يقال منه عشي يعشى عشاً إذا عمي ، ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر ، ومنه قول الأعشى :
رأت رجلاً غائب الوفديـ ـين مختلف الخلق أعشى ضريرا
وقوله :
أأن رأت رجلاً أعشى أضر به ريب المنون ودهر مفند خبل
الباقون بالضم ، ومن عشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى ، وقال الخليل : العشو هو النظر ببصر ضعيف ، وأنشد :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
وقال آخر :
لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبت والمكان جديب
الجوهري : والعشا ( مقصور) مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار ، والمرأة عشواء ، وامرأتان عشواوان ، وأعشاه الله فعشي ( بالكسر ) يعشى عشى ، تركت في التثنية على حالها ، وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى ، والنسبة إلى أعشى أعشوي ، وإلى العشية عشوي ، والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء وركب فلان العشواء إذا خبط على غير بصيرة ، وفلان خابط خبط عشواء .
وهذه الآية تتصل بقوله أول السورة : " أفنضرب عنكم الذكر صفحا " [ الزخرف : 5 ] ، أي نواصل لكم الذكر ، فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم ، " نقيض له شيطانا " أي نسبب له شيطانا جزاء له على كفره " فهو له قرين " قيل في الدنيا ، يمنعه من الحلال ، ويبعثه على الحرام ، وينهاه عن الطاعة ، ويأمره بالمعصية ، وهو معنى قول ابن عباس ، وقيل في الآخرة إذا قام من قبره ، قاله سعيد الجزيري وفي الخبر : أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار ، وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه ، ذكره المهدوي : وقال القشيري : والصحيح فهو له قرين في الدنيا والآخرة ، وقال أبو الهيثم و الأزهري عشوت إلى كذا أي قصدته ، وعشوت عن كذا أي أعرضت عه ، فتفرق بين (( إلى )) و(( عن )) مثل : ملت إليه وملت عنه وكذا قال قتادة : يعش يعرض ، وهو قول الفراء ، النحاس : هو غير معروف في اللغة ، وقال القرظي : يولي ظهره ، والمعنى واحد ، وقال أبو عبيدة و الأخفش : تظلم عينه ، وأنكر العتبي عشوت بمعنى أعرضت ، قال : وإنما الصواب تعاشيت ، والقول قول أبي الهيثم و الأزهري ، وكذلك قال جميع أهل المعرفة ، وقرأ السلمي و ابن أبي إسحاق و يعقوب و عصمة عن عاصم وعن الأعمش (( يقيض )) ( بالياء ) لذكر (( الرحمن )) أولاً ، أي يقيض له الرحمن شيطاناً ، الباقون بالنون ، وعن ابن عباس (( يقيض له شيطان فهو له قرين )) أي ملازم ومصاحب ، قيل : (( فهو )) كناية عن الشيطان ، على ما تقدم : وقيل : عن الإعراض عن القرآن ، أي هو قرين للشيطان .
يقول تعالى: "ومن يعش" أي يتعامى ويتغافل ويعرض "عن ذكر الرحمن" والعشا في العين ضعف بصرها, والمراد ههنا عشا البصيرة "نقيض له شيطاناً فهو له قرين" كقوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى" الاية, وكقوله: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وكقوله جل جلاله: "وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" الاية, ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا: "وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا" أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به "قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" وقرأ بعضهم " حتى إذا جاءنا " يعني القرين والمقارن. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة سفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار, فذلك حين يقول "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل هاهنا تغليباً كما يقال: القمران والعمران والأبوان, قاله ابن جرير وغيره.
ثم قال تعالى: "ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته: "أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين" أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ وليس عليك هداهم, ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحكم العدل في ذلك ثم قال تعالى: "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" أي لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت "أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون" أي نحن قادرون على هذا وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في نواصيهم, وملكه ما تضمنته صياصيهم! هذا معنى قول السدي واختاره ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا ابن ثور عن معمر قال: تلا قتادة "فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون" فقال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة, ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى, ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال: وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله عز وجل, وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه, ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضاً, وفي الحديث "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد, وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون" ثم قال عز وجل "فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم" أي خذ بالقرآن المنزل على قلبك, فإنه هو الحق وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم الموصل إلى جنات النعيم والخير الدائم المقيم.
ثم قال جل جلاله: "وإنه لذكر لك ولقومك" قيل معناه لشرف لك ولقومك, قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد, واختاره ابن جرير ولم يحك سواه وأورد البغوي ههنا حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين" رواه البخاري ومعناه أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم, فهم أفهم الناس له فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه, وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخلص من المهاجرين السابقين الأولين ومن شابههم وتابعهم, وقيل معناه "وإنه لذكر لك ولقومك" أي لتذكير لك ولقومك, وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم, كقوله تعالى: "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون" وكقوله تبارك وتعالى: "وأنذر عشيرتك الأقربين" "وسوف تسألون" أي عن هذا القرآن, وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له.
وقوله سبحانه وتعالى: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له, ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد, كقوله جلت عظمته: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا. وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود رضي الله عنه, وهذا كأنه تفسير لا تلاوة, والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: واسألهم ليلة الإسراء, فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له, واختار ابن جرير الأول, والله أعلم.
قوله: 36- "ومن يعش عن ذكر الرحمن" يقال عشوت إلى النار: قصدتها، وعشوت عنها أعرضت عنها، كما تقول: عدلت إلى فلان وعدلت عنه، وملت إليه وملت عنه، كذا قال الفراء والزجاج وأبو الهيثم والأزهري. فالمعنى: ومن يعرض عن ذكر الحمن. قال الزجاج: معنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله ويلازمه قريناً له، فلا يهتدي مجازاة له حين آثر بالباطل على الحق البين. وقال الخليل: العشو النظر الضعيف، ومنه:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبت والمكان جديب
والظاهر أن معنى البيت القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل، فيكون دليلاً على ما قدمنا من أنه يأتي بمعنى القصد وبمعنى الإعراض، وهكذا ما أنشده الخليل مستشهداً به على ما قاله من قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
فإن الظاهر أن معناه: تقصد إلى ضوء ناره، لا تنظر إليها ببصر ضعيف. ويمكن أن يقال: إن المعنى في البيتيت المبالغة في ضوء النار وسطوعها، بحيث لا ينظرها الناظر إلا كما ينظر من هو معشى البصر لما يلحق بصره من الضعف عندما يشاهده من عظم وقودها. وقال أبو عبيدة والأخفش: إن معنى "ومن يعش" ومن تظلم عينه، وهو نحو قول الخليل، وهذا على قراءة الجمهور "ومن يعش" بضم الشين من عشا يعشو. وقرأ ابن عباس وعكرمة ومن يعش بفتح الشين، يقال عشى الرجل يعشى عشياً إذا عمي، ومنه قول الأعشى:
رأت رجلاً غايب الوافدين ومختلف الخلق أعشى ضريرا
وقال الجوهري: والعشا مقصور مصدر الأعشى: وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والمرأة عشواء. وقرئ يعشو بالواو على أن من موصولة غير متضمنة معنى الشرط. قرأ الجمهور "نقيض له شيطاناً" بالنون وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم والأعمش بالتحتية مبنياً للفاعل، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنياً للمفعول ورفع شيطان على النيابة "فهو له قرين" أي ملازم له لا يفارقه أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه، بل يتبعه في جميع أموره ويطيعه في كل ما يوسوس به إليه.
36. قوله عز وجل: " ومن يعش عن ذكر الرحمن "، أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه، ولم يرج ثوابه، يقال: عشوت إلى النار أعشو عشواً، إذا قصدتها مهتدياً بها، وعشوت عنها: أعرضت عنها، كما يقول: عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه. قال القرظي : يولي ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن. قال أبو عبيدة و الأخفش : يظلم بصرف بصره عنه. قال الخليل بن أحمد : أصل العشو النظر ببصر ضعيف. وقرأ ابن عباس: ((ومن يعش)) بفتح الشين أي يعم، يقال عشى يعشى عشاً إذا عمي فهو أعشى، وامرأة عشواء. " نقيض له شيطاناً "، قرأ يعقوب : ((يقيض)) بالياء، والباقون بالنون، نسبب له شيطاناً ونضمه إليه ونسلطه عليه. " فهو له قرين "، لا يفارقه، يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى.
36-" ومن يعش عن ذكر الرحمن " يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات ، وقرئ يعش بالفتح أي يعم يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشى إذا تعشى بلا آفة كعراج وعرج ، وقرئ يعشو على أن " من " موصولة . " نقيض له شيطانا فهو له قرين " يوسوسه ويغريه دائماً ، وقرأ يعقوب بالياء على إسناده إلى ضمير " الرحمن " ، ومن رفع يعشو ينبغي أن يرفع " نقيض " .
36. And he whose sight is dim to the remembrance of the Beneficent, We assign unto him a devil who becometh his comrade;
36 - If anyone withdraws himself from remembrance of (God) Most Gracious, we appoint for him an evil one, to be an intimate companion to him.