[الزخرف : 19] وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
19 - (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا) أحضروا (خلقهم ستكتب شهادتهم) بأنهم إناث (ويسألون) عنها في الآخرة فيرتب عيها العقاب
ك أخرج ابن المنذر عن قتادة قال قال ناس من المنافقين إن الله صاهر الجن فخرجت من بينهم الملائكة فنزل فيهم وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا
يقول تعالى ذكره : وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة < الذين هم عند الرحمن > بالنون ، فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله جل ثناؤه : " إن الذين عند ربك لا يستكبرون " [ الأعراف : 206 ] فتأويل الكلام على هذه القراءة : وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثاً ، فقالوا : هم بنات الله جهلاً منهم بحق الله ، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً " بمعنى : جمع عبد . فمعنى الكلام على قراءة هؤلاء : وجعلوا ملائكة الله الذين هم خلقه وعباده بنات الله ، فأنثوهم بوصفهم إياهم بأنهم إناث .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الأمصار صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن الملائكة عباد الله وعنده .
واختلفوا أيضاً في قراءة قوله : " أشهدوا خلقهم " فقرأ ذلك بعض قراء المدينة < أشهدوا خلقهم > بضم الألف ، على وجه ما لم يسم فاعله ، بمعنى : أأشهد الله هؤلاء المشركين الجاعلين ملائكة الله إناثاً ، خلق ملائكته الذين هم عنده ، فعلموا ما هم ، وأنهم إناث ، فوصفوهم بذلك ، لعلمهم بهم ، وبرؤيتهم إياهم ؟ ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله . وقرىء بفتح الألف ، بمعنى : أشهدوا هم ذلك فعلموه ؟
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب .
وقوله : " ستكتب شهادتهم " يقول تعالى ذكره : ستكتب شهادة هؤلاء القائلين : الملائكة بنات الله في الدنيا ، بما شهدوا به عليهم ، ويسئلون عن شهادتهم تلك في الآخرة أن يأتوا ببرهان على حقيقتها ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلاً .
" وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " قرأ الكوفيون (( عباد )) بالجمع ، واختاره أبو عبيد ، لأن الإسناد فيها أعلى ، ولأن الله تعالى إنما كذبهم في قولهم إنهم بنات الله ، فأخبرهم أنهم عبيد وأنهم ليسوا ببناته وعن ابن عباس أنه قرأ (( عباد الرحمن )) فقال سعيد بن جبير : إن في مصحفي (( عبد الرحمن )) فقال : امحها واكتبها (( عباد الرحمن )) وتصديق هذه القراءة قوله تعالى : " بل عباد مكرمون " [ الأنبياء : 26 ] ، وقوله تعالى : " أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء " [ الكهف : 102 ] ، وقوله تعالى : " إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم " [ الأعراف : 194 ] ، وقرأ الباقون (( عند الرحمن )) بنون ساكنة واختاره أبو حاتم : وتصديق هذه القراءة قوله تعالى : " إن الذين عند ربك " [ الأعراف : 206 ] ، وقوله : " وله من في السماوات والأرض ومن عنده " [ الأنبياء : 19 ] ، والمقصود إيضاح كذبهم وبيان جهلهم في نسبة الأولاد إلى الله سبحانه ، ثم في تحكمهم بأن الملائكة إناث وهم بنات الله ، وذكر العباد مدح لهم ، أي كيف عبدوا من هو في نهاية العبادة ، ثم كيف حكموا بأنهم إناث من غير دليل ، والجعل هنا بمعنى القول والحكم ، تقول : جعلت زيداً أعلم الناس ، أي حكمت له بذلك " أشهدوا خلقهم " أي أحضروا حالة خلقهم حتى حكموا بأنهم إناث وقيل : : " إن النبي صلىالله عليه وسلم قال : فما يدريكم أنهم إناث ؟ فقالوا : سمعنا بذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا في أنهم إناث " ، فقال الله تعالى : " ستكتب شهادتهم ويسألون " أي يسألون عنها في الآخرة ، وقرأ نافع (( أوشهدوا )) بهمزة استفهام داخلة على همزة مضمومة مسهلة ، ولا يمد سوى ما روى المسيبي عنه أنه يمد ، وروى المفضل عن عاصم مثل ذلك وتحقق الهمزتين ، والباقون (( أشهدوا )) بهمزة واحدة للاستفهام وروي عن الزهري (( أشهدوا خلقهم )) على الخبر ، (( ستكتب )) قراءة العامة بضم التاء على الفعل المجهول (( شهادتهم )) رفعاً ، وقرأ السلمي و ابن السميقع و هبيرة عن حفص (( سنكتب بنون ، (( شهادتهم )) نصباً بتسمية الفاعل ، وعن أبي رجاء (( ستكتب شهاداتهم )) بالجمع .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى, كما ذكر الله عز وجل عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالى: "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون" وكذلك جعلوا له في قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات, كما قال تعالى: "ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى" وقال جل وعلا ههنا: "وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين" ثم قال جل وعلا: " أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار, فقال جلت عظمته "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة, وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به, ويتوارى من القوم من خجله من ذلك, يقول تبارك وتعالى: فكيف تأنفون من ذلك وتنسبونه إلى الله عز وجل, ثم قال سبحانه وتعالى: " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة وإذا خاصمت فلا عبارة لها, بل هي عاجزة عيية أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم, فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى, فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفــــــراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة, كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: ما هي بنعم الولد نصرها بكاء, وبرها سرقة, وقوله تبارك وتعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" أي اعتقدوا فيهم ذلك, فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال: "أشهدوا خلقهم" أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثاً "ستكتب شهادتهم" أي بذلك "ويسألون" عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم" أي لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله, فإنه عالم بذلك وهو يقرنا عليه, فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
(أحدها) جعلهم لله تعالى ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً.
(الثاني) دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
(الثالث) عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل, بل بمجرد الاراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والاباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.
(الرابع) احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً, وقد جهلوا في هذا الإحتجاج جهلاً كبيراً, فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له, وينهى عن عبادة ما سواه قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" وقال عز وجل: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال جل وعلا في هذه الاية بعد أن ذكر حجتهم هذه: "ما لهم بذلك من علم" أي بصحة ما قالوه واحتجوا به "إن هم إلا يخرصون" أي يكذبون ويتقولون. وقال مجاهد في قوله تعالى:"ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" يعني ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك.
19- " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا " الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول: جعلت زيداً أفضل الناس: أي قلت بذلك وحكمت له به. قرأ الكوفيون "عباد" بالجمع، وبها قرأ ابن عباس. وقرأ الباقون "عند الرحمن" بنون ساكنة، واختار القراءة الأولى أبو عبيد، لأن الإسناد فيها أعلى، ولأن الله إنما كذبهم في قوله: إنهم بنات الله فأخبرهم أنهم عباده، ويؤيد هذا القراءة قوله: "بل عباد مكرمون" واختار أبو حاتم القراءة الثانية، قال: وتصديق هذه القراءة قوله: "إن الذين عند ربك". ثم وبخهم وقرعهم فقال: "أشهدوا خلقهم" أي أحضروا خلق الله إياهم فهو من الشهادة التي هي الحضور، وفي هذا تهكم بهم وتجهيل لهم. قرأ الجمهور "أشهدوا" على الاستفهام بدون واو. وقرأ نافع " أشهدوا ". وقرأ الجمهور "ستكتب شهادتهم" بضم التاء الفوقية وبناء الفعل للمفعول ورفع شهادتهم، وقرأ السلمي وابن السميفع وهبيرة عن حفص بالنون وبناء الفعل للفاعل ونصب شهادتهم، وقرأ أبو رجاء شهاداتهم بالجمع، والمعنى: سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم لنجازيهم على ذلك "ويسألون" عنها يوم القيامة.
19. " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً "، قرأ أهل الكوفة، وأبو عمرو: ((عباد الرحمن)) بالباء والألف بعدها ورفع الدال كقوله تعالى: " بل عباد مكرمون " (الأنبياء-26)، وقرأ الآخرون: ((عند الرحمن)) بالنون ونصب الدال على الظرف، وتصديقه قوله عز وجل: " إن الذين عند ربك " (الأعراف-206) الآية، " أشهدوا خلقهم "، قرأ أهل المدينة على ما لم يسم فاعله، ولين الهمزة الثانية بعد همزة الاستفهام، أي: أحضروا خلقهم، وقرأ الآخرون بفتح الشين أي أحضروا خلقهم حين خلقوا، وهذا كقوله: " أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون " (الصافات-150)، " ستكتب شهادتهم "، على الملائكة أنهم بنات الله، " ويسألون "، عنها.
قال الكلبي و مقاتل : لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما يدريكم أنهم إ ناث؟ " قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله تعالى: " ستكتب شهادتهم ويسألون "، عنها في الآخرة.
19-" وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً " كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم ، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأياً وأخسهم صنفاً . وقرئ عبيد و الحجازيان و ابن عامر و يعقوب عند على تمثيل زلفاهم .وقرئ أنثاً وهو جمع الجمع . " أشهدوا خلقهم " أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثاً ، فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم به . وقرأ نافع أشهدوا بهمزة الاستفهام وهمزة مضمومة بين بين ، و آأشهدوا بمدة بينهما . " ستكتب شهادتهم " التي شهدوا بها على الملائكة . " ويسألون " أي عنها يوم القيامة ، وهو وعيد شديد . و قرئ سيكتب و سنكتب بالياء والنون . و شهاداتهم وهي أن الله جزء أو أن له بنات وهن الملائكة ويساءلون من المساءلة .
19. And they make the angels, who are the slaves of the Beneficent, females. Did they witness their creation? Their testimony will be recorded and they will be questioned.
19 - And they make into females angels who themselves serve God. Did they witness their creation? Their evidence will be recorded, and they will be called to account!