[الزخرف : 20] وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
20 - (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) أي الملائكة فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها قال تعالى (ما لهم بذلك) المقول من الرضا بعبادتها (من علم إن) ما (هم إلا يخرصون) يكذبون فيه فيترتب عليهم العقاب به
يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء المشركون من قريش : لو شاء الرحمن ما عبدنا أوثاننا التي نعبدها من دونه ، وإنما لم يحل بنا عقوبة على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتناها .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " لو شاء الرحمن ما عبدناهم " للأوثان . يقول الله عز وجل : " ما لهم بذلك من علم " يقول : ما لهم بحقيقة ما يقولون من ذلك من علم ، وإنما يقولونه تخرصاً وتكذباً ، لأنهم لا خبر عندهم مني بذلك ولا برهان . وإنما يقولونه ظناً وحسباناً " إن هم إلا يخرصون " يقول : ما هم إلا متخرصون هذا القول الذي قالوه ، وذلك قولهم " لو شاء الرحمن ما عبدناهم " .
وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " إن هم إلا يخرصون " ما يعلمون قدرة الله على ذلك .
قوله تعالى : " وقالوا لو شاء الرحمن " يعني قال المشركون على طريق الاستهزاء والسخرية : لو شاء الرحمن على زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة ، وهذا منهم كلمة حق أريد بها باطل ، وكل شيء بإرادة الله ، وإرداته تجب وكذا علمه فلا يمكن الاحتجاج بها ، وخلاف المعلوم والمراد مقدور وإن لم يقع ، ولو عبدوا الله بدل الأصنام لعلمنا أن الله أراد منهم ما حصل منهم ، وقد مضى هذا المعنى في الأنعام عند قوله : " سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا " [ الأنعام : 148 ] ، وفي (( يس )) : " أنطعم من لو يشاء الله أطعمه " [ يس : 47 ] ، وقوله : " ما لهم بذلك من علم " مردود إلى قوله : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا" أي ما لهم بقولهم : الملائكة بنات الله ، من علم ، قاله قتادة و مقاتل و الكلبي ، وقال مجاهد و ابن جريج : يعني الأوثان ، أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم ، (( من )) صلة ، " إن هم إلا يخرصون " أي يحدسون ، ويكذبون ، فلا عذر لهم في عبادة غير الله عز وجل ، وكان في ضمن كلامهم أن الله أمرنا بهذا أو رضي ذلك منا ولهذا لم ينهنا ولم يعاجلنا بالعقوبة .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى, كما ذكر الله عز وجل عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالى: "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون" وكذلك جعلوا له في قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات, كما قال تعالى: "ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى" وقال جل وعلا ههنا: "وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين" ثم قال جل وعلا: " أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار, فقال جلت عظمته "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة, وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به, ويتوارى من القوم من خجله من ذلك, يقول تبارك وتعالى: فكيف تأنفون من ذلك وتنسبونه إلى الله عز وجل, ثم قال سبحانه وتعالى: " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة وإذا خاصمت فلا عبارة لها, بل هي عاجزة عيية أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم, فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى, فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفــــــراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة, كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: ما هي بنعم الولد نصرها بكاء, وبرها سرقة, وقوله تبارك وتعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" أي اعتقدوا فيهم ذلك, فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال: "أشهدوا خلقهم" أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثاً "ستكتب شهادتهم" أي بذلك "ويسألون" عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم" أي لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله, فإنه عالم بذلك وهو يقرنا عليه, فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
(أحدها) جعلهم لله تعالى ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً.
(الثاني) دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
(الثالث) عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل, بل بمجرد الاراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والاباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.
(الرابع) احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً, وقد جهلوا في هذا الإحتجاج جهلاً كبيراً, فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له, وينهى عن عبادة ما سواه قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" وقال عز وجل: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال جل وعلا في هذه الاية بعد أن ذكر حجتهم هذه: "ما لهم بذلك من علم" أي بصحة ما قالوه واحتجوا به "إن هم إلا يخرصون" أي يكذبون ويتقولون. وقال مجاهد في قوله تعالى:"ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" يعني ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك.
20- "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم" هذا فن آخر من فنون كفرهم بالله جاءوا به للاستهزاء والسخرية، ومعناه: لو شاء الرحمن في زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة، وهذا كلام حق يراد به باطل، وقد مضى بيانه في الأنعام، فبين سبحانه جهلهم بقوله: "ما لهم بذلك من علم" أي ما لهم بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم من علم، بل تكلموا بذلك جهلاً، وأرادوا بما صورته صورة الحق باطلاً، وزعموا أنه إذا شاء فقد رضي. ثم بين انتفاء علمهم بقوله: "إن هم إلا يخرصون" أي ما هم إلا يكذبون فيما قالوا ويتملحون تمحلاً باطلاً. وقيل الإشارة بقوله: "ذلك" إلى قوله: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً". قاله قتادة ومقاتل والكلبي، وقال مجاهد وابن جريج: أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن أول ما خلق الله من شيء القلم وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة والكتاب عنده، ثم قرأ "وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم". وأخرج ابن مردويه نحوه. عن أنس مرفوعاً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "أفنضرب عنكم الذكر صفحاً" قال: أحببتم أن يصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به. وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ركب راحلته ثم كبر ثلاثاً ثم قال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون "". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وما كنا له مقرنين" قال: مطيقين. وأخرج عبد بن حميد عنه " أو من ينشأ في الحلية " قال: هو النساء فرق بين زيهن وزي الرجال ونقصهن من الميراث وبالشهادة وأمرهن بالقعدة وسماهن الخوالف. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال: كنت أقرأ هذا الحرف " الذين هم عباد الرحمن إناثا " فسألت ابن عباس فقال: عباد الرحمن؟ قلت: فإنها في مصحفي عند الرحمن قال: فامحها واكتبها عباد الرحمن.
20. " وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم "، يعني الملائكة، قاله قتادة و مقاتل و الكلبي ، قال مجاهد : يعني الأوثان، وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منا بعبادتها. قال الله تعالى: " ما لهم بذلك من علم "، فيما يقولون " إن هم إلا يخرصون " ما هم إلا كاذبون في قولهم: إن الله تعالى رضي منا بعادتها، وقيل: إن هم إلا يخرصون، في قولهم: إن الملائكة إناث وإنههم بنات الله.
20-" وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم " أي لو شاء عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم فاستدلوا بنفي مشيئته عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها ،وذلك باطل لأن المشيئة ترجح بعض الممكنات على بعض مأموراً كان أو منهياً حسناً كان أو غيره ، ولذلك جهلهم فقال : " ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون " يتمحلون تمحلاً باطلاً ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى أصل الدعوى كأنه لما أبدى وجوه فسادها وحكى شبهتهم المزيفة نفى أن يكون لهم بها علم من طريق العقل ، ثم أضرب عنه إلى إنكار أن يكون لهم سند من جهة النقل فقال :
20. And they say: If the Beneficent One had (so) willed, we should not have worshipped them. They have no knowledge whatsoever of that. They do but guess.
20 - (Ah!) they say, If it had been the Will of (God) Most Gracious, we should not have worshipped such (deities)! Of that they have no knowledge! They do nothing but lie!